فوز بايدن.. هل يدفع "رباعي المقاطعة" للتصالح مع تركيا وقطر؟

محمد السهيلي | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مع قرب تولي الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، الحكم، وفي ظل توجهات إدارته التي تختلف عن سلفه دونالد ترامب؛ تشير تكهنات إلى حدوث تغييرات هامة في الشرق المتوسط، قد تطال علاقات تركيا وقطر، و"المحور الرباعي".

وفي هذا الإطار، أطلقت الأذرع الإعلامية والسياسية في الإمارات والسعودية ومصر تصريحات نادرة حول تركيا وقطر؛ دفعت للتساؤل حول ما قد تؤول إليه الأمور في المرحلة المقبلة بشأن صراعات المنطقة.

رسائل إماراتية

وعلى غير العادة وفي خروج نادر على الخط المعهود، أطلق محمد دحلان القيادي الفلسطيني المفصول من حركة "فتح"، ومستشار ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد تصريحا لافتا لما اعتبر انعطافة تجاه تركيا.

وكتب دحلان، في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 أن "الانعطاف الكبير في موقف أنقرة الذي عبر عنه وزير خارجيتها، مولود تشاووش أوغلو، مؤشر واعد وبالغ الأهمية على العودة إلى السياسة الواقعية في المنطقة، وهو مقدمة نحو التخلي عن كل طروحات الاستقواء بالمتغير الدولي أو لعبة الاستقواء على دول الإقليم".

ورغم أن تغريدة دحلان، قد تكون مبهمة بشكل كبير، ولم يذكر فيها ما هو "موقف أنقرة الذي عبر عنه وزير خارجيتها"، فإنها تأتي في ظل وضعه من قبل تركيا، على النشرة الحمراء للمطلوبين لديها ورصدها جائزة بقيمة 10 ملايين ليرة تركية (1.7 مليون دولار) لمن يدلي بمعلومات تقود إلى اعتقاله.

السلطات التركية تتهم دحلان، بالمساهمة في محاولة الانقلاب التي جرت في 15 يوليو/ تموز 2016، فيما اعتقل الأمن التركي في أبريل/نيسان 2020، فلسطينيين اثنين على صلة بدحلان، بتهمة التجسس لصالح الإمارات، ومؤخرا ثارت اتهامات حول دور فاعل لدحلان، بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وفي موقف ثان إيجابي لافت؛ تبع تغريدة دحلان، تصريح لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية أنور قرقاش، يوم 10 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، قال فيه: إن بلاده "لا تتفق مع السياسة الخارجية لتركيا وإيران، لكنها لا تسعى للمواجهة مع أي من البلدين".

تصريح قرقاش، وصفته صحيفة "الخليج" بأنه "خطوة للوراء"،  كما نقلت عنه قوله بملتقى "أبوظبي الإستراتيجي" خلال نوفمبر/تشرين الثاني 2020: إن "وضع حد للخلافات الدبلوماسية سيسهل أيضا تحقيق الحل السلمي للنزاعات في المنطقة"، وفق قوله.

وشهدت علاقة أبوظبي مع أنقرة، توترا متصاعدا بداية من مواقفهما المتباينة إزاء الانقلاب العسكري الذي شهدته مصر منتصف العام 2013، وساندت فيه الإمارات قائد الجيش عبد الفتاح السيسي في المحافل الدولية وبمليارات الدولارات، فيما اعتبرته تركيا انقلابا على شرعية الرئيس المنتخب الراحل محمد مرسي.

تأزمت العلاقات بشدة إثر محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا منتصف العام 2016، حيث اتهمت أنقرة أبوظبي بالضلوع في المحاولة، فيما وصل الصراع لمرحلة أخرى إثر اتهام وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد، في ديسمبر/ كانون الأول 2017، الدولة العثمانية بنهب المدينة المنورة، ما استدعى رد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بوصف ابن زايد، بـ"الرجل السفيه".

التصعيد بلغ أشده بين الجانبين في ملفات سوريا وليبيا واليمن، ففي مايو/أيار 2018، انتقدت تركيا نشر القوات الإماراتية في سقطرى اليمنية، فيما كان تصريح وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، الذي توعد فيه بمحاسبة الإمارات "في الوقت والزمان المناسبين"، هو الأشد، حيث وصف الإمارات حينها بـ"الدولة الوظيفية التي تخدم غيرها سياسيا أو عسكريا، ويجري استخدامها واستغلالها عن بُعد".

