إيطاليا تستحضر زمن القذافي.. هذه إستراتيجيتها الجديدة في ليبيا

12

طباعة

مشاركة

نشر موقع ''إنسايد أوفر'' الإيطالي مقال رأي للكاتب الصحفي والخبير في الشأن الليبي ''ماورو إنديليكاتو''، تناول أبعاد وأهداف زيارة وزير الخارجية الإيطالي ''لويجي دي مايو" إلى ليبيا في الأول من سبتمبر/أيلول 2020، وإستراتيجية روما في هذا الظرف السياسي، خاصة في إطار المنافسة على الفوز بمشاريع إعادة الإعمار.

وتحدث الكاتب عن مشاريع البنية التحتية وعلى رأسها استئناف إنجاز مشروع الطريق السيارة، بالإضافة إلى استعادة العلاقات الجيدة بين البلدين التي ميزت حقبة معمر القذافي وسيلفيو برلسكوني رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق. 

وقال الكاتب الإيطالي: إن العقيد معمر القذافي كان يطالب منذ سنوات بتعويضات من الجانب الإيطالي لتطبيع العلاقات بين ليبيا وإيطاليا.

وكتعويض عن الأضرار التي سببها الاستعمار وكدليل على رغبتها في طي الصفحة، تعهدت إيطاليا مع العقيد ببناء طريق سريع يبلغ طوله نحو ألفي كيلومتر، ويمتد على الساحل بأكمله من الحدود التونسية إلى المصرية، ولم يمثل هذا المشروع للقذافي فرصة حيوية للبنية التحتية فحسب، بل مثل أيضا رمزا للعلاقات الجديدة بين طرابلس وروما. 

وأشار إلى أن نقطة الانطلاق كانت في إطار العملية التي أدت إلى صياغة معاهدة الصداقة بين إيطاليا وليبيا، الموقعة في بنغازي في عام 2008 من قبل القذافي وسيلفيو برلسكوني، على الرغم من أن العقيد الليبي كان قد طلب بالفعل من جميع رؤساء الحكومات المتعاقبين على روما بين التسعينيات والألفينيات القيام بهذه "البادرة العظيمة". 

البنى التحتية

ويعود هذا الطريق السريع اليوم مرة أخرى إلى أن يكون موضوع الساعة، بعد أن قضت نهاية عهد القذافي، الحرب، الجمود  والصراع،  لأسباب واضحة على المشروع الإيطالي.

لكن روما عادت الآن لتلعب ورقة البنية التحتية لمحاولة العودة بسرعة إلى الملف الليبي، وفق تعبير الكاتب الإيطالي.

ذكر الصحفي الإيطالي أن الطريق السريع لن يمثل بالنسبة لحكومة فايز السراج "بادرة عظيمة" رمزية، غير أن الإمكانية الملموسة لبدء إعادة إعمار البلاد، كانت موضوع المحادثات في الساعات القليلة الماضية في الاجتماع الذي عُقد في طرابلس بين ممثلين ليبيين وإيطاليين.

وبحث الوفد الإيطالي بقيادة وزير الخارجية ''لويجي دي مايو'' ونائبه ''مانليو دي ستيفانو''، إمكانية استئناف العمل بمشاريع البنية التحتية، الضرورية لليبيا، وأيضا لإيطاليا بعد الأضرار التي لحقت شركاتها بسبب توقف المشاريع بسبب الحرب والمستحقات المخلدة في عهد القذافي. 

كما يمكن أن يشكل ذلك بالنسبة للعديد من شركات البناء الإيطالية، فيما يتعلق بالعمولات القديمة في ليبيا، جرعة من الأكسجين بفضل الضوء الأخضر النهائي لمشروع الطريق السريع. وتعتبر المسالة سياسية أيضا، خاصة وأن إيطاليا تود أن تلعب أفضل أوراقها في هذه المرحلة من التاريخ الليبي. 

ويرى الكاتب الإيطالي أن بلاده يمكنها أن تحدث فرقا على وجه التحديد في البنى التحتية، وذلك بفضل التجذر الإقليمي الذي لم يكن نتيجة الفترة الاستعمارية فحسب، بل أيضا للعلاقات المكثفة التي نشأت مع الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط ​​على مدى عقود. 

ونوه بأن الطريق السريع هو المشروع الأبرز، بسبب الأهمية السياسية التي اكتسبها في سنوات القذافي.

