تحالف إستراتيجي بين الهند وإسرائيل.. من يدفع ثمن تدعيم العلاقات؟

مهدي محمد | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم تكن العلاقات السياسية والدبلوماسية بين الهند والاحتلال الإسرائيلي أقوى مما هي عليه الآن، تحالف إستراتيجي أصبح وصفا لتلك العلاقة، بعد عقود من المقاطعة والعداء، والتعاون العسكري والتجاري والفني، مبني على قواعد متينة من المصالح المشتركة.

هذا التحالف ألقى بظلاله على المسلمين الذين باتوا يدفعون الثمن، سواء في فلسطين من خلال تأييد واسع لسياسات وممارسات الاحتلال وكف عن دعم تاريخي للقضية الفلسطينية في أروقة المنظمات الدولية أو على أقل تقدير تخفيض النبرة، وفي إقليم كشمير أيضا، حيث تشعل تل أبيب المواجهة الهندية الباكستانية وتدعم الأولى بسلاح متطور، مقابل الحصول على دعم استخباراتي في مواجهة حركات التحرر الكشميرية.

من القطيعة للتحالف

ربما كان مستغربا على العرب والمسلمين من متابعي السينما الهندية وشركة "بوليود"، التقرير الذي نشره موقع "ميدل إيست آي" البريطاني وكشف كيفية استخدام إسرائيل للشركة من أجل محاولة تبييض وجه الاحتلال، وتشتيت الانتباه عن انتهاكها حقوق الفلسطينيين.

ويقول الموقع: إن المهرجان الذي سيقام في تل أبيب خلال أيام يسلط الضوء على هذا التشتيت، حيث سيتوجه ممثلون من "بوليود" للمشاركة في معرض ثقافي (إندو فيست تي أل في) الذي يوصف بأنه أكبر حدث في تاريخ العلاقات الثقافية بين الهند وإسرائيل.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مع ممثلين هنود

ورغم حالة الجدل المحيطة بالمهرجان وإمكانية إلغائه، إلا أنه صُمم لتقريب العلاقات بين الهند وإسرائيل، بحضور ما لا يقل عن 30 ألف هندي، الأمر الذي يدفعنا لتسليط الضوء على المقدمات التي قادت لهذه النتيجة.

يعود تاريخ العلاقات الهندية - الإسرائيلية إلى ما قبل قيام دولة إسرائيل نفسها، وتحديدا إلى عشرينيات القرن الماضي، عندما أيد الزعماء الهنود الموقف الفلسطيني من قضية الهجرة اليهودية إلى فلسطين، اعتمادا على 400 عام من معاداة الاستعمار البريطاني للهند.

كانت الهند من بين 13 دولة عارضت قرار تقسيم فلسطين رقم (181) الذي أقرته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1947، إلا أنه بعد وصول "جواهر لال نهرو" إلى الحكم عقب اغتيال غاندي، مارس اليمين ذو الميول الهندوسية ضغوطه فقرر الاعتراف بإسرائيل عام 1950 وسمح بإقامة قنصلية في بومباي.

ورغم الجمود الذي شاب علاقات البلدين على مدار سنوات بسبب تقارب الهند مع الدول العربية في عهد القومية بقيادة جمال عبدالناصر، إلا أن هذا لم يمنع حصول تعاون خفي وسري بين البلدين خصوصا في المجالات الأمنية والدفاعية، على غرار صفقة الأسلحة التي حصلت عليها الهند من إسرائيل أثناء حرب التبت التي خاضتها ضد الصين عام 1962.

وكذلك حصلت الهند على مساعدات عسكرية إسرائيلية أثناء حربها مع باكستان ما بين عامي (1965-1971)، وردت الهند هذا الجميل لإسرائيل في حرب 1967 بإرسالها كميات ضخمة من قطع غيار مركبات القتال لا سيما الدبابات إلى إسرائيل.

وفي أعقاب حرب 1973 تعددت زيارات الوفود العسكرية الهندية لإسرائيل للحصول على خبرتها خاصة في مجال الحرب الإلكترونية, ومقاومة الصواريخ المضادة للدبابات، وفي أعقاب حرب عام 1982 على لبنان حرصت الهند على الاستفادة من الخبرة الإسرائيلية في مجال تشغيل طائرات الاستطلاع والإنذار المبكر.

