تهميش لاتفاق برلين.. استمرار تدفق الأسلحة يشعل الحرب في ليبيا

12

طباعة

مشاركة

نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية تقريرا سلطت فيه الضوء على الأزمة الليبية، مشيرة إلى استمرار تدفق الأسلحة إلى ليبيا بالرغم من وعود العديد من دول العالم خلال القمة التي عقدت بالعاصمة الألمانية برلين في 20 يناير/ كانون الثاني الماضي.

وقال التقرير الذي أعده سدرسن راجفان مدير الصحيفة في القاهرة: إنه بعد مرور ثلاثة أسابيع على القمة التي عُقدت في برلين لمناقشة سبل احتواء الأزمة الليبية، والتي قطعت فيها الدول وعدا بعدم تصدير الأسلحة للأطراف المتنازعة في ليبيا، ومنها: الإمارات وروسيا وتركيا، إلا أن تدفق الأسلحة من هذه الدول لا يزال يمزق البلاد التي مزقتها الحرب الأهلية، وجعل الأمر أشد صعوبة.

"مجتمع دولي عاجز"

وصرح محللون للصحيفة، أن أحد الأسباب الرئيسية لذلك هو أن الزعماء الأوروبيين والأمريكيين الحاضرين لم يمارسوا ضغوطا حاسمة على القوى الخارجية الأساسية التي أشعلت حرب ليبيا، حيث لم تكن هناك عقوبات لفرض احترام الأمم المتحدة لحظر الأسلحة، ولم يتعرض المخالفون للاتفاقات الدولية لعقوبات لدورهم في الصراع.

ونقلت عن جليل حرشاوي، الخبير الليبي في معهد "كلينجينديل" في لاهاي، قوله: إن "نعومة قمة برلين أعطت إشارات إلى تركيا والإمارات أن المجتمع الدولي لا يملك القدرة على إنشاء آلية لمنع تدفق الأسلحة الأجنبية إلى ساحة الحرب في ليبيا، وفرض عقوبات على الدول التي تخالف الاتفاقات الدولية بمنع تصدير الأسلحة إلى أطراف النزاع في الساحة الليبية".

وأضاف: أن "هذا يساعدنا على فهم سبب انفجار حجم الأسلحة التي حقنتها أبوظبي وأنقرة في ليبيا بشكل متصاعد مباشرة بعد برلين، التي كان يُنظر إليها على أنها أحرزت تقدما في سبيل إنهاء الأزمة الليبية".

وأشار التقرير إلى أنه "بعد أيام من القمة، زادت شحنات الأسلحة إلى كلا الجانبين، حيث أرسلت تركيا أنظمة دفاع جوي وأسلحة ثقيلة ورادارات مضادة للهاون، إلى جانب 3500 من المقاتلين السوريين المؤيدين لتركيا والمستشارين العسكريين والمدربين، لدعم الحكومة التي تدعمها الأمم المتحدة ومقرها طرابلس، وفقا لمسؤولي الأمم المتحدة والمسؤولين الغربيين، والمحللين العسكريين، والصور ومقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي".

في غضون ذلك، تؤكد الصحيفة أن عشرات الطائرات أقلعت من دولة الإمارات حاملة أسلحة لقوات خليفة حفتر، القائد الشرقي الذي تسبب هجومه في أبريل / نيسان على طرابلس باضطرابات شديدة في الدولة الواقعة في شمال إفريقيا، وفقا لمسؤولي الأمم المتحدة والباحثين الذين يتتبعون الرحلات الجوية من الإمارات إلى شرق ليبيا.

ونوه التقرير إلى أن المسؤولين في الإمارات لم يستجيبوا لطلبات التعليق، ونفت روسيا أي صلات بالمرتزقة الروس الذين يعملون لصالح مجموعة "فاجنر"، وهي شركة مرتبطة بالكرملين، تقاتل إلى جانب حفتر، بينما  قال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون: إنهم ما زالوا يشاركون في ليبيا ويطبقون التدابير المناسبة لتحقيق وقف لإطلاق النار وحل سياسي.

