اقتتال قبلي ينذر بحرب أهلية في السودان.. من يشعل بؤرة دارفور؟

أحمد يحيى | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"لو اشتعلت دارفور بشكل خاص، سينعكس الصراع على كافة أنحاء البلاد، وربما يصل إلى نقطة اللا عودة"، هذا ما أكده القيادي بحزب المؤتمر الوطني السوداني إبراهيم عبد الرزاق لـ"الاستقلال"، مشيرا إلى أن "الوضع في السودان بشكل عام، وليس في دارفور فقط، ينذر بحرب أهلية، بسبب سياسات الحكومة الحالية".

الراجح تاريخيا أن السياسة التي اتبعت منذ حكم البشير في إحكام الهيمنة على دارفور، خلفت إرثا أخل بتوازنات القوى، والتركيبة السكانية والعرقية، بداخلها، وساهم من حين إلى آخر، في إعادة اشتعال القتال، أو النزاعات المستمرة.

لكن أصبح من شبه المؤكد الآن في ظل المرحلة الانتقالية التي تعيشها السودان بعد خلع البشير، وضعف يد مؤسسات الدولة، تتخوف البلاد، والمجتمع الدولي كافة، من اندلاع حرب أهلية، غير مأمونة العواقب.

حديث عبد الرزاق يؤكد أن "الصراع في دارفور عرقي قبلي، فهناك الجنجويد، وهم قبائل من أصول عربية، جاءت إلى الإقليم، وتعايشت فيه، وسط القبائل الأصلية، وصاحبة العرق الإفريقي، ومن أبرزها (الزغاوة والمساليت)، وعندما بدأت الحرب قديما في دارفور، شارك الجنجويد في إخماد الصراع، بعد تسليحهم، وهو ما ترك آثارا بالغة في انقسام المجتمع واضطراب المنطقة".

وشدد القيادي بحزب المؤتمر أن "نتيجة الحرب السابقة، وقوة القبائل، ونزعتها إلى الانفصالية، والتركيبة العرقية، فإن دارفور ليست كغيرها من مدن السودان، والوضع الحالي للدولة من ضعف واهتراء، وشبه تفكك للمؤسسات، وجهاز المخابرات السودانية تحديدا، يصعب معه إحكام السيطرة على أي نزاع، وبالتالي فإن دارفور يمكن بسهولة أن تكون بمثابة البؤرة التي تشعل قتالا أهليا واسعا في سائر عموم الوطن".

أحداث الجنينة

بمنحى خطير تفاقمت الأوضاع بولاية دارفور غربي السودان، عقب احتداد نزاع مسلح بين قبيلتي "المساليت" و"العرب"، على خلفية مقتل أحد شباب القبائل العربية قرب معسكر "كريندينق" للنازحين. 

وفي 6 يناير/ كانون الثاني الجاري، أصدر مكتب الشئون الإنسانية للأمم المتحدة "أوتشا"، تقريرا عن أحداث مدينة الجنينة بشمال دارفور، قال: إن "عدد القتلى بلغ 54 شخصا، بالإضافة إلى 60 مصابا، ونزوح حوالي 40 ألفا". 

وأكد أن لجنة المساعدات الإنسانية قدرت نزوح قرابة 40 ألف شخص، من بينهم 32 ألفا من 3 مخيمات هي "كردينق 1 و2 والسلطان"، والباقي من كردينق وباب الجنان ودار السلام ودار النعيم".

ومنذ 22 ديسمبر/كانون الأول الماضي، أدت سلسلة من حوادث العنف بين قبيلة المساليت ورجال القبائل العربية إلى زيادة التوتر بين القبائل في الجنينة ما أدى إلى انتشار العنف على نطاق واسع، وذلك على خلفية مقتل أحد شباب القبائل العربية قرب معسكر كردينق للنازحين. 

وفي ذلك السياق أعلنت جمعية الهلال الأحمر السوداني، تحويل 48 جثة إلى المشرحة، وإجلاء وإسعاف حوالي 241 جريحا، وتشريد 8111 أسرة. 

مطلع يناير/ كانون الثاني الحالي، وصل عبد الله حمدوك رئيس الوزراء السوداني، وقيادات من المجلس السيادي وأجهزة الأمن إلى مدينة الجنينة، لاحتواء أعمال العنف الدامية إثر الاشتباكات المسلحة.

وتسلم حمدوك فور وصوله، مذكرة من لجان معسكرات النازحين ولجان المقاومة بمدينة الجنينة، تطالب بضرورة جمع السلاح وفرض هيبة الدولة، مع تعهد نائب رئيس المجلس السيادي، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، بمعاقبة الجناة، وعدم الإفلات من العقاب.

