سجدة شكر أسود الأطلس بمونديال قطر.. تمثل المغاربة أم "بدعة دخيلة"؟

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

وجد موقع "آشكاين" الإخباري المغربي نفسه وسط سيل من الانتقادات الشديدة، والتهديد بالمتابعات القضائية بعد شنه هجوما كبيرا على اللاعب الدولي زكرياء أبو خلال، متهما إياه بالتطرف، بسبب قناعاته الدينية والفكرية.

وقال الموقع في مقال عن أبو خلال، في 23 ديسمبر/كانون الأول 2022، إن الفريق الوطني حقق إنجازا تاريخيا غير مسبوق، عربيا وإفريقيا، وسيظل راسخا في الأذهان لسنوات مقبلة.

ونجح المغرب في كتابة تاريخ جديد للكرة العربية والإفريقية بعد تأهله للدور نصف النهائي بالمونديال عقب الفوز على البرتغال، بهدف دون رد في 10 ديسمبر 2022.

وبات المغرب ثالث منتخب من خارج أوروبا وأميركا الجنوبية يتأهل إلى المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم بعد الولايات المتحدة عام 1930، وكوريا الجنوبية في 2002.

لكن الموقع قال إن المنتخب أبرز أيضا مظاهر أخرى "كادت تشوش على هذا الإنجاز، وبعثت برسائل وجب الوقوف عندها، والتنبيه لها قبل فوات الأوان"، وفق وصفه.

وتابع المصدر ذاته: "نقصد بهذه المظاهر تلك الممارسات التي صدرت عن اللاعب زكرياء أبو خلال، من تصرفات وإيحاءات ذات مرجعية دينية سلفية".

ومن ذلك، وفق ما يقول: "ظهوره في المدرجات بمونديال قطر إلى جانب امرأة منتقبة (زوجته) لا تظهر منها سوى عيناها، لم تأت من أفغانستان أو إيران، بل من أوروبا".

وانتقد "آشكاين" سجدة الشكر التي يؤديها أبو خلال وقت تسجيل المنتخب للأهداف، ويرى أنها "بدعة دخيلة".

وأشار إلى أن اللاعب يمارس العمل الدعوي، ويؤدي دور الإمام الخطيب في بعض المناسبات، منه تلك التي تجمعه رفقة بعثة المنتخب المغربي ومعسكراته.

ووصف الموقع طريقة احتفال اللاعب بالتسجيل بأنها "مشرقية وهابية"، وأن له تصرفات "تنم عن تشبعه بأفكار تنحو نحو التشدد الديني"، ومن ذلك رفعه للسبابة، على شاكلة ما يفعل تنظيم الدولة، وفق زعمه.

انتقادات رسمية

هذه الاتهامات الخطيرة من موقع "آشكاين"، دفعت الجامعة الملكية لكرة القدم، إلى التفاعل وإصدار بلاغ في الموضوع، 25 ديسمبر 2022، نفت فيه نفيا قاطعا​ الاتهامات الباطلة​ التي نالته​ في هذا المقال.

وشددت على أن "اللاعب أبان ​عن سلوك​ مثالي إلى جانب زملائه​ من أجل​ تحقيق نتائج مشرفة للنخبة الوطنية في هذا المحفل العالمي".

وعبرت الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم عن إدانتها الشديدة​ في تعاطي​ هذا الموقع​ الإلكتروني مع شخص وسلوك اللاعب​ زكرياء أبو خلال​ ومن خلاله​ لصورة المنتخب الوطني​ بكل فعالياته.

وأكدت "أنها ستلجأ إلى المساطر القانونية​ لحماية أعضاء المنتخب الوطني​ لكرة القدم، ودحض​ كل​ ​ ادعاءات باطلة تمس سلوكهم أو حياتهم​ الشخصية أثناء ممارسة مهامهم الوطنية".

ووفق ما نقل موقع "الأحداث المغربية"، في 25 ديسمبر 2022، أعلن المجلس الوطني للصحافة، عرض ما وقع فيه موقع "آشكاين" على لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية.

وذكر المجلس في بلاغ، 25 ديسمبر 2022، أن ما نشره الموقع "لا يمكن اعتباره عملا صحفيا بأي شكل من الأشكال، لأن لا علاقة له بتغطية حدث رياضي، حظي بمتابعة واسعة، من طرف الجمهور المغربي والعالمي".

