"مستشفى المجانين".. كيف تتفنن إيران في تعذيب السجناء السياسيين؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لا تزال السلطات الإيرانية تمارس شتى أنواع "التعذيب الوحشي" بحق المعارضين والسجناء السياسيين، كان آخرها ما سربه محامون إيرانيون عن إحالة عدد من المعتقلين إلى مستشفى الأمراض العقلية قسرا في خطوة وصفوها بأنها "مشروع جديد" للأجهزة الأمنية.

وتسعى السلطات من خلال أساليب الترهيب التي تتبعها مع المعتقلين إلى انتزاع اعترافات منهم بالقوة، والتي يترتب عليها فيما بعد أحكام قضائية شديدة تصل إلى عقوبة الإعدام، حسبما حذرت منظمات حقوقية دولية.

"مستشفى المجانين"

في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، نقلت السلطات الإيرانية بشكل قسري عددا من السجناء السياسيين إلى مستشفى للأمراض النفسية، بينهم الصحفي كيانوش سنجري، والناشط الصوفي بهنام محجوبي.

وقال المحامي سعيد دهقان، خلال تغريدة على "تويتر" في 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2020: "هذه الخطوة مشروع جديد صممته الأجهزة الأمنية ضد الناشطين السياسيين والمدنيين"، مؤكدا أن "أحد موكليه نُقل قسرا إلى مستشفى للأمراض العقلية".

وفي السنوات الأخيرة، أدخلت قوات الأمن، قسرا، عددا من السجناء السياسيين والناشطين المدنيين إلى مستشفى للأمراض النفسية، إذ أفادت زوجة السجين بهنام محجوبي، أن مسؤولي السجن نقلوه إلى مستشفى "أمين آباد" للأمراض النفسية بعد أن أصيب بالشلل النصفي بسبب التشنجات والسقوط على الأرض، في أعقاب عدم تزويده بالأدوية.

وكشفت زوجة "محجوبي" عبر تغريدة نشرتها على "تويتر" في 29 سبتمبر/أيلول 2020، تعرض زوجها لنوبة بسبب عدم تزويده بالأدوية، وأصيب بالشلل النصفي بسبب السقوط على الأرض.

وفي أغسطس/آب 2020، كشف كيانوش سنجاري، وهو ناشط  طلابي سابق، أنه نُقل قسرا إلى مستشفى للأمراض النفسية 6 مرات أثناء احتجازه في عام 2019 وخضع للعلاج بـ"الصدمات الكهربائية".

وفي يناير/ كانون الثاني 2020 نقلت الصحفية، هنغامه شهيدي، إلى مستشفى "أمين آباد". وكتبت والدتها على "إنستجرام" نقلا عن ابنتها: أنها ظلت تقاوم دخول مستشفى "أمين آباد" حتى جرها رجال على الأرض وأفقدوها وعيها عبر حقنها بدواء "هالوبريدول" لعلاج الفصام والذهان، وعقب الاشتباك تعرف أحد موظفي المستشفى على الصحفية وأعادها إلى سجن "إيفين".

النموذج الآخر، هو المعلم المتقاعد وعضو نقابة المعلمين، هاشم خواستار، الذي نقل إلى مستشفى الأمراض العقلية عقب اعتقاله على يد استخبارات الحرس الثوري، وأرسلوه إلى مستشفى "ابن سينا" تحت مسمى الإصابة باضطرابات نفسية، حيث وضعوه في قسم المرضى الخطرين لعشرين يوما، وحقنوه بالعديد من الأدوية.

وفي يوليو/ تموز 2019، نقلت استخبارات الحرس الثوري، البريطانية من أصل إيراني نازنين زاغري، إلى قسم الأمراض النفسية بمستشفى "الإمام الخميني" في طهران، وصرحت أسرتها مرارا أنها لا تعرف شيئا عن الأدوية التي تتناولها نازنين.

