كورونا أصابه بالضغط والبطء.. هل نستيقظ على عالم بدون إنترنت؟

مهدي القاسمي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في لحظة واحدة أصبح كوكب الأرض كله على الإنترنت، وزادت إجراءات الحجر الصحي لكورونا بشكل كبير من استخدام الشبكة العنكبوتية بنسبة 50٪ في جميع أنحاء العالم، حسب المنتدى الاقتصادي العالمي.

ليس فقط التسوق هو ما يقوم به الناس عبر الإنترنت، بل إن بقاءهم في المنازل جعل كل حياتهم على الشبكة العنكبوتية، العلاقات الاجتماعية والعمل والترفيه.

الملايين يوميا في جميع أنحاء العالم يتصلون بالإنترنت، إما بغرض التعليم أو الدراسة أو حجز مواعيد الأطباء، أو شراء مستلزمات المنزل أو اللعب والتسلية أو التواصل الاجتماعي أو أداء مهام العمل والوظيفة.

تسبب كل ما سبق في ارتفاع الطلب على بعض مزودي خدمة الإنترنت (ISPs). وتقول شركة "فودافون"، التي تعمل في أكثر من 65 دولة: إنها "شهدت بالفعل زيادة في حركة البيانات بنسبة 50٪ في بعض الأسواق". 

فيما أفاد موقع أخبار التكنولوجيا "ذا روجيستر" بأن عددا من منصات العمل، مثل "مايكروسوفت تيمز" ومنصة اجتماعات الفيديو "زووم"، تكافح لمواكبة احتياجات المستخدمين.

خطوات استباقية

في مارس/ آذار 2020، طلب المفوض الأوروبي لشؤون السوق الداخلية، تييري بروتون، من شركة "نيتفليكس" لخدمات الترفيه تخفيف الضغط على  الشبكة العنكبوتية لتسهيل العمل والتعليم عن بعد خلال مرحلة الحجر المنزلي التي فرضتها الدول الأوروبية لمكافحة انتشار فيروس كوفيد 19.

وقررت الشركة خفض سرعة بثها التدفقي في أوروبا لمدة 30 يوما بنسبة 25%. بروتون تحدث خلال طلبه عن خفض السرعة للحفاظ على حسن سير الإنترنت، في حين يؤكد بعض مزودي خدمات الإنترنت وشركات التكنولوجيا أن هناك الكثير من القدرات في الشبكة.

وأوضحت هذه الشركات أن الأزمة لا تكمن في نقص القدرة، لكن في الزيادة المفاجئة في الطلب، مع الإشارة إلى أن خدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول هي الأكثر تضررا من زيادة الطلب.

في يناير/ كانون الأول 2020، انخفضت سرعات تنزيل النطاق الترددي العريض للأجهزة المحمولة في العديد من البلدان الآسيوية، رغم أن النطاق العريض الثابت كان جيدا.

رفع التحدي

اتخذت المفوضية الأوروبية خطوة غير مسبوقة في مطالبة الجميع بالمساعدة. وقال مفوض السوق الداخلية في اللجنة، تييري بريتون: "على منصات البث ومشغلي الاتصالات والمستخدمين تحمل المسؤولية لاتخاذ خطوات لضمان الأداء السلس للإنترنت خلال المعركة ضد انتشار الفيروس".

وقال مزودو خدمة إنترنت آخرون: إنهم سيضيفون المزيد من السعة عند الحاجة. وأعلنت "فودافون"، على سبيل المثال، أنها تقدم سعة شبكة وخدمات إضافية للمستشفيات والأطباء في المملكة المتحدة.

وفي الولايات المتحدة، فتحت شركة "كومكاست" شبكتها من نقاط اتصال واي فاي لجعلها مجانية للعملاء وغير العملاء على حد سواء. كما أنها تتسامح في تأخر دفع الفواتير.

ويفيد المنتدى الاقتصادي العالمي، أن هذا ليس هو الحال في جميع أنحاء العالم، ففي العديد من البلدان النامية، لا توجد البنية التحتية للتعامل مع الزيادة الكبيرة في الطلب.

ولا تزال العديد من شبكات المحمول تعمل على شبكات الجيل الثاني 2G، في حين أن اتصالات الإنترنت السلكية واللاسلكية غير موجودة في كل مكان، وكل ذلك يجعل من إمكانية العمل في المنزل بعيدة.

رحلة الإنترنت

أفادت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية بأن البنية التحتية للإنترنت تتعرض لضغوط هائلة على الصعيد العالمي. وأنشأ باحثون أستراليون خريطة "ضغط على الإنترنت العالمي" التي تكشف عن الآثار المترتبة على بقاء الناس في المنزل.

يقوم البرنامج، الذي طورته شركة البيانات "كاسبر داتا هاوس"، على جمع ومعالجة مليارات من أنشطة الإنترنت وقياسات الجودة يوميا. وكشف أن أي نشاط مكثف للنطاق الترددي، مثل بث الفيديو عالي الدقة والألعاب المكثفة على الإنترنت يمكن أن يساهم في الضغط.

وقال الاقتصادي في جامعة موناش بمدينة ملبورن والمؤسس المشارك في البرنامج، البروفيسور بول راشكي: "المزيد من الأشخاص في المنزل يعني المزيد من الأشخاص على الإنترنت".

فسر البروفيسور للصحيفة البريطانية، كيف يتكون بث الفيديو أو تحميله أثناء الاجتماعات عن بعد من حزم صغيرة من المعلومات، تحتاج إلى إيجاد طريقها إلى أسفل كابلات النحاس والألياف الضوئية عبر مسافات شاسعة.