وأوضح المصدر ذاته، أن "التركيز من طرف الصحافة على أي شخص بسبب انتمائه العرقي أو الديني، يعد وصما غير مقبول، ترفضه كل مواثيق أخلاقيات الصحافة، ومنها ميثاق أخلاقيات المهنة، المعتمدة وطنيا".

وبعد أن استنكر المجلس هذا السلوك من طرف الصحيفة المذكورة، نبه إلى خطورة الانسياق وراء الإثارة المجانية، ولا سيما وأن بعض وسائل الإعلام الأجنبية حاولت الإساءة للمنتخب المغربي، عبر تحريف سلوك لاعبيه، خلال تعبيراتهم العفوية عن تشبثهم بقيمهم الأصيلة، الثقافية والعائلية.

وشدد البيان أن المسؤولية إزاء المجتمع، كانت تقتضي من الصحيفة المذكورة، توخي اليقظة والحذر، فيما تنشر من ادعاءات.

وبين أن هذه الادعاءات بعيدة عن المجال الرياضي، وعن الإنجاز الذي حققه المنتخب المغربي، وروح المثابرة والتضحية، والتشبث بالوطنية والانتماء الحضاري، التي عبر عنها اللاعبون، والتي لقيت صدى طيبا وتجاوبا، ليس في البلدان العربية والإفريقية، فحسب، بل وفي العالم.

بدوره، أدان نادي تولوز الفرنسي لكرة القدم، الذي يلعب فيه أبو خلال "الاتهامات"، معبرا عن دعمه وثقته الكاملة في اللاعب.

ووصف النادي هذه الاتهامات بـ "الكاذبة"، و"لا أساس لها من الصحة والمهينة، وتلحق الضرر بصورة لاعبنا"، معلنا احتفاظه "بالحق في استخدام سبل الانتصاف كافة المتاحة للدفاع عن صورة وسلامة زكرياء".

حقوقيون وفاعلون سياسيون تفاعلوا أيضا مع ما نشره موقع "آشكاين"، رفضا واستنكارا للاتهامات الموجهة لأبو خلال، وللاستهداف الذي تعرض له اللاعب.

وفي هذا الصدد، قالت حليمة الشويكة، القيادية النقابية بالاتحاد الوطني للشغل بالمغرب، والناشطة السياسية والحقوقية، إن الموقع المعني صمت حتى مرت أجواء المونديال ومرت بعدها أجواء الاحتفال البهيج بالأبطال وأمهاتهم، ثم خرج ينفث سمه ويعض أنامله من الغيظ.

وأضافت الشويكة في تصريح لـ "الاستقلال"، أن غيظ الموقع المعني أتى "بعدما قدم شباب المنتخب الوطني صورة جميلة عن قيمنا المغربية والإسلامية، وأقاموا خطبة وصلاة الجمعة، وبعدما أصبحوا رموزا وقدوات للشباب".

وتابعت، وأيضا "لأن اللاعب شاب شرّف صورة بلده وحمل قميصه وهو، رغم احترافه خارج وطنه، فقد اختار اللعب في المنتخب الوطني المغربي".

ونوهت بما قدمه "خلال المونديال من صورة مشرفة عن أخلاق اللاعب المغربي، وتشبثه بدينه وقيمه وجذوره، حيث أظهر للعالم تواضع الأبطال حتى وهم في لحظات النصر والتأهل".

واسترسلت الشويكة: "هذه الصحافة أو المسماة زورا بالصحافة، المعادية للوطن ولعمق الحضارة المغربية، تحاول عبثا أن تشوش الصورة الجميلة التي نقشها أبطال المنتخب المغربي في وجدان المغاربة".

والأكيد، تردف القيادية النقابية، "أن أكبر خطر وأسوأ كارثة نعيشها هي هذه الصحافة التي تقتات على التعليمات، والتي لا نعلم مصدرها ولا أهدافها".

اتهامات تافهة

شخصيات عامة وصفت الاتهامات الموجهة لأبو خلال بأنها تافهة. ومن هؤلاء رئيس الحكومة السابقة سعد الدين العثماني.

ونوه العثماني في تغريدة على حسابه بتويتر، 25 ديسمبر 2022، بالدعم العام المعبر عنه من المغاربة الأحرار لفائدة أبو خلال.

وقال: "تحية للمغاربة الأحرار الذين هبوا لاستنكار الاتهامات المغرضة والتافهة في حق أبو خلال ولاعبين آخرين، فقط لأنهم اختاروا التعبير عن تدينهم وثقافة بلدهم بطرق راقية حضارية أبهرت العالم".