آخر حلقات التصعيد، شهدها شهر أغسطس/ آب 2020، بإعلان تركيا إدانتها تطبيع الإمارات مع إسرائيل، وتصريح أردوغان، أن بلاده تفكر بتعليق علاقاتها الدبلوماسية مع أبوظبي.

تهدئة سعودية مصرية

وفي خضم تخفيف اللهجة الإماراتية، وجهت السعودية رسالة إيجابية لأنقرة لأول مرة منذ سنوات، عبر إعلان الملك سلمان بن عبد العزيز إرسال مساعدات عاجلة لها إثر زلزال عنيف شهدته مدينة إزمير التركية، أواخر أكتوبر/ تشرين الأول 2020.

ووضع هذا الإعلان علامات استفهام خاصة وأنه يأتي في ظل دعوات واسعة بالمملكة لمقاطعة البضائع التركية، وفي وقت تمر به علاقة الدولتين الإسلاميتين بتوتر شديد إثر تورط فريق أمني سعودي بقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي بقنصلية بلاده في إسطنبول التركية.

المساعدات التي قدمتها المملكة لمتضرري الزلزال يراها المحلل السعودي فيصل الصانع، في حديثه لوكالة "سبوتنيك"، الروسية، بأنها "غير مرتبطة بأي مواقف سياسية"، مشيرا إلى أن الرياض، "أرسلت قبل عام طائرة إغاثية لمتضرري السيول في إيران".

وحول انعكاسات تلك الخطوة وما إن كانت تمثل أي محطات تقارب بين البلدين، يرى الصانع، أن "المملكة ستظل على مواقفها من السياسة التركية ولن يتغير شيء إذا ما استمرت تركيا في تدخلاتها بالمنطقة".

على الجانب الآخر، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي بجامعة إسطنبول أحمد أويصال، لـ"سبوتنيك": إن "التوقيت محل علامات استفهام، خاصة أنه جاء بعد خسارة ترامب وفوز بايدن، مع ربط ذلك بمشروع ترامب و(صهره) كوشنر في الخليج بشأن إسرائيل وإيران وتركيا".

وفي نفس السياق، أطلق الإعلامي المقرب من جهات أمنية مصرية أحمد موسى، رسالة إيجابية غير مسبوقة قائلا عبر برنامجه بفضائية "صدى البلد" المحلية: إن الدولة المصرية ليس لديها أية عداوة مع أحد لا تركيا ولا قطر، مؤكدا أنه "مفيش (لا توجد) عداوة إطلاقا".

وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، لفت الصحفي المصري جمال علام، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى قول موسى، إنه "لا يوجد عداء بين السيسي وأمير قطر وفخامة الرئيس التركي، وأن الموضوع هو عداء إعلامي فقط".

 

الناشط اليمني محمد البيل، من جانبه أشار إلى تهنئة مستشاري محمد بن زايد، كل من محمد دحلان، والأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبدالله، بفوز جو بايدن بانتخابات الرئاسة الأميركية بعد دعمهم الكبير لترامب، وأضاف: أن السياسة ليس بها عدو دائم أو صديق دائم"، متوقعا أن يكون الإماراتيون غدا "أصدقاء مع قطر وتركيا".

رؤية تركيا

"هل تتحسن العلاقات التركية السعودية؟، تساؤل طرحه الكاتب التركي إسماعيل ياشا، عبر مقال بموقع "عربي21"، في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، أكد فيه أن خسارة ترامب وفوز بايدن يلقي بظلاله على علاقات واشنطن مع كافة العواصم، ويقلق الأنظمة التي دعمت المرشح الجمهوري وراهنت على فوزه.

وقال: إن السعودية تأتي على رأس الدول القلقة من فوز المرشح الديمقراطي لأسباب عديدة، بينها قضية اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي، وعلاقات الرياض الوثيقة بإدارة ترامب، مشيرا إلى أن "تركيا هي الأخرى كانت تتمنى فوز ترامب"، لافتا لتعهد بايدن بدعم المعارضة التركية لإسقاط أردوغان.

