13 عاما على الانقسام الفلسطيني.. لهذا تفشل المصالحة في كل مرة

أحمد علي حسن | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بلغة المنتمين إلى حركة التحرير الوطني الفلسطيني "فتح" يسمى "انقلابا"، أما المؤمنون بعقيدة حركة المقاومة الإسلامية "حماس" يعتبرونه "حسما عسكريا"، وبين التسميتين هناك 13 عاما من الانقسام الذي شرخ القضية الفلسطينية والأرض، تخللتها محاولات لتوحيد المنقسمين؛ جميعها فشلت.

تاريخ الرابع عشر من يونيو/حزيران لن يُمسح من ذاكرة الفلسطينيين ولا كُتب تاريخهم، على الرغم من أنه تاريخ أسود لأسوأ فترة في عمر القضية الفلسطينية، التي أسهم المنقسمون في ضياعها، بحسب ما يرى منتمون إلى الحركتين وآخرون.

القصة بدأت عقب فوز حركة "حماس" في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2006، إذ وقعت نتيجة كاسحة غير مسبوقة في تاريخ الحركات الإسلامية الفلسطينية، بحصولها على 76 مقعدا من أصل مقاعد التشريعي البالغة 132.

بطبيعة الحال، لم يعجب ذلك حركة "فتح" التي تتنافر مع "حماس" في معتقداتها وأفكارها وأساليبها المتبعة لمحاربة الاحتلال الإسرائيلي، فبدأت بعد هذا التاريخ مرحلة من المناكفات السياسية امتدت عاما كاملا، قبل أن يقع صدام مسلح بين أعضاء الحركتين.

مسار الانقسام وأسبابه مر بمحطات كثيرة بعد تاريخ 14 يونيو/حزيران 2007، وشهد جهودا حقيقية وأخرى وهمية بمساعدات أطراف محلية ودولية وإقليمية، على أمل تحقيق المصالحة، لكنها لم تكلل بالنجاح، ولم تحدث إلا تغييرات طفيفة على الواقع الفلسطيني.

فما أسباب فشل تطبيق اتفاقيات المصالحة إلى حد اليوم؟ وما التبعات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي خلفها الانقسام الداخلي؟ وما مستقبل الحل في ظل تغير الظروف المحيطة انطلاقا من ظهور ملفات أخرى أكثر حضورا على الساحة الإقليمية والدولية؟

في هذا التقرير الشامل، تتبع "الاستقلال" أسباب اندلاع الانقسام الفلسطيني، وأهم المراحل التي مرت بها جهود المصالحة، كما سبرت آراء محللين سياسيين ومتخصصين في الشأن الفلسطيني، حول أسباب فشل المصالحة وتأثير ذلك على الوضع الفلسطيني.

أصل الخلاف

يظهر للمطلعين عن بعد على مجريات القضية الفلسطينية أن الانقسام بين الحركتين وليد 13 عاما، لكن في الحقيقة إن "فتح" و"حماس" على خلاف طويل بدأ منذ تأسيس الأخيرة عام 1987، واحتقنت علاقاتهما مع توقيع السلطة وإسرائيل اتفاقية "أوسلو" عام 1993.

الانقسام ظل داخليا إلى أن فازت "حماس" في الانتخابات التشريعية، إذ إن السلطة التي كانت تسيطر عليها حركة "فتح" رفضت المشاركة في الحكومة، بل وبدأت تحريض كوادرها وأعضاء الفصائل الأخرى على الانخراط مع "حماس" في الحكومة التي كان يفترض تشكيلها.

تجاهلت الحركة الإسلامية التحريض عليها وشكلت حكومتها برئاسة إسماعيل هنية، لكنها قوبلت بحصار إسرائيلي مشدد (مستمر) عرقل عملها، في حين رفضت الأجهزة الأمنية التعاطي مع الحكومة الجديدة، ولم تسلمها المقار ولا الوزارات.

في هذه الحكومة الجديدة شكلا ومضمونا، شكل وزير داخليتها آنذاك سعيد صيام ما عُرف بـ"القوة التنفيذية"، لكن "فتح" شنت عليها حملة واسعة وصلت لحد الاصطدام المسلح بينهما، الذي كان أن ينتهي بتدخل سعودي فيما عُرف بـ"اتفاق مكة".

