عندما أصبح لدينا "مشاهير" صهاينة!

عبدالله معروف | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

جميع الخطب الرنانة والشعر والشعراء الذين هاجموا الإسلام وشتموا نبيه وأهله كلهم انتهوا ومات ذكرهم ولم يحفظ لنا التاريخ شيئاً من ذلك. وفي عصر الحروب الصليبية لم يحفظ لنا التاريخ أسماء آلاف الأشخاص الذين كانت مملكة بيت المقدس اللاتينية تحاول زرعهم هنا وهناك أو تتواصل معهم –من ضعاف النفوس– في البلاد العربية والإسلامية لتمرير مشروعاتها ونشر أدبياتها، ولولا أن البعض مثل القائد الفذ أسامة بن منقذ ذكروا لنا بعضاً من مظاهر الحياة الاجتماعية التي كانت سائدةً في ذلك الوقت لما عرفنا بوجود أمثال هؤلاء في تلك المرحلة.

السبب في ذلك بسيط؛ وهو أن الناس في ذلك الوقت كانت تحرص على أن لا تشهر أمثال هؤلاء ولا تجعلَ منهم "مشاهير" على حساب من يستحق الشهرة فعلاً. حتى القصة المشهورة للرجل الذي بالَ في بئر زمزم ليقال: (فلان الذي بال في بئر زمزم) لم يحفظ لنا التاريخ اسمه، وعاقبه الناس بأن أهملوا ذكره حتى صار مجرد نكرةٍ في التاريخ لا يعرف إلا باسم "الرجل الذي بال في ماء زمزم"، لا نعرف اسمه ولا فصله ولا قبيلته ولا جنسيته ولا أي شيء عنه.

أقول هذا الكلام لأعقد مقارنةً بين العقلية التي كانت تحكم العرب والمسلمين في تلك الفترة الذهبية، وبين عقليةٍ غريبةٍ ربما فرضتها وسائل التواصل الاجتماعي وفوضى المعلومات التي نعيشها في هذه الفترة. حيث أصبح من أهم مظاهر هذه الفوضى مسارعة الكثير ليكون "المتميز" عن غيره بأن يكون "الأول" في نقل كل غريب وشاذ من معلومات أو أفكار أو صور أو غيرها. وهو ما ساهم في بروز ظاهرة يطلق عليها بعض علماء الاجتماع "شهرة الأغبياء" الذين يحاولون الوصول إلى تلك المرحلة بطرح كل غريب وسخيف.

والمصيبة أن البعض يساهمون بذلك إما من باب التندُّر أو "التحذير" أو غيرها من الأسباب التي لا أجد منها سبباً منطقياً، حتى انتشرت المقولة المشهورة الآن بين بقية العقلاء في زماننا الغريب هذا: Don’t Make Stupid People Famous  (لا تجعلوا الأغبياء مشهورين).

هذا الكلام ينطبق على غالب أمور حياتنا اليوم، وللأسف لا يمكننا إقناع الكثير من أبناء أوطاننا وأمتنا به لأن الكثير منهم يرى براءة مشاركة وإشهار بعض الغرائب التي لا يريد أصحابها بنشرها إلا أن يصبحوا مشاهير بين الناس فقط.

لكن عندما يتعلق الأمر بقضية خطيرة وكبيرة مثل قضية الاحتلال في فلسطين والمشروع الصهيوني الإحلالي في القدس وما حولها يتحول الأمر إلى جريمة حقيقية! فمشاركة ونشر الغرائب التي يتقنها العاملون في القطاع الأمني الإسرائيلي ليست من البراءة في شيء، فهي إما أن تكون بلاهةً أو تآمراً.. وكلاهما مصيبة.

عندما ظهر المدعو "أفيخاي أدرعي" الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي للإعلام العربي على ساحة وسائل التواصل الاجتماعي كفيسبوك وتويتر، لم يكن أحد في البداية يحفل به أو يعرفه حتى بدأ ينشر مواد استفزازية من قبيل: "جمعة مباركة" أو فتاوى وأحكام أهل الذمة أو آيات القرآن الكريم التي تتكلم عن أهل الذمة. عندها بدأ بسطاء وصغار العقول من أبناء قومنا يتناقلون هذه العبارات هنا وهناك من باب التندر والنكتة، وهم لا يعرفون أن هذه التغريدات والمنشورات لا يكتبها هذا الرجل أصلاً، وإنما يكتبها مجنّدون في مكاتب خاصة لدى وحدات أمنية إسرائيلية مهمتها الوحيدة هي الدخول على خطوط التواصل الاجتماعي واختراق النسيج المجتمعي العربي، حتى فوجئنا باسم "أفيخاي أدرعي" يصبح "نجماً" لامعاً في الفضاء العربي بكل معنى الكلمة! كان البعض يحاول أن يتذاكى بأن يجيب حساب هذا الشخص ويهاجمه ويسخر منه، لكنه لم يكن يعلم أنه ينفذ بالضبط ما تريده الوحدة الإسرائيلية المسؤولة عن هذا العمل، مجرد الرد، الرد فقط هو المطلوب.. إجبارك على مخاطبته هو ما يريده فقط.

