مليشيا العرجاني.. قوة مسلحة صنعت على أعين السيسي تثير التخوفات في سيناء

يعرف اتحاد قبائل سيناء نفسه من خلال صفحته الرسمية على موقع إكس "تويتر سابقا"، أنه جبهة قبلية موحدة من قبائل سيناء لمساندة القوات المسلحة في مواجهة التنظيمات المتطرفة ودعم عملية التنمية والتعمير.
وفي الآونة الأخيرة ظهر اسم الاتحاد في أكثر من حادثة، الأولى بقتل 3 أشخاص من أفراده، في 13 أغسطس/آب 2023، في ظروف غامضة بمدينة الشيخ زويد في محافظة شمال سيناء، شرقي مصر.
بعدها شهدت المنطقة استنفارا عسكريا لاتحاد القبائل، الذي يقوده رجل الأعمال المقرب من النظام إبراهيم العرجاني.
أما الحادثة الأخرى والأبرز، فتمثلت في شبهات التورط في أزمة طائرة زامبيا، المعروفة بـ "فضيحة لوساكا"، التي قبض فيها على ضباط مصريين ورجال أعمال، اتهموا بتهريب ملايين الدولارات والمعادن.
ومنتصف أغسطس، أعلن مدير عام لجنة مكافحة المخدرات في زامبيا نايسون باندا، خلال مؤتمر صحفي، احتجاز طائرة خاصة كانت هبطت في مصر قبل ضبطها في بلاده وعلى متنها 5.7 ملايين دولار، و602 قطعة معدنية وأسلحة، لدى وصولها مطار كينيث كاوندا الدولي.
وبعد اعتقال عدد من المصريين كانوا على متن الطائرة، نشر اتحاد قبائل سيناء نفيا متسرعا في 17 أغسطس 2023، لتورطه أو أي من رجال الأعمال المصريين في أي عمليات تهريب، قبل أن يتم حذف التغريدة بعد وقت قصير.
لكن تلك الحوادث كشفت عن حضور متصاعد لدى الاتحاد، بعدما لعب دورا خطيرا في الصراع الشرس بين الجيش والجماعات المسلحة في سيناء.
فما قصة هذا الاتحاد؟ وكيف نشأ؟ ومن الذي يمسك خيوطه التنظيمية؟ وما علاقته بالجيش المصري؟
بداية الظهور
عند الحديث عن ميلاد اتحاد قبائل سيناء الذي تشكلت نواته فور وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عام 2014 عبر انقلاب عسكري، لا بد من ذكر الظروف المحيطة به.
حينها اتبع النظام المصري نهجا شرسا وقاسيا لوقف الحركات المسلحة النشطة في شبه جزيرة سيناء.
وبدأت العمليات العسكرية المكثفة في أكتوبر/تشرين الأول 2014، على غرار إستراتيجية الأرض المحروقة بهدف تفكيك شبكات المسلحين.
أقامت قوات الجيش حينها منطقة عازلة امتدت على ألف متر على طول الحدود مع غزة، ودمرت ما وصل إلى ألفي منزل وجرفت مئات الهكتارات من الأراضي الزراعية وأخرجت 3200 أسرة من منازلها، بحسب إحصائيات المرصد المصري للحقوق والحريات.
حملة القمع القاسية، دفعت "ولاية سيناء" لتكثيف نشاطها وأجبرت القاهرة على نشر المزيد من القوات في شبه الجزيرة المأزومة.
ووصل الأمر أن إسرائيل وافقت في مايو 2015 على تخطي مصر الحد الأقصى من الجنود المسموح بوجودهم في سيناء والبالغ 26 ألف جندي بموجب معاهدة السلام الموقعة عام 1979 بين الحكومتين.
وبالفعل في يناير/كانون الثاني 2018، أعلن بيان المتحدث العسكري للجيش المصري أنه يعمل في سيناء 88 كتيبة مصرية مؤلفة من 42 ألف جندي.
