خالد بن أحمد.. مسيرة وزير بحريني مثيرة للجدل وحافلة بالعداوات

محمد سراج الدين | منذ ٤ أعوام

12

طباعة

مشاركة

على مدار 15 عاما، تولى فيها خالد بن أحمد آل خليفة، منصب وزير الخارجية في البحرين، لم يكن اسم الرجل مشهورا، أو يحتل مساحات واسعة في وسائل الإعلام الدولية والإقليمية، مثل غيره من وزراء خارجية الدول البعيدة عن مناطق النفوذ الإقليمي والدولي، ولكنه قبل نهاية عام 2018، غيَّر المعادلة واحتل مركزا متقدما في مواقع البحث ووسائل الإعلام، والسبب كان "إسرائيل".

خلال 2018 وفي إطار الهوس الخليجي بالتطبيع مع إسرائيل، أجرى ابن أحمد لقاء مع وزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارة له في واشنطن، ثم أجرى حوارا تلفزيونيا مع التليفزيون الإسرائيلي، أعلن فيه صراحة عن حق إسرائيل العيش بسلام، ثم شن هجوما ضاريا على حركات المقاومة الفلسطينية، وخاصة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وهو ما تكرر أيضا مع حزب الله بلبنان، فضلا عن الحكومة الإيرانية.

ولم يكتف الرجل بالولوج السريع في القضية الفلسطينية لصالح إسرائيل، ولكنه كان أحد أسباب الأزمة الخليجية مع دولة قطر، وشكل بالإضافة للثلاثي محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي، ومحمد بن سلمان ولي عهد السعودية، وعبدالفتاح السيسي رئيس الانقلاب العسكري بمصر، شكل رباعيا ضاغطا على قطر سياسيا وإعلاميا، واقتصاديا.

إلا أن كل ما سبق لم يشفع له لدى ملك البحرين الذي قرر بشكل مفاجئ الإطاحة بآل خليفة من منصبه، قبل أن يسدل الستار عن عام 2019.

إسرائيل باقية

في السابع والعشرين من يونيو /حزيران 2019، وبالتزامن مع عقد ورشة المنامة للترويج لصفقة القرن، نشر حساب "إسرائيل بالعربية" التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية على "فيسبوك"، مقاطع مصورة للقاء تلفزيوني أجراه وزير الخارجية البحريني مع قناة "13 الإسرائيلية"، من مقر وزارة الخارجية بالمنامة.

وحسب ما نقلته شبكة "سي إن إن"  الأمريكية، فإن وزير الخارجية البحريني أعلن صراحة أن "الحديث المباشر مع المجتمع الإسرائيلي هو الوسيلة لتخفيف أي توتر، وهذا الحوار كان يجب أن يحدث منذ زمن طويل". وأضاف قائلا: "هذه مقابلتي الأولى مع قناة إسرائيلية ونأمل أننا سنتمكن من توجيه الرسالة"، لافتا إلى أن "إسرائيل موجودة وباقية ونحن نريد السلام معها".

ووجه المذيع سؤالا نصه: "هذا حدث غير عادي، وزراء الخارجية العرب يجلسون مع صحفيين إسرائيليين، ما الذي دفعك لفعل ذلك؟" فأجاب الوزير البحريني قائلا: "هذا كان من المفترض حدوثه منذ زمن طويل، الحديث مع الناس الذين تختلف معهم هو دائما خطوة ستؤدي لخفض التوتر".

وأضاف الوزير: "أردنا دوما حل النزاع العربي الإسرائيلي والفلسطيني الإسرائيلي، لكن كنا دوما نفقد التواصل، كنا دائما نتحدث مع الجميع حول العالم عدا الحديث مباشرة مع الجمهور الإسرائيلي عبر القنوات الإسرائيلية أو وسائلهم الإعلامية وصحفهم، وأعتقد أن هذا كان من المفترض حدوثه منذ زمن طويل ولا نريد تفويت هذه الفرصة هنا في هذه الورشة المهمة".

وأمام الانتقادات التي وجهها ناشطون فلسطينيون وعرب، للقاء التلفزيوني السابق، وأنه يأتي في ظل خطوات عديدة يقوم بها الوزير لدعم التطبيع مع إسرائيل على حساب القضية الفلسطينية، حاول ابن أحمد تخفيف حدة الغضب بقوله لقناة "العربية" السعودية: "إن إجراء مقابلات مع وكالات إعلامية إسرائيلية، لا يعني أن المنامة تدعم تطبيع العلاقات مع الدولة اليهودية".

وأضاف قائلا: "هناك من يقول إن هذا تطبيع.. هذا ليس تطبيعا.. هذه ليست حتى خطوة باتجاه التطبيع.. يجب أن ترسل الرسالة الصحيحة إلى الشخص الذي تريد مخاطبته وحل مشكلة معه. وهذا الشعب الإسرائيلي".

