هل دفع صراع القصر الجيش الجزائري للانقلاب على الرئيس؟

محمد العربي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يختلف معظم المراقبين على وصف مطلب رئيس أركان حرب الجيش الوطني الشعبي ونائب وزير الدفاع الفريق أحمد قايد صالح، بتطبيق المادة 102 من الدستور الجزائري، التي تنظم نقل السلطة في حالة ثبوت عجز رئيس الجمهورية عن القيام بمهامه، سواء بالمرض أو العجز، بأنه مطلب يمثل انقلابا ناعما على رئيس الجمهورية المريض.

وتشير التقديرات التي تناولت الأحداث إلى أن القنبلة التي فجرها رئيس الأركان، كانت مقصودة وتم اختيار توقيتها بعناية، فهي تأتي بعد أن أعلن بوتفليقة أنه لن يترشح للانتخابات المقبلة، ومطالبته بمنحه عاما انتقاليا، يستطيع فيه التوصل إلى وفاق سياسي من خلال مؤتمر وطني يضم الأطياف السياسية بالجزائر.

وبقرار قايد صلاح، فإن مطالب المعارضة بإجراء الانتخابات الرئاسية في وقتها المقرر في 18 من أبريل/ نيسان المقبل، سيكون من الصعب تحقيقه، بعد أن باتت الأمور في يد الجيش، الذي يبدو أنه رتب أوراقه جيدا لترتيب القصر الجمهوري بعيدا عن بوتفليقة، والأحزاب السياسية الثائرة.

استنساخ مصري

وبحسب مطلب قايد صالح، فإن ما يجري هو انقلاب أبيض، يقضي على أي خيار شعبي يمكن أن يأتي برئيس غير مرضي عنه من الجيش وباقي القوى الداعمة له، سواء في الداخل الجزائري أو في محيطه العربي والدولي.

وطبقا لخارطة الطريق التي يريدها قايد، فإن تفعيل المادة 102، سوف ينقل السلطة وجوبيا خلال الـ 45 يوما الأولى من اجتماع المجلس الدستوري لرئيس مجلس الأمة، وبعدها يتم الإعلان عن خلو منصب الرئيس، ويستمر رئيس مجلس الأمة في منصبه، حتى إجراء الانتخابات في مدة أقصاها 90 يوما، وهو ما يجعل الدولة على أرض الواقع تحت تحكم الجيش، بما لا يعطي الأحزاب السياسية أية فرصة للمنافسة الحقيقية على منصب الرئيس.

وحسب خارطة قايد صالح، فإن الجيش في الجزائر يستنسخ التجربة المصرية، في ثورة 25 يناير 2011، ثم في انقلاب يوليو / تموز 2013، ولكن بشكل أكثر نعومة، حيث أجبر المجلس العسكري برئاسة وزير الدفاع المصري وقتها المشير محمد حسين طنطاوي، رئيس الجمهورية السابق حسني مبارك، على التنحي ونقل صلاحياته للمجلس العسكري، الذي أدار مرحلة انتقالية عاصفة، كانت كفيلة بشق صف المتظاهرين والثوار، وكل القوى السياسية، لينتهي المآل بانقلاب الثالث من يوليو/تموز 2013 والذي أطاح بالرئيس المدني المنتخب محمد مرسي، لصالح وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي، والذي أصبح بعدها رئيسا فعليا لمصر منذ 2014 وحتى الآن.

ويشير المراقبون إلى أن ما قام به قايد صالح، لم يكن ليحدث إلا بعد ترتيب البيت الداخلي لما بعد رحيل بوتفليقة، وهو ما سبق وأن كشفته صحيفة "لومند أفريكا" قبل أيام من أن الهدف الوحيد الذي تسعى إليه الإمارات في الجزائر هو إيقاف الحراك الشعبي، والعمل على إرساء نظام "ذي عضلات"، تماما كما فعلت في مصر عبر نظام عبد الفتاح السيسي.

وحسب الكاتب الفرنسي نيكولا بو، فإن نائب وزير الدفاع الجزائري، الجنرال قايد صالح، المتحكم في ميزانية سنوية ضخمة مخصصة للتسلح تقدر بـ11 مليار دولار، هو أيضا مرحب به في الإمارات، التي "حشرت" نفسها، في الشأن الجزائري بأشكال مختلفة.