وشدد حمدوك على ضرورة توفير العون الذي يساعد على عودة النازحين، وناشد مجتمع الجنينة والحكومتين المركزية والولائية بمساعدة النازحين للعودة إلى مناطقهم.

في 2 يناير/ كانون الثاني الجاري، تظاهر الآلاف في العاصمة السودانية الخرطوم، لوقف العنف المسلح، والاقتتال القبلي في دارفور غربي البلاد، الذي أوقع عشرات القتلى، وآلاف النازحين، وحمل المتظاهرون الأعلام الوطنية، ولافتات تطالب بضرورة وقف الاقتتال القبلي، وتحقيق السلام، وردد المتظاهرون شعارات، "يا عنصري ومغرور .. كل البلد دارفور"، "لا للعنف.. نعم السلام".

ويعد ملف إحلال السلام الداخلي أحد أبرز التحديات على طاولة حكومة حمدوك خلال المرحلة الانتقالية، التي بدأت في 21 آب/ أغسطس 2019، وتستمر 39 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلالها السلطة كل من الجيش وتحالف قوى إعلان الحرية والتغيير.

وفي 5 يناير/ كانون الثاني الجاري، حمَّل تجمع المهنيين السودانيين، الذي قاد مظاهرات عزل البشير، ويشارك في الحكومة الانتقالية، في بيان، "الحاكم العسكري، واللجنة الأمنية بالولاية، كامل المسؤولية عن الأحداث، لتقاعسهم، عن حماية المواطنين وبسط الأمن وردع المعتدين والمتربصين بالسلم الاجتماعي".

وأضاف التجمع أحد أبرز مكونات قوى إعلان الحرية والتغيير، أنه "نتج عن انفجار الأوضاع بمدينة الجنينة، سقوط العديد من الشهداء وعشرات الجرحى بعضهم في حالة حرجة".

وطالب البيان بإقالة الحاكم العسكري، وتعيين بديل مدني يعمل مع قوى الثورة في الولاية لتحقيق السلام والتعايش السلمي بين مكونات الولاية ومحاربة خطاب الكراهية والعنف، وزرع الفتن التي تحاول بعض الأطراف المأجورة نشره.

وفي نفس اليوم دعت الجبهة الثورية، إلى "تشكيل لجنة تحقيق مستقلة لمعرفة المتورطين في الأحداث وتقديمهم إلى العدالة. وأعلنت في بيان، "تعليق التفاوض في جوبا، (مسار دارفور)، إلى حين التقدم بخطوات عملية لحماية المدنيين وتقديم الجناة إلى العدالة".

وأعلن المجلس السيادي، بعد اجتماع طارئ، إرسال المزيد من القوات للسيطرة على الأوضاع الأمنية بولاية غرب دارفور. وأعلن حاكم الولاية اللواء ركن عبدالخالف بدوي، وصول تعزيزات عسكرية كبيرة، لمنع التفلتات الأمنية، واحتواء الاقتتال القبلي.

وأوضح بدوي في تصريحات إعلامية، أن اللجنة العليا برئاسة "حميدتي"، تواصل جهودها من أجل تسوية تداعيات العنف القبلي. ونوَّه إلى أن اللجنة التقت وفدين من قبيلتي (المساليت والعرب) المتنازعتين كلا على حدة، بهدف جمعهما مع بعض للتوافق على وثيقة، تلزم كل الأطراف بالتعايش السلمي وإقرار الاستقرار في الولاية.

"حرب الغوريلا"

ويشهد إقليم دارفور غربي السودان منذ العام 2003، نزاعا مسلحا بين القوات الحكومية وحركات متمردة، أودى بحياة نحو 300 ألف شخص، وشرد نحو 2.5 مليون آخرين، وفق الأمم المتحدة.

عرفت أزمة ذلك الإقليم الغربي في بلاد السودان، بـ"حرب الغوريلا"، ووقتها احتاجت القوات المسلحة إلى قوات مساندة لمكافحة التمرد، فأنشأت قوات شعبية من بعض القبائل الموالية للدولة لمكافحة التمرد، واشتهرت هذه القوات باسم قوات الجنجويد.

استطاعت "الجنجويد" تدمير الحركات المتمردة، واستعادة كل الأراضي التي سيطروا عليها، لكن كانت التكلفة باهظة، وتورطت هذه المليشيات التي تعمل بإشراف الدولة في انتهاكات جسيمة بحق المدنيين، وهو الأمر الذي تسبب في إحالة ملف دارفور إلى "محكمة الجنايات الدولية"، ومنها تم استصدار أمر توقيف بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير.

بعد ذلك اضطرت الدولة لإعادة هيكلة "الجنجويد" تحت مسمى قوات الدعم السريع، ونزع صفة القبلية عنها بعدما زخرت أدراج مجلس الأمن والجنائية الدولية بما ارتكبته هذه القوات من جرائم.