عام 1991 صوتت الهند في الأمم المتحدة لإلغاء قرارها السابق باعتبار الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية، واعتبرها القرار الجديد حركة تحرر وطني، ليشكل هذا الموقف أول خطوة في مسيرة العلاقات الهندية الإسرائيلية العلنية في عقد التسعينات، والتي تطورت إلى إقامة علاقات دبلوماسية وإجراءات مشتركة في شتى مجالات التعاون الأمني والعسكري لتتوج أخيرا في تعاون نووي.

ومنذ وصول ناريندرا مودي، إلى منصب رئيس الوزراء في الهند 2014، وهو يسعى لفرض الهند كقوة إقليمية، بالتقارب مع العديد من الحلفاء الذين يعتقد أن بإمكانه الاستفادة منهم في كبح جماح الصين وباكستان.

مودي يستقبل نتياهو في زيارته إلى الهند

وكان وصوله إلى سدة الحكم مبهجا بالنسبة لإسرائيل، إذ إن له تصريحات عديدة قبل توليه السلطة، تشيد بإسرائيل وأهمية تعزيز العلاقة معها في جميع الجوانب، وبالفعل، أضحى التقارب مكشوفا بين الهند وإسرائيل ومرتبطا بشكل واضح مع تولي مودي السلطة، فسرعان ما بدأ توقيع سلسلة من الاتفاقيات في مجالي الدفاع والتكنولوجيا، وكذلك الاتفاقيات التجارية.

ووفقا لمعطيات نشرها مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية عام 2017، فقد تنامى التبادل التجاري بين الدولتين من 200 مليون دولار عام 1992 إلى 4 مليارات دولار عام 2016.

سلاح التقارب

في يناير/كانون الثاني 2018 تراجعت الهند عن إلغاء صفقة بقيمة 500 مليون دولار مع إسرائيل لشراء صواريخ "سبايك" الموجهة ضد الدبابات، لتستمر مسيرة الهند في شراء الأسلحة من إسرائيل التي أصبحت تعد أحد موردي السلاح الرئيسيين للهند، إذ يقوم البلدان بتوقيع صفقات دفاعية تقدر قيمتها بأكثر من مليار دولار سنويا.

إسرائيل تعتبر إحدى موردي السلاح الرئيسييين إلى الهند

وتستثمر الهند، أكبر مستورد للمعدات الدفاعية في العالم، عشرات المليارات من الدولارات لتجديد معداتها العائدة إلى الحقبة السوفييتية لمواجهة التوترات مع الصين وباكستان، وقد اعتمدت لفترة طويلة على موسكو كمصدر رئيس لتوفير احتياجاتها التسليحية.

وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ومن أجل تلبية رغبة الهند في استكمال مشاريعها الخاصة بتطوير الصناعات العسكرية لجأت إلى إسرائيل، وتبرر الهند، التي تعتبر السوق الأمني الأكبر في العالم، انكبابها على السلاح الإسرائيلي، منذ وصول حزب الشعب الهندي "بهاراتيا جاناتا" إلى الحكم عام 2014، بنقل المعرفة الإسرائيلية والإنتاج إلى الهند، إضافة إلى تعزيز التعاون مع شركات هندية رائدة.

وبالطبع، إسرائيل مستعدة لنقل جزء مركزي من الإنتاج إلى الهند، فحسب وثائق قدمت للبرلمان الهندي، وقعت الهند على 7 صفقات مع إسرائيل في السنتين الأخيرتين، وهو رقم يقربها من الصفقات التي عقدتها الهند مع الولايات المتحدة، والتي بلغت 9 صفقات في ذات المدة.

في أبريل/نيسان 2017 وقّعت الهند وإسرائيل الصفقة التي وصفت بالأكبر في تاريخ الصناعات الأمنية الإسرائيلية، وهي صفقة تقتضي أن تحصل الهند على كل مركبات منظومة “MRSAM”، ذاك النموذج للمنظومة الدفاعية “براك ٨”، ومنصات إطلاق صواريخ، وصواريخ ووسائل اتصال ومنظومات تحكم ومراقبة ومنظومات رادار.