لقاء كاتس

الحوار التليفزيوني الذي يعد الأول من نوعه لوزير خارجية خليجي مع قناة إسرائيلية، لم يكن هو الوحيد في سلسلة الإجراءات التي قام بها وزير الخارجية البحريني لدعم تطبيع العلاقات مع إسرائيل، حيث التقي خالد بن أحمد آل خليفة، بعد أيام من ورشة المنامة، بوزير الخارجية الإسرائيلي خلال زيارة جمعتهما بواشنطن.

ونشر يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي في 19 يوليو/ تموز 2019، صورة جمعته بنظيره البحريني، وعلق عليها قائلا: "بالأمس، التقيت علنا وزير خارجية البحرين الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة، وأضاف: "سأواصل العمل مع رئيس الوزراء الإسرائيلي لدفع العلاقات بين إسرائيل ودول الخليج قدما".

وعلق بيان رسمي لوزارة الخارجية الإسرائيلية عن اللقاء بأنه تم التنسيق له بالكواليس من جانب وزارة الخارجية الأمريكية في إطار مؤتمر حول الحرية الدينية نظّمه بواشنطن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو.

وأشار إلى أن الوزيرين "تطرقا إلى موضوع إيران والتهديدات الإقليمية بالإضافة إلى التعاون بين الدول، واتفقا على الاستمرار على هذا المسار".

وعلقت حركة حماس على الصورة الحميمية بين الوزيرين الإسرائيلي والبحريني، بأنها تعكس حالة الصهينة التي وصل إليها بعض المسؤولين العرب، ووصفها سامي أبو زهري، المتحدث باسم الحركة قائلا: "هذه اللقاءات والصور، خيانة للقدس وفلسطين، ولن تفلح في تزييف وعي الأمة ودفعها للتخلي عن فلسطين والتطبيع مع الاحتلال".

الوزير وحماس

وارتباطا بتطور العلاقات بين الوزير البحريني وإسرائيل، كانت حركة حماس حاضرة وبقوة، في انتقادات الوزير لحركات المقاومة الفلسطينية التي تثير المتاعب لإسرائيل، ولن تجعلها تعيش في سلام، حسب رأي خالد بن أحمد، ولم يكن رد حماس على الصورة الحميمية التي جمعت بين الوزيرين البحريني والإسرائيلي، إلا واحدة أيضا من الانتقادات التي قدمتها حماس لخالد بن أحمد، بسبب انحيازه الدائم لصالح إسرائيل، وفيما يلي أبرز المحطات التي جرت بين حماس وابن أحمد:

في 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، كشفت تقارير إعلامية أن إسرائيل في المراحل الأخيرة من إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بعد اجتماعه مع رئيس جمهورية تشاد: "قريبا جدا، سنجري زيارات في دول إسلامية أخرى"، ورغم أن نتنياهو لم يعلن صراحة عن الدولة الخليجية التي يقصدها، إلا ان وسائل الإعلام المقربة منه كشفت صراحة أن المقصود هي البحرين.

في مطلع 2019، تلقى وزير الاقتصاد الإسرائيلي إيلي كوهين، دعوة من الخارجية البحرينية، عن طريق سويسرا للمشاركة في مؤتمر "مجال التكنولوجيا والتكنولوجيا الفائقة".

في يوليو / تموز 2019، وبسبب مقاطعة الفلسطينيين لورشة المنامة، وصف ابن خليفة، حركات المقاومة الفلسطينية بالإرهاب، مؤكدا خلال مشاركته في ندوة نظمتها الخارجية الأمريكية بواشنطن، حول الحريات الدينية، أنه "لولا الدعم الإيراني لحماس والمنظمات الإرهابية الجهادية في قطاع غزة، من حيث الموارد البشرية والمالية، لكنا اليوم أقرب إلى السلام بين إسرائيل والفلسطينيين".

صدام مع إيران

ولم يكن موقف الوزير البحريني تجاه حركات المقاومة الفلسطينية، مختلفا عن موقفه من باقي حركات المقاومة المناهضة لإسرائيل، وخاصة حزب الله، وكان من أبرز المحطات في هذا الاتجاه ما يلي:

في 25 من شباط/ فبراير 2019، أعلن ترحيب بلاده بقرار المملكة المتحدة بتصنيف "حزب الله" كمنظمة إرهابية بجناحيها السياسي والعسكري، مؤكدا في بيان رسمي أن هذا القرار يعد خطوة مهمة في جهود مكافحة الإرهاب على الصعيدين الإقليمي والدولي، لما يمثله هذا الحزب من مخاطر حقيقية وتهديدات واضحة على الأمن والسلم الدوليين.

في 30 يوليو/ تموز 2019، أعلن ترحيبه بقرار الأرجنتين تجميد أصول "حزب الله"، وقالت الخارجية البحرينية في بيان رسمي: "ترحب وزارة خارجية مملكة البحرين بقرار جمهورية الأرجنتين الصديقة تصنيف ما يسمى بحزب الله كمنظمة إرهابية وتجميد أصول أعضائه في أراضيها"، مؤكدة أن "هذا القرار يعد خطوة جديدة باتجاه إدراك المجتمع الدولي لخطورة هذا الحزب الإرهابي على الأمن والسلم الدوليين".

