مطاعم المندي اليمني تزين شوارع القاهرة.. ما سر هذا الإقبال؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بصورة لافتة، تنتشر الأطباق اليمنية، خاصة "المندي" على الموائد المصرية وفي المطاعم الكبرى بالعاصمة المصرية القاهرة، ما يراه كثيرون شكلا من أشكال التواصل والانصهار الثقافي بين الشعبين الشقيقين.

ولا شك أن التواصل الحضاري بين أرض سبأ ووادي النيل تاريخي، ويقول اليمنيون المقيمون في مصر حاليا بفعل الحرب المتواصلة ببلدهم جملة دارجة مفادها أن "لكل عربي وطنين أحدهما مصر".

وفي دراسة نشرتها الباحثة الفرنسية مارين بوارييه، عام 2020، أكدت أن القاهرة باتت "مركزا للجغرافيا السياسية والاجتماعية اليمنية"، كاشفة أن عدد اليمنيين المقيمين في مصر يصل إلى 800 ألف. 

ذلك العدد من اليمنيين المقيمين في مصر نقلوا جزءا من ثقافة بلادهم إليها، لا سيما الجزء المتعلق بالمطبخ اليمني الضارب في التاريخ لأكثر من ألف عام، والمميز بالأطباق الغنية والرائعة التي انتشرت كالنار في الهشيم بمصر. 

والمندي والمظبي والمدفون والزربيان والحنيذ والسحاوق، إضافة إلى الحلويات مثل المعصوب وبنت الصحن مع الشاي العدني، كلها أصناف عرفت طريقها إلى قلوب المصريين، الذين استحسنوها وأقبلوا عليها.

المندي 

وحتى نعرف لماذا أخذ طبق المندي اليمني خصوصيته عند المصريين؟ نذهب إلى تاريخه وطريقة صناعته واعتداد الثقافة الشعبية اليمنية به، ووصل الأمر إلى تناقله معهم أينما حلوا وارتحلوا. 

حتى إن أحد الشعراء المحليين اليمنيين، ذكر أن ذلك الطبق خصيصا في بيت من إحدى قصائده الشعبية، قائلا: "آه على المندي بلحم التيس.. ما أوهت ليلى لطلة قيس". 

وسبب تسمية المندي تعود إلى كلمة "ندي" نسبة إلى الملمس الندي للحم الموضوع فوق الأرز في ذلك الطبق. 

حيث إن فكرة المندي قائمة على أن ينضج اللحم بالحرارة، ثم يندى الدهن على اللحم وما تلاه من الأرز الذي يكون غنيا بالبهارات والتوابل، فيختلط الندى الدهني بتلك المكونات، فتعطيها طعما شهيا. 

لكن السر الآخر في جودة "المندي" تعود إلى طبيعة طبخه نفسها، فغالبا ما يطهى الكبش (الخروف) أو التيس (ذكر الماعز) كاملا، حيث يتم تتبيله قبل فترة، ثم يشك بسيخ صلب من الرقبة ليعلق مقلوبا، ثم ينزل إلى التنور (فرن طيني) بعدما يكون قد أوقد باللهب.

وهذه الطريقة يطلق عليها طريقة (الدفن) فبعد وضع المندي يطمر التنور بالطين، ويترك لثلاث أو أربع ساعات، ثم يخرج المندي مستساغ ومستطاب الطعم، "يذوب في الفم" كما يقول المصريون.

ويحرص اليمنيون على تقديم بعض المقبلات التي تضيف لطبق المندي رونقا، مثل (السحاوق) وهي صلصة حارة تعد من الطماطم والفلفل والثوم والكزبرة، تخلط أثناء تناول الطعام مع الأرز.

المطاعم اليمنية 

عرفت مصر منذ فترة بعيدة المطاعم اليمنية، إذ تستضيف جالية يمنية كبيرة من رجال الأعمال والطلاب والمستثمرين.

وفي أعقاب ثورة 11 فبراير/ شباط 2011، طرأت على اليمن متغيرات سياسية واجتماعية ضخمة، أدت إلى نزوح أعداد كبيرة من مواطنيه، إلى مناطق ودول أخرى.

وخلال السنوات الأخيرة انتشرت المطاعم اليمنية في مصر لدرجة وصفها البعض بأنها باتت ظاهرة، وتباينت من حيث مستوى الخدمة والجودة، وكان الجامع بينها أنها لاقت استحسان المصريين وأقبلوا عليها.

ومن الملاحظ أن معظم أسماء المطاعم اليمنية في القاهرة تسمى "حضرموت" وتختلف في الاسم الثاني فتجد "حضرموت عنتر، حضرموت أبو إياد، حضرموت الطيران، حضرموت مالك، حضرموت والسمار". 

وتوجد مطاعم أخرى شهيرة مثل "البيت اليمني، ريدان، باب اليمن، باب المندب، اليمن السعيد، أهل اليمن، دار اليمن، الركن اليمني، أرض الحضارة".

وفي 20 أغسطس/ آب 2021، قالت صحيفة "4 مايو" اليمنية، إن عدد المطاعم اليمنية في مصر، بلغ 30 مطعما، معظمها تم افتتاحه ما بين أعوام 2018 إلى 2021.

وذكرت أن أقدم مطعم مستمر حتى الآن في مصر، هو "المطعم اليمني" في منطقة الدقي بمحافظة الجيزة، وعمره أكثر من 20 عاما، وكانت تلك المنطقة مقرا للجالية اليمنية. 