من جانبه، قال وزير الشغل الأسبق، محمد يتيم، في تدوينة نشرها بحسابه على فيسبوك: "نادي تولوز يدافع عن لاعبه زكرياء أبو خلال.. الجامعة المغربية تنتصر له.. المجلس الوطني للصحافة يتضامن معه".

وأردف يتيم: "المغاربة كلهم يتعاطفون مع زكريا أبو خلال.. عرفوه حافظا للقرآن.. قائما بالعمل الخيري والاجتماعي.. حمل القرآن وأعان الفقير والمحتاج فكان الله معه.. وذلك من علامات القبول".

وسبق لموقع "هبة سبورت"، أن نشر مادة خبرية، في 18 سبتمبر 2022، تتحدث عن إهداء أبو خلال ملعبا لقرية أطفال دار بوعزة بالدار البيضاء، في بادرة إنسانية لقيت استحسانا كبيرا، وأن اللاعب قرر أيضا التكفل بعائلة تتكون من 7 أطفال.

بدوره، قال وزير التعليم العالي والبحث العلمي السابق، خالد الصمدي، في تدوينة بحسابه على فيسبوك إن موقع "آشكاين" أساء إلى نفسه، وليس إلى أبو خلال أو حفظة القرآن، مشددا على أن المغرب والمغاربة علاقتهم بالقرآن مستمرة ولم ولن تتوقف، وفي كل المناطق.

وشدد الصمدي أن مقال الموقع المعني مستنكر ومرفوض، مخاطبا "آشكاين": "وجب عليكم الاعتذار لجميع المغاربة، فقد جرحتم كبرياءهم، ومسهم السوء من سوء صنيعكم، واتقوا دعوة آخر طفل ظلمتموه في أبسط كتاب، فدعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب".

"أما نحن فمتضامنون مع الخلوق المبدع زكرياء أبو خلال، الذي جسد أرقى الخصال، خصال المغاربة البررة الأبطال"، يقول المسؤول الحكومي السابق.

أما الأستاذ الجامعي المتخصص في العلاقات الدولية، خالد شيات، فتفاعل مع الموضوع بإعلان مقاطعة الموقع المعني.

وقال شيات في تدوينة على فيسبوك: "إلى حين إثبات أحد المواقع لادعاءاته نحو اللاعب زكرياء أبو خلال، أو سحب المقال المسيء وتقديم اعتذار له، فإني أوقف كل تعاون خاص بالتصريحات مع الموقع المذكور، أو باقي أنواع التعاون ذي الطبيعة العلمية، بصفتي أكاديميا وجامعيا".

صحافة ضائعة

ما وقع لأبو خلال يؤكد بحسب مراقبين الأزمة الكبيرة التي تعاني منها الصحافة في المغرب، ويبرز أنها بعيدة كليا عن المجتمع وهمومه وانشغالاته الحقيقية.

وفي هذا الصدد، قال الكاتب الصحفي يونس مسكين، إن "المشهد الإعلامي المغربي تعرض لتخريب مقصود وممنهج، وجرى التمكين فيه للطفيليين، ثم وضعت بين أيدي كل منهم أجندات صغيرة وخبيثة، وفي الخلفية آلة تعمل ليل نهار على تحريك الخليط لإتلاف المعنى ودفن الحقائق وإثارة الزوابع".

واسترسل في منشور على فيسبوك: "حتى طريقة التعامل مع الشق الإعلامي في المونديال كان كاشفا وفاضحا: حضور رمزي وفي الحد الأدنى لرفع العتب مُنح للصحافة الجادة والمهنية، وكأن لسان حال القائمين على الشأن العام يقول لهم: المطلوب منكم ألا تغطوا ولا تنقلوا شيئا".

في المقابل، يردف مسكين: "أغدق العطاء للكائنات الطيعة، وتدفقت عليها المنح والأعطيات المالية والعينية، ووحدهم الإعلاميون الذين ذهبوا للسياحة والفرجة فقط، لا العمل والتغطية، صرفت لهم ميزانيات سخية للإقامة VIP مع تحمل شامل لنفقات الطعام والشراب ومصروف الجيب بالعملة الصعبة".

