بايدن والإمارات والاقتصاد.. دوافع جديدة للتقارب التركي السعودي

12

طباعة

مشاركة

فوز جو بايدن بالانتخابات الرئاسية الأميركية والوضع الاقتصادي و"هشاشة" التحالف-الإماراتي السعودي، 3 نقاط في المعادلة السياسية الجديدة، دفعت للتقارب التركي السعودي من أجل تجاوز "الخلافات القائمة".

وأكدت إذاعة "صوت أميركا" أن "العلاقات السعودية التركية شهدت تحسنا ملحوظا خلال الأسابيع الماضية، مدفوعة بالتطورات الإقليمية والعالمية، خاصة بعد فوز جو بايدن برئاسة الولايات المتحدة".

وأشارت الإذاعة إلى أن "علاقات تركيا مع السعودية آخذة في التحسن بعد سنوات من التنافس الإقليمي، حيث تعهد قادة البلدين مؤخرا بتحسين العلاقات الثنائية".

فيما يرى محللون أن العوامل التي دفعت نحو تحسن العلاقات "يمكن أن تكون أسبابا اقتصادية بالإضافة إلى فوز بايدن بالرئاسيات في 3 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي".

تصريحات دافئة

وتأتي هذة التحليلات، إثر بيان للرئاسة التركية عقب محادثة هاتفية بين الرئيس رجب طيب أردوغان والعاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، اتفقا فيه على "إبقاء قنوات الحوار مفتوحة لتحسين العلاقات الثنائية وتجاوز المشكلات القائمة".

وأعقبت محادثة الزعيمين، تصريحات دافئة مماثلة من وزيري الخارجية التركي والسعودي اللذين التقيا في النيجر على هامش اجتماع لمنظمة التعاون الإسلامي.

وكتب جاويش أوغلو على "تويتر" أن "الشراكة القوية بين تركيا والسعودية ستكون مفيدة ليس فقط لبلدينا ولكن للمنطقة بأسرها".

كما يأتي تحسن العلاقات بين أنقرة والرياض بعد فترة من التوتر بين البلدين، حيث "كان أردوغان وولي العهد السعودي محمد بن سلمان خصمين لدودين، وكثيرا ما كانا يتبادلان الانتقادات الغاضبة أثناء السعي وراء الهيمنة الإقليمية"، بحسب  إذاعة "صوت أميركا".

وفي السياق، أكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة الشرق الأوسط التقنية بأنقرة، حسين باجي، أن "السعودية وابن سلمان على وجه الخصوص يحاول أن يكون زعيم العالم العربي". 

وأضاف: أن "السعودية حليف وثيق للولايات المتحدة، وقد منحها الرئيس الأميركي دونالد ترامب حرية التصرف دون شروط.. كما كانت تركيا تحاول أن تكون زعيمة العرب والعالم الإسلامي، وهو الأمر الذي عارضته السعودية".

ويلقي المراقبون باللوم على "التنافس الثنائي" في تفاقم الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، لكن انتصار بايدن في الانتخابات على ترامب "قد يجبر الأتراك والسعوديين على إعادة تقييم العلاقات"، وفق التقرير.

وقال محلل الطاقة الإقليمي وسفير تركيا السابق لدى قطر، ميثات ريندي: إن "أحد الدوافع وراء التقارب السعودي التركي هو وصول بايدن للبيت الأبيض".

وأضاف: أن "الرياض يجب أن تكون مستعدة لمعاملة مختلفة من قبل إدارة بايدن.. كما أن السعوديين والأتراك أصبحوا على يقين بأن تدهور العلاقات يجب أن لا تكون مستدامة".

دافع اقتصادي

ويشير المحللون أيضا إلى عوامل اقتصادية في دفع التقارب التركي مع الرياض، حيث أفاد باجي بأن "تركيا تعيش ظروفا اقتصادية سيئة في الوقت الحالي، وقد كانت السعودية على الدوام بمثابة شريان الحياة بالنسبة للاقتصاد التركي"، وفق قوله.

وقال باجي: إن "السعوديين كانوا يستثمرون ويجلبون الأموال إلى تركيا، لذلك ربما تكون هذه محاولة أيضا من قبل تركيا لتجديد العلاقات وتقديم بعض التنازلات".

فيما أشار تقرير إذاعة "صوت أميركا" إلى أنه "رغم فرض الرياض حظرا تجاريا غير رسمي على البضائع التركية، حيث أكدت جمعية المصدرين الأتراك أن الصادرات إلى السعودية تراجعت 16٪ حتى أكتوبر/تشرين الأول 2020 إلى 2.23 مليار دولار، لكن "يبدو أن أنقرة متفائلة بحدوث اختراق".

من جانبها، نقلت صحيفة "ديلي صباح" التركية عن وزيرة التجارة روهصار بكجان قولها: "نتوقع خطوات ملموسة لحل المشاكل في علاقاتنا التجارية والاقتصادية.. أخبرنا نظراءنا (السعوديين) أنه ليس هناك قرار رسمي بوجود بعض الإجراءات الاستثنائية".

وفي لفتة محتملة للرياض، يشير المحللون إلى أن أنقرة "تخفف من حدة خطابها بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي".

