أميركي مختطف بسوريا.. هل يصلح "تايس" العلاقة بين ترامب والأسد؟

يوسف العلي | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أحيت مطالبة الرئيس الأميركي دونالد ترامب النظام السوري بالمساعدة في الإفراج عن الصحفي أوستن تايس، الذي اختطف على الأراضي السورية في 14 أغسطس/آب 2012، الحديث من جديد عن مدى إمكانية أن تسهم هذه الخطوة في تطبيع العلاقة بين واشنطن ودمشق.

ترامب أشار ضمنيا خلال مؤتمر صحفي عقده بالبيت الأبيض في 19 مارس/آذار 2020، إلى أن نظام بشار الأسد يحتجز تايس وطلب منه إطلاق سراحه لأسباب إنسانية.

وتحدث قائلا: "يا سوريا، من فضلكم، تعاونوا معنا، فكروا في كل الأشياء الخيرة التي فعلناها من أجل سوريا. تخلصنا من خلافة داعش. إننا فعلنا كثيرا من أجلها. سنكون مشكورين جدا في حال إخلائهم سبيل أوستن في وقت سريع".

مفتاح للتطبيع

اللغة التي خاطب بها الرئيس الأميركي النظام السوري، زادت من التكهنات بأن ترامب قد لا يمانع في تطبيع العلاقة مع بشار الأسد، ولا سيما في ظل تواتر الأنباء عن تواصل مسؤولين أميركيين مع النظام للإفراج عن أوستن تايس، الذي تعتقد واشنطن أنه محتجز في سجون الأسد منذ اختطافه في 2012.

الكاتب مهند الحاج علي لم يستبعد في مقال نشرته صحيفة "المدن" اللبنانية، في 23 مارس/ آذار 2020، أن يُحسن ترامب العلاقة مع نظام الأسد، بالقول: "ليس مستبعدا أن يُطبّع الرئيس ترامب علاقته بالنظام السوري، على سبيل المثال، بعد الانتخابات الرئاسية المقبلة".

وأضاف: "الواضح أن مثل هذه الخطوة ليست ببعيدة، في ظل مشاورات أمنية بين الجانبين الأميركي والسوري (الأسدي) في خصوص مسائل عدة بينها الإفراج عن المواطن الأميركي أوستن تايس".

في تشرين الأول أكتوبر/2012 تداول ناشطون شريط فيديو للصحفي الأميركي "أوستن تايس" الذي فقد في ظروف غامضة في سوريا، وأظهر الشريط الذي تبلغ مدته 47 ثانية، اقتياد أوستن من مجاميع ملثمة معهم سيارتان إحداهما مركب عليها رشاش قرب هضبة عالية في منطقة أحراش غير واضحة المعالم.

وبدا الصحفي الأميركي أوستن 31 سنة (وقت اختطافه) معصوب العينين، وسط عدد من الأشخاص الملثمين الذين يدفعونه بعنف ويصعدون تلة عالية، كما بدا متعبا ولا يستطيع الكلام أثناء محاولته مخاطبة خاطفيه بنبرة استرحام.

وزعمت وسائل إعلام تابعة للنظام، التي بثت مقطع الفيديو، بأن "جبهة النصرة" و"الجيش الحر" اختطفا الصحفي الذي "يعمل ضابطا في المارينز"، حسب قولها، وهي المعلومة التي لم يبح بها "أوستن" سوى لمدرس لغة إنجليزية استضافه في مدينة يبرود قبل اختطافه بأسبوعين.

عرقلة المحادثات

في يناير/ كانون الثاني 2020، كشفت ديبرا تايس والدة الصحفي الأميركي خلال مؤتمر صحفي أن مسؤولا أميركيا كبيرا على الأقل يعرقل إجراء محادثات مع الحكومة السورية حول هذه القضية.

وأعربت تايس عن اعتقادها أن حكومة النظام السوري تريد منذ 2014 إجراء محادثات مع واشنطن، لكن الإدارة الأميركية لم تتابع هذه القضية. وقالت: "مسؤول كبير في الإدارة الأميركية إما يتردد وإما يماطل"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل ما إذا كان هذا الشخص هو نفسه في إدارتي أوباما أو ترامب.

وكشفت والدة الصحفي المختطف أنها تبلّغت عندما زارت سوريا في العام 2014 "رسالة" من الحكومة السورية مفادها أن النظام السوري يشترط إجراء محادثات مع مسؤول "له مكانته" في الإدارة الأميركية.

وأشارت تايس إلى أنه "لا يمكن فهم لماذا لم يقف أحد بوجه خيار الرئيس الأميركي التخلي عن ولدنا الحبيب الذي عرّض حياته للخطر لخدمة هذا البلد بالتحاقه لثلاث دورات بمشاة البحرية الأميركية".