اتفاق السعودية الهش تساقطت بنوده قبل تنفيذها، وعاد التوتر مع تجدد الاشتباكات بين مسلحي الحركتين، وهو ما انتهى بسيطرة "حماس" على غزة، ومنذ ذلك الحين وزمام الأمور في يد الحركة الإسلامية التي ترفض الاعتراف بإسرائيل كشرط لرفع الحصار.

اتفاقيات فاشلة

حاولت أطراف عربية ودولية رأب الصدع على مدار سنوات الانقسام وتقريب وجهات النظر بين الحركتين المتنافرتين أيديولوجيا، لكنها أخفقت في حل الخلاف لأسباب تشابهت خلال المحاولات العشر التي شهدها سجل محاولات إحلال الصلح.

وثيقة الأسرى: قرر قادة 5 فصائل فلسطينية توقيع وثيقة توافق وطني، في مايو/أيار 2006، بقصد توحيد الفصائل لكن "حماس" رفضتها على الرغم من قبول الرئيس محمود عباس، "لأنها ترى فيها اعترافا صريحا بإسرائيل وتخلّيا عن المقاومة المسلحة".

اتفاق مكة: تم التوقيع على اتفاقية وحدة وطنية جديدة في مكة المكرمة بإشراف الملك السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز، في 8 فبراير/شباط 2007، لكنها فشلت أيضا بسبب تجدد الاشتباكات المسلحة بين عناصر من الحركتين في غزة.

المبادرة اليمنية: التقى المنقسمون في العاصمة اليمنية آنذاك، يوم 23 مارس/آذار 2008، إذ وقعت الحركتان اتفاقا ينص على عودة الوضع إلى ما قبل 2007 (سيطرة حماس على غزة)، وهذا لم يتحقق أيضا، فاستمر الخلاف واستمرت معه المحاولات.

اتفاق القاهرة 2011: أعلن ممثلو الفصيلين اتفاقا جرى توقيعه رسميا بين عباس ورئيس المكتب السياسي لحماس آنذاك، خالد مشعل، ونص على تشكيل حكومة انتقالية في سنة واحدة، لكن العمل به تعلق في يونيو/حزيران 2011 بسبب الخلافات حول هوية رئيس الوزراء.

اتفاق الدوحة: جرى التوصل إليه بين الطرفين في فبراير/شباط 2012، ونص على تفعيل منظمة التحرير وإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية، وجرى متابعة تطبيقه في القاهرة بضمان تنفيذ الانتخابات وتسجيل الناخبين وتشكيل حكومة مؤقتة. 

اتفاق الشاطئ (مخيم فلسطيني في غزة): نص في 23 أبريل/نيسان 2014 على تشكيل حكومة وحدة في غضون خمسة أسابيع، تليها انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال 6 أشهر، وبالفعل في يونيو/حزيران اللاحق أدت حكومة الوحدة التكنوقراطية الجديدة اليمين برئاسة رامي الحمد الله، لكن الوضع لم يتغير بسبب التذرع بعدم تمكين حماس الحكومة الجديدة من أداء مهامها.

اتفاق القاهرة 2017: دُعيت الأطراف إلى مصر مجددا واتفقت على إنهاء الانقسام على أساس اتفاق القاهرة الأول بعد أن أعلنت "حماس" حل "اللجنة الإدارية" التي تسبب في فرض عباس سلسلة عقوبات على غزة منتصف العام ذاته.

ورغم كل الاتفاقيات إلا أن الوضع الفلسطيني لم يتغير، وبقي على ما هو عليه حتى اليوم، مع زيادة في تبعات الانقسام على قطاع غزة تحديدا الذي يعيش حصارا إسرائيليا ضرب كل قطاعات الحياة الاقتصادية والاجتماعية والإنسانية.

عقدة في منشار

بشكل ظاهر تختلف الرؤى بين الحركتين، لكن عند الاقتراب أكثر إلى تفاصيل الخلاف التي أججت الانقسام بينهما، نجد عدة ملفات خلافية كشفتها جولات المفاوضات التي جرت خلال أعوام الانقسام، وأهمها البرنامج السياسي، والشراكة الوطنية، وبناء منظمة التحرير، وسلاح المقاومة، وموظفو "حماس"، وتمكين الحكومة.

