نيويورك تايمز: السيسي ينتقم من معارضي الخارج باعتقال أسرهم في الداخل

12

طباعة

مشاركة

قالت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية إن المعارضين للنظام المصري المقيمين في منفاهم الاختياري خارج مصر يطلقون دعوات المعارضة، في الوقت الذي تدفع فيه أسرهم الثمن بالداخل معانين من سطوة وتجبر السلطات.

وذكرت الصحيفة في تقريرها الذي أعده ديلكان واتش مدير مكتبها في القاهرة أن السلطات المصرية قامت بسجن أقارب بعض المعارضين لسياسات رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، الذين يعيشون في المنفى، مما يُعد آخر جهود النظام المصري في محاولته لإسكات أصوات المعارضة التي تنطلق من خارج الحدود.

ولفتت في تقريرها إلى أن مدوناً مصريا شهيراً نشر مقطع فيديو صادم يظهر ضابطا عسكريا يقطع إصبع جسد مجهول ويضرم النار في جسده، اعتبره الكثيرون من أكثر الصور إثارة للصدمة التي خرجت من سيناء، حيث يقاتل الجيش المصري المقاتلين المسلحين في حرب خفية تتسم بعدم الشفافية.

وأكدت أن عبد الله الشريف، المعارض المصري، الذي يعيش في المنفي، كانت لديه الشجاعة الكافية لبث مقطع الفيديو المروع في مارس/آذار 2020، إلا أن قوات الأمن المصرية ما لبثت بعد نشر الفيديو أن اقتحمت بيت عائلته، التي تُقيم في مدينة الإسكندرية الساحلية واعتقلوا شقيقيه الإثنين بتهمة الإرهاب. 

وأشارت الصحيفة إلى أن الشريف يقيم في قطر، بعيداً عن أيدي قوات الأمن المصرية، التي تنتقم منه بسجن أشقائه في أحد السجون المصرية خارج القاهرة.

تضييق الخناق

وتنقل عن منظمات حقوق الإنسان قولها إن الحكومة المصرية كانت قد نجحت في تضييق الخناق على الأصوات المعارضة التي تنطلق من الداخل المصري، وانطلقت لمحاولة إسكات نظرائهم المقيمين في منافيهم خارج مصر عن طريق سجن أفراد من عائلاتهم.

ومنذ مطلع العام 2019، اعتقلت قوات الأمن المصرية ما يقارب من 15 فرداً من أقارب معارضين مصريين في المنفى، وفق الصحيفة.

وأكدت أن قوات الأمن اقتحمت منازل أقارب المعارضين المصريين في المنفى، وصادرت أموالهم وجوازات سفرهم بالإضافة إلى كافة أجهزتهم الإلكترونية.

كما احتجزوا آبائهم وإخوانهم وأجبروهم إجبارهم للظهور علناً للتنديد بما يقوم به أقاربهم وهم خارج مصر، كما اتهمت السلطات العديد منهم بتهم تتعلق بالإرهاب وتم سجنهم.

وقال عمرو مجدي من هيومن رايتس ووتش، التي وثقت اقتحامات تمت على عائلات 14 من المعارضين المنفيين، أن ما يجري نوع من أنواع العقاب الجماعي حيث تم اعتقال ومحاكمة ما لا يقل عن 20 من الأقارب على الأقل.

وقال عبد الله الشريف، الذي تحظي مقاطع الفيديو التي يثها على موقع يوتيوب بمليونيين أو 3 ملايين مشاهدة في غالب الأحوال، إن المسؤولين المصريين أخبروه أنه إذا أوقف مقاطع الفيديو التي يهاجم فيها الحكومة فإنهم سيطلقون سراح أخوته.

وأضاف الشريف: "أشعر بالضيق حقا، لقد فقدت شهيتي، والدتي وأبي يتصلان طوال الوقت، يبكيان على الهاتف، يطلبان مني أن أتوقف، أنا لا أعرف ما الذي يجب علي القيام به".

ولفتت الصحيفة إلى أن رئيس جهاز الهيئة العامة للإستعلامات في مصر لم يرد على طلب الصحيفة للتعليق.

وأشارت إلى أن النظام الحاكم في مصر لطالما استخدم مثل هذه التكتيكات ضد أسر تجار المخدرات المشتبه فيهم والمتشددين، ولكن مع تصعيد السيسي القمع في السنوات الأخيرة، وسع دائرة القمع لتشمل استهداف أسر المعارضين المنفيين والصحفيين والشخصيات السياسية المعارضة.

وأشارت الصحيفة إلى إحدى حالات استهداف أسر المعارضين المنفيين الحديثة وهي حالة الممثل المصري، محمد شومان، الذي وجه نداء عاطفيًا على فيسبوك من تركيا لإطلاق سراح شقيقه وابنه، الذي قال إنه تم سجنه انتقامًا لدوره في فيلم يسلط الضوء على وحشية الشرطة.

الفن والإعلام

وذكرت أن السيسي سجن المعارضين لسياساته المقيمين داخل مصر، كما أنه قام بإخضاع وسائل الإعلام له، حيث استحوذت أجهزة المخابرات التابعة له على حصص في أكبر شبكات التلفزيون الخاصة، وحظرت أكثر من 500 موقعاً الكترونياً.

كما عملت على مراقبة نصوص المسلسلات التلفزيونية الشهيرة للغاية التي يتابعها المصريون حاليًا خلال شهر رمضان المبارك، لكن قبضته الحديدية على وسائل الإعلام المصرية ربما ساعدت عن غير قصد على رفع شأن صورة وسائل الإعلام والمدونين المقيمين في الخارج.