حتى إن صاحبه "اليافعي علي صالح العيسائي" رئيس الجالية اليمنية حاليا في مصر.

وقالت الصحيفة: "إن معظم المطاعم اليمنية تتركز في شارع جامعة الدول العربية والمهندسين، ومنطقة الدقي، وشارع فيصل".

وأوضحت أن شارع فيصل تحديدا يشكل كثافة سكانية هي الأعلى في القاهرة الكبرى (القاهرة، الجيزة، القليوبية) بين اليمنيين قد تصل إلى 60 بالمئة، يأتي بعد ذلك مناطق المنيل وأكتوبر وأرض اللواء.

وجميع تلك المطاعم، وغيرها التي فتحت لاحقا، لم تعد قبلة لليمنيين وحدهم، بل للمصريين، الذين يفضلون الطعام اليمني، وعلى رأسه طبق المندي الشهير. 

المندي والملوخية

يعد مطعم "حضرموت عنتر" من المطاعم اليمنية التي وصلت إلى شهرة واسعة في مصر.

ويقع المطعم في شارع جمال عبد الناصر بمنطقة جسر السويس في القاهرة، حيث يتكون من عدة طوابق، تستطيع استيعاب الأعداد الكبيرة الوافدة إليه. 

ويرفع "حضرموت عنتر" شعار "أصل المندي في مصر"، وجعل من طبق المندي واجهته الإعلانية، ومكمن تميزه، واهتم بأن يقدمه على الطريقة اليمنية الأصيلة. 

ويختلف "حضرموت عنتر" عن البقية، بأنه قدم مزيجا من المطبخ اليمني والمطبخ المصري على مائدة واحدة، فتجد صينية "المندي" بجوار طبق "الملوخية" المصري الشعبي. 

وكذلك يقدم مع "المندي" تشكيلة متنوعة من المشويات مثل"الكباب والكفتة"، إضافة إلى "المحشي" و"الممبار" وكلها أطباق مفضلة عند المصريين، وكانت فكرة إضافتها بجوار "المندي" محببة للزبائن.

وفي 16 ديسمبر/ كانون الثاني 2022، استضاف اليوتيوبر المصري كريم السيد، اليوتيوبر الأميركي المشهور براين وايلز، في القاهرة، وأراد أن يطلعه على المطبخ الشرقي والمصري، فما كان منه إلا أن اختار "حضرموت عنتر" من وسط آلاف المطاعم بالقاهرة. 

ومن بين الأطباق المصرية المميزة، كان "المندي" اليمني يزين الطاولة، ولاقى استحسان وايلز الأميركي، الذي استساغه، بل وشهد أن الطعام المقدم إليه يتفوق عن جودة ومذاق الطعام في بلاده. 

 

من جانبه، يقول المواطن اليمني المقيم في مصر الهدهاد عبد السلام: إنه منذ قديم الأزل كانت القاهرة وما زالت ملتقى للحضارات وللشعوب العربية، وهي بمثابة البوتقة التي تنصهر فيها الثقافات والأفكار، فتتأثر بهم ويتأثرون بها، ويضيفون إليها وتضيف إليهم، فتخرج النموذج المختلف عن بقية البلدان والعواصم". 

ويضيف عبد السلام وهو طالب دراسات عليا في جامعة القاهرة: "اليمنيون أحبوا القاهرة والمصريين دائما، ووجدوا في مصر وطنا ثانيا، لأشياء كثيرة غير الطباع الأصيلة والطيبة للشعب المصري، فسهولة الحياة والاندماج وتشابه العادات والتقاليد، وحسن استقبال المصريين، ساهم في هذه الحالة".

وبالنسبة للمندي فإنه طبق وصل إلى العالمية، وفق عبد السلام، وأصبح موجودا في سائر دول العالم حتى في أوروبا والولايات المتحدة بعد الهجرات اليمنية الكبيرة.

"وفي مصر فضل المصريون هذا الطبق وأحبوه وأقبلوا عليه ولم يكتفوا بذلك بل روجوا له ونشروه، فأصبح ظاهرة"، يؤكد الباحث اليمني.

وأوضح: "معروف أن مصر موطن الشهرة، كل عالم أو فنان أو رياضي يريد أن يشتهر يذهب إلى مصر، وهذا ينطبق تماما على المندي، فالمصريون إذا أحبوا شيئا كان من حسن طالعه، وهو ما جعل كبار المستثمرين اليمنيين المقيمين هنا يعرفون ذلك، ويتجهون إلى فتح كثير من المطاعم التي تقدم المندي وغيره من الأطباق اليمنية التقليدية". 

وزاد: الشعب اليمني من الشعوب المؤثرة أيضا في محيطها، واليمنيون أثروا المطبخ العربي، حتى إن أصل المطبخ الخليجي يمني، إضافة إلى أننا عرفنا التجارة والترحال منذ القدم، وتجار اليمن نشروا الإسلام في آسيا منذ بعثة النبي (صلى الله عليه وسلم)، لأنهم مزجوا بين التواصل الجيد وحسن الخلق وصفات الصدق والكرم.

لذلك فإن انتشار المطاعم اليمنية، تتجاوز فكرة تفضيل (المندي) إلى حب المصريين لأهل اليمن وتفضيل أخوتهم، يختم عبد السلام.