الرئيس التركي يفجر قضية امتلاك أنقرة أسلحة نووية.. لماذا الآن؟

محمد سراج الدين | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أحدثت كلمات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عن حق بلاده في امتلاك السلاح النووي، زلزالا ًدولياً وإقليمياً مدوياً، فعلى مدار الساعات التي أعقبت تصريحات أردوغان، اختلفت رُدود الأفعال ما بين مُؤيد لموقفه، ومُترقِّب له، ومتسائل عن أهدافه من هذا الإعلان، وقدرة بلاده في اختراق هذا المجال الذي بات مغلقاً على أعضاء النادي النووي التسع.

هل كانت إذن تصريحات أردوغان في إطار الحرب الدائرة مع أمريكا حول أحقية بلاده في امتلاك منظومة أس 400 الروسية؟، أم أنَّ أردوغان أراد إلقاء حجرٍ في المياه الراكدة مع واشنطن، بالإعلان عن خيارات متاحة أمامه، يمكن له استخدامها، إذا ما ضاقت أمامه السبل؟.

لماذا لم تهتمُّ تركيا بالسلاح النووي خلال الفترة الماضية؟، وهل يمكن أن تسمح أمريكا وأوروبا بهذه الخطوة؟، أم أنَّ ما جرى مع إيران سوف يتكرر مرة أخرى، وربما أشدُّ حدَّة ًمع تركيا؟.

هل يستطيع؟

وفقاً للتحليلات التي صاحبت تصريحات أردوغان النووية، فإنها المرة الأولى التي يتحدَّث فيها عن حق بلاده صراحة في امتلاك أسلحة نووية وليس طاقة نووية سلمية، كما أنها المرة الأولى التي يتحدَّث فيها صراحة عن التهديد القادم من إسرائيل.

الرئيس التركي قال: "إسرائيل على مقْرُبة منا وكأننا جيران، إنها تُخيف الدول الأخرى بامتلاكها لهذه الأسلحة، لا يمكن لأحد أن يمسها"، وقال في موضع آخر: "بعض الدول تمتلك صواريخ برؤوس حربية نووية، ليست واحدة أو اثنتين. لكنها تقول لنا إنَّه لا يمكننا أن نمتلكها. وهذا ما لا يمكنني القبول به".

وحسب تحليل لـموقع "سكاي نيوز عربية"، فإنَّ أردوغان فاجأ الجميع بالإعلان عن رغبة بلاده بامتلاك أسلحة نووية، على غِرار دول الجوار، رغم التزام تركيا بمعاهدة بمعاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، التي وقعتها عام 1980، بالإضافة لكونها ضمن الموقعين على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.

ويُشير الموقع الذي تدعمه الإمارات، إلى أنَّ أردوغان لم يسبق له أن تحدَّث بشكل صريح عن خطط أنقرة لامتلاك أسلحة نووية، ما يجعل حديثه الأخير محطَّ تساؤلات، لاسيما في خضم التوتر الحاصل بين الولايات المتحدة وإيران بخصوص الاتفاق النووي المبرم عام 2015، ونقلت الوكالة عن مختصين في الشأن التركي بأنَّ أردوغان يريد أن يواصل محاكاة نظيره الإيراني، مشيرين إلى أنَّ حصول أنقرة على أسلحة نووية "لن يكون بالأمر المفاجئ".

ويري البعض أنَّ تركيا تريد مجاراة الدول المتسابقة لدخول النادي النووي، في إطار البحث عن موطِئِ قدم لها بين الدول القوية التي تستخدم تلك الأسلحة رادعاً لأي اعتداء يمكن أن يواجهها، إضافة للاستخدامات السلمية التي من الممكن توظيفها في إنتاج الطاقة.

ويستند الطرح السابق بما جاء في البرنامج السياسي لحزب العدالة والتنمية الحاكم، عام 2002، بأنَّه يضع ضمن خطته الإستراتيجية الوصول إلى إنتاج طاقة نووية قبل عام 2023، وهو العالم الذي يواكب مئوية تأسيس الجمهورية التركية الحديثة.

خطوات فعلية

تُشير تصريحات سابقة لمختصين أتراك، إلى أنَّ خطوات تركيا لدخول النادي النووي بدأت بالفعل قبل عِدَّة أعوام ولها العديد من الدلالات، وأنَّ عام 2023 سيكون ترجمة لعمل شاق بدأ مُنذ سنوات، وهو ما تدعمه تصريحات نشرها موقع "تركيا بوست"، لـ "يوري غلانكوك"، المدير العام لشركة "آق قويو النووية"، بأنهم يواصلون أعمال بناء محطة آق قويو للطاقة النووية والتي تُعَدُّ المشروع النووي الأول لتركيا، مبيناً أنَّ الأتراك سوف يُحييون الذكرى الأولى لتأسيس جمهوريتهم وهم يمتلكون مفاعل نووي على أراضيهم.

