نجح الفيروس وفشلت الدول.. كيف هزم كورونا أباطرة الهجرة السرية؟

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

نجح فيروس كورونا فيما فشل أن يحققه السياسيون والأمنيون المغاربة والإسبان والأوروبيون، في المعركة ضد ظاهرة الهجرة السرية المستعصية على أغلب الدول.

استطاع الفيروس أن يهزم أباطرة التهجير، وقطع الطريق أمام قوارب الموت التي كانت تشق البحر الأبيض المتوسط من المغرب باتجاه إسبانيا.

ظهرت أيضا الهجرة العكسية، إذ قرر عدد من المغاربة الهجرة عبر الزوارق المطاطية من سواحل إسبانيا باتجاه المغرب هربا من كورونا.

حلم إسبانيا

تعتبر إسبانيا من أكثر الدول المتضررة من فيروس كورونا، ورغم أنها بدأت تستعيد عافيتها إلا أنها حلت في المركز الرابع عالميا من حيث الإصابات بعد الولايات المتحدة والبرازيل وروسيا، والسادس من حيث الوفيات الولايات المتحدة وبريطانيا والبرازيل وإيطاليا وفرنسا.

أحصت إسبانيا 27 ألفا و136 وفاة بفيروس كورونا، حسب أحدث إحصائيات موقع "worldometers" المتخصص في رصد ضحايا كورونا عالميا، في الوقت الذي وصل فيه عدد الإصابات 242 ألفا و895 حالة منذ وصول الجائحة إلى إسبانيا في فبراير/شباط 2020.

إسبانيا التي دخلت منذ 14 مايو/ أيار 2020، شهرها الثالث من الحجر الصحي الشامل، والذي سيستمر حتى 21 يونيو/ حزيران 2020، ما زالت مستشفياتها تحتضن 124 ألفا و227 حالة مصابة بالفيروس، بينما يوجد  11 ألفا و426 مريضا في أقسام العناية المركزة.

ولأن وتيرة انتشار فيروس كورونا في إسبانيا سجل منحنى تنازليا، فإن حوالي 70 في المائة من الإسبان (32 مليون نسمة) انتقلوا بداية الأسبوع الماضي إلى المرحلة الثانية من مخطط التخفيف التدريجي للقيود المفروضة، في إطار حالة الطوارئ الصحية المعلنة منذ 14 مارس/آذار 2020.

"الفردوس الأوروبي"

غير كورونا موازين العالم، وهوى بكل الثوابت الراسخة، ولعل الهجرة السرية من القارة السمراء باتجاه "الفردوس الأوروبي" من أهم الظواهر المتأثرة بانتشار كورونا.

وتزامنا مع هذه الأزمة العالمية، أصدر الاتحاد الأوروبي تقريرا مفصلا يتحدث فيه عن الثروات التي تجنيها شبكات تهجير البشر والتي تعد بملايين الدولارات. أيضا، بدأت دراسات استباقية لمقارنة وضعية الهجرة عبر المتوسط قبل وما بعد أزمة كورونا.

كل الاحتمالات التي يضعها المغرب والاتحاد الأوروبي، أكدها التقرير الصادر عن وكالة مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي (فرونتيكس) مؤخرا، والذي كشف أن شبكات تهجير الشباب المغاربة وآخرين قادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء إلى إسبانيا، برا أو بحرا، ربحت في ظرف 3 سنوات ما يزيد على 160 مليار سنتيم (1.5 مليون دولار).

تحدث التقرير عن سنة 2017، وهي السنة التي عرفت بداية أزمة الهجرة غير النظامية بين المغرب وإسبانيا بحرا، إذ وصل عدد المهاجرين الذين وصلوا أوروبا عن طريق المغرب 22 ألف مهاجر.

وارتفع العدد في عام 2018، إذ تم تسجيل وصول 60 ألف مهاجر، وفي عام 2019 انخفض عدد المهاجرين بسبب الإجراءات الصارمة التي اتخذها المغرب والاتحاد الأوروبي الذي خصص 140 مليار سنتيم لمحاربتها، وتم تسجيل 24 ألف مهاجر غير نظامي.