"كلما زادت حزم البث التي تحاول القيام بالرحلة في وقت واحد، زاد ازدحام المسار وتباطؤ وقت الوصول"، حسبما يقول راشكي.

ضغط غير مسبوق

درس الفريق كيف كان أداء الإنترنت لكل دولة وسط الإقبال الكبير على الترفيه المنزلي، بما في ذلك الألعاب والأفلام المتدفقة، بالإضافة إلى اجتماعات الفيديو والاتصالات الأخرى عبر الإنترنت.

لاحظ فريق البحث تغيرات بدأت تظهر بين 12-13 مارس/ آذار 2020، في نفس الوقت الذي دخلت فيه العديد من الدول بما في ذلك فرنسا وإسبانيا وإيطاليا للحجر الصحي الذي فرضته الحكومات. فالعديد من المستخدمين بدؤوا يعانون من ازدحام عرض النطاق الترددي.  

ركز الفريق على البلدان التي لديها ما لا يقل عن 100 حالة مؤكدة من كوفيد 19 اعتبارا من 13 مارس/آذار 2020، حيث إنها الأكثر احتمالا للقيام بأنشطة إبعاد اجتماعي كبيرة.

وكشفت الخريطة الضغط على شبكات الإنترنت بشكل خاص في إيطاليا وإسبانيا والسويد وإيران وماليزيا، بينما كانت أستراليا في طريقها للتوقف. ولوحظ أن  الأرقام على الخريطة بدأت تتغير، إذ يتم تحديثها ومراقبتها باستمرار.

وفي المملكة المتحدة، كانت هناك زيادة مسجلة في ضغط الإنترنت بين منتصف فبراير/ شباط 2020، ومنتصف مارس/ آذار 2020، بنحو 4 في المائة.  

وأوضح البروفيسور راشكي: أنه "في معظم دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية المتأثرة بكوفيد 19، جودة الإنترنت مستقرة نسبيا، رغم أن المناطق في جميع أنحاء إيطاليا وإسبانيا والسويد إلى حد ما تظهر علامات الإجهاد". كما أنشأ الفريق رسما يوضح ضغط الإنترنت خلال أيام العمل.

إهدار الخدمة

وقال فريق البحث: إن الحكومات ومزودي الخدمة يمكن أن يحدوا من بعض الخدمات عبر الإنترنت، ما يمنع توقف الشبكات بسبب ارتفاع حركة المرور.

قال إيوين كيري، المؤسس والرئيس التنفيذي لإحدى شركات أمن الكمبيوتر: "تمر حركة المرور عبر أنظمة وموفرين مختلفين، بعضها غير مصمم لعرض النطاق الترددي".

وأضاف: أنه "عندما يتم التخطيط لإدارة السعة، يتم النظر في أنماط الاستخدام النموذجية، والذروات وأوقات الحوض الصغير، ولكن نموذج العمل من المنزل والتباعد الاجتماعي قد غيّر هذا النمط من الاستخدام بشكل كبير".

في المملكة المتحدة، أصر مقدمو خدمات النطاق العريض على دعم ملايين الأشخاص الذين يعملون من منازلهم خلال الوباء، رغم تحذير الخبراء سابقا من أن الشبكات "لن تتعامل" مع حركة المرور الإضافية.

وأوضحت الإحصاءات أنه في جميع أنحاء المملكة المتحدة يتعامل المزودون مع حركة مرور أعلى بكثير بين الساعة 6 و 10 مساء، رغم أنها تتعامل مع حوالي 10 أضعاف البيانات خلال يوم عمل عادي.

وتبيّن قدرة الذروة هذه أن شبكة النطاق العريض للشركة مبنية لتحمل خمس القوى العاملة في البلاد التي تعمل في المنزل، حسب البرنامج.

وكانت أعلى قمة في حركة المرور المسائية - حوالي 17.5 تيرابايت في الثانية - كانت مدفوعة بتحديثات ألعاب الفيديو وتدفق كرة القدم، في حين أن الاستخدام أثناء النهار خلال ساعات العمل هو حوالي 5 تيرابايت في الثانية. 

هل ينقطع؟

حث خبير ألعاب الفيديو، كيستر مان، لاعبي ألعاب الفيديو على تقليل الوقت الذي يقضونه في ممارسة الألعاب عبر الإنترنت خلال ساعات العمل للحد من ضغط الشبكة - وهو اقتراح أثار استياء وغضب اللاعبين عبروا عنه على مواقع التواصل الاجتماعي.

لكن مان قال: إنه إذا تجاوز عدد الزيارات المستويات المتوقعة، فقد يضطر المشغلون إلى إعطاء الأولوية لأنواع معينة من الخدمة، مثل الوصول إلى الرعاية الصحية المهمة أو موارد التعليم.

اتفقت خدمات البث مثل نتفليكس وأمازون ويوتيوب على خفض جودة البث لخدماتها في أوروبا للحد من مخاطر الحمل الزائد للشبكة، وفقا لتوصية رئيس صناعة الاتحاد الأوروبي تييري بريتون.

وقال مان: "إذا بدأت الشبكات في الضغط تحت الاستخدام المتزايد، يمكن للحكومات أن تتدخل وتفرض المزيد من الإجراءات". ومع ذلك، ورغم الطفرة الهائلة، فاحتمال أن ينقطع الإنترنت عن العالم بات أمرا مستبعدا ومن الخيال بعد أن أصبح كالماء والهواء.