محمد محمود الزبيري.. مناضل يمني قاد الثورات بفكره وشعره

آدم يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

مطلع أبريل/ نيسان 2020، حلت الذكرى 54 لاستشهاد الأديب والمفكر اليمني محمد محمود الزبيري، الذي كان يلقبه اليمنيون بـ "أبي الأحرار".

الزبيري الذي غزا فكره عقول اليمنيين بأدبه، وألهب مشاعرهم بشعره، حاز من صفات شخصية اتسم فيها بكرم الطباع، والفكر المستنير والإلمام الواسع بقضايا العصر.

الجمهورية في اليمن ارتبطت بالثائر محمد محمود الزبيري، وارتبط أدبها بشعر الزبيري، حيث كان يلقبه الكثيرون بـ"مهندس الثورات".

مولده ونشأته

ولد الزبيري في حي السلطان بصنعاء، عام 1910، وعاش وترعرع فيها، نشأ يتيما، فتعلم القرآن وحفظه صغيرا، كان صوته جميلا، الأمر الذي أكسبه حب الناس منذ الصغر.

كان  الزبيري ميالا إلى الشعر والفن والأدب منذ صغره، ما ساعده في بلورة أفكاره ومواقفه الثورية من القضايا السياسية والاجتماعية في وقت لاحق.

إلى جانب ذلك، كان محبا للعلم ملاصقا لأهله، امتلك مهارات شخصية، مكنته من التدرج في مكانته الاجتماعية بين أقرانه، حتى حظي بإجماع النخب الثقافية والاجتماعية والسياسية في اليمن، وكان محل قبول لدى الكثيرين منهم. 

يقول عن نفسه: "بدأت حياتي طالب علم ينحو منحى الصوفية في العزوف والروحانية، وتعشقت كما تعشقت هذا اللون من الحياة رغم اليتم والشظف، ونعمت به كما لم أنعم بشيء آخر وتعشقت الحياة الأدبية، وهمت بها هياما ولم يصدني عن التفرغ لها إلا المعارك النضالية السياسية، فروحانيتي جنى عليها الأدب، وأدبي عوقب بالسياسة".

بداية الرحلة

في عام 1939، انتقل الزبيري للدارسة في دار العلوم، بقسم اللغة العربية في مصر، وهناك قابل عددا من الشخصيات التي تأثر بها، على رأسهم الإمام الشهيد حسن البنا، هناك توثقت علاقته بحركة الإخوان المسلمين، وتعرف على المجاهد الجزائري الفضيل الورتلاني، الذي سيسافر فيما بعد إلى اليمن، كتاجر سيارات، ويكون له لقاء مع حاكم اليمن حينها الإمام يحيى حميد الدين.

لم يكن ذلك أول لقاء للزبيري مع حسن البنا، حيث سبقه لقاء في الحج عام 1937، حيث التقى بالملك عبدالعزيز آل سعود، وفي مكة تعرف أيضا على الإمام البنا، وبدأت علاقته بحركة الإخوان منذ ذلك الحين، وعندما انتقل إلى مصر بعد ذلك اللقاء بسنتين توثقت علاقته بالحركة على نحو أشد.

كانت اليمن، في تلك الأثناء، تزداد عزلة يوما بعد آخر، فيما كان الجهل والمرض والتخلف يضرب في نواحي المدن والأرياف الخاضعة لحكم حميد الدين، استشعر الزبيري مسؤوليته تجاه ذلك، فقطع دراسته عام 1941، وعاد إلى اليمن، وفور عودته استقبله الإمام يحيى في مجلسه، فقدم له الزبيري تصورا مكتوبا في 22 صفحة احتوت 37 مادة.

تحدث الزبيري في تصوره عن ضرورة إخراج اليمن من عزلتها، ودفعها للحاق بركب الدول والانفتاح على العلوم والمعارف وتقنيات العصر حينها، كما فاتحه بمشروع للحركة الإصلاحية، فأحال الإمام مشروع الزبيري للإمام لزيد بن علي الديلمي، الرئيس الأول للاستئناف العالي، وشكلت هيئة قضائية لدراسته ورفع تقرير عن البرنامج وصاحبه.