لكن تلك الحشود العسكرية الجذرية لم تنجح في تحسين الوضع، والسبب الرئيس بحسب ما أورده معهد واشنطن للدراسات في تقرير نشره في 9 ديسمبر/كانون الأول 2021، أن القوات المصرية عجزت عن كسب دعم السكان المحليين.
فقد خلفت حملة القمع الأولية التي نفذها السيسي عددا كبيرا من السكان المشردين والعاطلين عن العمل واليائسين من المستقبل، وهذه بيئة استغلتها التنظيمات المسلحة بسهولة.
بروز الاتحاد
كان دور اتحاد قبائل سيناء في تلك الفترة يتمثل في المشاركات المحدودة بالعمليات العسكرية، وتقديم الدعم اللوجستي لقوات الجيش وقيادات الأمن.
لكن ظهرت الفرصة لتغيير مجرى الأمور حين تبنى تنظيم "ولاية سيناء" نهجا أكثر عدائية تجاه القبائل.
ففي مايو 2017، نفذ العشرات من عمليات الخطف وهجمات الكر والفر من أجل كسر سلطة القبائل على المجتمعات المحلية ومنعها من التعاون مع الجيش.
حينها أعلنت كبرى قبائل سيناء، أي الترابين والسواركة والرميلات وغيرها الحرب على التنظيم، وتوفير غطاء أوسع لاتحاد قبائل سيناء الذي بدأ هيمنته الفعلية.
وهنا يبرز السؤال عن الجهة التي أوجدت الدعم العسكري ومدت اتحاد القبائل بالمال والسلاح، للانخراط في العمليات العسكرية.
وفي 28 سبتمبر/أيلول 2018، كشفت وكالة أسوشيتد برس الأميركية أن الجيش المصري يسلح "اتحاد القبائل" من أجل حرب تنظيم الدولة، بعد سنوات من القتال المرير بينهما.
وقالت الوكالة الأميركية، إن الجيش سلح عناصر القبائل وجعلهم يسيرون دوريات، واستخدمهم في عمليات ضد المسلحين بعمق جزيرة سيناء، وذلك على غرار تجربة "الصحوات" التي ظهرت بعد اندلاع القتال الطائفي في العراق عام 2006.
وصرحت أليسون ماكمانوس مديرة قسم الأبحاث في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط ومقره الولايات المتحدة، لأسوشتيد برس، أن الجيش يستفيد من إلمام هؤلاء البدو بطبيعة الأرض والمعلومات الاستخباراتية المحلية، وهذا مكمن قوتهم.
مليشيا العرجاني
أما على الصعيد التنظيمي فهناك شخصيتان لعبتا الدور الأهم في قيادة اتحاد القبائل، وكانا بمثابة مهندسي الاتصال بين السلطة والأفراد.
الأول هو رجل الأعمال السيناوي إبراهيم العرجاني، الداعم والممول، والثاني سالم لافي، القائد الميداني الفعلي.
وقتل "لافي" 10 مايو 2017، وجرى تجسيد شخصيته في مسلسل "الاختيار" في رمضان 2020 كصديق لضباط الجيش، بينما أصبح العرجاني الآن من أهم رجال الدولة في مصر.
والمثير أن "العرجاني" كان معتقلا لدى الأمن المصري حتى 13 يوليو/تموز 2010، بتهمة احتجاز ضباط وجنود على حدود مصر الشرقية خلال فترة الصراع بين البدو والشرطة، بسبب دوره في تهريب بضائع وسلاح، عبر الأنفاق.
لكنه تحول بين يوم وليلة، عقب انقلاب السيسي عام 2013 إلى حليف للجيش والنظام.
حتى إنه في 13 مايو 2014 حرص السيسي على لقاء "العرجاني" ضمن مجموعة من أفراد قبائل سيناء، وظهر في صورة نشرتها وسائل الإعلام وهو يبحث معه ملفات خاصة بالأزمة السيناوية.
كما التقاه السيسي مرة أخرى في 15 يوليو 2021 خلال اجتماعه مع رجال أعمال، وعينه سفيرا من سفراء مبادرة "حياة كريمة"، بحضور رئيس المخابرات العامة عباس كامل.