أما طالبة الدراسات العليا، سها مرتضائي، التي اعتقلت في احتجاجات نوفمبر/ تشرين الثاني 2019، فقد ضغط على عائلتها لنقلها إلى مستشفى الأمراض العقلية، حيث وافقوا على نقلها بعدما أخبروا والدتها أن سلوك ابنتها سيتغير بالصعق في حال عدم التوقيع على الموافقة.

ومن المعتقلين السياسيين الذين نقلوا إلى مستشفى "أمين آباد" هم: "محمد علي بابابور، أنسية عبد الحسيني، ميثم بهرام آبادي، زهرا جباري، وأمير مهدي طبسي"، حيث خضع بعضهم للعلاج بالصعق، إذ كان القاسم المشترك بينهم هو تناول أدوية وعقاقير غير معروفة.

سحق الإنسانية

وفي 2 سبتمبر/ أيلول 2020، نشرت منظمة العفو الدولية تقريرا بعنوان "سحق الإنسانية: الاعتقالات الواسعة وحوادث الاختفاء والتعذيب منذ تظاهرات نوفمبر/تشرين الثاني 2019 في إيران"، وثقت فيه أنواع التعذيب الذي تعرض له المتظاهرون في السجون.

وخلص التقرير إلى أن شرطة إيران واستخباراتها وقواها الأمنية، ومسؤولين في السجون ارتكبوا بالتواطؤ مع قضاة ومدعين عامين سلسلة من انتهاكات حقوق الإنسان التي وصفتها المنظمة بـ"المروعة"، وهي: "الاحتجاز التعسفي، الاختفاء القسري، الضرب، الجلد، الصعق الكهربائي، الأوضاع المجهدة، الإعدامات الوهمية، الإيهام بالغرق".

ومن الانتهاكات التي يتعرض لها الناشطون في السجون، هي: "العنف الجنسي، الإجبار على تناول مواد كيميائية، الحرمان من العناية الطبية، الخضوع لمحاكمات بتهم لا أساس لها تتعلق بالأمن القومي، وإصدار أحكام إعدام بناء على اعترافات انتُزِعت تحت وطأة التعذيب".

ولفتت المنظمة في تقريرها إلى أن "أكثر من 500 محتج، منهم صحفيون ومدافعون عن حقوق الإنسان، خضعوا لإجراءات جنائية جائرة متعلقة بالاحتجاجات"، تراوحت أحكام السجن التي صدرت ضدهم بين شهر و10 سنوات".

ووجهت للمحكومين تهما ذات صياغات "فضفاضة ومبهمة"، أو تهما زائفة متعلقة بالأمن القومي، مثل: "التجمع والتواطؤ من أجل ارتكاب جرائم ضد الأمن القومي"، و"ترويج دعاية ضد النظام"، و"الإخلال بالنظام العام" و"إهانة المرشد الأعلى"، وهذا ما يتناقض مع التزام إيران بالقانون الدولي لحقوق الإنسان.

ونقلت المنظمة عن الضحايا، قولهم: إن العذاب النفسي المتأتي عن انتزاع "اعترافات" قسرية تضمن استخدام إهانات وألفاظ نابية مهينة للكرامة، وترهيب أفراد من أسرهم، وتهديدات بالاعتقال، أو التعذيب أو القتل أو إلحاق الضرر بأقربائهم، بما في ذلك الآباء المسنون أو الزوجات، والتهديد باغتصاب المحتجزين أو أخواتهم وزوجاتهم.

ودعت "العفو" الدولية الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان الأممي إلى إجراء تحقيق تقوده الأمم المتحدة في الانتهاكات المرتكبة بهدف ضمان المساءلة وضمان عدم تكرار ارتكاب هذه الانتهاكات.

كما دعت إلى الإفراج الفوري من دون شرط أو قيد عن جميع الذين سُجنوا "من دون سبب سوى ممارسته السلمية حقه في حرية التعبير وحرية تكوين الجمعيات أو الانضمام إليها وحرية التجمع السلمي في تظاهرات تشرين الثاني/نوفمبر 2019".