وتحدث ياشا، عن الأصوات المرتفعة بالشارع العربي والداعية إلى تجاوز أنقرة والرياض خلافاتهما وتحسين علاقاتهما لمواجهة سياسات بايدن "العدوانية"، موضحا أن إرسال الملك سلمان بن عبد العزيز مساعدات إنسانية لمتضرري زلزال إزمير التركية، فسره محللون بــ"إظهار حسن النية لتحسين العلاقات". 

وأكد أنه من الخطأ المبالغة في التفاؤل دون وجود مؤشرات حقيقية تشير إلى تراجع الرياض عن معاداة تركيا، لافتا إلى أن السعودية الآن لا يمكنها التحرك وحدها بعيدة عن الإمارات، معتقدا أن "تحسن العلاقات السعودية التركية مرهون بتحسن العلاقات بين أنقرة وأبوظبي".

وتوقع في نهاية مقاله أن تواصل الرياض سيرها وراء أبوظبي "حذو القذة بالقذة" لتواجه بايدن من خلال الارتماء في حماية إسرائيل، وخطوات تقدمها لكسب ود الديمقراطيين، وصفقات الأسلحة، وشراء ذمم أعضاء الكونغرس.

"الاستقلال"، توجهت إلى بعض المراقبين بالتساؤل حول ما يمكن أن تقود إليه الأيام المقبلة في علاقات مصر والإمارات والسعودية مع تركيا وقطر؟.

تغير السلوك

الكاتب والباحث الإعلامي المقيم بكندا، سيد الجعفري، قال: إن "الأنظمة السياسية الحاكمة بالدول العربية لا تستند لظهير شعبي داعم من خلال عملية ديمقراطية نزيهة، وإنما تشتري وتتحكم بمجموعة ولاءات داخلية (قضاء وشرطة وجيش وإعلام ورجال أعمال) تضمن بهم استقرار الأوضاع الداخلية".

الجعفري، أضاف بحديثه لـ"الاستقلال": أن تلك الأنظمة "تستند إلى تبعية مباشرة للدول المؤثرة دوليا، وعلى رأسها أميركا، لتضمن دعمها لمواجهة أي خلل بمنظومة الولاءات الداخلية، بهدف البقاء بالحكم والحفاظ على مصالحها".

وتابع: "لذلك لا نندهش إذا لاحظنا تغيرا بسلوك الأنظمة السياسية العربية الحاكمة بناء على تغيير بالمشهد العام للدول الكبرى"، لافتا إلى أن "العالم الآن يشهد عددا من التغيرات الإقليمية والدولية المهمة".

"التغير الكبير بالإدارة الأميركية بعد إعلان فوز بايدن، خلفا لترامب المنتهية ولايته؛ يحمل في طياته رياح التغيير للشرق الأوسط بقضايا كالحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، فضلا عن القضية الإيرانية "، وفق رصد الجعفري، لأولى المتغيرات.

وبين أنها "قضايا تمس المحور الرباعي العربي (الإمارات، والسعودية، والبحرين، ومصر)؛ لذلك تابعت أنظمة تلك الدول العملية الانتخابية بأميركا وتوابعها وهي قلقة؛ لذلك لا نندهش من تصريحات إعلامييها عن عدم العداء مع المحور المناظر، (قطر وتركيا)، وأن الخلاف ليس إلا اختلافا بوجهات النظر حول قضايا المنطقة".

ثاني المتغيرات وفق الكاتب المصري، هو "التوسع الإقليمي الكبير لتركيا، وانتصارها الواضح بالحرب الأذرية الأرمينية، حتى بات الدور التركي مؤثرا إقليميا ولا يمكن تجاوزه، خصوصا بسيطرته على خطوط إمداد الغاز المارة من أذربيجان لأوروبا".

ويرى أن "هذا الدور القوي لتركيا، الداعمة الرئيسية لقطر بأزمتها الخليجية مع المحور الرباعي، يجعل من المهم سياسيا فتح الباب معها، وعدم الدخول بصدام، خصوصا أن المحور الرباعي لم يعد مستندا لظهر قوي بالإدارة الأميركية بعد رحيل ترامب، بل على العكس سيكون هناك تفوق قطري بالسياسة الخارجية والعلاقات مع واشنطن".