وتابع قائلاً: "أعمال بناء المحطة تجري وفق ما هو مخطط له، وتقدمنا للوكالة التركية للطاقة الذرية، بطلب الحصول على وثائق الترخيص لبناء المفاعل النووي الثاني، وطلبنا قيد التقييم حالياً، وسيتمُّ بناء المفاعل الثاني وفق الخطط الهندسية نفسها، وننتظر أن يستغرق تقييم طلبات ترخيص بناء المفاعل الثاني والموافقة عليه، زمناً أقل من الأول".

وأردف: "أبلغنا شركاؤنا الأتراك بضرورة الانتهاء من أعمال بناء المفاعل الأول ودخوله الخدمة، بحلول عام 2023 الذي يصادف الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية، والذي يحمل أهمية كبيرة بالنسبة لهم، لذا نبذِل ما بوسعنا لتحقيق هذا. وفي الوقت نفسه، نُولي أهمية قصوى لمعايير الأمن والسلامة خلال مراحل البناء، وهي تُشكِّل أولوية محددة لنا".

وتُعَدُّ محطة آق قويو النووية، واحدة من أشكال التعاون الروسي التركي، حيث وضع كل من أردوغان وفلادمير بوتين في أبريل/ نيسان 2018، حجر الأساس للمحطة، التي تُعَدُّ هي الأكبر من حيث الاستثمارات التركية وتبلغ تكلفتها 20 مليار دولار.

ووفق مقال نشره "فيليز يافوز" خبير الطاقة النووية التركي، فإنَّ مسألة مساعي تركيا لامتلاك سلاح نووي وتصنيع قنابل نووية لم تتخطَّ كونها ادعاءات وتحليلات إعلامية محلية وأوروبية، إلا أنَّه أمر غير مستبعد، وحق مشروع لتركيا لتأمين وضعها إقليمياً، وسط تنامي الخطر من إيران وإسرائيل.

ويدعم تقرير صادر عن مركز "أنكاسام" لدراسة الأزمات والسياسات التركي، الرأي السابق، حيث أكَّد التقرير أنَّ أردوغان طلب بالفعل عام 2015، من قطاع التسليح الوطني تطوير صواريخ بعيدة المدى، إذ أنَّ مثل هذه الصواريخ يصعب التحكم بأهدافها، كما يمكِن استخدامها في حمل أسلحة الدمار الشامل.

وحسب المركز، فإنَّ العديد من الساسة الأتراك قد صرحوا بأنَّ تركيا لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي بينما تسعى إيران إلى امتلاك القنبلة النووية، وقد يكون الرئيس "أردوغان" بحاجة إلى مثل هذا البرنامج النووي ليقترب من تحقيق حلم تركيا الكبرى ذات النفوذ المحوري في الشرق الأوسط.

توقع روسي

وفق تحليل موسع لصحيفة "نيزافيسيمايا غازيتا" الروسية، نشرته عام 2018، فإنَّ أنقرة قد تحصل بعد 5 أعوام، أي عام 2023، على قنبلة نووية من صنع تركي، وأكَّدت الصحيفة القريبة من دوائر صناعة القرار الروسية، أنَّ أردوغان يدرس إمكانية تحويل تركيا إلى صانع رئيسي للسلاح النووي، مشيرة إلى أنها ليست المرة الأولى التي تسعى تركيا لذلك، حيث سبق أن قامت بخطوات مماثلة مع باكستان خلال الفترة من 1982 وحتى 1984.

وتُشير الصحيفة إلى أنَّ تركيا استغلت برنامج التعاون المشترك المعروف وقتها بـ ِ(اقتصاد الظل) للاستفادة من قدرات عبد القادر خان، الذي كانت له صلة بتوريد أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم إلى إيران وكوريا الشمالية، وخططت بالفعل باكستان لنقل أجهزة الطرد المركزي إلى تركيا، ولذلك فإنَّه ليس مستبعداً أن تكون أنقرة حصلت من باكستان على رسوم بيانية لصنع قنابل نووية.

وألمحت الصحيفة لاستعداد أنقرة لامتلاك السلاح النووي بطريقة غير مباشرة، حيث عملت على تطوير 117 طائرة تركية من طراز "إف-16"، في عام 2015، لتقدِر على حمل صواريخ ذات رؤوس نووية.

