سباق ماراثوني.. ملامح التحالفات السياسية قبيل الانتخابات بالعراق

يوسف العلي | 4 years ago

12

طباعة

مشاركة

انطلق في العراق ماراثون تشكيل التحالفات السياسية، استعدادا للانتخابات التشريعية المبكرة، المقرر إجراؤها في 6 يونيو/ حزيران 2021، وذلك بعد استقالة حكومة عادل عبد المهدي على إثر الاحتجاجات الشعبية التي خرجت في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

الاحتجاجات التي طالبت بانتخابات مبكرة، دعت إلى إزاحة الطبقة السياسية الممسكة بالسلطة منذ عام 2003، ووجهت إليها اتهامات بسرقة ثروات العراق، وتشكيل المليشيات، وإشاعة الفساد، وتفشي البطالة، وغياب الخدمات الأساسية وعلى رأسها الطاقة الكهربائية.

ومع بداية دخول القوى السياسية في مفاوضات لإنشاء تحالفات انتخابية، ترددت تساؤلات عن طبيعة الخريطة السياسية التي ستتشكل بالمرحلة المقبلة، فهل تنبثق قوائم على أساس الهوية الوطنية، أم أن التقسيمات الطائفية والعرقية ستبقى حاضرة بالمشهد السياسي؟

معطيات أولية

تشير المعطيات الأولية إلى أن التحركات السياسية لتشكيل تحالفات جديدة، لن تخرج عن السياق الذي نشأ عليه المشهد السياسي بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003، إذ إن أغلب القوائم الانتخابية بنيت على أساس التقسيمات الطائفية والقومية.

ومن تلك المعطيات، الاجتماعات التي عقدتها قيادات شيعية قريبة من إيران لإعادة ترتيب صفوفها قبل الانتخابات المبكرة، إذ عقد رئيس ائتلاف "دولة القانون" نوري المالكي، وهادي العامري زعيم تحالف "الفتح" الذي يمثل الجناح السياسي لقوات الحشد الشعبي، سلسلة اجتماعات في شهر أغسطس/آب 2020.

وقال النائب عن تحالف "الفتح"، عباس الزاملي، خلال تصريحات صحفية في 2 سبتمبر/ أيلول 2020: إن "التحالف بين الفتح ودولة القانون أمر وارد، ومن الممكن أن يضم كتل: عطاء، والنهج الوطني وغيرهما، على اعتبار أنها جزء من تحالف البناء".

وأكد الزاملي أن "الذهاب إلى أبعد من ذلك أمر صعب، تحديدا مع تحالف سائرون والحكمة وغيرهما، فالتقارب معهما قد يكون غير ممكن".

من جهته، كشف عضو ائتلاف "دولة القانون"، كاطع الركابي، عن "استمرار الحوارات بين العامري والمالكي وقوى أخرى، في إطار التحضير لتشكيل تحالف لخوض الانتخابات المقبلة"، مشيرا إلى أن "تفاصيل التحالف المرتقب تعتمد بالدرجة الأساس على شكل قانون الانتخابات الذي يحدد عمليا شكل التحالفات".

وقلل الركابي خلال تصريحات صحفية في 2 سبتمبر/ أيلول 2020 من "إمكانية إجراء الانتخابات البرلمانية في الموعد المحدد لها، تحديدا مع عدم اكتمال قانوني الانتخابات والمحكمة الاتحادية، فضلا عن تردي الأوضاع الأمنية في المحافظات الجنوبية".

وتعليقا على ذلك، قال السياسي العراقي حامد المطلك في حديث لـ"الاستقلال": إن "القوى السياسية ذات صبغة الفساد والطائفية، والتي أثرت في المشهد العراقي منذ 2003 وحتى اليوم، قد تعمل جاهدة في اللعب على الحبال ذاتها لكي لا تفقد مكاسبها وحضورها في البرلمان ودوائر الدولة الأخرى".

وأضاف: "لذلك نحن نشاهد أن الانتخابات تبقى لها 8 أشهر ولم تكتمل قوانينها، هي والمحكمة الاتحادية، والموازنة العامة، فضلا عن عدم ترتيب مفوضية الانتخابات بشكل صحيح، وذلك سببه يعود إلى أن هذه القوى تعمل على استغلال الوضع الحالي وتفويت فرصة إقامة انتخابات مبكرة ونزيهة".

وأكد المطلك وجود لقاءات وحوارات حول موضوع التحالفات، لكن معظم هذه القوى السياسية لا تريد أن تكون الانتخابات حرة ونزيهة وعادلة، فهي تقول عكس ما تسعى إليه.

ولفت إلى أن القوى "تتحدث عن ظروف غير مواتية لعقد انتخابات، لكنها تسعى في الوقت نفسه لإجرائها استغلالا منها لضعف الدولة وغياب مقومات انتخابات حرة ونزيهة".

سيطرة إيرانية

وبخصوص الحديث عن محاولة تشكيل تحالفات شيعية بعيدة عن الهيمنة الإيرانية، خصوصا بعد إعلان تشكيل تحالف "عراقيون" الذي تزعمه رجل الدين الشيعي عمار الحكيم، من أحزاب وقوى سياسية شيعية صغيرة، قال المطلك: إن "القوى السياسية التي تؤمن بالطائفية لا تزال قوية، لأنها تمتلك المال وتغلغلت في دوائر الدولة".