وكانت قضية مقتل خاشقجي داخل قنصلية بلاده في إسطنبول عام 2018،  "قد دفعت أردوغان للقيام بدور قيادي في الإدانة الدولية للرياض بسبب جريمة القتل التي نُسبت على نطاق واسع إلى شخصيات بارزة في النظام السعودي"، وفق "صوت أميركا".

وتحاكم محكمة في إسطنبول، مسؤولين سعوديين غيابيا في قضية مقتل خاشقجي، وتواصل أنقرة تسليط الضوء على القضية.

فيما لم تلق جلسة الأسبوع الماضي من المحاكمة أي تعليق من أردوغان أو أي من كبار مسؤولي حزبه، وتم تأجيل القضية حتى مارس/آذار 2021.

وفي تعليق له، قال الأستاذ في جامعة أكسفورد البريطانية، إمري كاليسكان: "لقد توقفت تركيا عن جعل هذا الأمر قضية دولية".

وأضاف: "يبدو أن أردوغان خفف نبرته بشأن قضية خاشقجي، وسيكون هذا أيضا مؤشرا على رغبته في إقامة علاقة أفضل مع الرياض".

ومع ذلك، لا يزال دعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين "يشكل حجر عثرة أمام عملية إعادة ضبط العلاقات التركية السعودية"، بحسب الإذاعة الأميركية.

وفي ذات السياق، أوضح الدبلوماسي التركي السابق ريندي، أن "أنقرة دعمت الربيع العربي، والسعودية لم تكن سعيدة بذلك، كما أن دعم جماعة الإخوان، على وجه الخصوص تعتبره الرياض والقاهرة وممالك الخليج الأخرى تهديدا لحكامهم".

وتصنف الرياض جماعة الإخوان المسلمين على أنها "منظمة إرهابية"، فيما ترفض أنقرة هذا التصنيف بشدة.

وقال كاليسكان: "لا أعتقد أن أردوغان سيكسر موقفه مع الإخوان المسلمين على الأقل في المستقبل القريب، لأن هذا الدعم له تأثير مباشر على سياسة تركيا في ليبيا وسوريا وقطر".

توترات مع الإمارات

من جهته، نشر مركز "دراسات الشرق الأوسط" التركي (أورسام) مقالا للكاتب مصطفى يتيم قال فيه: إن "تصريح وزير الخارجية السعودي الأخير حول تركيا، كان سببا في ظهور آراء وتفسيرات مختلفة بشأن علاقات التحالف التي تشكلت في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة".

وأضاف: أن "السعودية تعد واحدة من الجهات الفاعلة الرئيسية في منطقة الخليج، وبالتالي فإن السياسات الإقليمية التي تتبناها قادرة على التأثير على علاقات التحالف القائمة بالفعل".

وتابع: "لذلك، يمكن القول إن العامل الرئيسي خلف تغيير موقف السعودية التي تعمل مع الإمارات في القضايا الإقليمية غالبا وتدعمها في الحد من الأنشطة الإقليمية لتركيا وتشويه صورتها، هو التوترات التي يمكن أن نعتبرها -تحت السيطرة حاليا- والتي شهدها تحالفها مع الإمارات منذ فترة بالإضافة إلى فوز بايدن".

ويرى يتيم أنه بسبب الاختلاف في التحالف السعودي ـ الإماراتي الحالي "هناك احتمالات بحدوث بعض التغييرات في طبيعة العلاقات مع تركيا".

وأوضح أن "الإمارات تسعى إلى اتخاذ موقف مناهض لتركيا في الأحداث الإقليمية، لا سيما في ليبيا والأزمة في شرق المتوسط​، وقضية لبنان، وأخيرا في قضية إقليم قره باغ الأذري، كما يتضح ذلك أيضا من تكثيف علاقاتها مع إسرائيل".

واعتبر أن "هذه العملية المناهضة والتي تطورت في السياسة الإقليمية للإمارات تكاد تكون تلقائية، فقد أصبح تقييد وتجميد حركة تركيا قضية رئيسية في سياسة الإمارات الإقليمية".

وعلى الرغم من أن السعودية لا تعمل مع تركيا وتدعم الإمارات "إلا أنه يمكن القول إن الرياض لا تتخذ موقفا مناهضا ضد أنقرة بشكل كامل وصريح"، بحسب يتيم.

وتابع موضحا: "بعبارة أخرى، تتجاوز السياسة الخارجية الإماراتية، موقف السعودية الراديكالي ضد إيران، إلى التموضع ضد تركيا، بزعم أنها تدعم الجماعات المرتبطة بالإخوان المسلمين".

وكنتيجة لذلك يمكننا أن نقول -وفق الكاتب التركي-: إن مراكز تحالف مهمة مثل التحالف السعودي الإماراتي، والتحالف الإيراني السوري والتحالف التركي القطري "تشكل التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط".

وأكد يتيم أن "هناك اختلافات مهمة داخل التحالف الإماراتي السعودي، لذلك فإن استمرار علاقاتهما رغم التوترات القائمة يشير إلى أنهما يفضلان الولاء المرن بدلا من الالتزام الكامل بعلاقات التحالف، وهذا ما يفسر جزئيا تغيير موقف الرياض تجاه تركيا".