وقالت شركة "إسرائيل لصناعات الطيران والفضاء": إنها توصلت إلى اتفاق قيمته نحو ملياري دولار لتزويد الجيش والبحرية الهنديين بمنظومة للدفاع الصاروخي تصل قيمتها إلى ١.6 مليار دولار.

واتفقت الهند في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، مع إسرائيل على شراء منظومة "فالكون"، المعروفة باسم “AWACS” للإنذار المبكر، كما وقعت قبلها بأشهر اتفاق تعاون حول إنتاج وتطوير منظومات الدفاع الجوي، وصواريخ (جو – جو)، ومناطيد مراقبة كبيرة، لمصلحة السوق الهندية، وهو اتفاق – حسب المصادر الهندية – يهدف إلى تنفيذ مشاريع محلية لوزارة الدفاع الهندية بقيمة 10 مليارات دولار، وصفقة أخرى بقيمة 3 مليارات دولار مقابل 164 قذيفة صاروخية موجهة بالليزر، و250 قنبلة ذكية بإمكانها تدمير مواقع محصنة وأخرى تحت الأرض.

لغة المصالح

وفيما كان هدف الهند من التقارب مع إسرائيل، الحصول على جسر متين للعلاقة مع الولايات المتحدة، واعتبارها بوابة للهند نحو دول الاتحاد الأوروبي، كان هدف إسرائيل من الهند اختراق الوطن العربي معنويا ونفسيا، وفق دراسة نشرها مركز "سمت" للدراسات.

الهند التي تجاور العديد من الدول الإسلامية من جنوب شرق آسيا إلى جنوبها، وصولا إلى الخليج العربي وغرب آسيا، قد تقدم الكثير لإسرائيل التي تقوم إستراتيجيتها على إيجاد موطئ قدم لها في هذه المنطقة الهامة، وهي منطقة كذلك ضمن نطاق اهتمام واشنطن.

لذلك لم يأتِ الدعم السياسي والمادي الذي تقدمه أمريكا للتعاون الإسرائيلي الهندي من الضغوط التي يمارسها اللوبي اليهودي الأمريكي فقط، وإنما أيضا من الدور الذي تلعبه إسرائيل في الإستراتيجية الأمريكية في تلك المنطقة.

كذلك سعت الهند التي انضمت إلى التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، وتعرضت لعدة هجمات من تنظيم القاعدة، للإعراب عن تخوفها مما اعتبرته "إرهابا إسلاميا"، فما لبثت إسرائيل أن قابلت الأمر بالتأكيد للهند على أنها تتعرض لنفس النوع من الإرهاب، في إشارة إلى العمليات الفدائية الفلسطينية.

وسعت إسرائيل لإقناع الهند أنها معها بنفس القارب. وهنا يمكن الاستشهاد بما قاله مدير مركز بيجن – السادات للدراسات الإستراتيجية السابق، أفرايم إنبار، عن العلاقات الهندية الإسرائيلية: "إن الأمر أكثر من عقود دفاعية، فهو يتعلق ببرنامج إستراتيجي مشترك يشمل الخوف من التطرف الإسلامي ومخاوف من اتساع الحضور الصيني… وبالطبع لا يمكن تجاهل الإمكانات الاقتصادية الضخمة لكلا البلدين".

ومن بين الأهداف الهندية من التقارب مع إسرائيل كذلك، تطوير وتحديث قدراتها العسكرية ببعديها التقليدي وفوق التقليدي بما يدعم نفوذها ودورها الإقليميين في مواجهة باكستان خاصة في ظل سباق التسلح القائم بينهما والذي يمتد إلى السلاح النووي.

ولعل المآرب الإسرائيلية من وراء التقارب مع الهند متعددة، من بينها الرغبة في تطويق الصين، القوة المرشحة لمنافسة الولايات المتحدة خلال العقود المقبلة وضرب التحالف الناشئ بين بكين وموسكو والمناوئ لانفراد الولايات المتحدة بالسيادة والهيمنة على العالم.

