في ذكرى انطلاقته الأولى.. هذه إنجازات وإخفاقات الحراك الجزائري

زياد المزغني | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

يحيي الجزائريون في 22 فبراير/ شباط 2020، الذكرى الأولى لانطلاق حراكهم الشعبي الذي انطلق قبل عام، رافضا ترشح الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، بعد 20 عاما من إدارته للبلاد.

هيئات مدنية وسياسية تحشد أنصارها، للخروج في "مليونية" بالعاصمة الجزائر، يرغبون أن تكون الأضخم في البلاد، لإحياء الذكرى الأولى التي يشارك فيها ممثلو الحراك من 21 مدينة، علاوة على نشطاء جزائريين في الخارج.

ورغم ما يعتبره البعض إنجازات حققها الحراك في مقدمتها إجبار بوتفليقة على الاستقالة من منصبه، واعتقال عدد كبير من رجال نظامه الذين تعلقت بذمتهم ملفات فساد، إلا أن كثيرين يعتبرون أن الأهداف الكبرى للحراك لم تتحقق وتم الالتفاف عليها بانتخابات رئاسية شهدت مقاطعة شعبية واسعة.

حصاد الحراك

إعلان الرئيس بوتفليقة عن نيته الترشح لعهدة خامسة، مثل مشهدا مستفزا للجزائريين حين تليت رسالة نسبت له قال فيها: "استجابة لكل المناشدات والدعوات، ولأجل الاستمرار في أداء الواجب الأسمى، أعلن اليوم ترشحي للانتخابات الرئاسية لشهر أبريل /نيسان المقبل".

ردود فعل متفاوتة تلت خطاب الترشح، كان أبرزها إقدام مواطنين على نزع صورة الرئيس الملصقة على واجهة البلدية، مع خروج مظاهرات محدودة جغرافيا ما لبثت أن تحولت إلى حَراك شعبي واسع وشامل في 22 فبراير/شباط 2019، حيث عرفت كل أقطار الجزائر استجابة موحدة لنداء التظاهر بعد صلاة الجمعة انطلاقا من المساجد.

كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور محوري في اتساع رقعة هذه التظاهرات من خلال الدعوات الملحة والمتكررة للمواطنين من أجل التظاهر كل يوم جمعة بطريقة سلمية.

لم تقابل التحركات بقمع أمني أو تضييق كبير، إلا من بعض الاعتقالات أو المناوشات الجزئية، حيث يعيش الجزائريون في السلطة أو المعارضة تحت هاجس الخوف من عودة حالة الفوضى والاقتتال الداخلي الذي شهدته البلاد طيلة تسعينيات القرن العشرين فيما عرف حينها بـ"العشرية السوداء"، التي ذهب ضحيتها آلاف القتلى والمفقودين.

في الأيام الأولى للحراك، بدأ النظام متمسكا بموقفه من ترشيح بوتفليقة، حيث لم يكن متوقعا أن تكون الاستجابة للحراك بالحجم الذي شاهده العالم أسبوعيا، ولا كذلك باستمراره لمدة طويلة جدا، وهو ما دفع المحيطين بالرئيس السابق الانطلاق في مسلسل تنازلات متتالية.

من أجل امتصاص غضب المتظاهرين الذي ازدادت حدته مع اقتراب موعد فصل المجلس الدستوري في ملفات الترشح أعلن بوتفليقة عن مجموعة من القرارات، كان أولها استعداده للخروج من السلطة بعد عام واحد من الانتخابات، تلاها إعلان انسحابه من الترشح وتأجيل الانتخابات لأجل غير محدد مع تغيير حكومي هام.

دعا النظام إلى تنظيم مؤتمر وطني يضم جميع الفعاليات، تكون مهمته اقتراح إصلاحات سياسية عميقة بما فيها دستور جديد يُعْرض للاستفتاء وتنظيم انتخابات رئاسية تشرف عليها لجنة انتخابية وطنية مستقلة، وتشكيل حكومة تضم كفاءات وطنية يدعمها المؤتمر الوطني لإدارة المرحلة الانتقالية.

أهداف تحققت

بعد استقالة بوتفليقة، انجر النظام السياسي بعجلة إلى وضع خارج عن سيطرته، في ظل صراع بين أجنحة الحكم التي تسيطر على مؤسسات الدولة، من رئاسة الجمهورية التي يديرها أقرباء بوتفليقة إلى جناح المخابرات بشقيه القديم بقيادة الجنرال محمد مدين (المعروف بالجنرال توفيق) والذي شغل منصب مدير جهاز الاستخبارات في الجزائر على مدى 25 عاما، والمنسق السابق للمصالح الأمنية عثمان طرطاق المعروف باسم "بشير"، والذين اعتقلوا جميعا في 17 مايو/أيار 2019، بعد أن وصفهم رئيس أركان الجيش الراحل أحمد قايد صالح بـ"العصابة".

