التعديل الوزاري المرتقب في المغرب.. لماذا حان وقته؟

زياد المزغني | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في 17 مارس/ آذار 2017 أعلن عبد الإله بنكيران الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية عدم تمكنه من تشكيل حكومة مغربية جديدة بعد الانتخابات التشريعية التي تصدّر حزبه نتائجها.

ساعتها كلف العاهل المغربي الملك محمد السادس، سعد الدين  العثماني الأمين العام للحزب بتشكيل حكومة جديدة، ضمت أحزابا كان بنكيران يرفض ضمها لحكومته، ويعتبرها سببا في "إفشال" جهوده لتشكيل الائتلاف الوزاري.

هذه الحكومة التي مرّت برجّات وانتقادات واسعة، حيث شهدت المغرب منذ توليها حراكا اجتماعيا ونقابيا متعددا، وخلافات سياسية متنوعة، ورغم ذلك تمكنت من الحفاظ على استمراريتها لنصف المدّة النيابية المخولة لها.

إلاّ أنه خلال الأشهر الأخيرة، بدأت أصوات تطالب وأخرى تتوقّع حصول تعديل وزاري واسع داخلها، وهو ما يطرح أكثر من سؤال عن تماسك الائتلاف الحكومي الحالي ومستقبله، في ظل استمرار تبادل الاتهامات بين أحزابه الستة.

تصديقا لهذه التوقعات جاء خطاب العرش للملك محمد السادس الذي طالب فيه من العثماني رفع مقترحات من أجل تجديد مناصب الحكومة والإدارية العليا بكفاءات وطنية على أساس الكفاءة والاستحقاق، قبل انطلاق السنة السياسية الجديدة.

خطاب العرش

بمناسبة الذكرى العشرين لاعتلائه العرش، ألقى الملك محمد السادس خطابا دعا فيه إلى تجديد النموذج الوطني كمدخل للمرحلة الجديدة التي يريد أن يقود المغرب إليها. كما دعا لإجراء قطيعة نهائية مع التصرفات والمظاهر السلبية.

وقال الملك محمد السادس، في خطابه: "إن تجديد النموذج التنموي الوطني، ليس غاية في حد ذاته. وإنما هو مدخل للمرحلة الجديدة، التي نريد، بعون الله وتوفيقه، أن نقود المغرب لدخولها. مرحلة جديدة قوامها: المسؤولية والإقلاع الشامل"، بحسب صحيفة  هيسبريس المغربية الإلكترونية.

واعتبر الملك المغربي أن "نجاح هذه المرحلة الجديدة يقتضي انخراط جميع المؤسسات والفعاليات الوطنية المعنية، في إعطاء نفس جديد، لعملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ببلادنا. كما يتطلب التعبئة الجماعية، وجعل مصالح الوطن والمواطنين تسمو فوق أي اعتبار، حقيقة ملموسة، وليس مجرد شعارات".

وأضاف: "المرحلة الجديدة ستعرف إن شاء الله، جيلا جديدا من المشاريع. لكنها ستتطلب أيضا نخبة جديدة من الكفاءات، في مختلف المناصب والمسؤوليات، وضخ دماء جديدة، على مستوى المؤسسات والهيئات السياسية والاقتصادية والإدارية، بما فيها الحكومة".

 وفي هذا الإطار، طالب الملك في خطابه رئيس الحكومة بأن يرفع له مقترحات لإغناء وتجديد مناصب المسؤولية، الحكومية والإدارية، بكفاءات وطنية عالية المستوى، وذلك على أساس الكفاءة والاستحقاق.

وقال: "هذا لا يعني أن الحكومة الحالية والمرافق العمومية، لا تتوفر على بعض الكفاءات. لكننا نريد أن نوفر أسباب النجاح لهذه المرحلة الجديدة، بعقليات جديدة قادرة على الارتقاء بمستوى العمل، وتحقيق التحول الجوهري الذي نريده".

تعديل أم تغيير؟

أعاد خطاب الملك خلط الأوراق السياسية في المغرب على ضوء الوضع السياسي الذي تعيشه الحكومة، ويعتمد إجراء تعديل حكومي بمبادرة من الملك خطوة تستند إلى الفصلين 42 و47، من الدستور المغربي.

في حال إجراء التعديل فلن يكون الأول في عهد الملك محمد السادس أو حتى في عهد الحكومة الحالية، إلا أنه مع ذلك سيكون مختلفا عن التعديلات الحكومية السابقة.

إذ يعتبر هذا التعديل غير مسبوق كونها المرة الأولى التي يعلن فيها الملك عن تعديل حكومي عبر خطاب، بعدما جرت العادة في المرات السابقة أن يتم الإعلان عنه بشكل مفاجئ ومحاطا بكثير من السرية.

