أمريكا وإيران في العراق.. تعاون أم صراع؟

أيمن خالد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

تتنوع قراءات المشاهد السياسية في العالم عموما، بحسب الاستجابات الطبيعية للتفاعلات الدولية المحكومة بطبيعة الأحداث والعلاقات الناتجة عنها، بين تعاون وصراع وحياد.

أثارت زيارة الرئيس الإيراني حسن روحاني إلى بغداد يوم الإثنين 11 مارس/ آذار 2019؛ الكثير من التساؤلات فيما يخص طبيعة العلاقات الإيرانية-العراقية من جهة، ومن جهة أخرى طبيعة العلاقة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، خصوصا وأن لكل طرف من أطراف المعادلة الثلاثية أهدافه السياسية والإستراتيجية. 

في أول تصريح للرئيس الإيراني من مطار دولته قادما إلى بغداد، وصف شكل زيارته بالعلنية ومحددة الأهداف، منددا بسرية زيارة الرئيس الأمريكي لبغداد وتجاهله لقاء المسؤولين العراقيين على مستوى الرئاسات الثلاثة في زيارته لجنوده في القاعدة الأمريكية في العراق بداية السنة 2019. في إشارة لإظهار قوة النفوذ الإيراني على حساب النفوذ الأمريكي كما يرى البعض. خصوصا وأن الولايات المتحدة الأمريكية, التي تتجهة سياستها تجاه إيران، لما يشبه الظاهرة الصوتية فقط، قياسا بالأثر الحقيقي المتمثل بعدم تنفيذ مجمل الادعاءات الأمريكية المتمثلة بسلة العقوبات تجاه إيران الموصوفة بأحكام مؤجلة مع وقف التنفيذ.

وصل الرئيس الإيراني إلى بغداد مع طاقم مسؤولين إيرانيين في مختلف الاختصاصات الخارجية والاقتصادية والدينية، وتلك رسالة تبدو مختلفة جدا في الظهور الإيراني على مسرح العراق. تاركا الكثير من التساؤلات والتحليلات التي تدفع بالضرورة إلى  قراءة ملفات مهمة مرت بها مسيرة العلاقات الثلاثية المشتركة، أمريكيا وإيرانيا وعراقيا منذ عام 2001. ذلك العام شهد المتحول المهم في العالم، بعد الاحتلال الأمريكي لأفغانستان والذي أعقبه احتلال أمريكا للعراق عام 2003.

القصد من الإشارة هنا إلى هذين التاريخين، هو وضع محددات لفكرة بداية الحدث حتى وصوله لمرحلته اليوم. ولأن أكثر التحليلات الطبيعة للعلاقات الأمريكية-الإيرانية ضمن المتحول العالمي الذي وضع أمريكا القوى العظمة عالميا لا يبتعد عن ثنائية الموقف من أفغانستان والعراق.

ويهمنا هنا أن نقف أمام الحالة العراقية -الملف المحدد لطبيعة علاقات الصراع والوفاق بين إيران وأمريكا-، وهنا نتذكر قول "محمد علي أبطحي" نائب الرئيس الإيراني الأسبق "محمد خاتمي"، (لولا التعاون الإيراني مع أمريكا لما سقطت كابول وبغداد بهذه السهولة).

وفي مرحلة لحقتها يبدو أن المسار الإيراني أخذ منحى مرتفعا في استثمار الحدث، يفسره  قول رئيس الجمهورية الإيرانية السابق محمد أحمدي نجاد، (إن العراق وأفغانستان اللتين كانتا تمثلان تهديدا مباشرا لإيران جعلهما الله في سلة إيران).
تساؤل مهم اليوم؛ هل العراق في سلة إيران فعلا؟ أم أن أمريكا ما زالت قادرة على استدراج الدول إلى ساحات الاستنزاف والتوريط؟

نعتقد أن الأمر يحتاج كثيرا من الجهد والوقت لمراجعة تاريخ من الأحداث يصعب وضع حد لحدود الحديث فيه، مع قناعاتنا بأن محددات العلاقات الأمريكية الإيرانية لم تغفل الاتفاق صراحة أو ضمنا، بأن المتحولات العالمية لا يمكن أن تأخذ مساراتها إلى التنفيذ, دون وجود لاعبين وأدوار مرسومة في جزئها الاكبر، ومتروكة نهاياتها سائبة لملفات أخرى لتستوعب أي متغير تحتمله جملة الأهداف على المستوى الاقليمي أو الدولي مستقبلا. 