وبات العرجاني واتحاد القبائل يلعبون دورا أكبر من مجرد القتال وتقديم الدعم في العمليات العسكري في سيناء.
إذ ضمن دوره في الوساطة من أجل تثبيت وقف إطلاق النار بين الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة وقوات الاحتلال الإسرائيلي بعد معركة "سيف القدس" خلال عام 2020، فقد أوعز نظام السيسي للعرجاني بإرسال معدات شركته إلى لإعادة إعمار القطاع.
وهو ما أعلنه تسفي برائيل المحلل السياسي لصحيفة "هآرتس"، إذ قال إن المستفيد الرئيس من خطة إعادة الإعمار هي شركة أبناء سيناء، لمالكها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني، الذي يترأس أيضا قبيلة الترابين البدوية.
وأوضح في تحليل نشره 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 أن "العرجاني، الذي يمتلك أكبر شركات المقاولات في مصر، يتلقى الأوامر من الاستخبارات المصرية فيما يخص حركة البضائع إلى غزة.
وذكر أن العرجاني ورجاله يتحركون نيابة عن الجيش المصري في غزة ويشرفون على العمل، ويوقعون اتفاقيات مع مقاولي البناء هناك.
أبرز التخوفات
لكن مع ذلك الدور الكبير والهيمنة الملحوظة لاتحاد القبائل، لا يخلو الأمر من قلاقل ومستقبل مبهم منتظر.
ففي 5 سبتمبر/أيلول 2023، نشرت صحيفة "العربي الجديد" القطرية، عن مصادر خاصة بها أن مذكرة رسمية، رفعتها أجهزة عسكرية إلى مؤسسة الرئاسة، تضمنت ضرورة إعداد تصور خاص بتفكيك مجموعات الدعم القبلية، التابعة لاتحاد قبائل سيناء، وسحب الأسلحة، التي تم توزيعها على مقاتليها.
وأوردت أن التوصية التي جاءت من المؤسسة العسكرية، تضمنت تحذيرات من تزايد في أعداد المجموعات أخيرا، رغم تراجع مستوى العمليات.
وذكرت أن "الزيادة التي رصدتها دوائر معلومات تابعة للمؤسسة العسكرية، في أعداد المقاتلين التابعين (للمجموعات) لم يتم الإبلاغ عنها من جانب قيادة الأخيرة، ولم تخطر بها بشكل رسمي".
وفي تصريحات لـ"الاستقلال" قال الناشط السيناوي عادل رضوان، "إن اتحاد القبائل تشكل بأمر سيادي من أجهزة الدولة، تحديدا المخابرات العامة، بسبب الفشل الذريع في العمليات الأمنية داخل سيناء".
وكذلك بسبب "السياسة التي كانت متبعة وأدت لاستعداء عدد كبير من أبناء سيناء ضد الجيش والأمن، على وقع القتل والتصفية العشوائية لهم، إضافة إلى تهجيرهم من منازلهم".
وأضاف: "القبائل تحالفت مع الجيش لسببين، الأول أن تنظيم الدولة استهدف المدنيين أيضا وقتل عددا كبيرا من القبائل كالترابين والسواركة، ثانيا أنه لم يكن هناك خيار أمام القبائل أن تستعدي الدولة وتدخل معها في صراع سيدفع ثمنه الجميع".
واختتم: "المشكلة المتصاعدة الآن تكمن في نفوذ وقوة اتحاد القبائل وكثرة السلاح والمعدات، هل سيقبلون بتسليمها؟ وهل سيعودون أدراجهم مرة أخرى؟! بالطبع لا لأن لهم خصومات ثأرية مع بعض العوائل".
وأتبع: "هم أنفسهم تورطوا في قتل أفراد لم يكونوا منتمين للتنظيم، حتى إنه يوجد تخوفات من أن يتحول الوضع إلى حرب أهلية وهو سيناريو غير مستبعد، سواء أن يصدموا بأنفسهم أو يدخلوا في صدام مع خصومهم الآخرين".