أبهرهم "شطاف الحمام".. هل يغير مونديال قطر معايير نظافة الأوروبيين؟

داود علي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

عرفت الشعوب العربية والإسلامية فكرة "شطاف" المراحيض، كجزء من طقوس الحياة اليومية التي لا غنى عنها، لارتباطها بثقافة النظافة الشخصية النابعة من تعاليم الدين الإسلامي، والتي تحث على الطهارة بشكل مستمر. 

ومثلت منافسات كأس العالم لكرة القدم في قطر 2022 التي استمرت نحو شهر، فرصة جوهرية لالتقاء شعوب متنوعة لتتعارف على ثقافات بعضهم البعض على أرض الدوحة العربية.

وخلال إقامتهم في قطر، اطلعت هذه الشعوب الأجنبية، ولا سيما الغربية منها، على تفاصيل الحياة العربية، من المأكل والمشرب والمسكن، وحتى العادات والتقاليد التي التقط بعضها الجمهور وانبهر بها وطالب بنقلها.

وكانت من أبرز هذه التفاصيل الدقيقة، الشطاف الصحي، الذي نال إعجابا واستحسانا كبيرا من قبل الجمهور الغربي، ليصل الأمر إلى تدشين حملات لنقل هذه الثقافة إلى بلادهم. 

وحضر فعاليات مونديال قطر الذي فاز به المنتخب الأرجنتيني، 3 ملايين و270 ألف مشجع، وفق رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" جياني إنفانتينو، الذي أكد، أن "البطولة هي الأفضل على الإطلاق في تاريخ كأس العالم".

انبهار أوروبي

وفي 14 ديسمبر/ كانون الأول 2022، لاقت تغريدة صانع المحتوى الكرواتي ديفيد فويانيك، عن "الشطافات" التي تستخدم في المراحيض العربية، تفاعلا واسعا بين الجمهور الأوروبي.

ونشر فويانيك الذي تلقى منشوراته تفاعلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي، صورة "شطاف"، معربا عن رغبته في تأسيس مجموعة لدعم هذا الاختراع، وقال: "أريد طباعة صورته على قميص".

وأضاف في تغريدة ثانية: "استخدمت أدوات المرحاض في قطر لمدة شهر.. أشعر بالرعب الشديد لأننا نستخدم ورق المراحيض فقط في بريطانيا/ أوروبا.. هذا (الشطاف) أفضل شيء على الإطلاق يا رجل".

وأوضح أن (قضاء الحاجة) عند عودته إلى بلاده سيكون مزعجا للغاية لعدم وجود شطافات مثبتة في أي مكان. 

وحظيت تغريدات فويانيك على عشرات الآلاف من الإعجابات وإعادة النشر والتعليقات من المواطنين الأوروبيين. 

وشارك عدد منهم تجاربهم وصورهم  عندما زاروا عددا من البلدان العربية والإسلامية، مبدين إعجابهم بالشطافات التي تفتقر إليها المراحيض في الدول الأوروبية.

وتميز مونديال قطر بطابع خاص في نفوس المشجعين الأوروبيين، إذ حرصت الدوحة على تعريف الأجانب الذين سافروا لحضور المونديال على ثقافتها العربية والإسلامية، في محاولة لجعل هذه النسخة من كأس العالم راسخة في الذاكرة. 

ويقول موقع يورونيوز الأوروبي في 15 ديسمبر،  إن عددا من المشجعين لجأوا إلى تجربة كل ما هو جديد ومختلف، من أكل المجبوس القطري باليد، إلى تعلم بعض الكلمات العربية، واتباع عادات وأسلوب حياة مختلف. 

 وذكر أن أبرز الاكتشافات التي لاقت ترحيبا واسعا من قبل المشجعين وأثارت تفاعلا واسعا على مواقع التواصل الاجتماعي كان "الشطاف".

وعلقت الأميرة القطرية الشيخة مريم آل ثاني على تفاعل الجماهير الأوروبية مع "الشطاف" قائلة: "مونديال النظافة من جميع النواحي".