غير أن تلك الإحالة، لم تكن، فيما يبدو، إلا طريقة لامتصاص حماس الزبيري، لكن ذلك لم يثن الزبيري عن الاستمرار بدوره في خلق وعي سياسي وديني واجتماعي لدى عامة الشعب، عبر المنابر والمناسبات واللقاءات الخاصة والعامة.

خطب الزبيري بعدها خطبة عصماء في الجامع الكبير بصنعاء انتقد فيها الظلم والأوضاع السائدة، الأمر الذي أغضب الإمام فأمر باعتقاله، وعدد من رفاقه، ووضع بسجن الأهنوم شمال صنعاء لنحو 9 أشهر، تمكن بعدها من الخروج والسفر إلى تعز ثم إلى عدن.

في عدن بدأ الزبيري نشاطه الثوري، فأسس صحيفة باسم "صوت اليمن"، عام 1946، مع بقية زملائه أبرزهم أحمد محمد نعمان، الذي وصفه الزبيري بأنه الصانع الأول لقضية الأحرار، وأنشأ الجمعية اليمنية الكبرى، وحزب الأحرار.

ومن خلال تلك الصحيفة استطاع الزبيري أن يوصل كلماته وكلمات رفاقه وأن يخلق وعيا مقاوما للظلم والاستبداد، وكانت أشعاره تصل لليمنيين، والمعتقلين في سجون الإمامة.

مهندس الثورة

أصدرت الحركة بعد ذلك عدة صحف في عدن والقاهرة، وانضم إليها الأمير سيف الحق إبراهيم نجل الإمام، وألقى بيانا قوي اللهجة في افتتاح الجمعية اليمنية الكبرى يخاطب فيه الجامعة العربية، وتوسع النشاط السياسي للحزب.

ولأن عدن كانت تخضع حينها لحكم الإنجليز، فقد اتصل الإمام يحيى بالملك جورج السادس ملك بريطانيا، وشكا إليه النشاط السياسي الذي يمارسه الزبيري ورفاقه، فسحب الإنجليز ترخيصهم.

في 1948 اندلعت ثورة الدستور، وتمكنت من قتل الإمام يحيى، لكنها فشلت في تثبيت الحاكم الجديد، وتمكن نجل الإمام يحيى من قيادة ثورة مضادة استعاد فيها الحكم، فهرب الزبيري إلى باكستان، بعد أن رفضت استقباله عدد من الدول العربية.

تمكن الزبيري وهو مهندس ثورة 1948 من الخلاص، في حين تم إعدام عدد من رفاقه، لكن تلك الثورة حبّلت بثورة أخرى، فعند إعدام جمال جميل أحد قادة ثورة 48، التفت للحاضرين قبيل إعدامه، وقال: "حبّلناها وستلد"، وبالفعل ولدت في 1962، مستلهمة في الساحات خطاب الزبيري الثوري وأشعاره.

في 1948 رفضت مصر استقبال الزبيري، لكن بعد قيام الثورة في مصر عام 1952م اتصل الزبيري بسفيرها الشاعر عبدالوهاب عزام ووافقت مصر على عودة الزبيري إليها، وتحدث من إذاعة صوت العرب إلى اليمنيين، وأنشأ الاتحاد اليمني الذي عطله عبدالناصر عام 1956.

غير أن الإمام أحمد حميد الدين عندما عارض الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958م سمح عبد الناصر للاتحاد باستئناف نشاطه الصحفي والإذاعي، غير أن العلاقة بينه وبين عبد الناصر، فترت بسبب رفض الزبيري لاستبداد وطغيان عبد الناصر.

مسار الثورة

بعد اندلاع ثورة 1962 بقيادة الضباط الأحرار، طالبوا بعودة الزبيري إلى اليمن، فعاد وتم استقباله استقبال الزعماء، وتم تكليفه بتولي وزارة المعارف، لكنه ما لبث أن استقال وطلب منهم التفرغ لإصلاح مسار الثورة، الذي رأى أنها لم تكن قادرة على رأب الصدع بين الجمهوريين والقبائل الموالية للملكيين.

