زلزالان بقوتين متقاربتين.. لماذا تضررت باكستان ونجت إسطنبول؟

12

طباعة

مشاركة

تعرضت مدينة إسطنبول التركية في 26 سبتمبر/أيلول الماضي، إلى زلزال بلغت قوته 5.8 درجات على مقياس "ريختر"، لم تتجاوز أضراره انهيار مئذنة مسجد دون تسجيل وفيات.

في اليوم نفسه لقي 20 شخصا مصرعهم وأصيب أكثر من مئة آخرين جراء زلزال ضرب جزيرة سيرام في إندونيسيا. وبلغت قوة الزلزال 6.8 درجات، وألحق أضرارا بعشرات المنازل والأبنية الحكومية وأحد الجسور.

وشهدت باكستان في نفس الأسبوع زلزالا بقوة 5.2 درجة (أي أقل قوة من زلزال إسطنبول)، أدى إلى سقوط 38 قتيلا و500 جريح، ودمر عددا من الطرق، وانتشرت حفر هائلة، وانقلبت آليات، وأصيبت جسور وأعمدة بأضرار كبيرة.

في 2005، قُتل أكثر من 73 ألف شخص، وخسر نحو 3.5 ملايين آخرين بيوتهم بعد زلزال بلغت شدته 7.6 درجات، وقع على الحدود بين كشمير الباكستانية وولاية خيبر بختونخوا المجاورة.

زلزال آخر ضرب أنحاء من باكستان بعمق 10 كلم تحت سطح الأرض، بنفس شدة زلزال إسطنبول، أحدث تشققات كبيرة في أراض ابتلعت بعض السيارات، وأعلنت حالة الطوارئ في جميع مستشفيات إقليم آزاد كشمير، وأوضحت الإدارة الإعلامية للجيش الباكستاني أن السلطات حشدت قوات عسكرية للمشاركة في عمليات الإنقاذ والإغاثة.

 

وتتعرض باكستان إلى الزلازل منذ سنة 2005، كان أقواها زلزال 2011 بقوة 7.2 على مقياس ريختر، إذ هز الهند وإيران ودبي والبحرين، إلا أن الحكومة لا تتخذ التدابير اللازمة لمواجهته.

وتؤدي الكوارث بشكل متزايد إلى إثارة مطالبات عامة بمساءلة الخبراء وصانعي القرار، وثمة بحسب منظمة الأمم المتحدة "اليونسكو"، سؤالان يُطرحان على الحكومات ما بعد الكوارث هما: لماذا لم تكن تعلم أن الكارثة ستقع؟ أو لماذا لم تعمل على منع وقوعها؟

وتتوقع المراصد والعلماء منذ سنوات وقوع زلزال شديد يضرب إسطنبول، لم تتمكن من تحديد موعده بدقة، ولهذا بدأت الدولة باتخاذ كامل التدابير لمواجهته، خاصة بعد زلزال سنة 1999 قرب إسطنبول، والذي أسفر عن مقتل أكثر من 17 ألف شخص، وجرح ما يزيد عن 23 ألفا آخرين، فضلا عن دمار حوالي 300 ألف مسكن، و43 ألف مكان عمل.

مواجهة الزلازل

تعد تركيا إحدى أكثر المناطق المهددة بالزلازل، بسبب موقعها في أنشط منطقة زلزالية في العالم، إذ تمر منها تصدعات في القشرة الأرضية.

ففي أطراف بحر مرمرة يقع تصدع إزميت الذي تسبب بزلزال 1999، وفي الطرف المقابل يقع تصدع غانوس الذي تسبب بزلزال سنة 1912.

ويفيد بيير هنري من المركز الوطني للأبحاث العلمية أنه "لم يكن أي تحرك للصفائح بين هذين الفالقين منذ العام 1766، إلا أنه يعتبر  الجزء الأكثر خطورة باعتبار الصفائح تتحرك مسافة مترين أو أكثر في كل قرن".

لهذا السبب يخصص عدد كبير من العلماء والمتخصصين في المجال طاقتهم من أجل دراسة الأمر. وتُجرى في معهد "قنديلي" التركي لرصد الزلازل ودراستها التابع لجامعة "بوغاز إيجي"، دراسات بناء على السجل والأرشيف المتعلق بالزلازل المدمرة التي تعرضت لها تركيا منذ أكثر من 1500 عام، إذ يعمل المعهد في المجال منذ 1895 عاما.

ويملك أجهزة رصد متقدمة قادرة على رصد الزلازل الضعيفة للغاية بقوة 0.2 درجة على مقياس ريختر، وعلى عمق 1200 متر تحت عمق بحر مرمرة.

وبعد سنة 1999 طورت تركيا قوانين بناء جديدة، عملت إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد" على تحديثها سنة 2014، وتطوير المدارس وأماكن العمل.