بيت الجنجويد

وتعتبر دارفور، من أبرز المناطق التي تعج بالاقتتالات الدائمة، خاصة وأن خارطة القوى القبلية بداخلها معقدة، وجلها تحمل السلاح، قادرة على النفير، لا سيما أن أهم تلك القبائل "الجنجويد" الذين يشكلون قوام قوات الدعم السريع بقيادة حميدتي.

وفي 20 يونيو/ حزيران 2019، نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية، تقريرا بعنوان "زعيم الميليشيا المسلحة حميدتي يقترب من السلطة"، قالت فيه: إن "حميدتي كان تاجر جِمال بتعليم ابتدائي، عندما حمل السلاح قبل أن يصل من حقول الموت البعيدة في دارفور إلى الإدارة العليا في الخرطوم".

وحسب التقرير، فإن "الجيش وإن كان مسلحا بشكل جيد، إلا أن مقاتلي حميدتي صهرتهم الحروب. وبعد دمج البشير قوات الدعم السريع في الجيش عام 2013 تفاوض حميدتي على نشر عناصرها في اليمن للقتال إلى جانب التحالف الذي تقوده السعودية هناك".

وأضاف أن حميدتي "استطاع من خلال هذا الحصول على صداقات مع شخصيات مؤثرة مثل محمد بن سلمان ولي العهد السعودي، وعلى موارد مالية ما أسهم في تلميع صورته حيث رأى الكثيرون جوانب إيجابية في صعوده إلى السلطة".

وأكدت الصحيفة البريطانية "حتى عام 2015 كانت قوات الدعم السريع تقوم بعمليات مكافحة التمرد في دارفور، وهي مسؤولة بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش عن مهاجمة القرى، وحرق ونهب البيوت وضرب وقتل واغتصاب سكانها". 

ونقلت الصحيفة عن السياسي السوداني رضوان داوود: "منذ استقلالنا عام 1956 لم يصل إلى سلم السلطة من دارفور أي شخص مثلما فعل حميدتي، وهو من الخارج يقوم بتحطيم النظام وطالما بقي هذا فلا مستقبل، ويمثل حميدتي تهديدا على القيادة السياسية التقليدية والعسكرية".

مروع دارفور

الدور الذي لعبه حميدتي، وعشيرته في دارفور، قاده إلى إحكام الزمام على السودان بعد ذلك، ففي 15 مايو/ آيار 2019، نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية مقالا تحت عنوان "الرجل الذي روع دارفور هو من يقود العملية الانتقالية المفترضة في السودان".

وذكرت أن حميدتي "هو من يقوم بإصدار الأوامر في السودان، وأن الدبلوماسيين الغربيين في الخرطوم عرفوا بعد الإطاحة بالبشير، من هو الشخص القوي في العاصمة، فلم يصافح سفراء الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي رئيس المجلس الذي لم يسمع به أحد من قبل، عبد الفتاح البرهان، لكنهم صافحوا واجتمعوا مع حميدتي".

"دقلو" الرجل الذي جاء إلى الجيش بخلفية غير عسكرية، إلا أنه كان قائدا لمليشيا الجنجويد العربية في إقليم دارفور، التي ارتكبت جرائم فادحة أثناء نزاع الإقليم مع حكومة الخرطوم، ما كان إلا شبحا أوجده البشير، ليعصمه من المظاهرات، والمحاولات الانقلابية، فقربه إليه وأنشأ قوات الدعم السريع، التي كانت بمثابة الحرس الجمهوري له شخصيا، وسرعان ما تحولت إلى قوة نظامية شرسة، تنافس أجهزة الجيش والمخابرات، وتمت ترقية "حميدتي" إلى رتبة فريق أول.

لم يكن يعلم البشير أنه بتلك الصناعة، سوف يساهم في إسقاط حكمه، على يد من قربهم إليه ورفعهم لحمايته، ولم يكن يعلم قادة الجيش، أن رجلا لم يمر ببوابة الكلية الحربية، ولم يتدرج في مسالك التربية العسكرية، ستكون له كل هذه الأدوات من القوة والنفوذ.

حميدتي سرعان ما نشر قواته بحوالي 9 آلاف مقاتل في الخرطوم، إضافة إلى 4 آلاف عنصر جلبهم من دارفور من أجل مواجهة المتظاهرين، أو حتى قوات من الجيش قد تقدم على تمرد، أو أي طرف يهدده.

كما يحظى بدعم رجال العشائر العربية الذين أقاموا الجنجويد قبل 16 عاما في دارفور، والأهم هو الدعم الإقليمي الذي يتلقاه الرجل من الأنظمة الكبرى في المنطقة، وعلى رأسهم السعودية، والإمارات، ومصر.