حزمة دعم اقتصادية.. إجراءات تركيا لتقليل آثار كورونا الكارثية

طارق الشال | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يواجه الاقتصاد التركي الأزمة الاقتصادية التي تسيطر على العالم نتيجة تفشي فيروس كورونا من خلال حزمة تدابير جديدة أعلن عنها الرئيس رجب طيب أردوغان تحت مسمى "درع الاستقرار الاقتصادي".

وتعمل أنقرة على تجنيب الاقتصاد التركي أكبر قدر ممكن من الخسائر بتخصيص 100 مليار ليرة تركية (15.5 مليار دولار).

وذكرت ورقة بحثية نشرها مركز الجزيرة للدراسات أن تركيا لجأت في وقت مبكر نسبيا إلى إجراءات تستهدف الحد من انتشار الوباء دون وقف عجلة الاقتصاد تماما، وخصوصا أن بعض قطاعاته مهمة ضمن خطة مكافحة الفيروس وفي مقدمتها الصحة والغذاء.

ولذلك، جاءت خطواتها متدرجة بالتوازي مع خطورة وصول المرض إليها ثم درجة انتشاره فيها، فبدأت وقف الرحلات الجوية مع إقليم ووهان ثم مع الصين عموما، وإغلاق الحدود البرية مع إيران، مرورا بتحديد ساعات عمل المؤسسات الحكومية والخاصة وتخفيف العمل المكتبي فيها.

كما عملت أنقرة على إغلاق المساجد والمطاعم وأماكن الترفيه وتحديد ساعات عمل المراكز التجارية وغيرها، وصولا لقرار عزل المحافظات عن بعضها البعض.

وفي 17 من مارس/آذار 2020، اتخذ المصرف المركزي التركي عدة قرارات لتخفيف الآثار السلبية التي أحدثها وباء كورونا عالميا، من خلال زيادة المرونة في إدارة السيولة النقدية لليرة التركية والعملات الأجنبية، وتأمين سيولة إضافية للمصارف لضمان استمرار تدفق القروض بلا انقطاع، ودعم تدفق النقد للشركات المصدّرة من خلال تنظيم قروض إعادة الخصم.

وأبرز ما تضمنته خطة "درع الاستقرار الاقتصادي" التالي:

  • تأجيل تسديد أقساط مؤسسة الضمان الاجتماعي المستحقة من 90 إلى 180 يوما. 
  • تخفيض قيمة الضريبة المضافة خلال رحلات الطيران الداخلي من 18 ٪ إلى 1 ٪، لمدة ثلاثة أشهر. 
  • إطالة فترة تسديد قروض المصانع المتضررة من كورونا ودفعات الفائدة للبنوك نحو ثلاثة أشهر. 
  • تقديم دعم للمصدرين في هذه المرحلة التي تعاني من تراجع مؤقت للصادرات. 
  • فيما يخص شراء المنازل التي قيمتها أقل من 500 ألف ليرة، تخفيض الدفعة الأولى إلى 10 ٪، وزيادة نسبة المبلغ القابل للتقسيط من 80 إلى 90 بالمئة. 
  • زيادة الرواتب التقاعدية الأدنى لتصبح 1500 ليرة، كما سيتم تقديم منحة العيد للمتقاعدين. 
  • تخصيص ملياري ليرة إضافية لوزارة الأسرة والعمل، لتقديم مساعدات مالية للعائلات المحتاجة. 
  • تفعيل برنامج الخدمات الاجتماعية والطبية في المنازل للمسنين ممن تتجاوز أعمارهم ثمانين عاما.

مكاسب اقتصادية

وبحسب الباحث الاقتصادي أحمد مصبح، جميع خطط الإنقاذ الاقتصادي في تركيا وغيرها، هي مجرد إجراءات لتقليل الآثار السلبية الكارثية، التي ستواجه المؤشرات الاقتصادية حول العالم. 

