أكثر من 3 سنوات.. ماذا ينتظر برلمان المغرب للإفراج عن قانون الإجهاض؟

12

طباعة

مشاركة

ما زال مشروع القانون المتعلق بالإجهاض الذي صادقت عليه الحكومة المغربية في عام 2016، حبيس أدراج لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب (الغرفة الأولى بالبرلمان)، رغم مرور أكثر من 3 سنوات.

الجمعة 27 ديسمبر/ كانون الأول 2019، كان موعدا مقررا للبت في القانون بشكل نهائي، لكن تأجل وضع التعديلات بطلب من أحد الكتل البرلمانية داخل اللجنة.

مشروع القانون

حاليا يدخل تجريم الإجهاض ضمن القانون الجنائي، ويجرم الإجهاض بشكل قطعي إلا في حال دخول الأم في حالة صحية خطيرة، وهو ما ينبغي إثباته أولا.

أما مشروع القانون الجديد (رقم 10/16) فيجيز الإجهاض في 4 حالات وهي: الحمل الناتج عن اغتصاب أو "زنا المحارم"، وإصابة الأم بمرض عقلي، وثبوت إصابة الجنين بأمراض جينية حادة أو تشوهات خلقية غير قابلة للعلاج، أو إذا كان الحمل يشكل خطرا على حياة الأم أو على صحتها.

مشروع القانون الجديد وضع شروطا مشددة حتى مع توفر إحدى الحالات الأربعة، إذ يتوجب إجراؤه في مستشفى مصرح به وأن يخبر الطبيب النيابة العامة.

المشروع أعد بنوده وزير العدل والحريات السابق من حزب "العدالة والتنمية"، مصطفى الرميد، بتوصية من لجنة عينها الملك محمد السادس في عام 2015 تشكلت من رئيس المجلس الوطني لحقوق الإنسان ووزير العدل ووزير الأوقاف والشؤون الإسلامية ووزير الصحة، زيادة على المجلس العلمي الأعلى.

وجرت مناقشة مشروع القانون والمصادقة عليه في مجلس حكومي وأحيل على لجنة العدل في مجلس النواب لإضافة تعديلاتها قبل مناقشته في جلسة عامة في الغرفة الأولى بالبرلمان. 

لكن مشروع القانون علق في هذه المرحلة بسبب خلاف البرلمانيين بشأنه، وأفاد مصدر لـ"الاستقلال" بأن "هناك خلافا داخل الفرق نفسها أي بين النواب من نفس الحزب، ففي حين تدافع أصوات على تمرير المشروع تنادي أخرى بالتعديل عليه ورفع السقف إلى ضمان الحرية في الإجهاض".

وتبرر هذه الأخيرة مطلبها بكون الأغنياء يسافرون إلى أوروبا لإجرائه بينما تبقى حياة الفقراء في خطر تحت مشرط طبي يجري العملية بسرية وطرق تقليدية تعرض حياة الأم للتهلكة. 

صلاحيات الملك

المجلس العلمي الأعلى (أعلى هيئة دينية في البلاد يرأسه الملك) دعا إلى المصادقة على مشروع القانون كما هو وعدم إدخال تعديلات عليه.

وأصدر المجلس بيانا رسميا وحاسما يُخبر من خلاله الرأي العام أنه لن يقع تغيير على المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي إلا بقدر ما تستدعيه المصلحة ويسمح به الاجتهاد، في إشارة إلى الفصول المتعلقة بالإجهاض.

وأضاف المجلس أن "الخيط الأبيض في قضية الإجهاض هو المقتضيات المنصوص عليها في مجموعة القانون الجنائي"، معتبرا أن "السجال القائم حول الموضوع له طابع سياسي ولا يليق بأحد يستبق جهة الاختصاص استباقا يقحم به المجلس العلمي الأعلى في نقاش غير مفتوح".

وقال البيان: "القانون كان ثمرة عمل ومشاورات شاركت فيها وقتها، عدة مؤسسات من بينها المجلس العلمي الأعلى، وأنه يمكن لكل جهة مخولة أن تعيد رأيها في الموضوع بالطابع الذي يخوله القانون".

وأشار المصدر ذاته، إلى أن "الموضوع يدخل في الشأن العام، لذلك فإن الآلية التي يدخل بها المجلس العلمي الأعلى في النقاش معروفة ولا يجوز لأحد تجاهلها".

نبرة البيان اعتبرت تنبيها لعدم التدخل في صلاحيات الملك، وإشارة واضحة إلى أن صلاحية تحريك المجلس وتكليفه ببعض المهام تعود إلى رئيسه، أي الملك.

نيران صديقة

رأي المجلس ساندته قوى من الإسلاميين على رأسهم رئيس الحكومة والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، عبدالإله بنكيران، الذي خرج في تصريح يقول: "الذين يدافعون عن حرية الخيانة الزوجية يفتحون باب جهنم في مجتمعنا".

وأضاف: "أنا لا أتكلم عن الدين، ولكن أتكلم عن العواقب، التي ستنتج عن ثقافة المستعمر، التي تسعى لإشاعة الفاحشة".

