إقرار عراقي بوجود مخفين قسرا.. هل تعجز الحكومة عن إطلاقهم؟

سلطان العنزي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

عادت قضية الإخفاء القسري في العراق إلى الواجهة مجددا، بعد أن أطلق ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، هاشتاج "#وينهم"، طالبوا فيه بالكشف عن مصير المخفيين.

الناشطون طالبوا رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بفتح ملف المغيبين قسرا، وعدم إهماله وتمييعه، مؤكدين أن الحكومات العراقية السابقة لم تُقدم على اتخاذ أي خطوة جدية لمعرفة مصير هؤلاء.

ويعرّف القانون الدولي “الإخفاء القسري” على أنه “توقيف شخص ما على يد مسؤولين في الدولة أو وكلائها، أو على يد أشخاص أو مجموعات تعمل بإذن من السلطات، أو دعمها أو قبولها غير المعلن، وعدم الاعتراف بالتوقيف أو الإفصاح عن مكان الشخص أو حالته". 

ورغم عدم وجود أرقام وإحصاءات دقيقة حول أعداد المفقودين والمغيبين قسرا في العراق، إلا أن منظمات حقوقية تقدر أعدادهم ما بين 12 إلى 15 ألف شخص.

وبحسب منظمة هيومن رايتس ووتش، فإن الإخفاءات القسرية الموثقة في العراق كانت من تنفيذ قوات أمنية رسمية، غير أن العدد الأكبر، تم على يد مليشيات منضوية تحت مظلة "الحشد الشعبي”.

أين أبناؤنا؟

في تغريدات عبر هاشتاج “#وينهم”، أكد ناشطون عراقيون أن مصير آلاف المدنيين مجهول ما بين سجون الحكومة العراقية، والسجون السرية التابعة للميليشيات المسلحة.

وأشار الناشطون إلى أنه بالرغم من إعلان الحكومة انتهاء العمليات العسكرية، وتحرير المناطق من سيطرة تنظيم الدولة، فإن مصير الآلاف من أبناء تلك المناطق مايزال مجهولا.

المغرد أحمد الراوي، قال: إن أعداد العراقيين المختفين قسرا خلال الأعوام 2017 و2018 و2019، تتجاوز 7 آلاف حالة، مؤكدا أن الأسباب التي تقف وراء ذلك “طائفية”.

ونوه الراوي إلى تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش، الذي كشفت فيه عن تلقيها أكثر من 4800 شكوى ومناشدة، حول وجود حالات اختفاء قسري في مختلف المحافظات العراقية.

بدوره كشف الصحفي حازم المعموري، أن أربعة من إخوته معتقلون ومغيبون قسرا، منذ عام 2014، داعيا الجهات المسؤولة إلى إنهاء معاناتهم، وإعادتهم إلى أولادهم وزوجاتهم.

فيما اتهم الصحفي عثمان المختار، مليشيات حزب الله والنجباء والعصائب وبدر والخراساني وعاشوراء، والمليشيات الأخرى التابعة لطهران، بتغييب قرابة 20 ألف عراقي. وتساءل المختار عن سبب رفض الإفصاح عن مصيرهم؟

إلى ذلك، أكد الصحفي حسين دلي، أن 15 فردا من أقاربه كانوا ضمن 700 شخص اختُطفوا قبل 4 سنوات في منطقة الصقلاوية بمحافظة الأنبار. ولفت إلى أن المخطوفين “مزارعون” تم فصلهم عن عوائلهم واقتيادهم إلى جهة مجهولة.

من جانبه، حمّل الإعلامي محمد الكبيسي، “الساسة السنة”، الجزء الأكبر من مسؤولية استمرار تغييب الأبرياء. فبضعفهم استقوت المليشيات، وعاثت بمناطقهم  دون أن يحركوا ساكنا، وفق تعبيره.

أما الكاتب والباحث والمحلل السياسي، لقاء مكي، فأشار إلى أن ميزان العراق وموازينه لن يعتدل قبل رفع الظلم ورد المظالم. ورأى أن كل ذلك بعيد مادام آلاف العراقيين مغيبين منذ سنوات، على أيدي المليشيات.

ودخل مركز "جرائم الحرب" على خط القضية، بتأكيده على أن ملف المغيبين في العراق لم يعد يتحمل السكوت عنه، مطالبا المجتمع الدولي والأمم المتحدة بالتحرك سريعا وفق القانون الدولي والمعاهدات الدولية البحث عنهم.

إقرار وانتقادات

في حديث مع صحيفة “الاستقلال”، أوضح رئيس مركز بغداد لحقوق الإنسان، مهند العيساوي، أن غالبية المدنيين المخفيين قسرا هم من سكنة محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين. 