وأوضح مصبح، في حديثه لـ"الاستقلال": أنه "بالنظر للخطة نجد أنها تراعي الوضع العام من حيث تركيزها على إعادة جدولة الرسوم الضريبية والقروض ومدفوعات التأمين الاجتماعي"، مؤكدا على أن هذا ليس إعفاء ولكن إعادة جدولة، أي أن هذه الضرائب ستدخل خزينة الدولة لاحقا.

بالإضافة إلى أن رفع حد صندوق ضمان الائتمان إلى 50 مليار ليرة، يأتي لتحريك حركة الإنتاج والتصنيع، وهي على شكل ديون سيتم دفعها لاحقا.

واعتبر مصبح، أن تخفيض ضريبة القيمة المضافة على شركات الطيران إلى 1 بالمائة من 18 بالمئة لمدة 3 أشهر، بالإضافة إلى تأجيل مدفوعات التأمينات الاجتماعية بالتجزئة، والحديد والصلب، والخدمات اللوجستية، سيمنح العديد من القطاعات القدرة على مواجهة هذه الأزمة دون ضغوطات ضريبية.

وفي 14 أبريل/نيسان 2020، أعلنت الخطوط الجوية التركية إيقاف كافة رحلاتها الخارجية حتى 20 مايو/أيار من نفس العام، في إطار التدابير المتخذة ضد انتشار فيروس كورونا. 

وأكد مصبح، أنه لا توجد دولة في العالم ستتمكن من تقليص خسائرها إلا من خلال العودة السريعة للحياة الطبيعية، مما يتطلب سرعة السيطرة على الفيروس.

وأشار إلى ضرورة أن تتضمن الخطة التركية مشاكل الإفلاس التى تواجه الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم، كي تتجنب البطالة الجماعية، وتفاقم عجز موازنة، وانخفاض رصيد الاحتياطيات النقدية ومعدلات الدين وغيرها من المشاكل الاقتصادية.

وذكر مصبح أن انخفاض أسعار النفط والمعادن يقلل من تكاليف الإنتاج  وبالتالي يقلل من تكاليف فاتورة الطاقة. عند سعر 30- 35 دولارا للبرميل توفر تركيا 8 مليارات دولار، الأمر الذي سوف يساهم بدرجة معينة في كبح جماح التضخم ودعم الصادرات التركية.

كما أن انخفاض معدلات الإنتاج في الصين على المديين القصير والمتوسط، سيولد فرصا استثمارية أكبر لتركيا لتعزيز صادراتها وبالتالي تحسن في الميزان التجاري، بالإضافة إلى أن انخفاض الليرة التركية سيعزز سوق العقارات هناك.

زيادة الصادرات

من جانبه يرى رئيس قسم الاقتصاد بجامعة صباح الدين زعيم، عبد المطلب أربا، أن الخطة قد أثمرت نتائج إيجابية في فترة قصيرة بالرغم أنه من المبكر حصر كل فوائدها.

وأضاف أربا، في حديثه لـ"الاستقلال"، أن دعم استمرار نشاط الشركات له أكبر أثر في تحقيق مستهدفات الإنتاج والحفاظ على فرص العمل للعاملين والموظفين وبالتالي منع أي زيادة في نسبة البطالة.

وأكد أن الخطة تمكنت من تقديم نموذج ناجح في احتواء آثار الأزمة، مشيرا إلى أن الرئيس أردوغان أكد على استعداد الحكومة لأي خطوات إضافية عند الاحتياج، مع رفضه التام للجوء إلى أي قرض من صندوق النقد الدولي.

واعتبر أستاذ الاقتصاد، أن الحكومة استطاعت بالفعل تكوين غرف عمليات ولجان لإدارة الأزمة بنجاح، وتوقع أن تكون تركيا إحدى الدول المرشحة للخروج بمكاسب كبرى بعد زوال الأزمة.

