خسارة ثنائية.. ما الذي يدفع إيران وأميركا للتصادم من جديد؟

12

طباعة

مشاركة

توقعت مجلة أميركية أن تؤجج الديناميكيات السياسية المحلية في كل من الولايات المتحدة وإيران حلقة جديدة من التصعيد "قد لا تنتهي على نحو جيد هذه المرة". 

وسلطت مجلة "فورين أفيرز" في تقرير لها، الضوء على الصراع الأميركي الإيراني الذي بدا ينحو منحى متدهورا منذ فترة ليست بالقصيرة.

فقبيل اندلاع جائحة كورونا، بدت الولايات المتحدة وإيران في طريقهما نحو التصادم. وفي الوقت الذي يستعد فيه العالم لمزيد من تفشي الفيروس في الأشهر المقبلة، فإنه يجب أن يستعد بالمثل لتفاقم التوترات بين البلدين مرة أخرى. 

ويبحث كل جانب حاليا ويتخذ القرارات بناء على "افتراضات معيبة". في غضون ذلك، تتضاءل احتمالات الحل الدبلوماسي يوما بعد يوم، وفق التقرير.

ارتدت على أصاحبها

ويقول التقرير: "أخطأت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خطأ فادحا في التقدير، عندما تخلت عن الاتفاق النووي الإيراني قبل عامين، واختارت سياسة -أقصى ضغط-". 

وأضاف: "كان الرهان هو أن العقوبات على صادرات النفط الإيرانية ستجبر طهران على القدوم إلى طاولة المفاوضات، حيث ستوافق على تنازلات بعيدة المدى بشأن برنامجها النووي وإنهاء سياساتها العدوانية في المنطقة، وهو ما أدى إلى نتائج عكسية، وبدلا من الاستسلام، ردت طهران بسياسة أسمتها المقاومة القصوى"..

وعززت إيران برنامجها النووي وقلصت وقت الاختراق - النافذة المطلوبة لدفع برنامجها النووي إلى إنتاج الأسلحة- من عام على الأقل بموجب الاتفاقية إلى ما يقرب من ثلاثة أشهر.

ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد هاجمت إيران شحن النفط والبنية التحتية في المنطقة، ونتيجة لذلك اضطربت أسواق الطاقة في العام 2019. 

أيضا، أسقطت طائرة أميركية بدون طيار، وشنت المليشيات المدعومة من إيران هجمات صاروخية ضد قوات واشنطن المتمركزة في العراق، أدى إلى مقتل مقاول دفاع أميركي. 

هذا الأمر دفع إدارة ترامب إلى استهداف اللواء الإيراني قاسم سليماني بغارة جوية، أعقبها رد طهران بقذائف صاروخية أصابت العشرات من أفراد الخدمة الأميركية.

ونتيجة للتصعيد المستمر بين الجانبين، وجدت إدارة ترامب نفسها وحيدة إلى حد كبير. وعلى العكس من ذلك، يقول التقرير: "جمعت الإدارة السابقة للرئيس باراك أوباما ائتلافا واسعا للضغط على إيران بنجاح". 

وبفضل ترامب، أصبح هذا التحالف الآن في حالة يرثى لها؛ فحتى أقرب الحلفاء في أوروبا يعبرون بانتظام عن رفضهم لسياسة الولايات المتحدة.

وبدلا من محاولة إنقاذ قدر ضئيل من الدعم الدولي، تضاعف إدارة ترامب جهودها لتدمير آخر بقايا الاتفاق النووي، مما أدى إلى إبعاد شركاء أكثر عن الولايات المتحدة، وفق التقرير.

وتابع: "لقد ذهبت إلى حد اتخاذ خطوة، سوف ترتد عليها سلبا، وهي إلغاء الإعفاءات من العقوبات، والتي كانت قد ادعت في السابق أنها ضرورية لتعزيز أهداف الولايات المتحدة المتعلقة بعدم الانتشار".

ومما زاد الطين بلة، استخدام إدارة ترامب حجة قانونية مثيرة للجدل للسعي إلى تمديد حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة على إيران، والذي من المقرر أن ينتهي في أكتوبر/تشرين الأول 2020 بموجب شروط الاتفاق النووي، وهو ما يتفق الحلفاء الأوروبيون الرئيسيون للولايات المتحدة على أهميته في الوقت الراهن.

واستدرك التقرير: "لكن إدارة ترامب أغضبتهم من خلال التهديد باستدعاء بند الاستعادة لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231، الذي كرّس الاتفاق النووي". 