وبطبيعة الحال تسعى إسرائيل إلى تطوير برنامجها النووي دون اللجوء إلى إجراء التجارب بواسطة تفجيرات فعلية، نظرا لضيق رقعتها الجغرافية، وهو ما توفره الهند لها لإجراء تجاربها، سواء في المحيط الهندي أو صحراء راجستان، ووفقا لبعض المصادر، فإن تجربتين من التجارب الخمس التي أجرتها الهند عام 1998 كانتا لحساب إسرائيل.

المسلمون يدفعون الثمن

هذا التقارب الذي أصبح تحالفا إستراتيجيا لابد وأن يكون له ضحايا، وربما لا يوجد أفضل من المسلمين للقيام بهذا الدور، الذي ألفوه على مدار عقود وفي العديد من بقاع العالم، ليس لضعف فقط، بل لتواطؤ من ذوي القربى أيضا.

القضية الفلسطينية كانت الخاسر الأكبر من هذا التحالف، ويكفي للتدليل على ذلك، استهلال رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو زيارته إلى الهند في يناير/كانون الثاني 2018، بإعلان موعد نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل إلى القدس.

وبرزت مواقف هندية تاريخية داعمة للفلسطينيين، غير التي سلف ذكرها، ففي عام 1975 اعترفت الهند بمنظمة التحرير الفلسطينية، وقررت منحها الوضع الدبلوماسي الكامل في مارس/آذار 1982، وكانت الهند أول دولة غير عربية تعترف بإعلان استقلال دولة فلسطين عام 1988.

وبقي الحال لصالح القضية الفلسطينية حتى عام 1992 حين بدأت الهند تقيم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل بعد انطلاق عملية التسوية السياسية بين العرب والاحتلال، وتحديدا بعد مؤتمر مدريد في أكتوبر/تشرين الأول 1991.

لم يكن هذا التحول المفاجئ نتيجة انطلاق عملية التسوية العربية وحسب، بل دفعت مجموعة أخرى من العوامل في هذا الاتجاه، فلم تنسَ الهند أن العرب تخلوا عنها في حربها مع باكستان عام 1965، وبعد ذلك خلال حربها مع بنجلادش عام 1971، في حين دعمتها إسرائيل وزودتها بالعتاد المدفعي.

وفي دراسة نشرها معهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب، فإن: "صعود مودي إلى الحكم كان مؤشرا إلى تغير السياسة الهندية للأفضل تجاه إسرائيل، وللأسوأ تجاه الفلسطينيين".

ليست فلسطين فقط، بل إن مسلمي كشمير يدفعون ثمنا هم أيضا، حيث يتبنى الاحتلال وجهة نظر الهند بشأن كشمير باعتبارها جزءا من الأراضي الهندية، كما نصح الرئيس الإسرائيلي السابق شيمون بيريز الهند بتغيير التركيبة السكانية في كشمير ضد صالح المسلمين.

وفي مجال التعاون الأمني، تمد إسرائيل الهند بمعلومات عن باكستان ونشطاء الحركات الكشميرية، وهي المعلومات التي تجمعها من أقمار التجسس الإسرائيلية، وما تحصل عليه من الولايات المتحدة في إطار اتفاق التعاون القائم بينهما.

كما أشارت بعض التقارير إلى وجود مشروع تساعد فيه إسرائيل الهند في إقامة حائط عازل بين الهند وباكستان في كشمير يشمل موانع هندسية وأجهزة إنذار ورادارات وكاميرات مراقبة على طول 600 كلم.

المواجهة بين الاحتلال الهندي وحركات التحرر الكشميرية وفرت الأرضية المشتركة للتعاون الإستراتيجي بين البلدين، الأمر الذي تحدث عنه السفير الهندي في القاهرة عندما قال: "إن إسرائيل لديها خبرة يمكن الاستفادة منها في مقاومة المرتزقة الذين يتسللون من جامو وكشمير ويقاومون السلطات الهندية هناك".