التعذيب الأبيض

ومن أساليب التعذيب التي تطال معتقلي الرأي والسياسيين في السجون الإيرانية ما يعرف بـ"التعذيب الأبيض" وهو نوع من أنواع التعذيب النفسي، ويعبر عن وحشية في الحرمان الحسي، حيث يحمل المعتقل إلى فقدان هويته الشخصية وانخفاض إنتاجه البشري، من خلال فترات طويلة من العزلة.

ويُدعى هذا النوع من التعذيب (شكنجه سفيد)، وتتم ممارسته على السجناء السياسيين، ومعظمهم من الصحفيين، ولا يحتاج بالضرورة إلى إذن مباشر من قبل الحكومة الإيرانية، وتجري في سجن "إيفين" عمليات التعذيب الأبيض لفترات طويلة من خلال الحبس الانفرادي خارج نطاق سيطرة سلطات السجن، ويشتهر به القسم 209.

وأكد تقرير لمنظمة العفو الدولية لعام 2004، أن هناك أدلة موثقة تخص "التعذيب الأبيض" الذي وقع على، أمير عباس فخر آور، مؤسس "حركة استقلال طلاب إيران" من قبل الحرس الثوري، وهو أول مثال كان له صدى حول التعذيب الأبيض في إيران.

وفي هذه النقطة تحديدا، قال المعتقل السياسي السابق محمد تمجيدي خلال تصريحات صحفية في أبريل/ نيسان 2018: "تعرضت للإعدام الوهمي مرة واحدة، حيث اقتادوني واضعين على عيوني عصبة إلى مكان مجهول وقالوا لي سنقوم بإعدامك حالا. واقتادوني إلى المشنقة ووضعوا حبل المشنقة على عنقي لكنهم أنزلوني من السلم الذي يصعد إلى حبل المشنقة".

وأضاف أن المحققين كانوا يهددونه بأسرته، بالقول: "كانوا يهددونني بأن يجلبوا والدي وزوجتي وابني إلى هنا وسيعذبون زوجتي وأبي، لذلك عليك أن تقر بكل شيء. كانوا يوجهون شتائم بشعة إلى أسرتي".

ولفت تمجيدي الذي كان معتقلا في سجن "إيفين" إلى نماذج كثيرة من التعذيب النفسي الذي يتعرض لها السجناء: "هناك أساليب كثيرة من التعذيب النفسي مثل منع السجناء من الهواء الطلق والاستحمام والزيارات الأسبوعية للعائلات".

وفي عام 2015، تناولت وکالة "هرانا" الحقوقية تفاصيل قصة الرسامة والناشطة الإيرانية آتينا فرقداني، التي تعتبر مثالا لما يحدث من انتهاكات لحقوق الإنسان في سجن "إيفين".

وذكرت الوكالة أن المفرج عنها من سجن "إيفين"، كشفت عن حالات التعذيب والإساءة وتصوير النساء في الحمامات من خلال كاميرات سرية في القاطع الثاني الخاص بالنساء والذي تشرف عليه استخبارات الحرس الثوري الإيراني.

وشُيد سجن "إيفين" في عهد رضا شاه في ستينيات القرن الماضي، وكان منزلا لضياء الدين طبطبائي رئيس الوزراء في عهده، ثم تحول لاحقا في ظل حكومة النظام الحالي إلى أداة لـ"الترهيب"، فهو ليس الأكثر شهرة بين كل معتقلات وسجون إيران فحسب، بل إنه الأشهر عالميا، حسبما وصفه "المعهد الدولي للدراسات الإيرانية".

ويقع سجن إيفين الشهير الذي تم إنشاؤه عام 1962 في منطقة "سعادت آباد" شمال العاصمة الإيرانية طهران، ويشغل مساحة تزيد على 75 كيلو مترا مربعا، وتم افتتاحه عام 1972، وسُلمت إدارته إلى جهاز الشرطة السرية لنظام الشاه "السافاك"، وبعد الثورة بقيادة الخميني أصبح أكبر مُعتقل للمناوئين للنظام.