سيجبر هذا البند على إعادة فرض جميع عقوبات الأمم المتحدة وقيودها على إيران، التي كان سيتم رفعها كجزء من اتفاقية 2015، بما في ذلك حظر الأسلحة والعديد من الأحكام الأخرى. 

بالنظر إلى انسحابها رسميا من الصفقة في عام 2018، ستجد الولايات المتحدة صعوبة في إقناع الأطراف الأخرى في الاتفاقية بإعادة فرض العقوبات، مما يجعل من الأصعب صياغة موقف دولي موحد.

قراءة خاطئة

ويقول التقرير: "بعد أكثر من 40 عاما من عدم وجود علاقات دبلوماسية، لا تفهم الولايات المتحدة وإيران بعضهما البعض جيدا، وبينهما هناك مجال واسع للتقديرات الخاطئة". 

لا يقدر أي من الطرفين بشكل كبير كيف يمكن أن تتقاطع أفعاله مع التيارات السياسية المحلية في البلد الآخر، مما قد يدفع كليهما نحو الصراع.

وأوضح: "تعتقد إدارة ترامب أن إيران محاصرة في ركن ضيق، والواقع أن الاقتصاد الإيراني في وضع سيئ بالفعل". 

يشير صندوق النقد الدولي إلى أن الناتج المحلي الإجمالي الإيراني قد تقلص بنسبة 7.6 ٪ في عام 2019 وسيتراجع 6 ٪ أخرى في عام 2020، وفق التقرير.

واستدرك: "لكن الإحصاءات الاقتصادية القاتمة لا تخبر القصة الكاملة. قد يتأذى الإيرانيون العاديون، لكن المتشددين في الحرس الثوري الصاعد، وحلفائهم يشددون قبضتهم على السلطة". 

في الواقع، قد تلعب العقوبات دورا مهما لصالحهم، بالنظر إلى سيطرتهم على شبكات التهريب التي تعتمد عليها إيران بشكل متزايد للحصول على الإيرادات.

وبحسب التقرير، يبدو أن إدارة ترامب استهانت بصعوبة استئناف المحادثات مع طهران بعد الانسحاب من الاتفاق النووي. فبغض النظر عن التحالفات الوقتية، يظل المتشددون في إيران، بمن فيهم المرشد الأعلى، معاديين أيديولوجيا للولايات المتحدة. 

ويوضح التقرير ذلك بالقول: "على عكس كوريا الشمالية، لا ترى إيران المفاوضات مع الولايات المتحدة جائزة". 

وأردف أن الحكومة التي نشأت في أعقاب ثورة كانت معاداة أميركا لها مبدأ أساسيا، تشعر بالتهديد من التصور بأنها استسلمت للولايات المتحدة أكثر من تهديدات المصاعب الاقتصادية.

وتابع: خاطرت إيران أيضا في إرساء سياسات تستند إلى سوء تقدير لنوايا خصومها، خاصة إذا أخذوا كلمات ترامب حرفيا، مثل وعوده بإنهاء "الحروب التي لا نهاية لها"، وإبداء رغبته مرارا، في الانسحاب من الشرق الأوسط، بل إنه طرح مبادرات متكررة لطهران مثل تغريدة أخيرة تعرض "صفقة أفضل" قبل انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني.

وأوضحت المجلة أن إيران تتخذ مثل هذه الإيماءات كتأكيد نجاح سياساتها، فقد سعت إلى بناء نفوذها من خلال تطوير برنامجها النووي ومهاجمة الشركاء الأميركيين في الخليج العربي، كما تحرص على الانتقام لمقتل سليماني، وهو دافع قد يقودها إلى التفكير في مقامرة غير محسوبة العواقب. 

وقالت: "إيران لا تريد الحرب، لكنها تعتقد أن ترامب أقل استعدادا لها"، مضيفة: "قد لا تدرك السلطات هناك تماما أن ترامب لا يمكنه أن يبدو ضعيفا أمام قاعدته الشعبية، خاصة خلال عام الانتخابات".

قد يفترض المسؤولون في كلتا العاصمتين أنه بإمكانهما احتواء مناوشة عسكرية بسرعة، كما فعلا في يناير/كانون الثاني (مقتل سليماني)، وربما حتى يستفيدوا محليا من صدام محدود. 

وبحسب ما ورد، دافع بعض كبار مستشاري ترامب عن توجيه ضربات عسكرية في مارس/آذار لدفع إيران إلى المفاوضات، وعلق التقرير: "هذا التفكير الخيالي خطير، ولا بديل عن التقييم الواقعي للوضع".