وأشار إلى أن "هذه القوى السياسية لا تمثل البيت الشيعي الوطني، وإنما الإرادات والمصالح الخاصة والخارجية، لذلك تعمل بكل جهدها حتى تبقى قوية، وبالتالي إيران لا تزال تتلاعب في الشأن السياسي وتمتلك مصادر القوة".

وفي إطار التحركات التي تشهدها الساحة السياسية الشيعية لإنشاء تحالفات انتخابية، لا يزال تحالف "سائرون" المدعوم من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر غائبا عن تلك الحوارات، على الرغم من أنه أحرز المرتبة الأولى في انتخابات عام 2018 بحصوله على 54 مقعدا في البرلمان.

النائب عن "سائرون" صباح العكيلي، قال خلال تصريحات صحفية في 2 سبتمبر/ أيلول 2020: إن "التحالفات السابقة لم تقدم شيئا للبلاد، لذلك كان سائرون بعيدا عنها، ولهذا تحتاج المرحلة القادمة إلى تفاهمات وتوافقات".

وأكد: أنه "ليست لدينا أي نية للتحالف مع أي جهة، لأن أغلب التحالفات تبنى وفقا لمصالح خاصة، وهذا أمر مرفوض بالنسبة إلينا". وزاد: "إذا لاحظنا مستقبلا أي جهة أخرى تتوافق معنا في رؤيتنا السياسية، فمن الممكن أن نتحالف معها مستقبلا، لأن الوضع الحالي غير واضح".

من جهته، قال الباحث العراقي مصطفى السراي: إن "مفهوم التحالفات ضبابي غير واضح المعالم لدى القوى السياسية العراقية، فكل واحدة تحاول تفسيره وفق ما يتطابق مع مصالحها ورؤيتها لإدارة العلمية أو السلطة السياسية بالمعنى الأدق".

ورأى الباحث في مقال نشره "المركز الديمقراطي العربي" في 30 أغسطس/آب 2020 أن "التحالفات السياسية في العراق تنشأ لغرض محدد وهو تشكيل الحكومة، لذا نرى أن اغلبها تتفكك وتنتهي بمجرد إنهاء هذه المهمة".

ولفت إلى أن "ما يحدث في العراق ليس تحالف بالمعنى الدقيق له، وإنما هو أشبه بالتجمعات المتفقة لغرض معين، كون التحالفات تحتاج إلى رؤى وخطط عملية وسياسية موحدة وقانون يحكم القوى المنطوية داخل التحالف ونظام داخلي ينظم عملها وهيكلية واضحة من أجل صنع القرار، وهذا ما لا يحدث".

وخلص الباحث إلى أن غياب الرؤية السياسية لدى القوى العراقية في عملية إدارة الدولة يجعلها كثيرة التقلب والتغير، "لذلك لا يمكن أن يكون تحالف طويل الأمد وحقيقي بشكل فعال في ظل صراع الزعامات وفرض الإرادات والدليل واضح قبل عام 2014 فيما يسمى "التحالف الوطني العراقي" (الشيعي) الذي كان أشبه بالميت سريريا.

السنة والأكراد

وعلى صعيد القوى السياسية التابعة للمكونين السني والكردي، فإن الحال لا يختلف كثيرا عن القوى الشيعية.

ويقول السياسي حامد المطلك في هذا الصدد: إن "البيت السني ممزق، لأن الطرف الآخر (الشيعي) طيلة الثلاث سنوات الماضية، لم يقدم للناس الكفء والمهنيين والمؤمنين بعدالة قضية بلدهم، وإنما جاء بأشخاص تابعين لهم مزقوا الصف السني".

وتنقسم الساحة السياسية السنية بين ثلاث كتل رئيسية، وهي: تحالف القوى العراقية بقيادة رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، وتحالف "المحافظات المحررة" (من قبضة تنظيم الدولة) بقيادة رجل الأعمال والسياسي خميس الخنجر، أما الكتلة الثالثة فهي "جبهة البناء والتنمية" ويتزعمها رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي.

وبعد خلافات كبيرة نشبت بين الأطراف السنية الثلاثة، جرت مؤخرا في أغسطس/ آب 2020 جلسات مصالحة بين الزعامات المتخاصمين في عمّان وأربيل وأنقرة، لكنها لم تتوصل إلى مرحلة رأب الصدع والدخول في تحالف واحد يجمع الشتتات السياسي السني.

وبالنسبة للأكراد، رأى المطلك أنهم "أقوى من البيتين السني والشيعي، لأنهم يتمتعون بإقليم خاص، وكذلك لديهم نوع من التفاهم فيما بينهم على الرغم من الخلافات الموجودة".

ويتصدر الساحة، الحزبين الكرديين "الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البارزاني، و"الاتحاد الوطني" بقيادته المشتركة بين بافل الطالباني ولاهور شيخ جنكي، إضافة إلى حزبي "التغيير" و"الجيل الجديد"، وحزبين إسلاميين هما: "الاتحاد الإسلامي" و"الجماعة الإسلامية".

لكن السياسي العراقي حامد المطلك، خلص إلى أنه "حتى الآن لم تظهر تحالفات وطنية، لأن الظروف السياسية والبيئة المتحكمة في القرار العراقي، هي متمكنة مع الطرف الآخر المعادي لوجود قوائم تمثل الطيف الوطني العراقي بعيدا عن الاصطفافات المذهبية والعرقية".