ورجحت تايس أن ترامب يريد المساعدة للإفراج عن ابنها، وحثته على "كسر الجمود الذي يحول دون إجراء أي مفاوضات في قضية أوستن تايس"، الذي كان يعمل مصورا مستقلا لصالح صحيفة "واشنطن بوست" ووكالة "فرانس برس" وغيرها من المؤسسات الإعلامية.

وفي حين لم تتضح هوية الجهة التي تحتجز تايس، تؤكد والدته أن حكومة النظام السوري هي الجهة الأكثر قدرة على تأمين الإفراج عنه". وتقول إنها تمتلك "معلومات ذات صدقية" تفيد بأن ابنها لا يزال على قيد الحياة في سوريا.

"التجربة الكورية"

سيناريو التقارب بين ترامب والأسد من بوابة الصحفي المختطف أوستن تايس، أكده مسؤولون أميركيون في تصريحاتهم، مستندين إلى تجربة ليست ببعيدة جرت بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية، أفضت إلى لقاء تاريخي بين ترامب وكيم جونغ أون في يونيو/ حزيران 2018.

ونشرت صحيفة "ذا ناشيونال" الإماراتية الناطقة باللغة الإنجليزية، تقريرا للصحفية اللبنانية جويس كرم في أبريل/ نيسان 2019، كشفت فيه عن إمكانية اتجاه إدارة ترامب إلى إجراء محادثات مع بشار الأسد، إذ ما أطلقت دمشق سراح أوستن تايس.

ونقل التقرير عن المبعوث الخاص للرئيس الأميركي لشؤون الإفراج عن الرهائن، روبرت أوبراين، قوله: "واشنطن واثقة من أن تايس، الذي خُطف في العام 2012، ما زال حيا وما زال في سوريا. ندعو الحكومة في سوريا إلى بذل ما بوسعها لمساعدتنا على العثور على أوستن وغيره من الأميركيين في سوريا".

وأكد أوبراين أن إطلاق سراح تايس، إذ ما تم على يد دمشق، "سيُعد بمثابة خطوة لبناء جسور مع إدارة ترامب"، لافتا إلى أن الأخير ربَط بين توطيد العلاقات ومسألة الإفراج عن الرهائن الأميركيين المحتجزين ومساعدة الحكومات على إطلاق سراح هؤلاء، مذكّرا بأن واشنطن أجرت محادثات مع كوريا الشمالية بعد إطلاق سراح 4 أميركيين كانوا محتجزين لديها من دون شروط مسبقة.

وفي السياق نفسه، أكد أوبراين أن واشنطن لم تفصح عن عدد المحتجزين الأميركيين في سوريا، ملمحا إلى أن عددهم يقل عن 12، وذلك بحسب ما نقلت صحيفة "واشنطن بوست".

محادثات سرية

في أولى أيام ولاية ترمب، بدأ مسؤولون أميركيون من الأمن القومي باستكشاف سُبل تحرير أوستن تايس، وبعد محاولات فاشلة، قرر مسؤولو البيت الأبيض، بسبب حساسية الوضع، إنشاء قناة خلفية للتواصل، حسبما كشف تقرير سابق لصحيفة "نيويورك" الأميركية في يونيو/ حزيران 2017.

وأفاد التقرير بأنه نظرا للعلاقات المتدهورة بين الولايات المتحدة وسوريا، كانت الخيارات محدودة. وفي أوائل فبراير/شُباط 2017، تحدث مايك بومبيو الذي كان آنذاك مدير الاستخبارات الأميركية (CIA) هاتفيا مع علي مملوك رئيس مكتب الأمن الوطني السوري وقتها، وكانت المكالمة هي أعلى مستوى اتصال بين الجانبين منذ سنوات.

ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أميركيين سابقين (لم تكشف عن هويتهم) أن محادثة بومبيو مع مملوك دفعت إلى مزيد من التواصل، وهو الأمر الذي جدد الأمل في إطلاق سراح أوستن.

تواصل إدارة ترامب مع سوريا أظهر إلى أي مدى كانت الولايات المتحدة على استعداد لفعل أي شيء لتأمين الإفراج عن الأميركيين المُحتجزين في الخارج، وفي قضية تايس تعتقد الولايات المتحدة أن الحكومة السورية تحتجزه، لكنها لا تمتلك دليلا على ذلك. في حين تصر سوريا على أنها لا تعرف ماذا حدث له.