وتضم الأغلبية الحكومية في المغرب أحزاب: التجمع الوطني للأحرار، والحركة الشعبية، التقدم والاشتراكية، والاتحاد الدستوري، والاتحاد الاشتراكي، إضافة إلى الحزب الحاكم العدالة والتنمية.

عبد العزيز أفتاتي عضو أمانة العدالة والتنمية في المغرب اعتبر أن التغييرات التي يتم الإعداد لها متفاهم عليها بين رئيس الحكومة والملك محمد السادس، وأنها قد تقلص عدد الوزارات.

وأضاف في تصريح إلى "سبوتنيك الروسية"، أن رئيس الحكومة يفترض أن يفتح الحوار في البداية مع الأحزاب، التي تشكل الأغلبية في الحكومة، وأنه من يقرر إن كانت التعديلات ستجرى من أحزاب الأغلبية، أو الاستغناء عن بعضها، وكذلك فيما يتعلق بتقليص عدد الوزارات.

وتابع: "التغييرات، التي تجرى يفترض أن يراعى فيها الكفاءة والخبرات، والتخلص من العناصر التي تسيء للمجموعة، والأمر يتطلب التقليص اعتمادا على الأفضل".

من جهته دعا المكتب السياسي لحزب الحركة الشعبية  برئاسة العنصر الأمين العام للحزب في بيان إلى الإسراع بعقد اجتماع لقادة أحزاب الأغلبية الحكومية من أجل اتخاذ التدابير المرحلية اللازمة.

في الوقت نفسه تداولت عدد من الصحف المحلية عن مصادر خاصّة بها من داخل الأغلبية الحكومية، أنّ التعديل القادم سيكون شكليا فقط بسبب اعتماد العثماني لنفس المنهجية المعتمدة والقائمة على مطالبة حلفائه بمده بالأسماء التي ترشحها، وبالتالي فإن التغيير سيقتصر على تغيير وزير بوزير آخر من نفس الحزب. 

وأكّدت  أنه رغم تشديد الملك على ضرورة اختيار الكفاءات، إلا أن زعماء أحزاب الأغلبية مصرة على اعتماد منهج منح المناصب للمقربين منهم كما كان الأمر دائما.

بين السياسة والتنمية

لا يخفي جل المتابعين للشأن المغربي ارتباط دعوة الملك للتعديل الحكومي بالوضع السياسي الذي تعيشه المملكة، وسط تشكيك في حفاظ أحزاب الأغلبية على رصيد شعبيتها خاصّة بعد اتخاذ إجراءات وقوانين لم تحظ بقبول شعبي كان آخرها قانون ما سمّي "فرنسة التعليم" الذي أحدث انقساما حادا داخل صفوف الحزب الأكبر في البرلمان والحكومة حزب العدالة والتنمية.

كما لا يزال الاحتقان الاجتماعي موجودا خاصّة في استتباعات ملف الأساتذة المتعاقدين، واستمرار احتجاجات المعلمين للمطالبة بتحسين وضعهم وزيادة الأجور، كما لا يزال طلبة كليات الطب مقاطعين للدراسة والامتحانات منذ أشهر.

وقبل أيام من خطاب العرش، استقبل الملك محمد السادس، والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري (مدير البنك المركزي)، الذي قدم إليه تقريرا عن الوضع الاقتصادي بالمملكة.

وكشف بنك المغرب نهاية يوليو/تموز الماضي، عقب اجتماع مجلسه الفصلي الثاني خلال هذا العام، عن توقعاته بأن ينخفض النمو الإجمالي خلال سنة 2019 نسبة 2.8 %، مقارنة ب 4.1%  سنة 2018 .

وقال البنك المركزي: إنه "أخذا في الاعتبار إنتاج 61 مليون قنطار من الحبوب حسب تقديرات وزارة الفلاحة، ستتراجع القيمة المضافة الفلاحية في سنة 2019 بنسبة 3.8%".

وأوضح البنك المركزي، أنه حسب المستوى الوطني، فإنّ المعطيات المؤقتة الخاصة بالحسابات الوطنية السنوية تشير إلى تباطؤ النمو إلى %3 في 2018 بعد تحقيق 4.2% قبل سنة.

وتحدث بنك المغرب عن تراجع وتيرة النمو من 15.2% إلى 4% بالنسبة للقطاع الفلاحي ومن 2.9% إلى 2.6% على مستوى الأنشطة غير الفلاحية.

وقال الجواهري: إن "أداء الاقتصاد المغربي لازال غير كاف للاستجابة للانتظارات الاجتماعية المتزايدة، رغم الجهود المبذولة"، مضيفا أن العودة بالمغرب إلى مسار نمو مطرد، على غرار ما شهده خلال العشرية الأولى من هذا القرن، يستلزم مضي السلطات في الإصلاحات، مع الرفع من مستوى فعاليتها ومردوديتها، وكذا مراعاة أفضل لتقلبات وتطورات المحيط الدولي.