الأمر لم يتوقف عند ذلك، حيث يبدو أن أدرعي بزيه العسكري واضح تماماً أمام العالم العربي لدرجة أن دعايته لم تعد تفلح كثيراً.. فخرجت علينا دولة الاحتلال بشخصية جديدة جدلية هي المتطرف (إيدي كوهين)، وهو إسرائيلي من أصل لبناني يتكلم باللهجة اللبنانية ويعرف المجتمع العربي جيداً لأنه عاش صباه في لبنان.

هذه الشخصية المغمورة في دولة الاحتلال بدأت تصعد على المستوى العربي منذ عدة أشهر فقط بفضل تغريداته المستفزة التي اتسمت بأسلوب التهكم والكلام علناً بما يضمره بعض العرب في أنفسهم، من قبيل الحديث عن الفساد المستشري في العالم العربي، والكلام عن التعاون بين بعض الرسميين العرب ودولة الاحتلال بأسلوب فج، وغيرها من الأساليب والطرق التي كان يتبعها لجذب انتباه البسطاء من الذين يرون في تغريداته من يخبرهم بـ"الحقائق التي يعرفونها" بشكل واضح لأول مرة.

ولذلك لاحظنا بدء انتشار تغريداته بشكل هستيري، وساهم ذلك في رفع أسهمه في فترة قصيرة حتى وصل الأمر إلى إعلان استضافته على شاشة أحد البرامج الكبرى في قناة الجزيرة. وخلال أسابيع قليلة قفز عدد متابعي هذا الشخص من عدة آلاف إلى أكثر من مائة خمسين ألفاً!

إن هذا الشخص يمثل الآن رأس حربةٍ أساسي في الدعاية الإسرائيلية التي يرغب الساسة في الدولة العبرية توصيلها للعالم العربي، خاصةً في بعض دول الخليج. وتحريكه باتجاه معين يحاول كسر الحاجز – بل ربما إظهار بعض التعاطف – مع دولة الاحتلال والضغط بالتالي على الفلسطينيين بإقناعهم أنهم وحيدون في الميدان في مواجهة هذه الدولة.

قبل أيام استضيف هذا الشخص على قناة i24 الإسرائيلية الناطقة باللغة العربية، وظهر في ما يشبه مسرحية – أظنها كانت مرتبةً بين جميع الأطراف في البرنامج – بدأ خلالها الضيف العربي المواجه له بإلقاء شتائم بذيئة على العاهل السعودي الملك سلمان، مما جعل كوهين يعلن انسحابه من البرنامج، لتبدأ عاصفة من التغريدات المؤيدة والمعارضة بالتناقل هنا وهناك، إضافةً إلى تناقل بعض وسائل الإعلام الناطقة بالعربية لخبر "دفاع أكاديمي إسرائيلي عن الملك سلمان" كما تدعي! وهو بالضبط ما يريده هذا الشخص وقادته في دولة الاحتلال.

إن الانجرار وراء متابعة هذه الشخصيات ومتابعة العواصف والموجات والاستفزازات التي يثيرونها من حينٍ لآخر لا تهدف لشيء أكثر من اختراق العالم العربي بغية التجنيد العقلي فقط، ونقصد بالتجنيد العقلي كسر الحاجز طويل الأمد الذي بقي بين شعوب المنطقة ودولة الاحتلال، ولم تتمكن هذه الدولة طوال هذه الفترة من كسره بالرغم من تمكنها من نقل علاقاتها القديمة مع بعض الرسميين العرب من تحت الطاولة إلى فوقها، فهل يساهم بعض شبابنا المتسرع للتعرف على "الآخر" أو الباحث عن الإثارة أو حتى بعض بسطاء العقول في تنفيذ الإستراتيجية الإسرائيلية من خلال جعل هؤلاء الصهاينة من نجوم العرب؟! 

نقولها مرات ومرات: لا تسلموا الأغبياء مقاليد التحكم بمصائرنا.. ولا تجعلوا الصهاينة مشاهير!