تعديل قانون غسل الأموال بالمغرب.. يضيق الخناق على الفساد أم الاقتصاد؟

12

طباعة

مشاركة

في تقرير صدر عن لجنة بازل السويسرية المتخصصة في مجال مكافحة غسيل الأموال في سنة 2017، احتل المغرب مرتبة متأخرة عالميا ضمن 146 دولة حول العالم، وكشف التقرير أن المغرب حصل على 6.38 نقطة من أصل 10 نقاط.

في 1 ديسمبر/كانون الأول 2020، ناقش البرلمان المغربي تعديل قانون مكافحة غسل الأموال، وسط خلاف بين ممثلي الأحزاب داخل لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان).

اهتمام المنظومة التشريعية المغربية بهذا القانون، أظهرها تصريح وزير العدل محمد بن عبد القادر، في نوفمبر/تشرين الثاني 2020، حينما قال: "سياسة مكافحة جريمتي غسل الأموال وتمويل الإرهاب تعدان من أعقد وأخطر الجرائم".

الوزير شدد على أنها "تحتاج إلى نهج خاص تمتزج فيه الأدوات القانونية والمؤسساتية وتتكامل في المقاربات الزجرية مع المقاربات الوقائية، وتتناسق فيه تدابير كافة الجهات المتدخلة".

لكن في الوقت الذي يشدد فيه الوزير على تظافر الجهود والالتزام باليقظة والتصريح بالاشتباه والمراقبة الداخلية وفق ما تنص عليه مقتضيات القانون، يذهب عدد من النواب إلى الاعتراض على التعديلات المقترحة من طرف وزير العدل على القانون، ووصلت بعض الأصوات إلى حد اعتباره ضربا للاقتصاد المغربي، بسبب بعض بنوده المتعلقة بعمليات البيع والشراء.

إلزام دولي

مشروع القانون الذي دخل حيز التنفيذ للمرة الأولى في 2007، يمكن السلطات الحكومية من تعقب الأموال غير المشروعة وضبطها، تمهيدا لمصادرتها في النهاية، وملاءمة المنظومة التشريعية الوطنية مع المعايير الدولية المعتمدة في هذا الباب من طرف مجموعة العمل المالي.

وأضاف المشروع عقوبات تأديبية إلى العقوبات التي تصدرها سلطات الإشراف والمراقبة في حق الأشخاص الخاضعين، كالتوقيف المؤقت أو المنع أو الحد من القيام ببعض الأنشطة أو تقديم بعض الخدمات.

ويهدف النص إلى تجاوز أوجه القصور التي تضمنها نص القانون الحالي، المستمدة أساسا من المؤاخذات التي أبان عنها التقييم المتبادل في جولتيه الأولى والثانية، وتفاديا أيضا للجزاءات التي يمكن أن تصدر عن الهيئات المذكورة، والتي من شأنها التأثير على الجهود التي تبذلها المملكة المغربية في تحصين نظامها المالي والاقتصادي.

أبرز تعديلات القانون المعروض على البرلمان تتجلى في رفع الحدين الأدنى والأقصى للغرامة المحكوم بها على الأشخاص في جريمة غسل الأموال المنصوص عليها في الفصل 3-574 من مجموعة القانون الجنائي، تماشيا مع المعايير الدولية التي تدعو إلى ردع المتورطين في جريمة "الأموال القذرة".

حزب العدالة والتنمية (قائد الائتلاف الحكومي) شدد على أنه منخرط دون قيد أو شرط في تطوير المنظومة القانونية الوطنية لغسيل الأموال سواء في ما يتعلق بالتعديلات الحالية أو الإجراءات التنظيمية وهذا لا يمنع من أن التنبيه إلى أن المشرع في حاجة إلى دراسة المنظومة الاقتصادية المغربية ومدى قدرتها على أن تكون مفتوحة على كل هذه الإجراءات المتخذة.

آمنة ماء العينين، عضو لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالبرلمان، رأت أن المغرب ملزم بالخضوع لتوجيهات مجموعة العمل الدولية "غافي"، (الهيئة الدولية لمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب)، حتى نتخطى النزول من المنطقة الرمادية إلى المنطقة السوداء في مجال غسيل الأموال.

مثير للجدل

وطالب حزب "التقدم والاشتراكية" (معارض)، بإجراء مراجعة "شاملة وكاملة" للمنظومة الجنائية بالبلاد، منتقدا "تجزيء" تعديل هذه المنظومة عن طريق إجراء تعديلات منفصلة في كل مرة، في محاولة للاستجابة للالتزامات الدولية.

وقالت البرلمانية عن الحزب، فاطمة الزهراء برصات: "هناك العديد من المقتضيات المحافظة والرجعية في القانون الجنائي، تحتاج إلى التعديل والمراجعة".