وتُدرس أيضا إمكانية إنجاز العديد من المشاريع الأخرى، بدءا من إعادة بناء مطار طرابلس الدولي، الرئيسي للعاصمة الليبية، الذي دُمر بسبب الأعمال القتالية في عام 2014، وستكون إيطاليا مستعدة لتوظيف شركاتها وتجربتها لإعادة استخدامه مجددا، فضلا عن دراسة مشاريع صغيرة وكبيرة أخرى في تلك المنطقة أيضا. 

كما ناقش دي مايو والسراج مجددا إزالة الألغام في المنطقة الواقعة جنوب طرابلس، وهي عملية من شأنها أن تمنح إيطاليا الكثير من الامتنان لدى السكان لأنها ستضمن عودة مئات العائلات إلى ديارها.

إستراتيجية روما 

ويوضح ''انديليكاتو'' أن الإستراتيجية الحالية للدبلوماسية الإيطالية تبدو واضحة وهي العمل على مشاريع البنية التحتية لاستعادة مساحة للمناورة، خاصة من وجهة نظر اقتصادية. 

وفي الوقت الحالي، يكتسب الدفاع عن المصالح الإيطالية في ليبيا أهمية حيوية، بدءا من مسألة الغاز والنفط.

وعلى الرغم من الحرب، أكدت الدولة الواقعة في شمال إفريقيا نفسها بثبات كواحدة من المزودين الرئيسيين لإيطاليا لموارد الطاقة. لهذا لا تستطيع روما تحمل خسارة مكانتها هناك لأن تركيا، الحليف الرئيسي للسراج، تسعى إلى تحقيق  أكبر عدد ممكن من المصالح، وفق الكاتب.

وتابع بأنه يمكن لدور إيطاليا في هذا المنعطف أن يكون في صالح جميع الأطراف، وفي مقدمتها ليبيا، التي ستعتمد على الخبرة الإيطالية للعودة إلى إصلاح بنيتها التحتية الحيوية.

وبدورها، يمكن أن تنظر أنقرة بشكل إيجابي إلى النشاط الإيطالي من الجانب الاقتصادي، خاصة وأن الأتراك يدركون جيدا أنهم لا يستطيعون في غضون سنوات قليلة، تحقيق نفس التجذر الإقليمي الذي بنته إيطاليا في العقود الأخيرة، ولا تمانع تركيا فكرة تفويض جوانب البنية التحتية إلى روما. 

وحذر الصحفي الإيطالي من أن هذا قد يكون له انعكاس سلبي وهو تخلي إيطاليا عن دورها السياسي. ويقول: إنه "يمكن لبلدنا بناء طرق سريعة ومطارات، لكن في الوقت نفسه، ستكون لها مواقف هامشية بشأن الأصول السياسية المستقبلية لليبيا".

وأشار الكاتب إلى أن الإعلان عن الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية إلى ليبيا تمت في سياق تحاول فيه إيطاليا العودة إلى السباق على الأقل من الناحية الاقتصادية.

علاوة على ذلك، تبدو اللحظة مناسبة بحسب الكاتب، لاسيما مع عودة الولايات المتحدة إلى الاضطلاع بدور رئيسي على المستوى الدبلوماسي، بعد أن دفعت واشنطن رئيس الوزراء السراج ورئيس البرلمان عقيلة صالح لإعلان  وقف إطلاق النار.

وبعد الإعلان عن بعض المبادرات الخجولة للحوار السياسي بين  جميع الأطراف، يمر الملف الليبي بمرحلة يمكن أن تؤدي إلى تغييرات مهمة.

وأراد دي مايو بعد أن توجه إلى كل من طرابلس والقبة، وهي بلدة بالقرب من طبرق، مقر  رئيس مجلس نواب طبرق عقيلة صالح، مقابلة كلا الطرفين الليبيين الرئيسيين، على عكس ما حدث في يونيو/حزيران 2020، عندما هبطت الطائرة القادمة من روما في طرابلس فقط.

وبالتزامن مع زيارة الوزير الإيطالي، أورد الكاتب أن ''جوزيب بوريل"، المفوض السامي للسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، كان حاضرا أيضا في طرابلس وطبرق.

لذلك، تشير الدلائل إلى محاولة إيطاليا وأوروبا، من خلال وقف إطلاق النار المحتمل، العودة مرة أخرى إلى المشهد. لكن، على الرغم من الجهود الأخيرة، لا يبدو أن هذا الهدف في المتناول.