دعا قايد صالح، الذي اعتبر صاحب السلطة الفعلية في الجزائر بعد رحيل بوتفليقة، مرارا إلى إجراء انتخابات رئاسية بأسرع وقت ممكن، إلا أن المعارضين من داخل الحراك وخارجه اعتبروا أن القيادة العسكرية معتادة على الحكم من خلف الكواليس وتتطلع بالتالي بلهفة لفرض واجهة مدنية كالعادة  من خلال انتخابات صورية.

إلا أن نطاق الحراك قد اتسع وارتفع سقف مطالبه بعد استقالة بوتفليقة حيث طالب بتغيير جذري للنظام، ورحيل كافة رموز نظام بوتفليقة تحت شعار " ينتحاو قاع" أي يرحلوا جميعا.

في النهاية خارطة الطريق التي رسمها قايد صالح، نفذت وانتخب عبدالمجيد تبون في 12 ديسمبر/كانون الثاني 2019 رئيسا للبلاد من الدور الأول في منافسة جمعته مع 4 مرشحين جلهم محسوب على النظام وأحزابه.

 قوة ضاغطة

المحلل السياسي الجزائري محمد وعراب اعتبر أن مطلب تغيير النظام الذي صار رمزا من رموز الحراك لم يتحقق في الواقع رغم وجود إنجازات أخرى.

وأضاف وعراب في حديث لـ"الاستقلال": "نتيجة لعدم تحقيق هذا المطلب لا زلنا نعيش ببرلمان تم انتخابه خلال العهدة الرابعة لبوتفليقة، وكذلك رئيس الجمهورية يعتبر أحد وجوه نظام بوتفليقة".

وتابع وعراب قائلا: "علينا أن نكون إيجابيين هنالك أهداف تحققت، وفرضت على السلطة إقصاء رموز الفساد في البلاد، الاقتصادية والسياسية، كما أنه بعد الانتخابات الرئاسية، تم إطلاق سراح غالبية معتقلي الحراك وإطلاق وعود للإصلاح، وكذلك اعتبار الحراك الشعبي حدث فارق في تاريخ الجزائر الحديث ".

وتوجّه وعراب بحديثه إلى ناشطي الحراك والمعارضين بقوله: "حتى لا نمضي على وثيقة وفاة الحراك يجب أن يتحول إلى قوة ضاغطة، فالسلطة ذهبت في الأمر الواقع، ويجب على الناشطين والمعارضين وعموم المواطنين تحويل الحراك من رفض كل شيء إلى فرض وجهة نظره، الآن هنالك تعديلات دستورية منتظرة، وانتخابات تشريعية سابقة لأوانها وانتخابات محلية، يجب أن لا يترك المجال مفتوحا أم النظام وحده". 

تواصل الحراك

شهدت مدينة خراطة بولاية بجاية شرق العاصمة، مظاهرات عارمة شارك فيها الجزائريون من مختلف ولايات الوطن احتفالا بالذكرى الأولى للحراك الشعبي الذي انطلقت شرارته بالمنطقة لتنتقل بعدها إلى العاصمة.

شارك ناشطون قدموا من العاصمة ومدن أخرى في الاحتفاء بالفعالية الشعبية، بينهم القيادي في "ثورة التحرير" أخضر بورقعة المفرج عنه أخيرا، والناشط سمير بلعربي المعتقل السياسي السابق الذي أُفرج عنه منذ أسبوع.

وقال بورقعة في كلمة خلال التجمع: إن "الحراك الشعبي ثورة مكتملة قادها الشعب لمنع حدوث اختطاف سياسي للبلاد من قبل عصابة سياسية مريضة بالسلطة والحكم". واعتبر القيادي أن هذا الإنجاز التاريخي للجزائريين "هو جزء من تحقيق متراكم للأهداف العميقة لثورة التحرير الأولى".

مغازلة تبون

وفي ظل تواصل الدعوات لمليونية الذكرى الأولى للحراك في 22 فبراير/شباط 2020، يحاول الرئيس تبون مغازلة الحراك قائلا: "الحراك الشعبي يمثل إرادة الشعب التي لا تقهر".

وقال تبون في كلمة أثناء افتتاح أشغال لقاء الحكومة بالولاة (أي المحافظين): "لقد مرت سنة على ذكرى المواطنات والمواطنين في حراك مبارك سلمي تحت حماية الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، طالبا التغيير، رافضا المغامرة التي كادت تؤدي إلى انهيار الدولة الوطنية وأركانها والعودة إلى المأساة التي عاشها بدمه ودموعه في تسعينيات القرن الماضي وبكل سلمية".

وأضاف: "الشعب الجزائري هب لانتخابات شفافة ونزيهة. تلكم كانت إرادة الشعب التي لا تقهر لأنها من إرادة الله". وأشار إلى أنه بعد انتخابه على رأس الجمهورية جدد التزامه بالتغيير الجذري، ملبيا بذلك "ما كان متبقيا من مطالب الحراك المبارك".

وخاطب تبون الولاة قائلا: "إنكم ملزمون بالتغيير على المستوى المحلي"، داعيا إياهم إلى "تلبية احتياجات المواطنين والابتعاد عن السلوكيات السابقة والقديمة، لاسترجاع ثقة المواطن".