ولفت الجعفري، أيضا إلى وجود "علاقات قطرية- تركية- روسية- إيرانية متميزة تتحكم بكثير من قضايا المنطقة؛ مثل: الأزمة السورية، والليبية، وهو ما يجعل المحور الرباعي في موقف لا يحسد عليه بعدما وضع رهاناته بكفة ترامب، وليس الإدارة الأميركية بصفة عامة".

وأوضح أنه "لذلك تحاول هذه الأنظمة إعادة توازن علاقاتها الدولية والإقليمية قبل أن تسلم بايدن الحكم 20 يناير/ كانون الثاني 2021، وتبدأ انتقاداته لأوضاع الشرق الأوسط وتدخلاته لتصحيحها".

ما التوقعات؟

وتوقع الباحث المصري، أن "تعقب تلك التصريحات الإعلامية تحركات دولية عبر وزارات الخارجية وأجهزة المخابرات وتحركات داخلية من مؤسسات القضاء لتحسين صورة تلك الأنظمة وتجاوز مرحلة ترامب، لتقليل الهجمة المتوقعة من بايدن". 

ويعتقد أن التحركات الداخلية قد تسفر عن "مصالحة خليجية وشيكة، وعودة مجلس التعاون الخليجي للالتحام، إفراجات عن بعض معتقلي الرأي بالإمارات والسعودية والبحرين ومصر، خصوصا النساء وحاملي الجنسيات الغربية وذويهم والناشطين الذين تربطهم علاقات جيدة بالغرب والإعلام الغربي".

ويرجح أيضا حدوث بعض "التراجعات بملفات حقوق الإنسان بتلك الدول، ومحاولة التهدئة وعدم التصعيد بهذا الملف، وبعض التعديلات بالسلوك القمعي لتلك الأنظمة ضد شعوبها ومعارضيها".

وإلى جانب ذلك، قد تجري تغيرات في المشهد اليمني، وحلول سياسية قد تفضي لوقف الحرب، ويتوقع الجعفري أيضا، "حدوث تقارب للمحور الرباعي مع الجانب التركي وقطر يُفضي لتهدئة أو وقف للحملة الإعلامية المسعورة، فضلا عن وقف حملة مقاطعة البضائع التركية".

وأخيرا توقع الباحث المصري، "محاولة حلحلة المشهد المصري وإحداث تقارب بوجهات النظر بين النظام السياسي والمعارضة يضمن عودة الحياة الحزبية المنضبطة ومؤسسات المجتمع المدني ولو بصورة غير كاملة".

وختم بالقول: "لكن لا يأخذنا التفاؤل إلى تغيير النظام السياسي؛ فهو أمر غير مطروح على الأقل الآن".

  وفي رؤيته، أكد مدير منتدى شرق المتوسط للدراسات السياسية والإستراتيجية محمد حامد، أن هذا الأمر كان متاحا بشكل أكبر في ظل رئاسة ترامب، خاصة وأن لبايدن ملاحظات على سياسات تركيا، ومصر والسعودية والإمارات، أيضا.

الباحث المصري، قال في حديثه لـ"الاستقلال": إن "بايدن، لا يؤيد سياسات أردوغان، وهذا له دلالة كبرى، وكان من المفروض أن يتم ذلك التوافق مع دول مقاطعة قطر والرافضة لسياسات تركيا؛ في عهد ترامب الذي يمتع بعلاقات جيدة مع هذه الدول ".

وتوقع حامد أن "تبادر تركيا إلى التصالح مع هذه الدول أو تبني جسور التعاون معها حتى تتفادى انتقادات الإدارة الأميركية الجديدة، والعقوبات المحتملة كما صرح بايدن، الذي يعني مجيئه انسحاب تركيا أكثر وأكثر للمحور الروسي".

ويظن، أنه "قد تقود أنقرة مصالحة إقليمية مع الرياض والقاهرة"، مضيفا: "ولكن اتضح بأكثر من موقف أن مصر لن تدور بفلك تركيا، التي تصر على موقفها والأوراق التي تمسك بها، وأن القاهرة لن تتصالح إلا مصالحة شاملة وعادلة بكل الملفات".