التقرير أكد أن أرباح مافيا تهجير الشباب وصلت 35 مليار سنتيم (30 ألف دولار) سنة 2017، وتضاعفت هذه الأرباح سنة 2018 لتصل 105 مليارات سنتيم، لتتراجع سنة 2019 إلى 19 مليار سنتيم، بسبب الإجراءات المبذولة من الطرفين، الرباط والاتحاد الأوروبي.

التقرير الصادر فسر تراجع أرباح المافيات سنة 2019 إلى تراجع المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، وهم الذين يدفعون رسوما مرتفعة مقابل ذلك ارتفع عدد المغاربة الذين يدفعون أسعارا منخفضة أو لا يدفعون شيئا مقابل الوساطة.

محمد بنعيسى، رئيس مرصد الشمال لحقوق الإنسان والمهتم بقضايا الهجرة، قال: إن الأرقام المعلن عنها حول ثروة شبكات تهجير البشر في الأطلسي أقل كثيرا مما يمكن أن يجنيه سوق الاتجار بالبشر بين المغرب وأوروبا والذي عرف خلال عامي 2017 و2018 ارتفاعا كبيرا.

وأضاف المتحدث لـ"الاستقلال": "عائدات المافيا مضاعفة مقارنة بالأرقام الرسمية التي يُعلن علنها، لأن أساس نشاط هذه الشبكات لا ينبني على الهجرة السرية فقط، لكن نشاطها الأساسي مرتبط بتجارة المخدرات".

قوارب الموت

كشف التقرير الأخير الذي قدمته الجمعية الأندلسية لحقوق الإنسان، أن تدفقات الهجرة السرية باتجاه إسبانيا عرفت ارتفاعا سنة 2019 إذ تم تسجيل وصول 32 ألفا و513 مهاجرا عبر البحر، 30 في المائة منهم من القصر.

وكشف التقرير أن سنة 2019 عرفت وفاة 585 شخصا غرقا بعد  محاولتهم الوصول إلى إسبانيا.

وبخصوص طرق الوصول إلى إسبانيا، يعتقد التقرير أن 27 ألف مهاجر وصلوا إليها بحرا على متن قوارب الموت، بينما 6345 وصلوا إليها برا عبر سبتة ومليلية.

ويؤكد التقرير أن 54.65 في المائة من الواصلين إلى الجنوب الإسباني ينحدرون من إفريقيا جنوب الصحراء، و41.18 في المائة من شمال إفريقيا، كما أن 87 في المائة من الذكور، و12.63 في المائة فقط من الإناث.

وأشار التقرير إلى أن عدد قوارب الموت الواصلة إلى السواحل الإسبانية تراجع بشكل ملحوظ، حيث انتقل من 2127 في عام 2018 إلى 1194 سنة 2019. 

ويظهر كذلك، أنه خلال سنة 2019، وصل 1361 مهاجرا إلى سبتة برا، و684 مهاجرا وصلوا بحرا، فيما وصل 5000 مهاجر تقريبا إلى مليلية برا، و995 بحرا.

وذكر التقرير بتشييد الرباط سياجا شائكا في الجانب المغربي خلال 2019، مقابل نزع مدريد الأسلاك الشائكة والشفرات الحادة من الجانب الإسباني.

هجرة عكسية

منذ سنة 1988، وهو التاريخ الذي بدأت تظهر فيه قوارب الموت لنقل الحالمين بالفردوس من القارة الإفريقية إلى أوروبا، وكل الأطراف تحاول شل حركة النقل السرية تلك التي تنطلق من السواحل المغربية باتجاه إسبانيا.

لكن منذ وصول جائحة كورونا إلى المغرب وإعلان حالة الطوارئ في مارس/آذار 2020، طفت إلى السطح ظاهرة أخرى، وهي الهجرة السرية العكسية، بعدما اضطر عدد من المواطنين العالقين في إسبانيا مواجهة موج البحر للوصول إلى المغرب.

لم تنجح الجائحة فقط في شل حركة قوارب الموت تقريبا انطلاقا من السواحل المغربية صوب نظيرتها الإسبانية، بل أدت إلى بروز ظاهرة الهجرة العكسية للمغاربة من الشمال إلى الجنوب.