كانت التدخلات العربية وخاصة من السعودية، التي كانت تعارض قيام الثورة، تدعم الملكيين وتسببت باندلاع حرب أهلية في اليمن، استمرت منذ قيام الثورة في 62 وحتى نهاية الستينيات، وتفرقت القبائل ودخل بعضها في حلف مع الملكيين، وتنازعت القبائل فيما بينها.

قاد الزبيري بعدها جهودا لضمان ولاء القبائل للجمهورية، فبدأ بحشد القبائل في شمال اليمن، وحسب مذكرات الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، غادر الزبيري صنعاء بداية عام 1965، نحو جبال برط وبدأ بحشد القبائل، وضمن ولاء عدد منهم.

ورتب الزبيري لعقد مؤتمر هو الأكبر في منطقة خمر (شمالا) لكن الملكيين أعدوا له كمينا في منطقة رهيمات، وتولى إعداد الكمين قائد الحرس الملكي للإمام البدر بن أحمد حميد الدين، بإيعاز من محمد بن الحسين، وتم اغتياله في صباح الخميس الأول من أبريل/نيسان 1965.

أعمال ومؤلفات

للزبيري 3 دواوين شعرية مطبوعة، هي "صلاة في الجحيم"، و"ثورة الشعر"، و"نقطة في الظلام"، وعدة مؤلفات سياسية منها "الإمامة وخطرها على وحدة اليمن"، و"الخدعة الكبرى في السياسة العربية"، و"مطالب الشعب"، و"دعوة الأحرار ووحدة الشعب"، وله رواية "مأساة واق الواق (وهي على نهج رسالة الغفران للمعري)".

مؤلفات عديد تناولت الزبيري وأعماله وفكره وإسهاماته، من بينها رسالة علمية للدكتور عبد الرحمن العمراني بعنوان "محمد محمود الزبيري أديب اليمن الثائر"، وكتاب "محمد محمود الزبيري شاعر اليمن"، لهلال ناجي، وكتاب "محمد محمود الزبيري ضمير اليمن الثقافي"، للدكتور عبد العزيز المقالح.

أيضا مطبوعة "محمد محمود الزبيري شاعرا ومناضلا"، لمجموعة من الكتّاب اليمنيين، و"محمد محمود الزبيري من أول قصيدة وحتى آخر طلقة"، لعبدالله البردوني، و"محمد محمود الزبيري الشهيد المجاهد"، لعبدالرحمن طيب بعكر، و"التاريخ يتكلم ـ وثائق"، لعبدالملك الطيب، و"شعر محمد محمود الزبيري" للدكتور رياض القرشي.

كتب عنه المؤرخ المصري محمد الجوادي، قائلا: "ليس بين الساسة العرب المعاصرين من يفوق الأستاذ الشيخ محمد محمود الزبيري (1910- 1965) في الاحتفاظ بمكانة سامقة وسابقة في الأدب والعلم والفكر والثقافة على وجه العموم، وليس في هذا القول مبالغة فهو العالم الشاعر الخطيب المعلم القاضي الفقيه الزعيم الثائر".

مضيفا: "وفضلا عن هذا، فقد كان نموذجا نادرا في العصر الحديث للنوابغ من النبلاء من فرسان عصور النهضة، الذين كانوا يتمتعون بالتفوق الساحق في شتى الميادين، ويجمعون الأمجاد جمع المقتدرين المخططين لا جمع المضطرين أو المتوافقين".

الجوادي تابع: "وليس بين الساسة العرب المعاصرين من يفوق الرئيس محمد محمود الزبيري قُدرة على الثورة للحق وبالحق، وإذا قُلنا إن هذا الرجل العظيم الذي استشهد وهو في الخامسة والخمسين من عمره كان قد أعد نفسه للبطولة والفداء والخلود فلا نبالغ في هذا الحكم الذي نلخص به حياة هذا الزعيم النادر الوجود".

مؤكدا: "كان إشعاعه المتوهج في الحياة السياسية اليمنية قادرا على أن يستنهض همة الأمة على نحو ما نهضت من قبل وأن يحقق بهذه النهضة الوثابة ما عجز عنه بعض من تصدوا لقيادة حركتها الثائرة بسبب ما كانوا يعانونه ويستمتعون به من اضطراب النية وقصور الهمة في كثير من الأحيان".