هل تخلى الجيش؟

ووفقا لكتابات عديدة فإن ما قام به رئيس أركان حرب الجيش الجزائري، لم يكن له إلا معنى واحد فقط وهو، غلق صفحة بوتفليقة للأبد، بعد الأزمات والاحتجاجات التي شهدتها الجزائر طوال الشهرين الماضيين ضد إعلان ترشيحه لولاية خامسة، وهي الاحتجاجات التي أجبرت بوتفليقة، للإعلان الرسمي عن عدم الترشيح، وإلغاء الانتخابات التي كان مقررا لها الثامن عشر من أبريل/ نيسان المقبل، ومنحه مهلة انتقالية لمدة عام، للتباحث مع القوي السياسية من خلال تشكيل مؤتمر وطني يضمن الانتقال السلس للسلطة.

ورغم أن الجماهير الجزائرية اعتبرت في البداية إعلان بوتفليقة بعدم الترشح بأنه انتصار لها، إلا أنها عادت ونظرت إلى الأمر بأنه محاولة لتسكين الاحتجاجا؛ لأن الواقع العملي يجعل بوتفليقة مستمرا في الحكم لعام إضافي، بعد أن تنتهي مدته الرئاسية الرابعة في 28 أبريل/نيسان المقبل.

وأمام هذه التطورات، تجددت الاحتجاجات في الولايات مرة أخرى، مطالبة بحل عاجل، لا يكون ضمنه استمرار بوتفليقة لمدة عام إضافي، وكان إجراء الانتخابات الرئاسية العاجلة أحد الحلول المطروحة.

وحسب الرأي السابق فإن الفريق قايد صالح، أراد تهدئة الغضب الجماهيري، بالاعتراف بمشروعية المسيرات الشعبية السلمية، التي تطالب بتغييرات سياسية، لكنه في الوقت نفسه حذر من استغلالها من أطراف معادية في الداخل والخارج، بهدف زعزعة استقرار البلاد، وهو ما يعيد للأذهان الحالة المصرية التي صاحبت ثورة 25 يناير 2011.

لم نخن

وكما سبق وأن أعلن رئيس الانقلاب بمصر عبد الفتاح السيسي، بأنه لم يخن الرئيس محمد مرسي، عندما أعلن خارطة طريق أنهت حكم مرسي، فإن قايد صالح تحدث بنفس المبدأ، وتبني نفس المنطق، ردا على الاتهامات التي وجهتها له العديد من الأحزاب السياسية، بأنه يقوم بانقلاب عسكري ضد إرادة الشعب التي تريد إصلاح المنظومة السياسية، بما يُمكّن الجميع من المشاركة في النقل السلس للسلطة.

وحسب وصف رئيس الأركان الجزائري فإن المؤسسة العسكرية لم ولن تحيد عن مهامها الدستورية، مؤكدا خلال مشاركته في تفتيش عسكري بالمنطقة الجنوبية، بأنه لا خوف على الجزائر في ظل وعي الشعب ووجود الجيش، مضيفا أن الجزائر تعيش في محيط إقليمي متوتر وغير مستقر، وأن الجيش يعرف في الوقت المناسب كيف يغلّب مصلحة الوطن على جميع المصالح الأخرى.

صراع القصور

وتترجم تصريحات قايد صالح السابقة، إلى أن الجيش تقدم بخطوة في صراع النفوذ الداخلي بين أجنحة الحكم التي صنعها بوتفيلقة طوال 20 عاما، قضاها في منصب الرئيس، واعتبر الجيش أن انتصار بعض أجنحة الحكم في إجبار الرئيس على عدم الترشح للعهدة الخامسة، يمكن أن يهدد المؤسسة العسكرية، إذا جاء رئيس من خارج دائرة التحكم المعتادة، ولذلك بادر الجيش باستخدام ورقة المادة 102، لقطع الطريق على أية ترتيبات تجعل قياداته خارج المشهد.

وبالتالي، فإن الجيش قام بفرض أمر واقع يمكنه من ترتيب الأوضاع بعد رحيل الرئيس المريض، خاصة وأن الجيش الجزائري لم يعتد أن يكون خارج مشهد إدارة الدولة منذ منتصف خمسينيات القرن الماضي، بل إنه يعتبر نفسه أنه من بني الدولة بعد الاستقلال عن فرنسا عام 1962، كما أنه الذي قام بعقد صفقة سياسية مع بوتفليقة عام 1999؛ ليصبح بعدها الأخير الرئيس المطاع من الجميع.

وحسب مجريات الأحداث، فإن بوتفليقة لم يكن لقمة سائغة في أفواه النخبة العسكرية المشكَّلة من قيادة الأركان وجهاز المخابرات؛ ففيما كان العسكر يرغبون في وجود رئيس مدني يخلصهم من الضغوطات الدولية المتزايدة، كان الرجل يدرك أنهم يريدونه مثل دمية يحركونها من وراء ستار، لذلك عمل على استجماع كل خيوط الحكم ووضع كل مؤسسات الدولة تحت سيطرته، ومن أجل هذا دخل في حرب استنزاف طويلة على مدار الولايات الثلاث الأولى من حكمه (1999- 2014).