البرنامج السياسي: حماس لا تعترف بإسرائيل وتنتهج "المقاومة" سبيلا للتحرير، بينما تعتقد "فتح" أن المفاوضات مع إسرائيل، السبيل الوحيد لإقامة دولة على حدود 1967 (الضفة الغربية وغزة والجزء الشرقي من القدس).

الشراكة السياسية: يحتكر "عباس" رئاسة السلطة ومنظمة التحرير ومناصب أخرى، وهو ما ترفضه "حماس"، وتريد أن تكون هناك شراكة في اتخاذ القرار على اعتبار أنها جزء من الشرعية.

منظمة التحرير: الرئيس "أبو مازن" يريد أن يكون حضور "حماس" في المنظمة شكليا وغير مؤثر، لكن الأخيرة ترى ضرورة أن تأخذ حصة لا تقل عن حركة "فتح"، وأن تكون شريكة في القرار الوطني.

سلاح المقاومة: من أكبر العقبات أمام إنهاء الانقسام، في ظل إصرار "حماس" على الحفاظ عليه وعدم المساس به، وحديث "فتح" عن ضرورة أن يكون السلاح واحدا وخاضعا للسلطة.

ملف الموظفين: عينتهم "حماس" منذ سيطرتها على قطاع غزة عام 2007، وترفض السلطة الفلسطينية دمجهم ضمن موظفيها، وهو ما يمثل عائقا مهما أمام تنفيذ أي اتفاق للمصالحة. 

أسباب الفشل

الأسباب متعددة، من وجهة نظر المحلل السياسي "محمد حامد العيلة"، ويمكن قراءتها من زوايا مختلفة، إلا أنها مرت بتحولات اجتماعية وبنيوية، وسياقات مختلفة سواء فيما يتعلق بالبعد المحلي أو المؤثرات الخارجية، وفق ما يقول لـ "الاستقلال".

ومن هذه الأسباب، غياب مشروع وطني مرحلي وجامع، يجمع برامج الفصائل ويراعي اختلاف إستراتيجياتهم، إضافة إلى وصول حركتي "فتح" و"حماس" إلى حالة توازن في القوى، مما يصعب فرض أحد الطرفين شروطه على الآخر.

ويشير العيلة إلى عوامل مهمة تتمثل في "وجود فيتو أميركي-إسرائيلي" ترتهن إليه السلطة، ويجعل إتمام المصالحة بعيدا، وهو ما أدى إلى تشكيل الوعي الجمعي بأن "الانقسام لا علاج له"، وغيّب الدور الإيجابي للمكونات الفلسطينية الأخرى.

وانطلاقا من عامل الزمن، يرى وجود علاقة طردية بين طول عمر الانقسام وتعميقه، حيث أن المسائل الخلافية زادت عمقا وكما، مشيرا إلى غياب المعالجة الآنية لأحداث الانقسام، في ظل رهان "فتح" بأن حكم "حماس" والذي دعمته لاحقا باتخاذ سياسات ضد غزة لإثارة غضب المواطنين.

كما أن "العيلة" يرى أن الحوارات كانت أشبه بعملية الوصول إلى صفقة، ولم تهدف إلى وضع أسس للمشاركة السياسية، والاستمرار في ذات الطريقة لمعالجة الانقسام، إلى أن تراكمت الاتفاقيات وأصبحت عبئا إضافيا في طريق إحلال الوحدة.

وينوه إلى أن الدور السلبي الذي لعبه العامل الخارجي تسبب أيضا في إفساد المصالحة، وذلك لتعدد الأطراف الدولية ذات التأثير في المشهد الفلسطيني، وتضارب المصالح فيما بينهم، الأمر الذي أدام الخلاف، مستشهدا بالدور المصري الذي يعد أحد عوامل فشل "اتفاق مكة"، نظرا لتهميش السعودية مصر.

ويتفق المحلل السياسي الفلسطيني، "هاني البسوس"، مع قول "العيلة"، لكنه يختصر الأمر في سببين: الأول، اختلاف الرؤية بالنسبة للقضية والمشروع السياسي بين الحركتين، والثاني يتعلق بـ "الفيتو الإسرائيلي" على إشراك حماس في أي مشروع سياسي تقوده السلطة.

