موسم اقتحامات المسجد الأقصى الأخطر في السنة

عبدالله معروف | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

لم يكن مشهد الإرهابي الأحمر الحاخام المتطرف، يهودا غليك، وهو يصرخ في المسجد الأقصى المبارك صباح الأحد 29/9/2019 بشكل غير معهود عاديا! فغليك عراب الاقتحامات المتطرفة للمسجد الأقصى المبارك يقتحم الأقصى باستمرار مع طلبته ومريديه مع الحرص على الصمت أو الحديث بصوت منخفض! لكن رفعه صوته بهذا الشكل الغريب أعطى صورة عن الأزمة التي تشعر بها جماعات المعبد المتطرفة بعد الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة.

اقتحام يهودا غليك جاء احتفالا ببداية ما يسمى عيد رأس السنة العبرية، الذي يشكل انطلاقة موسم الأعياد الأكبر في العام، الذي يشكل بالنسبة لجماعات المعبد المتطرفة الموسم الأخطر في الاقتحامات المتطرفة للمسجد الأقصى المبارك، فهذا الموسم يحتوي ثلاثة أعياد متتالية، عيد رأس السنة العبرية، ويوم الغفران، وعيد العُرش، الذي يعتبر أحد أهم مواسم اقتحام المسجد الأقصى المبارك، خاصة أنه يمتد عدة أيام، منها يومان أساسيان تكثر فيها أعداد المقتحمين للمسجد الأقصى المبارك بشكل ملحوظ (سيكونان هذا العام يومي 14 و20 أكتوبر). وتحاول هذه الجماعات كل عام أن تجعل من هذا العيد نقطة تحول في الوضع داخل المسجد الأقصى.

ونظرة سريعة لتاريخ هذا الموسم بشكل عام وعيد العُرش بشكل خاص يوضح أن الاعتداءات على المسجد الأقصى المبارك تكثر فيه بشكل خاص يتميز بالدموية في كثير من الأحيان.

فمجزرة الأقصى الأولى التي وقعت يوم 8/10/1990 حدثت في نفس هذا الموسم خلال الاحتفال باليوم الخامس من عيد العُرش، واستشهد فيها 21 مقدسيا في المسجد الأقصى المبارك، ومجزرة الأقصى الثانية وقعت كذلك في 26/9/1996 وراح ضحيتها ثلاثة شهداء في المسجد، وكانت في نفس الموسم قبيل انطلاق عيد العُرش، وكانت انتفاضة الأقصى قد انطلقت عندما اقتحم أرئيل شارون المسجد الأقصى يوم 28/9/2000 في أول أيام عيد رأس السنة العبرية، تبعه في اليوم التالي مجزرة الأقصى الثالثة التي استشهد فيها خمسة شهداء داخل المسجد الأقصى.

كل هذه الأحداث وغيرها من الأحداث الدموية في المسجد الأقصى المبارك ارتبطت بشكل أو بآخر بهذا الموسم المهم الذي يتزامن في العادة بين نهاية شهر سبتمبر/ أيلول وأواسط شهر أكتوبر/ تشرين الأول من كل عام.

صراخ يهودا غليك في المسجد الأقصى المبارك جاء مؤكدا على أن جماعات المعبد المتطرفة تعيش أزمة حاليا بعد أن خاب أملها في نجاح حزب "القوة اليهودية" شديد التطرف من الوصول إلى الكنيست، وتقدم اليسار على اليمين في المقاعد داخل الكنيست. وهو ما يدل على أن هذه الجماعات باتت تشعر بضرورة التحرك العاجل لتسديد ضربات موجهة وقاصمة للمقدسيين خوفا من أن تخسر في الفترة القادمة المزايا التي حصلت عليها في السنوات الماضية خاصة مع كون وزير الأمن الداخلي "جلعاد أردان" يعتبر أحد أهم أقطاب هذه الجماعات.

ولا يستبعد أن تحاول هذه الجماعات في حال شعورها باقتراب خسارتها مكانتها – لو حدث ذلك – خلط الأوراق بافتعال أحداث دموية خطيرة في المسجد الأقصى المبارك سعيا لتغيير الوضع القائم في الأقصى المبارك على الأقل في المنطقة الشرقية للمسجد. حيث تشعر هذه الجماعات منذ هبة باب الرحمة في شهر فبراير الماضي أنها خسرت جهودا طويلة امتدت 16 عاما لتغيير الوضع القائم في هذا المكان وتحويله إلى كنيس في قلب المسجد الأقصى المبارك لولا إعادة افتتاحه مصلى للمسلمين بالضغط الشعبي.

ولابد من الإشارة هنا إلى أن معركة مصلى باب الرحمة لم تنته بعد، فجماعات المعبد المتطرفة لا تزال تحرص في اقتحاماتها على الوصول إلى باب الرحمة، وشرطة الاحتلال تحاول يوميا منع المسلمين من الوجود في هذا المكان، واللافت ما تردد من أنباء عن محاولات تقوم بها الشرطة الصهيونية وبعض أذرعها بمساومة المسلمين في المسجد الأقصى المبارك على وقف سياسة الإبعاد عن المسجد الأقصى مقابل التنازل عن مصلى باب الرحمة والابتعاد عنه في الصلاة! وهو أمر يبين أن الاحتلال لم يستسلم بعد ولم يسلم بحقيقة عودة مصلى باب الرحمة لأهله الطبيعيين ولوضعه الطبيعي الذي كان عليه منذ ثمانمائة عام عندما أغلقه الأيوبيون وحولوه إلى مصلى.

المعركة في المسجد الأقصى المبارك تشتد شراسة وعنفا، وكلما تقلصت قدرة هذه الجماعات المتطرفة على تحقيق رؤيتها في المسجد ازدادت شراستها ومحاولاتها تحقيق ما تريد بالقوة، وهو ما يجب على أهلنا في القدس الانتباه إليه، خاصة في هذا الموسم الذي يعتبر على الدوام فرصة مناسبة للجماعات اليمينية الصهيونية المتطرفة لإحداث إرباك وضرر في المسجد الأقصى المبارك وأهله، وهي مسألة ينبغي على العقلاء في دولة الاحتلال –إن بقي فيها عقلاء– أن ينتبهوا إلى تبعاتها الخطيرة عليهم، فالتاريخ يؤكد أن الضغط على المقدسيين لا يزيدهم إلا عنادا وتمسكا بأحقية المسلمين وحدهم بالمسجد الأقصى المبارك، فهو البرميل الذي لن يشعل فلسطين وحدها، بل المنطقة كلها، وفي كل الحالات لن تكون الجماعات الصهيونية المتطرفة عديمة العقل هي المستفيد من ذلك.