ولذلك كان أبرز قرار اتخذه في سبتمبر/أيلول 2015 هو تنحية الفريق محمد مدين الملقب بصانع الرؤساء الذي تربع على عرش المخابرات لربع قرن، مع تفكيك هذا الجهاز الأسطوري وتوزيع فروعه بين وزارتي الدفاع والداخلية ورئاسة الجمهورية، وقطع مخالبه وتقليم أظفاره بشكل درامي أحيانا.

تسارع الأحداث

وإذا صح ما نقلته وسائل الإعلام الجزائرية عن قيام رئيس المخابرات الجزائرية الجنرال بشير طرطاق بتقدم استقالته من منصبه، بعد خطوة رئيس الأركان بتفعيل المادة 102، فإن الأمور في الجزائر تبدو أنها أصبحت على صفيح ساخن، خاصة وأن طرطاق الذي تولي جهاز المخابرات في 2014 وكان واحدا من أبرز المسؤولين في نظام بوتفليقة، الذي استخدمه الرئيس في ضبط التوازنات داخل أجهزة الحكم، نتيجة الخلاف الظاهر بين رئيسي المخابرات والأركان قايد صالح، وباستقالة طرطاق، فإن خطة رئيس الأركان للتحكم في مقاليد الأمور باتت أمرا واقعا.

تناقضات سياسية

وقد تباينت ردود الأفعال حول مطلب رئيس الأركان الجزائري بتطبيق المادة 102، حيث أعلنت "حركة مجتمع السلم" (الإخوان المسلمين) تحفظها على تطبيق المادة 102 فقط، باعتبارها لن تحقق الإصلاحات السياسية والدستورية التي خرجت من أجلها المظاهرات، وبحسب بيان الحركة فإن تطبيق المادة فقط، لن يسمح بتحقيق الانتقال الديمقراطي والانتخابات الحرة والنزيهة.

وطالبت الحركة، المؤسسة العسكرية بأن يقتصر دورها في المرحلة الراهنة على التوافق الوطني والمحافظة على مدنية الدولة حتى التوصل إلى حل سياسي، ودعت لتعيين رئيس حكومة وحكومة توافقية مع القوى السياسية وبما يرضي الحراك الشعبي، فضلا عن تأسيس اللجنة الوطنية المستقلة لتنظيم الانتخابات وتعديل قانون الانتخابات.


وهو نفس ما ذهب إليه رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، الذي أكد أن الاقتصار على تطبيق المادة 102 من الدستور وحدها ليس استجابة لمطالب الشعب، بل إرادة للالتفاف على مطالبه وتمديدا من عمر النظام، معتبرا أن تفعيل المادة 102 يجب أن يكون مقرونا بالمادة 7 التي تنص على أن الشعب مصدر السيادة.

في المقابل، أبدى "حزب التجمع الوطني الديمقراطي" بزعامة أحمد أويحيى، رضاهم بطلب تفعيل المادة 102، وبحسب وصف الناطق باسم الحزب صديق شهاب، فإنهم راضون عن هذه العودة إلى المسار الدستوري، "الذي يجب ألا نغادره أبدا".وأوضح أنه برغم أن الدستور لا يحظى بالإجماع لكنه يظل مرجعا هاما وجمهوريا، لذلك، كانت هذه العودة إلى المسار الدستوري طريقة جيدة للجميع"، وهو نفس الموقف الذي تبنته جبهة المستقبل، التي اعتبرت دعوة الفريق قايد صالح لتطبيق المادة 102 تتقاطع مع نظرة الحزب للخروج من الأزمة التي تشهدها البلاد.

بينما كان حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية"، أكثر وضوحا عندما اتهم قائد أركان الجيش، بانه يحاول الانقلاب على الإرادة الشعبية، وهو نفس ما أشار إليه حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي اعتبر أن خيار تطبيق المادة 102 من الدستور ليس هو الحل المطلوب من الشعب الجزائري.

وأضاف، أن الجيش يريد خنق الحراك الشعبي والسماح للنظام بأن يتجدد، مؤكدا في الوقت ذاته أن المؤسسة العسكرية لم تنسحب من الحياة السياسية، وها هي تتدخل مرة أخرى في المسار الدستوري، ولا تستجيب لمطالب الشعب الجزائري الذي يطالب بتغيير النظام وليس بالتغيير داخل النظام.