وتم تعديل تصاميم المباني، ورفعت قدرة التحمل فيها إلى حد مواجهة زلزال بقوة 8 ريختر. كما أطلقت المؤسسة الحكومية مشاريع توعوية لتجهيز السكان لأي كارثة متوقعة. 

لم تكتف الحكومة التركية بالخبرات البشرية، بل استعانت بالرجل الآلي "بوب"؛ وهو عبارة عن صندوق مربع وضع في الجزء الخلفي من السفينة التابعة لاكتشاف البحار "سوروا". يرصد الرجل الآلي على عمق 1200 متر من سطح سواحل إسطنبول المهددة، فقاعات غاز الميثان الذي يسبق الزلزال ويحذر منه. 

لا خسائر

قال وزير الصحة التركي، فخرالدين كوجا، إنه لا توجد خسائر بشرية جراء زلزال مدينة إسطنبول الأخير "الذي بلغت شدته 5.8 درجات ووقع قبالة سواحل سيليفري بإسطنبول"، مشددا على أن وزارة الصحة متيقظة لكل أنواع الكوارث.

من جهته زار رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو مركز الدعم اللوجيستي الخاص ببلدية إسطنبول الكبرى، وقال إن المركز يمكنه أن يوفر وجبات لـ8 آلاف شخص يوميا، في حين يتوفر المركز على مواد غذائية تكفي 370 ألف شخص.  

وقد حرصت مجموعة من البلديات، منها بلدية "بيلكدوزو"، على الاستعداد لأي طارئ بعد الزلزال الأخير، إذ راسلت كل سكانها لإبلاغهم عن نقط التقاء آمنة في حال حدوث زلزال آخر، وزُودت هذه النقاط بفرق طبية وإغاثية، كما وفرت وجبات طعام لكل من قرروا المبيت في الشارع خوفا من هزة جديدة. 

وفي الذكرى السنوية الـ20 لزلزال عام 1999، التي صادفت 17 أغسطس/ آب الماضي، تعهد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تغريدة عبر موقع "تويتر"، بمواصلة اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع خسائر مثل التي تسبب بها "زلزال مرمرة"، قبل عقدين من الزمن.

وقال: "سنواصل اتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل منع وقوع الخسائر التي أدت إلى هذه الكارثة التي لن ننساها أبدا".

لن تتمكن الحكومات من منع حدوث الزلازل أو الفياضانات منعا تاما، إلا أن اتخاذ التدابير اللازمة للتخفيف من تأثيرها يمكن أن يحد بشكل فعال من المخاطر التي تنطوي عليها هذه الكوارث، وهذا ما تقوم به تركيا.

هناك ثلاث مراحل رئيسية في إدارة مخاطر الكوارث: قبل الوقوع وأثنائه وبعده.

وتشمل إجراءات الاستعداد الواجب اتخاذها قبل وقوع كارثة: تقييم المخاطر، تدابير التخفيف من مخاطر محددة، والوقاية منها (الصيانة والمتابعة، وإعداد سياسات وبرامج إدارة الكوارث المختلفة وتنفيذها)، إجراءات مثل إنشاء فريق للطوارئ، ووضع خطة وتحديد إجراءات الإجلاء، تركيب أنظمة إنذار مبكر، وضع خطط دورية للتدريب على الإخلاء.

هناك ثلاث مراحل رئيسية في إدارة مخاطر الكوارث: قبل الوقوع وأثنائه وبعده

هذه التدابير تتخذها إدارة الكوارث والطوارئ التركية "آفاد"، وهي منظمة إنسانية تابعة للحكومة التركية، توصل المساعدات الإغاثية إلى كل محتاج في العالم.

وقد حصلت على المرتبة الرابعة في مستوى المساعدات اﻹغاثية الدولية لعام 2012، بين كل من أمريكا وإنجلترا واﻷمم المتحدة، ودخلت بذلك إلى مستوى العالمية في اﻹغاثة.

ووفقا لتقرير المساعدات الإنسانية العالمية لعام 2018، الذي يحتوي على بيانات عالمية لعام 2017، كانت تركيا أول بلد في مجال المساعدات الإنسانية بقيمة 8.07 مليار دولار أمريكي. وحافظت تركيا على موقعها الريادي بنسبة 0.85 ٪ بين دخلها القومي والمساعدات الإنسانية، باعتبارها "الدولة الأكثر سخاء" في العالم.

تقول المؤسسة على موقعها الرسمي: إن تركيا تحتل المرتبة الثالثة في العالم من حيث الخسائر المرتبطة بالزلزال والثامنة فيما يتعلق بالعدد الإجمالي للأشخاص المتضررين، مضيفة: أن البلاد تتجاوز سنويا، زلزالا واحدا على الأقل قوته 5 درجات، الأمر الذي يجعل الإدارة والتنسيق المناسبين للكوارث أمرا غاية في الأهمية.

وتمتلك "آفاد" حاليا 81 فرعا في جميع أنحاء تركيا بالإضافة إلى 11 وحدة للبحث والإنقاذ.