واستدلَّ مُحلِّلون بما نشرته الصحيفة الروسية قبل عام، في تحركات تركيا الحديثة لامتلاك منظومة أس 400 الروسية الدفاعية، خاصة وأنَّ المنظومة مجهزة على حمل رؤوس نووية، وهو الأمر الذي يُزعج أمريكا بشكل كبير، حيث تري أنَّ هذه المنظومة تُمثِّل قلقاً لأوروبا ودول حلف الناتو، كما تُمثِّل خطورة على أمن إسرائيل، التي تمتلك بالفعل أسلحة نووية عديدة.

مخاطرة دولية

وحسب فريق آخر من المتابعين، فإنَّ الدول النووية الكبرى لن تسمح لتركيا بالدخول لناديهم المغلق على 9 دول فقط، وهم الولايات المتحدة، روسيا، الصين، إنجلترا، فرنسا، الهند، باكستان، إسرائيل، وكوريا الشمالية، على اعتبار أنَّ تركيا "دولة لا يمكن الوثوق بها"، وهو ما قد يدفع بأردوغان لتنفيذ المشروع بشكل سري.

وفي تحليلها لخطاب أردوغان تساءلت صحيفة (الإندبندنت) البريطانية قائلةً: هل تحمُّس أردوغان أكثر من اللازم في خطابه الجماهيري، أم أنها بالفعل نيَّة للحكومة التركية لامتلاك أسلحة نووية؟.

وفق الصحيفة، فإنَّ تركيا، تُعَدُّ من أوائل الدول الموقعة على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، لعام 1968، وهي الاتفاقية الدولية التي من خلالها تتخلى الدول عن الأسلحة النووية مقابل الحصول على التكنولوجيا النووية المدنية السلمية، إلا أنَّ تركيا تجد نفسها في منطقة تستكشف التكنولوجيا النووية بشكل متزايد.

وحسب (الإندبندنت) فإنَّه إذا سعت تركيا للحصول على أسلحة نووية، فسوف تجد نفسها في الجانب الخطأ من العالم، أي مع روسيا، رغم أنَّ إسرائيل تمتلك وحدها ما يقرب من 200 صاروخ نووي.

ونقلت تقارير صحفية أخرى عن "تشن كين"، مدير برنامج منع الانتشار النووي في الشرق الأوسط بمعهد "ميدلبري للدراسات الدولية"، تساؤلاته عن نتائج الخطوة التركية، وهل يمكن أن تساعد في تحسين الاقتصاد هناك، خاصة وأنَّ هذه الخطوة معناها الانسحاب من معاهدة عدم الانتشار وقد يُعرِّضها لكثير من العقوبات والتكاليف الاقتصادية المحتملة.

قلق إسرائيل

رصدت دراسة سابقة لمركز بيجين/السادات للدراسات الإستراتيجية بإسرائيل، سعي تركيا لامتلاك أسلحة نووية تُهدِّد إسرائيل وإيران والغرب، مشيرة إلى أنَّ الطموح التركي في امتلاك قدرات عسكرية هجومية يرجع إلى رغبة أنقرة في أن تصبح قوة إقليمية، وأن تكون قوة رادعة وفي مواجهة قائمة طويلة من الأعداء.

وقالت الدراسة، إنَّ قلق أنقرة من ملف طهران النووي ليس سراً، أما من الناحية الرسمية فإنَّ تركيا ترى أنَّ إسرائيل النووية وليست إيران، هي من تُشكِّل تهديداً للشرق الأوسط بسبب ترسانتها النووية غير المعلنة، لكن الحقيقة أنَّ تركيا تشعر بالتهديد من القدرات النووية لكل من إيران وإسرائيل، سواء أكانت قدرات موجودة أو ناشئة.

وأضافت أنَّ الطموح التركي للتحول إلى قوة إقليمية دفعها إلى الإعلان أواخر عام 2011 عن برنامج للصواريخ يصل مدى أحدها إلى 1500 كم، ثم أعلن معهد البحوث العلمية والتكنولوجية التركي "توبيتاك" في عام 2014 عن صاروخ آخر يبلغ مداه 2500 كيلومتر، ووفقاً للرواية الرسمية هناك صاروخ آخر يصل مداه إلى 800 كم.

وحسب الدراسة، فإنَّ حصول تركيا على صواريخ دقيقة بعيدة المدى أقرب إلى المستحيل، نظراً للحواجز التكنولوجية والسياسية، والأكثر احتمالاً هو حصولها على رؤوس حربية نووية.