وفيما أشار العيساوي إلى أن دوافع عمليات الإخفاء “طائفية” للانتقام من سكنة هذه المناطق والتنكيل بهم، لفت إلى أن المسؤول الأول عن ذلك هي مليشيات “الحشد الشعبي”، وكذلك بعض الجهات داخل القوات الرسمية. 

ووفقا لروايات متواترة وثقها “مركز بغداد” لمختطفين أُفرج عنهم بفدية مالية خلال فترات سابقة، فإن السجون السرية التي يقبع فيها هؤلاء المختطفون، تقع في ناحية “جرف الصخر” شمالي محافظة بابل.

وهذه السجون عبارة عن مدارس ومنازل احتلتها المليشيات، وحولتها إلى مراكز للاعتقال، ويتعرض المخفيون فيها لأبشع صور التعذيب وسوء المعاملة. بحسب المركز الحقوقي.

وختم العيساوي حديثه بالتأكيد على أن السلطات العراقية لم تُقدم على اتخاذ أي خطوة جدية لمعرفة مصير هؤلاء المخفيين، الأمر الذي سيضطر ذويهم والمنظمات الحقوقية إلى تدويل القضية. 

واعترفت مقررة لجنة حقوق الإنسان في البرلمان العراقي، النائبة وحدة الجميلي، بوجود مغيبين قسريا من قبل جهات سياسية وأخرى مسلحة تجد في مثل هذا “السلوك العدواني” وسيلة لإزاحة من يعترضون طريق طموحاتها، وتصفية وجودهم على الساحة.

وخلال زيارة أجراها رئيس الوزراء العراقي الجديد مصطفى الكاظمي، إلى مقر وزارة الداخلية، منتصف أيار/مايو 2020، طالب الوزارة بسرعة الكشف عن مصير المختطفين والمغيبين.

كما أمر الكاظمي بتشكيل لجنة عليا برئاسة وزير الداخلية عثمان الغانمي، لتقصي الحقائق حول وجود سجون سرية يُحتجز فيها مدنيون، والسماح لهذه اللجنة بالدخول إلى أي مؤسسة أو مبنى يشتبه بوجود سجن سري داخله. 

وأقر رئيس الحكومة حينها، بوجود ما أسماها “عصابات إجرامية” تتحرك عبر غطاء غير شرعي، وتمارس نشاطاتها اعتمادا على تخويف الناس. مشددا على أن “الموقف الحازم” من الأجهزة الأمنية سيكون كفيلا بوضع حد سريع لذلك.

من جانبها، طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش، السلطات العراقية بتشكل لجنة تفتيش مستقلة للتحقيق في الاختفاء القسري والموت، خلال الاحتجاز على المستوى الوطني، في مراكز الاحتجاز الرسمية وغير الرسمية.

وقالت “لما فقيه”، نائبة مديرة قسم الشرق الأوسط في المنظمة: "في مختلف أنحاء العراق، تتوق الأسر التي أُخفي آباؤها، أزواجها، وأطفالها بعد أن احتجزتهم القوات العراقية إلى إيجاد أحبتها”.

ولفتت فقيه إلى أنه برغم البحث والطلبات المقدمة إلى السلطات العراقية لسنوات، فإنها لم تقدم أي جواب حول مكانهم، أو ما إذا كانوا لا يزالون أحياء.

المنظمة الحقوقية شددت على وجوب توجيه تهمة لأي شخص محتجز أو إطلاق سراحه. أما إذا كانوا قد تُوُفّوا، فعلى الحكومة أن تعيد الجثث إلى الأسر، وتقدم شرحا مفصلا لظروف الوفاة. 

كما دعت “رايتس ووتش” الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وفرنسا والدول الأخرى التي تقدم الدعم العسكري والأمني والاستخباري للعراق أن تحث السلطات في بغداد على التحقيق في ادعاءات الإخفاء القسري.

هذا بالإضافة إلى التحقيق في دورها بهذه الانتهاكات، فضلا عن ضرورة تجميد الدعم العسكري والاستخباري للوحدات العسكرية المتورطة، حتى تنفذ الحكومة التدابير اللازمة لإنهاء هذه الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان.

ونوهت “فقيه” إلى أن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة والدول الأخرى صرف مليارات الدولارات على الجيش والأجهزة الأمنية في العراق، ومن مسؤولية هذه الدول أن تصر على أن توقف الحكومة العراقية الإخفاءات القسرية وتدعم أسر الضحايا.