وحسب المعلومات التي أوردتها صحيفة "إلفارو دي سبتة"، فإن 19 مغربيا كانوا عالقين في إسبانيا عادوا إلى المغرب سباحة بعدما تمكنوا من الهرب من المركز الذي كان يقوم بإيوائهم ويخضعون فيه للحجر الصحي المؤقت، كما أن عددا من المغاربة حاولوا الهرب من إسبانيا عبر البحر قبل أن يوقفهم الأمن الإسباني ويعيدهم إلى المركز.

من جهتها نقلت صحيفة "إلباييس" عن مصادرها الخاصة أن مجموعة مكونة من 100 مغربي خرجوا نهاية مارس/آذار 2020، من السواحل الإسبانية باتجاه ساحل مدينة العرائش المغربية على متن قارب مطاطي، وذلك بمساعدة شبكة تهجير مقابل 54 ألف درهم (5400 دولار)، وهو الثمن الذي يضاعف ثمن الهجرة السرية من المغرب إلى إسبانيا حوالي 5 مرات.

وتحدثت الصحيفة الإسبانية أن الهجرة العكسية لـ100 شخص لا تتعلق بمهاجرين غير نظامين، لكن بمهاجرين اختاروا طواعية العودة إلى المغرب هربا من فيروس كورونا الذي انتشر في إسبانيا.

ما بعد كورونا

أكد التقرير الصادر عن وكالة مراقبة الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي قدرة شبكات تهريب المهاجرين على التأقلم مع كل المستجدات، محذرا من إمكانية استغلالها لأزمة كورونا، وبدء هذه الشبكات في تنويع مشاريعها الإجرامية من خلال استثمار أموالها في مشاريع أخرى غير القانونية لتشمل جرائم أخرى مثل غسل الأموال، والفساد، والتهريب.

وأثار التقرير مخاوف المؤسسات الأوروبية الرسمية ومراكز الدراسات الذي بدأت تتطلع إلى مستقبل الهجرة السرية باتجاه أوروبا انطلاقا من المغرب وليبيا وتونس وتركيا واليونان بعد انجلاء أزمة كورونا.

وسجل التقرير تراجع تدفقات الهجرة عبر البوابة الغربية للمتوسط، انطلاقا من المغرب والجزائر، صوب إسبانيا، بنسبة 82 في المائة خلال أبريل/نيسان 2020، مقارنة بالشهر الذي قبله.

كما تراجعت تدفقات الهجرة في وسط المتوسط، من ليبيا إلى إيطاليا، خلال أبريل/نيسان 2020، بـ 29 في المائة مقارنة بالشهر الذي قبله، وتراجعت في شرق المتوسط، بين تركيا واليونان، بمعدل 99 في المائة، وفي طريق غرب البلقان بمعدل 94 في المائة.

من جهته، حث مكتب دعم اللجوء بالاتحاد الأوروبي (Easo) الحكومات على التفكير بشأن الأخطار المتوسطة والكبيرة التي قد تترتب على تفشي الفيروس في بلدان المعبر والمصدرة للهجرة غير النظامية.

مخاوف المنظمات الحقوقية والمؤسسات الرسمية أرجعتها إلى ارتفاع نسبة الفقر في القارة الإفريقية بعدما تضع حرب كورونا أوزارها، بالإضافة إلى ارتفاع عدد العاطلين عن العمل الأمر الذي ستستغله الشبكات الإجرامية لتهريب أكبر عدد من الأشخاص إلى أوروبا.

وعن مآل الهجرة السرية بعد كورونا، قال محمد بنعيسى في حديثه لـ"الاستقلال": إن أوروبا وليست إسبانيا وحدها ستعرف موجة هجرة غير مسبوقة.

وأضاف: "أزمة كورونا ستحدث شرخا كبيرا في اقتصادات الدول الإفريقية من بينها المغرب الأمر الذي سيؤدي إلى ارتفاع نسبة البطالة".

واعتبر بنعيسى أن القارة الأوروبية ومن بينها إسبانيا ستكون بحاجة إلى اليد العاملة لإعادة بناء ما دمرته الجائحة في اقتصادها، هذه العوامل كلها تساهم في ارتفاع نسبة الهجرة السرية إلى أوروبا عن طريق المغرب.