ويقول التقرير: "يبدو أن إدارة ترامب تفتقر إلى إستراتيجية دبلوماسية لوقف التقدم النووي الخطير لإيران". 

وعلى الرغم من أن العقوبات جعلت إيران أكثر فقرا، فقد صعَّدت البلاد من عدوانها في المنطقة من خلال عمليات منخفضة التكلفة نسبيا، كما لا يزال البلدان على طريق الاصطدام.

أين المخرج؟

ويتساءل التقرير: "هل هناك مخرج من هذا المستنقع؟ ربما، ولكن فقط إذا انقطعت الولايات المتحدة عن نهجها الفاشل الحالي".

ويقول الكاتب "بونيت تالوار"، وهو مساعد وزير الخارجية السابق للشؤون السياسية العسكرية، ومدير أول سابق في مجلس الأمن القومي في عهد الرئيس باراك أوباما: "خلال إدارة أوباما، في عامي 2012 و2013، لعبت دورا محوريا في المحادثات السرية مع إيران".

وتابع: "كانت النتيجة أنها وافقت على تقييد برنامجها النووي مقابل تخفيف محدود للعقوبات، لقد مهدت هذه الاتفاقية الطريق للاتفاق النووي 2015".

وزاد الكاتب: "كما هو الحال الآن، كان الضغط مكونا رئيسيا في نهجنا، ولكن كان هناك عنصران إضافيان مهمان أيضا لتحقيق النجاح وهما مفقودان اليوم". 

الأول هو أننا قدمنا ​​اقتراحا دبلوماسيا واقعيا يركز على الاعتراف بأن أكبر تهديد إيراني للأمن القومي الأميركي هو برنامجها النووي، والثاني هو أن الولايات المتحدة حصلت على دعم جبهة موحدة، إلى حد كبير، من القوى الكبرى.

ويقول التقرير: "الآن، ترفض طهران التحدث مع إدارة ترامب طالما أن العقوبات الأميركية لا تزال سارية، وبالتالي فإن الخيار الدبلوماسي الوحيد المتبقي هو العمل من خلال وسيط". 

وفي هذا الإطار، أحرز الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تقدما في العام 2019 نحو التوسط في صفقة، كما حاول كل من رئيس الوزراء الياباني "شينزو آبي"، ونظيره الباكستاني "عمران خان" التوسط. 

وواصل التقرير: "يمكن أن يستخدم ترامب هؤلاء أو وسطاء آخرين لإيصال اقتراح لاتفاقية مؤقتة تتراجع فيه إيران عن تقدمها النووي، وتضع حدا للهجمات ضد القوات والشركاء الأميركيين وتكتسب تخفيفا محدودا للعقوبات".

لن يحل مثل هذا الاتفاق كل المشكلة مع إيران، ولن يوفر لترامب النصر الكبير الذي يتوق إليه، ولكنه قد يعالج أكثر مخاوف الأمن القومي الأميركي إلحاحا، وفق تقدير المجلة. 

أمر آخر قد يدفع المياه في المجاري الراكدة، وهو التوسع في رفع العقوبات المفروضة على الصادرات الطبية لمساعدة إيران على محاربة COVID-19، وهو الأمر الذي حث عليه كثير من المسؤولين الأميركيين والأوروبيين السابقين، والذي كان يجب أن يستجيب له ترامب.

وبين التقرير أن الإيماءات الإنسانية لها ما يبررها أخلاقيا، ويمكن أن تساعد في تقليل التوترات. كذلك، يمكن لطهران والولايات المتحدة أن تبنيا على تبادل الأسرى الأخير للتوصل إلى صفقة أوسع تعيد جميع الأميركيين المحتجزين في إيران بتهم وهمية.

وتابع أن اتخاذ هذه الخطوات، ومواءمتها مع المسار الدبلوماسي والتقدم إلى الأمام، سيكون الشيء المعقول الذي ينبغي القيام به.

واستدرك: "لكن لسوء الحظ، من غير المحتمل أن يشرع أي من الجانبين في مثل هذا المسار، نظرا للمستوى الاستثنائي من عدم الثقة المتبادل واعتقاد كل دولة أن إستراتيجيتها تعمل". 

وبدلا من ذلك، ينبغي للمرء أن يتوقع أن يتفجر الوضع بين إيران والولايات المتحدة في الأشهر المقبلة، وفق التقرير.