ونقلت الصحيفة عن هامي أكسي، المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية، قوله: إن أنقرة تتدخل في ليبيا بناء على طلب الحكومة التي أنشأتها الأمم المتحدة، لافتا إلى أن الدعم لا يمثل انتهاكا للحظر المفروض من الأمم المتحدة، وأنه يشتمل أساسا على المشاركة بالخبرة والتدريب العسكريين.

محادثات الأمم المتحدة

تجري الأمم المتحدة محادثات مع الأطراف المتحاربة لنزع سلاح المليشيات، وإطلاق تدابير اقتصادية جديدة والتوصل إلى وقف لإطلاق النار، حيث يقول مسؤولون ومحللون في الأمم المتحدة: إن أي تقدم يتوقف على وقف تدفق الأسلحة إلى ليبيا، ومع ذلك، فإن الوعود التي خالفها أصحابها تؤكد على المدى الذي أصبح فيه حظر الأسلحة بلا قيمة أو قوة رادعة.

وبحسب التقرير، فإنه يمكن التأكيد أن مصير ليبيا يظل اليوم تحت سيطرة ست قوى أجنبية على الأقل، وهي: تركيا، روسيا، مصر، الإمارات، السعودية، الأردن، التي تسعى إلى ضمان أن يصبح مستقبل البلاد متماشيا مع مصالحها الجيوسياسية والاقتصادية والإيديولوجية.

يُذكر أن القوى الخارجية نقلت الأسلحة والمرتزقة والمدربين العسكريين وغير ذلك من الدعم إلى ليبيا منذ أوائل عام 2011، عندما أطاحت ثورة شعبية بدعم من القوة الجوية للناتو بالديكتاتور معمر القذافي، ومع ذلك، فإن الأمم المتحدة والدول الغربية لم تطبق العقوبات أو وجدت طرقا أخرى لمعاقبة مرتكبيها.

وقال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس للصحفيين الأسبوع الماضي، في نيويورك: "إنني أشعر بخيبة أمل شديدة إزاء ما يحدث في ليبيا". ووصف الوعود المنهكة من جانب القوى الأجنبية بأنها "فضيحة".

وأضاف جوتيريس: "لقد تعهدوا بعدم التدخل في العملية الليبية، والتزموا بعدم إرسال أسلحة أو المشاركة بأي طريقة في القتال. الحقيقة هي أن الحظر المفروض على الأسلحة لا يزال منتهكا".

أما المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة فقد قال، الأسبوع الماضي: إن القرارات المتفق عليها في برلين لم يتم احترامها، وأن "مرتزقة جددا، ومعدات جديدة، يصلون للطرفين في ليبيا جوا وبحرا".

افتقاد الرغبة السياسية

وبحسب التقرير، فإن "التدخل الأجنبي في ليبيا يأتي لأسباب تتعلق بالنفوذ والاقتصاد، حيث تسعى كل من روسيا وتركيا إلى الوصول إلى مليارات الدولارات من عقود النفط والبناء وتوسيع نفوذها في الشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، في الوقت الذي تشعر فيه  الإمارات ومصر والقوى الإقليمية الأخرى بالقلق من النفوذ المتزايد لتركيا، التي تدعم الإسلاميين الذين وصفتهم بالإرهابيين".

وميدانيا، أوضح التقرير أن "حملة حفتر للسيطرة على طرابلس توقفت مع صعود الفصائل الموالية للحكومة لمحاربة قواته، إلا أنه في سبتمبر/ أيلول الماضي، وصل مرتزقة روس مرتبطون بالكرملين إلى الخطوط الأمامية لمساعدة حفتر، مستخدمين أسلحة وتكتيكات متطورة".

وأشار التقرير إلى أن دخول المرتزقة الروس المدعومين من الكرملين إلى ساحة المعركة في جانب حفتر دفع  الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة إلى تركيا للحصول على مزيد من المساعدة العسكرية، تطبيقا للاتفاقيات الأمنية والاقتصادية بينهما.