وقال فيصل المقداد، نائب وزير الخارجية السوري، لوكالة "أسوشيتد برس" الأميركية عام 2016: إن "أوستن تايس ليس في قبضة السلطات السورية وليس لدينا أي معلومات عنه".

وبعد الانتخابات، قرر مسؤولون أميركيون إحاطة جاريد كوشنر صهر ترامب، وستيفن بانون كبير المخططين الإستراتيجيين لترامب في بداية ولايته، بالجهود المبذولة لإعادة أوستن إلى موطنه. وقال مسؤولون سابقون: إن ستيفن لم ير أهمية لقضية أوستن، وأثار تساؤلات حول سبب توجه أوستن إلى سوريا بالأساس.

ونقلت "نيويورك تايمز" عن مسؤولين أميركيين سابقين أنه ليس من الواضح ما دار بين مملوك وبومبيو بالضبط خلال المكالمة الهاتفية، إلا أن الولايات المتحدة اقترحت لاحقا على مملوك أن تحرير أوستن سيساعد كثيرا في الوقت الذي كانت الإدارة الأميركية ترسم سياستها الأوسع إزاء سوريا.

وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الفرصة بدت الأفضل لإعادة أوستن إلى وطنه. وبدأ مسؤولو الإدارة محاولة معرفة كيف يمكن للسوريين أن يُبرروا اختفاء أوستن الطويل. فكان يُفترض أن يتلقى الأميركيون دليلا على أن أوستن لا يزال على قيد الحياة، سيُعلن السوريون أنهم وجدوه، وسيصيغون رواية تُوضح اختطافه. وسيحاكم أوستن على انتهاكه لقوانين الهجرة في البلاد ثم يعفو عنه الأسد. وبعد أن يصل أوستن إلى أميركا، سيتصل الرئيس ترامب بالأسد.

الموقف من الأسد؟

لكن هذا لم يحدث قط، فقد أشار بعض الدبلوماسيين السابقين إلى تعليق صرحت به نيكي هالي، سفيرة واشنطن في حينها لدى الأمم المتحدة، في مارس/آذار 2017، أكدت فيه أن الولايات المتحدة لا تعتبر إزاحة الأسد أولوية في السياسات الأميركية.

وقالت نيكي للصحفيين: "أنت تختار معاركك. وعندما ننظر إلى هذا الأمر، فإنه يتعلق بتغيير الأولويات. ونحن أولويتنا لم تعد أن نجلس هناك ونركز على الإطاحة بالأسد".

وردا على ذلك، قال دبلوماسيون سابقون للصحيفة الأميركية: إن تعليقاتها كانت غير مُعتادة. فقد أضعفت الإدارة الأميركية موقفها التفاوضي بإعطاء الحكومة السورية شيئا كانت تريده - وهو موافقة الرئيس ترامب الضمنية على الأسد - دون المطالبة بأي شيء في المقابل.

ونقلت عن جيمس أوبراين، المبعوث الرئاسي الخاص السابق لشؤون الرهائن في إدارة أوباما، قوله: "الإدارة قالت إن الأسد يمكن أن يبقى، لكنها لم تحصل على شيء في المقابل. يمكن الإدلاء بمثل هذا البيان فقط في حالة عودة أوستن تايس إلى الوطن بالفعل".

لكن التحرك بغرض الإفراج عن تايس توقف في أبريل/نيسان 2017، عندما شنّت الحكومة السورية هجوما بالغاز الكيميائي على مواطنيها، ما أسفر عن قتل عشرات الرجال، والنساء، والأطفال. وبعد أيام عدة أمر ترامب بضرب قاعدة جوية سورية استُخدمت لشن هجوم الغاز.

ورغم الهجمات التي شنتها الولايات المتحدة على مواقع عسكرية للنظام السوري، ووصف ترامب للأسد بأنه "حيوان" عقب استخدام الأخير لأسلحة كيمياوية في هجماته على المدنيين السوريين، إلا أنه كان رافضا بشدة موقف سلفه باراك أوباما في دعم الإطاحة بالأسد.

وخلال حملته الانتخابية في 2016 اعتبر دونالد ترامب، أن الإدارة الأميركية الحالية أبدت حماقتها بالتعامل مع الملف السوري. وقال في المناظرة الثالثة والأخيرة مع منافسته هيلاري كلينتون: إن "الأسد إنسان سيئ… إلا أنه أذكى بكثير من هيلاري وأوباما".

وقال ترامب وقتها: "الأسد حظي بدعم روسيا منذ عامين. والآن هناك روسيا وإيران"، معتبرا أن روسيا وإيران تغلبتا على الولايات المتحدة في سوريا. وأرجع ذلك السبب إلى "حماقة إدارتنا"، في إشارة إلى الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.