واعتبرت أن "التجزيء لا يخدم المنظومة التشريعية الوطنية". وتحدثت برصات في اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان، لمتابعة دراسة مشروع قانون رقم 12.18 بتغيير وتتميم مجموعة القانون الجنائي والقانون رقم 43.05 المتعلق بمكافحة غسل الأموال.

ونقلت صحف محلية، عن النائبة قولها: "قانون مكافحة غسل الأموال، يكتسي أهمية كبيرة جدا"، معتبرة أن التعديلات التي أدخلت عليها "مهمة وجوهرية وحساسة جدا". 

ودعت برصات إلى ضرورة دراسة الأثر الاجتماعي والاقتصادي لهذا القانون، قبل إجراء التعديلات عليه، وطالبت بالحرص على ضمان استقرار الاقتصاد الوطني".

لكن توفيق ميموني، عضو فريق حزب "الأصالة والمعاصرة" (أكبر أحزاب المعارضة) بمجلس النواب، ورئيس لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بالمجلس، كان له رأي مخالف.

ميموني ذهب إلى حد وصف مشروع قانون غسل الأموال بـ"أخطر قانون مر على البرلمان في الفترة النيابية الحالية"، مبرزا أن "مشروع القانون جرم، في فصله 574-2، جميع ممارسات المغاربة".

وأكد الميموني، في مداخلة له، خلال اجتماع لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب، أن مشروع قانون غسل الأموال جرم جميع أفعال البيع وجميع الخدمات جملة وتفصيلا، وهي الممارسات التي لم يجرمها القانون الجنائي.

مضيفا: "الفصل 574-2 أضاف جرائم جديدة إلى الجرائم المتعارف عليها في القانون الجنائي مثل الاتجار في البشر والاتجار في المخدرات والرشوة، والمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، ونشر معلومات كاذبة أو مضللة حول الأدوات المالية وآفاق تطورها".

وأضاف البرلماني: "الخطير في الأمر هو تجريم البيع أو تقديم خدمات بشكل هرمي أو بأي طريقة أخرى مماثلة"، مشددا على أن جريمة غسل الأموال لا تعرف فراغا تشريعيا في المغرب منذ سن قانون 43.05، وما عرفه من تعديلات عامي 2011 و2013، وإحصائيات النيابة العامة دليل على ذلك". 

وحذر ميموني من تأثير القانون المتعلق بمكافحة غسل الأموال على الاقتصاد الوطني، كما من شأنه أن يخلق خوفا لدى المغاربة من كل المعاملات المالية.

وذهب الميموني إلى حد الحديث عن زراعة القنب الهندي، قائلا: "50 ألف هكتار تزرع بالقنب الهندي، تعيش منه 90 ألف أسرة، أي 700 ألف شخص مورد رزقه من هذه الزراعة، وبمقتضى هذا القانون أصبحوا كلهم محط اشتباه وتحقيق بغسيل الأموال".

ويدافع حزب "الأصالة والمعاصرة" عن تقنين الاستخدام الطبي والصناعي للقنب الهندي الذي يعتبر المغرب من أكبر منتجيه ومصدريه.

القنب الهندي

تقرير أممي  صادر عن مكتب مكافحة المخدرات والجريمة التابع للأمم المتحدة، صنف المغرب على رأس البلدان المنتجة للقنب الهندي على الصعيد العالمي، مشيرا إلى كونه أيضا من بين أكثر البلدان المصدرة لتلك النبتة تحديدا نحو أوروبا.

واستنادا إلى التقرير، ذاته فإن محجوزات القنب الهندي عرفت ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، وتحديدا خلال الفترة ما بين 2010 و2015، وبناء عليه يبقى المغرب من بين أهم الدول المبلغ عنها من طرف الدول الأعضاء كمصدر للقنب الهندي متبوعا بأفغانستان وبدرجة أقل لبنان والهند وباكستان.

وفق التقرير، فإن زراعة القنب الهندي والمتاجرة فيه بطريقة غير مشروعة تضع المغرب أمام حتمية غسيل الأموال، فمن غير المعقول أن تتم المتاجرة في هذه النبتة بشكل كبير دون أية مقاربة أمنية تضع حدا لها رغم وجود نصوص قانونية تجرم هذا النوع من المتاجرة.

أحزاب سياسية تقدمت بمشروع قانون يرمي إلى تقنين زراعة القنب الهندي ووضعه في إطار قانوني يخول للمستفيدين منه التعامل معه بشكل قانوني وآمن، إلا أن هذا المشروع لم يلق موافقة من طرف ممثلي الأمة في قبة البرلمان، وقد يرجع ذلك إلى وجود لوبيات قوية تستفيد من هذا الفراغ التشريعي بهذا الشأن، حسب التقرير.