من داخل نفس الحزب وجدت البرلمانية أمينة ماء العينين في قضية الصحفية هاجر الريسوني، التي أدينت في قضية "إجهاض" قبل أن يطلق سراحها بعفو ملكي، "مناسبة لمعاودة تكثيف النقاش العمومي حول العديد من مقتضيات القانون الجنائي المغربي، التي تعتبر مدخلا لانتهاك الحياة الخاصة للأفراد والتضييق على حرياتهم".

ودعت ماء العينين حزبها إلى "فتح نقاش داخلي هادئ ومؤطر، بعيدا عن الاتهامات الجاهزة والضعيفة من حيث الحجة، من قبيل مناقضة الشريعة الإسلامية أو التشجيع على إشاعة الانحلال في المجتمع أو الابتعاد عن مرجعية الحزب".

واعتبرت العضوة في لجنة العدل والتشريع أن مقتضيات القانون الجنائي المغربي "هي مقتضيات عتيقة وضعت منذ ستينيات القرن الماضي، وصارت تحتاج إلى مراجعة عميقة وشاملة على ضوء مبادئ دولة الحقوق والحريات". 

في تصريح صحفي لها وبعد شن هجوم عليها عبر مواقع التواصل الاجتماعي وتصريحات من أعضاء الحزب، قالت ماء العينين: إنها "لا تدافع عن الطرح الذي ينادي بجعل الإجهاض غير مقنن لكنها في الوقت نفسه لا تتفق مع تقييده بحالات".

دفاع حقوقي

المجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة حكومية)، فاجأ الرأي العام بمذكرة وجهها لمجلس النواب طالب من خلالها بتعديل القانون الجنائي باعتبار أن 8 بالمائة من نزلاء السجون المغربية مدانون بسبب العلاقات الجنسية الرضائية (الزنا). 

وفي الوقت الذي شارك فيه المجلس في اللجنة الملكية، أصدر مذكرته بعنوان "من أجل قانون جنائي يحمي الحريات ويستوفي مبادئ الشرعية والضرورة والتناسبية" وطالب باعتماد مبدأ الرضائية في العلاقات بين البالغين، وإباحة الإجهاض في حالات كثيرة.

ونصت مذكرة المجلس الوطني لحقوق الإنسان، التي تعتبر وثيقة رسمية صادرة عن مؤسسة دستورية على تعديل الفصول من 449 إلى 452 من القانون الجنائي والمتعلقة بالإجهاض و"السماح للسيدة الحامل بوضع حد لحملها في الحالة التي يكون فيه تهديد لصحتها الجسدية أو النفسية أو الاجتماعية".

وشددت المذكرة على أن هذه التوصية لا تعني جعل الإجهاض فعلا مبتذلا لا يستحق وقفة متأنية قبل اللجوء إليه، "نظرا لتعلقه أيضا بحياة جنين تعتبر موجودة بالقوة والفعل، وهو ما يستلزم إحاطة تحريره بضوابط تحصن اللجوء إليه من الزلل".

وبرر المجلس توصيته بضرورة مواكبة التشريعات الحمائية لواقع الإجهاض السري بالمغرب والتصدي للظاهرة "بطريقة عقلانية". كما أضاف المجلس مبرر العمل على تجنيب النساء مخاطر الإجهاض السري، مع مكافحة لوبيات "المتاجرين بأجساد النساء المغربيات (وغيرهن) في الظروف القاسية والمؤلمة التي تصاحب الإجهاض السري للنساء الحوامل".

أرقام غير دقيقة

وهو ما أكده رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، شفيق الشرايبي، قائلا: "الإجهاض التقليدي ينتشر بشكل ملموس في الأوساط الشعبية الفقيرة، وتلجأ إليه النساء بسبب غلاء أثمان الإجهاض الطبي".

وأوضح أن "استعمال مواد حادة غير معقمة في الإجهاض التقليدي، وإشراف أناس غير مؤهلين بتاتا على مثل هذه العمليات، يعرض فئة عريضة من النساء اللواتي يلجأن إلى هذا الحل لخطر الموت".

كما أشار الشرايبي إلى أن "أسعار عمليات الإجهاض في العيادات، التي تتراوح ما بين 3 آلاف و15 ألف درهم، تدفع الفئات الفقيرة إلى البحث عن الوسائل التقليدية للإجهاض، ومن ضمنها تناول مواد تقليدية - أعشاب - خطيرة على جسم المرأة".

في عام 2009، أعدّت الجمعية المغربية لمكافحة الإجهاض السري دراسة حول حالات الإجهاض في المغرب، بينت أن 250 ألف عملية إجهاض تجري سنويا في المغرب، بمعدل يصل إلى 800 حالة يوميا.

لكن من الصعب الإقرار بذلك، في ظل غياب إحصائيات رسمية، فالأرقام الموجودة تداولتها بعض الجمعيات، لكنها غير دقيقة.

وفي حين لا زال الشارع في انتظار إحالة مشروع القانون على الجلسة العامة للبرلمان للمصادقة عليه، من الممكن أن تسحبه الحكومة لمناقشته من جديد لإعادته مرة أخرى إلى البرلمان.

فيما ذهبت مصادر صحفية إلى القول بأن البرلمانيين داخل اللجنة ينتظرون تدخل جهة معينة للحسم في بعض مواد النص التشريعي المثيرة للجدل، سيما ما يتعلق منها بالحريات الفردية وتجريم الإجهاض، معتبرة أن توالي هذه التأجيلات "ليس بريئا ولا عفويا".