في أغسطس/ آب 2019، أدلى الوزير بتصريح غريب، تعليقا على الغارات الإسرائيلية ضد قوات "حزب الله" في لبنان وسوريا والعراق، حيث قال: إن "إيران هي التي أعلنت الحرب علينا، بحراس ثورتها وحزبها اللبناني وحشدها الشعبي في العراق وذراعها الحوثي في اليمن وغيره،  فلا يلام من يضربهم و يدمر أكداس عتادهم. إنه دفاع عن النفس".

في الأول من سبتمبر/ أيلول دعا خالد بن أحمد مواطني بلاده من مغادرة لبنان، وكتب على "تويتر" إن "اعتداء دولة على أخرى شيء يحرمه القانون الدولي. ووقوف دولة متفرجة على معارك تدور على حدودها وتعرض شعبها للخطر، هو تهاون كبير في تحمل تلك الدولة لمسؤوليتها".

مكافأة صهيونية

ونتيجة للجهد الكبير الذي بذله خالد بن أحمد آل خليفة، في دعم التطبيع مع إسرائيل، قامت اللجنة اليهودية الأمريكية (AJC)، في 24 سبتمبر/ أيلول 2019، بمنح الوزير البحريني جائزة "مهندس السلام".

وقالت هارييت شلايفر، رئيسة اللجنة، والتي قدمت الجائزة للشيخ خالد: "منذ 25 عاما بدأت AJC في رعاية وتعزيز العلاقات عبر الخليج العربي، لم تكن أي حكومة أكثر انفتاحا وترحيبا وقادمة من مملكة البحرين".

وأكدت شلايفر أن "تقديم الجائزة جاء تقديرا لرؤية الملك حمد، والدور الذي لعبته البحرين في الجهود المبذولة لتشجيع التفاهم والاحترام والتعاون بين الأديان والشجاعة والنزاهة والإنسانية لكبير الدبلوماسيين في مملكة الجزيرة".

وفي كلمته قال الوزير البحريني: إنه "يشرفني وبتواضع أن أحصل على هذه الجائزة نيابة عن مملكة البحرين، نحن في البحرين نريد القيام بدورنا في تحقيق إسرائيل - السلام الفلسطيني، هذا شيء يمكن حله إذا أردنا حله".

وتحدث الوزير عن إيران أثناء الاحتفال قائلا: "لا يمكنك الوثوق بهم بعد الآن.. النظام الفاشستي في طهران يزداد تدريجيا تهديداته لزعزعة استقرارنا".

عداء قطر

وتعد الأزمة الخليجية القطرية، واحدة من أبرز الملفات التي ارتبطت بوزير الخارجية البحريني، وكانت تصريحاته العنيفة ضد قطر، مع زميله وزير الدولة للشؤون الخارجية بالإمارات أنور قرقاش، من أبرز أسباب استمرار التوتر الخليجي مع قطر، كما أنها كانت سببا في تأخر التوصل لحل لهذه الأزمة التي اقتربت من عامها الثالث.

وتشير تقارير إعلامية خليجية مقربة من قطر، أن "سبب الإطاحة بخالد بن أحمد، وتعيين بدلا منه الأمين العام بمجلس التعاون الخليجي، الذي انتهى عمله بالمجلس منذ أيام، جاء بسبب الانتقادات التي وجهتها قطر لأداء وزير الخارجية البحريني، خلال قمة مجلس التعاون الخليجي التي عقدت مؤخرا بالرياض، وشارك فيها رئيس الوزراء القطري نائبا عن الأمير تميم بن حمد".

وقد اتهم الوزير البحريني السابق، قطر أكثر من مرة بأنها دولة عدائية، منها تصريحاته في سبتمبر/ أيلول 2019، والتي قال فيها: "على دول مجلس التعاون أن تعمل على مواجهة ممارسات وأعمال قطر العدائية وتصرفاتها غير المسؤولة، واتخاذ جميع الإجراءات الحازمة التي تضمن ردعها".

وطالب آل خليفة بإلزام قطر بالتجاوب وبكل شفافية مع المطالب العادلة للدول المقاطعة لها وتنفيذ ما وقعت عليه من اتفاقات، ليستمر مجلس التعاون ويحافظ على منجزاته ويحقق المزيد من التنمية والازدهار والتقدم لصالح دوله وشعوبه.

وسبق التصريحات السابقة، تصريحات أخرى لم تقل عدوانية من المنامة تجاه الدوحة، حيث وصف ابن أحمد في 5 يوليو/ تموز 2019، في تصريحات خاصة لوكالة الأنباء البحرينية، قطر بأنها "الخطر الأشد على مجلس التعاون"، مضيفا أن "الدوحة تسعى بكل دأب إلى تقويض مسيرة مجلس التعاون، وإثارة الفتنة بين دوله وشق وحدة الصف بين شعوبه ".


المصادر