ونوهت الصحيفة في تقريرها إلى أن جميع المحطات التلفزيونية الخاصة المصرية المستقلة اسمياً تقدم أخباراً وتعليقات متشابهة مؤيدة للنظام.

ويبدو أن مضيفي البرامج الحوارية يغنون من نفس اللحن والنوتة الموسيقية التي تم وضعها في أجهزة الأمن والمخابرات، بحيث تبدو نشرات الأخبار صورة طبق الأصل من السيطرة في الحقبة السوفيتية، في حين يصنف النظام المصري منتقديه على أنهم تابعين للإخوان المسلمين المحظورين، أو عملاء لدولة قطر، التي يناصبها السيسي العداء.

ولفتت الصحيفة إلى أنه "عندما توفي الرئيس المصري السابق، محمد مرسي، المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين، قامت جميع القنوات التلفزيونية ببث نفس نشرة الأخبار المكونة من 42 كلمة، والتي أملتها عليها أجهزة المخابرات".

وهنا تؤكد الصحيفة أن المشاهد المصري يحاول الهرب من القنوات التلفزيونية المصرية التي تعزف لحنا واحدا وضعه مسؤولو الأمن والمخابرات محاولا التعرف علي أخبار بلده من وسائل الإعلام الأجنبية كبديل لتلك القنوات التي لا تقول إلا ما تمليه عليها الحكومة.

بالإضافة إلى وسائل الإعلام الأجنبية، يتجه المشاهد المصري إلي قنوات اليوتيوب الشهيرة مثل قناة عبد الله الشريف، كما أن هناك أدلة غير مؤكدة على أن العديد من المصريين يتحولون لمشاهدة محطات التلفزيون المعارضة، مثل قناتي "مكملين" و"الشرق"، اللتان تتخذا من تركيا مقراً لهما، والتي تتعاطف مع جماعة الإخوان المسلمين.

 ونقل التقرير عن عز الدين فشير، المحاضر في سياسات الشرق الأوسط في كلية دارتموث قوله: "النظام يسلم هدية لمعارضيه الإسلاميين، إذا كانت كل القنوات التلفزيونية تقول الشيء نفسه، وجميع الصحف لها نفس العنوان، فأنت تحتاج على الأقل إلى شخص يضحك على الرئيس أو النظام، ويجدونه في هذه المنافذ ".

ولفت إلى أن القنوات المعارضة من الخارج، مثلها مثل المحطات التلفزيونية المؤيدة للنظام في الداخل، "تقدم في بعض الأحيان تغطية إخبارية حزبية للغاية تتضمن معلومات كاذبة، لكنهم يعرضون أيضًا مواداً ممنوعة مثل  هجاء يسخر بلطف من السيسي، ومقاطع فيديو من سيناء المغلقة ومقتطفات من المعلومات عن حياة السيسي وعائلته".

الإخوان وقطر

وأشارت الصحيفة إلى أن مقاطع الفيديو التي بثها محمد علي، وهو مقاول بناء معارض يعيش في إسبانيا، كانت الدافع في إطلاق احتجاجات في القاهرة في سبتمبر/أيلول ضد القصور التي يبنيها السيسي لنفسه في جميع أنحاء مصر.

وأثار مدون الفيديو عبد الله الشريف الغضب بفيديو مسرب تم تصويره داخل قصر قيد الإنشاء في العلمين، وبعد عدة أسابيع، أجبر رجال الأمن والد الرجل على إدانته علناً على شاشة التلفزيون.

قال والده محمد الشريف، الذي قاوم دموعه في لقطات بُثت على قنوات مؤيدة للدولة: "أولئك الذين لا يشعرون بالسعادة لما يقوله ابني مستاؤون منا أيضًا، نحن مجرد أناس عاديين".

وصنفت الحكومة فيديوهات الشريف على أنه أكثر من كونه محرضًا برعاية عدوها، جماعة الإخوان المسلمين المحظورة ومنافسها الأجنبي، قطر حيث قال الشريف إنه موّل عمله من خلال وظيفته كمحرر في محطة تلفزيون عربية، رفض تسميتها، وعائدات الجمهور من موقع يوتيوب.

وأكدت الصحيفة أن مذيعون آخرون في القنوات المعارضة التي تبث من خارج مصر كانوا قد تعرضوا لحملات مشابهة لما تعرض له المدون الشهير عبد الله الشريف.

وذكرت أن هيثم أبو خليل، مذيع في تلفزيون الشرق في إسطنبول، بث صورًا مسربة لزوجة وأبناء السيسي في أكتوبر/تشرين الأول 2019. بعد أيام، اعتقلت عناصر الأمن شقيقه عمرو، وهو طبيب نفسي، من عيادته أثناء متابعته المرضى، وهو رهن الاحتجاز حتى الآن.

وقال هيثم أبو خليل، الذي وصف نفسه بأنه عضو سابق في جماعة الإخوان المسلمين: "أخي لا يوافق حتى على عملي، اعتقاله عقاب، ورسالة مفادها أن ما أقوم به له ثمن".

وقال الشريف إنه علم مؤخرًا أن محكمة مصرية حكمت عليه بالسجن مدى الحياة بسبب بثه على يوتيوب، وقال إنه من المؤلم معرفة أن إخوته موجودون في السجن بسببه، لكنه شكك في أنه سيتم الإفراج عنهم، حتى لو ترك البث. واختتم الشريف كلامه قائلاً" أنا أعرف الجيش".