وأشار أربا، إلى أن تراجع الليرة سيضاعف الصادرات، وهو ما ظهر خلال الشهور الثلاثة الأخيرة، كما يعزز السوق العقاري حيث سجلت تركيا قفزة في مبيعات العقارات للأجانب بنسبة 14 بالمئة زيادة خلال الربع الأول من العام 2020.

وهبطت الليرة التركية عقب انتشار الوباء في البلاد لتصل إلى حدود الـ7 مقابل الدولار، في هبوط هو الأدنى منذ أزمة العملة في أغسطس/ آب 2018.

وقال أربا: إن انهيار أسعار النفط سيدعم الاقتصاد التركي بشكل كبير، مؤكدا على أن أنقرة استوردت في العام 2019 نحو 263 مليون برميل بقيمة 17 مليار دولار.

وأضاف أن تراجع أسعار النفط سلاح ذو حدين بالنسبة لتركيا حيث سيعمل على تحفيز النشاطات المتعلقة بالنفط داخل البلاد وبالتالي سيزيد من حجم الإنتاج المحلي.

ولكن في حال تراجعت القوة المادية والاقتصادية للدول المصدرة للنفط إلى تركيا والتي تستورد منها ما قيمته 35 مليار دولار فإنها ستضطر إلى تقليص حجم وارداتها من أنقرة.

وتابع: "تستقبل تركيا نحو 44 مليون من السياح سنويا نصفهم يأتون من تلك الدول، وبالتالي مع تراجع اقتصادات الدول المصدرة للنفط، ستخسر أنقرة، حيث أن نصف إيراداتها من عملتها الأجنبية من السياحة القادمة من الخارج".

الدور السياسي 

وسردت ورقة الجزيرة أنه لم يتوقف عمل الحكومة أو يتراجع بشكل ملحوظ خصوصا أنها لم تُعلن أية إصابات بين المسؤولين رفيعي المستوى.

وتراجعت الملفات المعتادة مثل سوريا وليبيا في السياسة الخارجية وكذلك الإرهاب واللاجئين في السياسة الداخلية، ليصبح الوباء أولوية عمل مختلف الوزارات بعد رسم إستراتيجية موحدة للحكومة استرشادا بتوصيات الهيئة العلمية التابعة لوزارة الصحة.

وقد حرصت الرئاسة على تقديم رسائل واضحة للمواطنين بأنها تعمل بكفاءة رغم تحديات الظروف المستجدة وذلك عبر نشر أخبار عن اجتماعات الحكومة المستمرة عن بعد من خلال خدمة الفيديو كونفرانس، بينما حرص الرئيس على أن يقدّم بنفسه المؤتمر الصحفي بعد اجتماع الحكومة وليس الناطق باسمها كما جرت العادة.

وتركز التصريحات الرسمية على مفهوم الاستمرارية في عمل الحكومة واضطلاعها بدورها في دعم المواطنين وخصوصا في المجالات الصحية والمالية والاقتصادية.

وقد أقرت الرئاسة حزمة "درع الاستقرار الاقتصادي" تحت شعار "نحن إلى جانب مواطنينا"، كما أطلقت حملة تبرعات لدعم المتضررين من الوباء بدأها الرئيس أردوغان وأعضاء حكومته.

وعلى صعيد العلاقة بين الحزب الحاكم والمعارضة، سادت مرحلة من الرضا عن أداء وزير الصحة البعيد عن الاستقطاب السياسي.

لكن أصوات الاعتراضات ارتفعت بشكل تدريجي مؤخرا تارة من خلال الادعاء بعدم دقة أرقام الإصابات والوفيات المعلنة؛ وهو ما نفته الوزارة.

وتطور الأمر بعد التحفظ على حملة التبرع التي أطلقها أردوغان ومطالبة المعارضة للحكومة بالدفع لا طلب التبرعات، وأحيانا بدعوة الحكومة لإعلان حظر تجول للحد من انتشار الوباء بغض النظر عن التبعات الاقتصادية لذلك.