المصالحة الحقيقية

"العيلة" يرى أن الحل الحقيقي يكمن في وجود إرادة فلسطينية لتجاوز الانقسام وآثاره، "وتحديدا لدى (الرئيس) أبو مازن كونه يملك مفاتيح منظمة التحرير (معترف بها دوليا)، ويستطيع الدعوة لانتخابات (تشريعية ورئاسية في الضفة وغزة)".

وبطريقة مباشرة لم يجد المحلل السياسي الفلسطيني حرجا في إخفاء تشاؤمه إزاء التوصل إلى اتفاق قريب بين الأطراف المتنازعة، وذلك انطلاقا من استمرار جملة الأسباب سابقة الذكر: قائلا: "لا يوجد في المدى المنظور ما يدعو للتفاؤل".

ويرى المحلل السياسي الفلسطيني، "هاني البسوس" لـ"الاستقلال" أن تحقيق المصالحة "ممكن" إذا تم تجاوز عقبة "الفيتو الإسرائيلي"، وذلك من خلال تصميم قيادة حركة فتح وهي التي تقود السلطة الفلسطينية على المضي قدما في المصالحة.

ويضيف: "على حركة حماس مقابل ذلك، الرضى بالتعاطي مع مزيد من التنازلات في شكل وأسلوب العمل السياسي المشترك"، إضافة إلى "إشراك الفصائل الفلسطينية ودمجها في عملية شراكة سياسية مع حركتي فتح وحماس".

ويضيف: "إذا تمت المصالحة بهذا الشكل ستواجه تحديات كثيرة من الجانب الإسرائيلي وبعض الدول في العالم (لم يذكرها)، إلا أن القرار النهائي سيكون بيد قيادة فلسطينية موحدة".

قصم ظهورهم

استمرار الانقسام تسبب بخسائر كبيرة دفعها ثمنها الشعب في غزة أكثر منه في الضفة، ومن دون إغفال الآثار الاجتماعية والنفسية والإنسانية، لكن التبعات الاقتصادية كان لها الأثر الأكبر، إذ قصمت ظهر الفلسطينيين في القطاع الذي يعاني من الأزمات حتى قبل بدء الانقسام.

المتخصص بالشأن الاقتصادي الفلسطيني، "أحمد أبو قمر"، يقول: إن معدلات الفقر في قطاع غزة تحديدا كانت لا تتجاوز نسبة 35% قبل 2007 (عام الانقسام)، ثم إنها أصبحت تسجل ما يفوق الـ 80%، استنادا إلى إحصائية سنة 2019.

وعلى صعيد نسب البطالة، يوضح "أبو قمر" في حديثه لـ "الاستقلال" أنها تسجل أسوأ حالاتها، إذ إنها قبل العام المذكور لم تكن تتجاوز 25%، لكنها حاليا فاقت الـ 50%، منها ما نسبته 63% من الشباب حديثي التخرج، وهو أمر غير مسبوق.

ومن الناحية الإنتاجية، فإن غزة قبل 2007، كان لديها إنتاجية لتصدير الصناعات القماشية وبعض المحاصيل الزراعية والفواكه وانتعاش طفيف في حركة إنتاج الأثاث المنزلي وتصديره إلى الخارج، لكن تلك القطاعات باتت اليوم تعيش حالة أشبه بالخمول.

ويضيف "أبو قمر": "حاليا لا يوجد حركة تصدير للخارج ولا حتى استهلاك محلي داخل مجتمع استهلاكي بالدرجة الأولى، وهذه حالة لم يشهدها الاقتصاد الفلسطيني على الرغم من مروره بعقبات كثيرة"، مرجعا السبب الرئيس إلى الانقسام.

ويشير إلى وجود عجز كبير في الميزان التجاري، إذ زاد بنسبة كبيرة جدا على صعيد الصادرات والواردات فاق 90%، بخلاف بعض الفائض في الخضروات والأثاث، لكنه يعيد التأكيد على أن سببها القيود الصارمة التي يفرضها الانقسام والحصار الإسرائيلي.

وعلى الرغم من أن الضرر يأتي على الضفة الغربية كذلك، فإنها منخفضة مقارنة بأضرار الوضع الاقتصادي الواقعة على غزة، معتبرا أن تلك الأرقام تحمل مساوئ كبيرة جدا لا تمكن الفلسطينيين من إقامة اقتصاد قوي، سواء في الضفة أو في غزة.