زيارة الرئيس الإيراني إلى بغداد لم تغضب الجانب الأمريكي، ولا حديث حول المحددات التي ألزمت بها أمريكا الجانب العراقي على تنفيذ المقاطعة الاقتصادية لإيران، التي تبّقى على أمدها أقل من أسبوع. ما يعني أن حصار أمريكا لإيران مرهون بجملة تفاهمات. وهذه التفاهمات بحد ذاتها تدخل في نطاق الاتفاقات البسيطة التي قد لا ترقى إلى وصف الخلافات الحقيقية التى أحاطها الإعلام بالتهويل.

بالعكس تماما، فقد عقدت إيران اتفاقات اقتصادية مع الجانب العراقي بزيادة الضعف في مستوى التبادل التجاري السنوي. 

في الجانب الديني، ظهر الرئيس الإيراني مؤكدا النهج نفسه الذي كان الكثير من المحللين يعتبرونه مظهر من مظاهر الظلامية الدينية. وقد تجلى السلوك الإيراني بزيارة افتتاحية لوصول روحاني، بزيارة ضريح الإمام الكاظم -المرقد المصنف شيعيا وفق القرارات السياسية العراقية في حكومة الطوائف-، واختتم روحاني زيارته بلقاء المرجع الشيعي الأعلى في العراق بمدينة النجف.

أمريكيا وفي أول تعليق على زيارة روحاني، وصف القائم بالأعمال في السفارة الأميركية في بغداد، جوي هود، الزيارة بالبناءة، معرباً عن دعم بلاده للعراق, من خلال بناء علاقات صحية وطبيعية مع جميع دول المنطقة، بما فيها إيران طبعا.

النتائج المتحصلة أخيرا: 

  • يبدو أن أمريكا وإيران نجحتا بتطبيق نظام العلاقات المزدوجة بين حالتي الصراع والاتفاق، بحسب ما تتطلبه مصلحة البلدين. 
  • بدا واضحا استثمار واقتناص إيران لمفهوم اللحظة التاريخية الحاسمة، بإدراكها أن العصر أمريكي بامتياز، فكانت طهران الشريك والوسيط والوكيل بحسب متطلبات المتحول الدولي. 
  • لا تبدو أمريكا ضعيفة في تقديرنا بقدر حاجتها إلى لاعب إقليمي في إدارة صراعها العالمي، الذي لم تكن إيران ضمن دائرة هذا الصراع. وقد أجادت إيران هذا الدور على محاور مهمة في المنطقة من العراق إلى سوريا إلى لبنان إلى اليمن إلى ... الخ. 
  • الكثير من العراقيين والمتابعين للشان العراقي والعربي، وقفوا بالمراقبة والمطابقة بين التحرك الإيراني تجاه العراق وبين التحرك العربي. فكان ظهور الرئيس الإيراني وأجهزة دولته تجوب العراق عرضا وطولا، مقابل صمت عربي وعدم وجود سياسة واضحة للتعامل مع ملف العراق، ما يعتبره المراقبون عجزا عربيا على المستوى الإقليمي والدولي. 
  • يمكن القول إن إيران استطاعت، عبر سياسة السيطرة وإدارة حلفائها ووكلائها، جعل العراق عمقا إستراتيجيا كان حلما لها، واستثمار ذلك لفتح بوابات لامتداد نفوذها باتجاه الخليج العربي والبحر المتوسط.
  • ستكون الولايات المتحدة الأمريكية، حتما، في حالة الترقب لهذا التحرك الإيراني والظهور الجديد. فهل ستترك المجال مفتوحا أم أنها صفقة جديدة بينها وبين إيران لابتزاز أطراف إقليمية ودولية أخرى.

الكلمات المفتاحية