أما أستاذ النزاعات الدولية بالولايات المتحدة محمد الشرقاوي، فكتب في تدوينة فيسبوكية: "في مغرب العجائب، تم إقبار الصحافة المستقلة، وزادت الوصاية على الصحافة الرسمية، وتكاثرت جوقة الصحف الصفراء، ونمت مواقع الطفيليات والتضليل والنفخ في القِرَب المثقوبة". وأضاف الشرقاوي متسائلا: "من يدلني على صحافة الشرف المهني؟"

من جانبه، قال الباحث الأكاديمي علي فاضيلي، في تدوينة على فيسبوك، إن "صحافة الغباء ومن يقف "وراءها" كانت تعتقد أن التعاطي مع أبو خلال ولاعبي المنتخب المغربي مثل التعاطي مع التنظيمات الإسلامية".

وأضاف: "لكن صحافة الغباء تجاهلت أن الأمر يتعلق بمنتخب وطني، يتعلق بمجال سيادي للدولة والمجتمع، وتجاهلت أن اتهام أبو خلال بالوهابية والدعشنة هو اتهام للدولة وتنقيص منها".

وتابع: "كان رد الجامعة شديدا، لأن الأمر يتعلق بأمر جد حساس للدولة، التي استقبل رئيسها أبو خلال ومنحه وساما ملكيا، والتي التقط مدير أهم جهاز أمني فيها صورا معه في قطر".

واسترسل: "كذلك كان الرد شديدا لأنه تزامن مع حملة أوروبية شرسة ضد المنتخب المغربي وضد المغرب خصوصا ضد أجهزته الأمنية".

وأردف: "صحافة الغباء تريد تكرار ما يقع في بعض الدول العربية خصوصا في جمهورياتها على المغرب، وهذا عين الغباء والجهل".

أما الموقع الإخباري "كازافوبي"، فدعا في 25 ديسمبر 2022، إلى متابعة صاحب موقع "آشكاين" قضائيا، "ليكون عبرة لأشباه الصحفيين ويستخلص الدروس حول أبجديات الصحافة، والتي من أسسها التفريق بين ما هو شخصي إيديولوجي وبين ما هو براغماتي".

وترى الناشطة السياسية والحقوقية حليمة الشويكة، أن ما وقع مرده أن الجهات التي تستثمر الأموال الطائلة لخلق فجوة عميقة بين أجيال الحاضر وبين العمق الديني لأمتنا، وصناعة التفاهة عبر منصات ومواقع وبرامج تهدف إلى تمزيق الانتماء الهوياتي الصلب لدى شبابنا، لم يكن سهلا عليها أن ترى أن جهدها يذهب جفاء.

وأردفت الشويكة في تصريح لـ "الاستقلال"، أن هذه الجهات، لم يكن سهلا عليها أيضا أن ترى بنيانها المائل على شفا جرف هار ينهار أمام أعينها، بسبب كثافة الشحنة القيمية التي تجلت في أخلاق وسلوكيات أبطال منتخبنا وأغلبهم شباب في مقتبل العمر.

وتابعت، "هم يعلمون أن قوة تأثير أبطال المنتخب تتجاوز أقوى الصفحات والتنظيمات والمؤسسات، وأن امتداد القيم الدينية والحضارية التي جسدوها وافتخروا بها يتجاوز كل الحدود المتخيلة".

وعدت الشويكة أن هذا يفسر سرعة استهدافهم لرموز المنتخب وأبطاله، تارة من خلال الاتهام بالتطرف الديني كما حدث مع البطل أبو خلال، وتارة بالتربص وتصيد "الهفوات" التي يمكنها في نظرهم أن تستثمر في كسر موجة التأثير التي خلقها المنتخب بمشاركته المشرفة كرويا وأخلاقيا في نسخة المونديال الفريد بقطر.

ونبهت إلى أن الموقع المعني، ورغم أنه قد ارتكب خطأ جسيما من حيث حجم وتوقيت الاتهام، مما استدعى تدخل جامعة الكرة والمجلس الوطني للصحافة لتدارك الأمر، إلا أن ما وقع لن يكون آخر الأحداث، لأن مثل هذه الخرجات لن تتوقف.

وأردفت، بل ربما ستنتظم وتخضع لمنهجية سامة، غرضها الوحيد إبعاد عناصر المنتخب واحدا تلو الآخر من دائرة الضوء، وتحطيم أثرهم في نفوس الشباب، عبر ملاحقتهم ومحاولة الإساءة لصورتهم الجميلة التي أبهرت العالم.

وشددت الشويكة على أن الواجب الذي يقع على عاتق كل غيور منا هو مواجهة هذا الاعتداء الشنيع على أبطالنا وقيمنا المشتركة، وتهميش هذه المنابر السامة، وعدم السماح لحفنة من الأدوات الدنيئة أن تفسد فرحتنا وشموخنا وكبرياءنا.