جرائم تتزايد

في نوفمبر/تشرين الثاني 2019، صادقت الحكومة المغربية، على مشروع قانون جديد لمكافحة غسل الأموال، قبل إحالته إلى لجنة التشريع لمناقشته والمصادقة عليه من الغرفتين وإدخاله حيز التنفيذ بقرار من البرلمان.

آنذاك، صرحت الحكومة أن القانون سيمكن البلاد من مكافحة مختلف الجرائم الأصلية التي تتحصل منها تلك الأموال. وقال رئيس الحكومة سعد الدين العثماني: إن مكافحة الفساد "جزء أصيل من الأدوات التي يمكن أن تحمي أمن المجتمعات وأمن الدول".

وأضاف: أن قانون مكافحة غسل الأموال يشكل "إضافة نوعية من أجل القضاء على هذه الجريمة، التي تعمل على إخفاء العائدات المتحصلة من جرائم أخرى، سواء أكانت جرائم فساد، أو غيرها من الجرائم المنصوص عليها في القانون".

وأوضح العثماني، أن هذا القانون من شأنه إغلاق "منافذ الفساد على جميع المستويات". وأشار إلى الخطوات التي اتخذتها بلاده في هذا المجال، مذكرا بالإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتنصيب (تشكيل) الهيئة الوطنية للنزاهة ومكافحة الرشوة ومحاربتها، وهي دستورية يعين الملك محمد السادس رئيسها.

وفي 28 يوليو/تموز 2019، كشف العثماني، أن الفساد يلتهم بين 5 إلى 7 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وبلغ إجمالي الناتج المحلي 982.2 مليار درهم (97.4 مليار دولار) عام 2015، مقارنة بـ 923.6 مليار درهم (91.6 مليار دولار) عام 2014.

وفي يوليو 2019، أعلنت الحكومة مراجعة توقعاتها لنسبة نمو اقتصاد المملكة في 2018، لترتفع من 3.2 بالمئة إلى 3.6 بالمئة.

وفي سبتمبر/ أيلول 2020، أعلن وزير العدل محمد بن عبد القادر، أن عدد القضايا، التي لها صلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب والمعروضة أمام القضاء، بدأ يزداد، حيث تم تسجيل ما مجموعه 390 قضية عامي 2019 و2020.

وأوضح الوزير خلال لقاء نظمته وزارة العدل وهيئة المحامين بالدار البيضاء حول موضوع "دور المحامي في منظومة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب"، أن هذه القضايا، موزعة بين 229 قضية في 2019، و161 سنة 2020، منها ما هو في طور البحث الجنائي، ومنها ما هو في طور التحقيق الأولي أو المحاكمة.

وذكّر الوزير أيضا بإحداث وحدة لمعالجة المعلومات المالية سنة 2009 بصفتها المنسقة الوطنية في مجال غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتخصيص محاكم الرباط حسب الحالة بالاختصاص الوطني في ملاحقة ومحاكمة المتورطين، وكذا تقوية أجهزة البحث والتحري بإحداث فرق جهوية متخصصة للشرطة القضائية بكل من مدن الرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس.

شرط التحصين

الخبير الاقتصادي المهدي فقير، رأى أن تصريحات النواب الذين حذروا من القانون، كانت سياسية لا اقتصادية، معتبرا أن النصوص التي جرى الاعتراض عليها هي تخضع لسيادة القانون، وهذا الأخير ينبغي تحصينه وتوفير ضمانات لعدم سوء استغلاله. 

يعتقد فقير، بحسب حديثه مع "الاستقلال" أن "اللبس قد يكون في صياغة القانون، وأيضا في ترجمته لإجراءات، إذ إن غسل الأموال مجرم جنائيا، لكن هل تحتاج نصوص تجريمه إلى تحصين حتى لا يساء استخدامها، هذه نقطة خلاف البرلمانيين"، حسب تقدير المتحدث.

يعتبر فقير أن "أسباب الاعتراض غير واضحة"، قبل أن يزيد: "كان من الأجدر الحديث عن التدرج إذ قد يخلق هذا التطبيق الفوري والآني للقانون بعض الأزمات". 

الخبير الاقتصادي دعا الأحزاب المعترضة إلى توضيح مواقفها أكثر، مع طرح البدائل، أما وصف التعديلات بـ"الخطيرة" فهو وصف مبالغ فيه، مشددا على ضرورة وجود تحصين لتطبيق القوانين. 

وختم المهدي فقير تصريحه بالقول: "ضعف هذه القوانين يسائل المغرب أمام المجتمع الدولي بسبب مصادقته على مواثيق دولية تلزمه بمكافحة هذا النوع من الجرائم، كما أن أي خلل قد يفتح الباب على مصراعية أمام مرتكبيها".