وتابع: بحلول الشهر الماضي، كانت تركيا وروسيا أكثر الوسطاء نفوذا في ليبيا، حيث أحضر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين طرفي النزاع إلى موسكو لإبرام وقف لإطلاق النار، لكن حفتر غادر فجأة دون توقيع الاتفاق. بينما سعت القوى الأوروبية لتصبح أكثر أهمية في ليبيا مع قمة برلين.

ونقل التقرير عن عماد الدين بادي، المحلل الليبي بمعهد الشرق الأوسط، قوله: "لم يجعل أي شيء ملزما حقا. لم تكن قسرية، لم تستفد من أي رأس مال سياسي كبير، أصبحت المبادرة مضللة بسبب الافتقار إلى الإرادة السياسية".

الصحيفة ذكرت أن القتال لم يكن مكثفا كما كان قبل قمة برلين، حيث استمرت الاشتباكات على جبهات عدة، والقصف العشوائي، والضربات بمناطق مدنية يحدث بشكل متكرر، إذ أفادت التقارير بأنه  منذ أبريل / نيسان، قُتل أو جُرح عدة آلاف من الأشخاص في النزاع، وفر أكثر من 150 ألف شخص من منازلهم.

وأشارت إلى أنه "في مدينة سرت الساحلية، التي احتلتها قوات حفتر الشهر الماضي، تم تدمير مزار صوفي الأسبوع الماضي، على أيدي المليشيات السلفية المتطرفة، حيث أعطى ذلك الفعل إشارة على أن الحرب أصبحت، على الأقل بالنسبة لبعض العناصر المتحاربة، ذات طبيعة دينية وطائفية".

وأردفت الصحيفة: عشية قمة برلين، حاصرت القبائل الموالية لحفتر موانئ النفط الرئيسية، ونتح عن ذلك أن  إنتاج النفط تضرر بشدة، في دولة تمثل صادرات النفط والغاز فيها أكثر من 90 في المئة من إجمالي إيرادات الدولة، إلا أن ليبيا لا تنتج سوى 72 ألف برميل يوميا، مقارنة بـ 1.3 مليون برميل قبل الإغلاق.

وبحسب سلامة، فإن هذا الوضع غير مستدام، "سأكون ممتنا لو أن بعض أكبر دول العالم، التي كانت تساعدنا في حل الأزمات السابقة في إنتاج وتصدير النفط، تفعل الشيء نفسه في هذه الأزمة بالذات".

قرارات أممية فارغة

في الشهر الماضي، أصدرت الأمم المتحدة تقريرا قويا عن غارة جوية في يونيو / حزيران الماضي، أسفرت عن مقتل 53 شخصا على الأقل، معظمهم من المهاجرين الأفارقة، في مركز احتجاز في طرابلس.

وخلصت إلى أن الغارات الجوية "من المرجح أنها نُفذت بواسطة طائرة تابعة لدولة أجنبية" - دون تسمية البلد، وفي العام الماضي، إذ قال خمسة مسؤولين من الأمم المتحدة ووكالات الإغاثة الغربية: إن "الطائرات الحربية الإماراتية كانت وراء الهجمات".

والمثير للجدل، وفقا للصحيفة، فإن كل من الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوربية كانت قد امتنعت عن اعتبار الإمارات العربية المتحدة هي محرك رئيسي للأزمة الليبية.

ونقلت عن هرشاوي من معهد "كلينجندال" إنهم "لا يرغبون في عزل دولة عربية سنية يرون أنها حازمة وديناميكية وترغب في إنفاقها على تشكيل المشهد السياسي والأمني في النصف الشمالي من إفريقيا، طالما كان هذا هو الحال، فمن المرجح أن يظل حظر الأسلحة الذي تفرضه الأمم المتحدة فارغا من مضمونه وغير مؤثر".

وأشارت إلى أنه في الوقت الذي تتغاضي فيه الدول الأوربية عن إدانة الإمارات لتدخلها السلبي في النزاع الليبي، انتقدت فرنسا والدول الأخرى التي تدعم حفتر تركيا بشدة لتدخلها. وقال بادي: "المشكلة هي أنه لا يمكنك معالجة الأزمة الليبية حقا بهذا النهج الأحادي الجانب".