ثقافة عربية 

فكرة "الشطاف" والجدليات العربية الأوروبية بهذا الشأن ظهرت في كثير من المواقف، والتي حملت بعضها لمحة الطرفة والدعابة. 

ففي 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، خلال عرض للإعلامي المصري الساخر باسم يوسف بالمملكة المتحدة، قال: "نحرص نحن العرب عند حزم أمتعتنا على أن نضع ثلاثة أشياء في الحقيبة، جواز السفر وبعض المال، ورشاش المياه المحمول أو الشطاف".

واستطرد ضاحكا: "أنتم من أكثر البلدان تقدما في العالم، لكن عندما نتحدث عن هذا الأمر، أنتم متأخرون".

والشطاف أسلوب حياة لنحو 1.6 مليار مسلم من نساء ورجال وكبار وصغار واغنياء وفقراء، يستخدمونه كل يوم، كقاعدة أساسية لنظافتهم الشخصية.

وكان قد تحدث موقع "مدى مصر" في 14 أبريل/ نيسان 2015، عن تأثر أوروبا بالثقافة الإسلامية فيما يخص عادات النظافة الشخصية بعد استخدام المراحيض. 

واستشهد الموقع بما كتبه البريطاني أليكسندر كيرا، في كتابه "المرحاض"، وهو كتاب عن تاريخ عادات الغرب المتعلقة بالمرحاض.

وقال فيه إنه "بالشطاف يستطيع الإنسان التأكد من التخلص من بقايا الفضلات في المنطقة السفلى بعد المسح". 

وأشار كيرا في الكتاب إلى دراسة  أثبتت وجود "مادة برازية" في سراويل، والملابس التحتية لـ44 بالمئة من الرجال في بريطانيا من رافضي الشطاف.

ولفت أيضا إلى اتفاق الأطباء في الغرب على أهمية استخدام الشطاف للمصابين بالتهاب في الأمعاء والبواسير، نظرا لما يسببه المسح باللفافات الورقية من ضيق.

أبعاد أخرى

سلوك استخدام المياه للنظافة الشخصية بعد قضاء الحاجة هو عادة إسلامية صميمة، لكن اختراع الشطاف في المراحيض هو اختراع فرنسي على يد "كريستوف دير وزييه" عام 1710، ووضع حينها في مراحيض العائلة الملكية الفرنسية. 

وللمفارقة فإنه جرى التراجع عن استخدام الشطاف الصحي في فرنسا بشكل حاد حتى أقصي تماما، لأسباب خاصة بالثورة الفرنسية (1789) لأنه كان يرمز لحياة النبلاء والملوك أعداء الثورة. 

لكنه كان قد انتشر في بعد بلدان أوروبا كإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، ومنها إلى العالم العربي والإسلامي. 

ثم شاع استخدامه في دول الشرق الأوسط مثل المغرب والجزائر ومصر، ودول الخليج والشام، وصولا إلى الهند وباكستان وأفغانستان. 

وتأتي مطالبات استخدام المياه داخل المراحيض لأسباب تتجاوز حتى فكرة النظافة العامة، إلى الأعباء الاقتصادية.

فالولايات المتحدة وفقا لتقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، في 16 ديسمبر 2022، تعد من أكثر الدول التي لا يوجد بها شطافات، حيث تستخدم 36.5 مليار لفة ورق تواليت سنويا.

وكشف موقع "بيزنس إنسايدر" الأميركي في 8 أبريل/ نيسان 2020، أنه في الوقت الذي تصدرت فيه أنباء الفزع الشرائي للعديد من المنتجات الغذائية والصحية إبان جائحة كورونا، كانت مناديل المرحاض على رأس قوائم الشراء في العديد من البلدان، ولا سيما الأوروبية والأميركية.

لكن هذا الفزع نحو المناديل لم يكن حاضرا في العديد من البلدان الإسلامية والآسيوية، نظرا لاختلاف العادات الصحية.

ففي أغلب البلدان الإسلامية، يتم استخدام المياه في التنظيف عقب استعمال المرحاض، ويعد ذلك جزءا من الطهارة حسب تعاليم الدين الإسلامي.

الحضارة والأصالة

وتفاعلا مع الحدث، أكد إمام المركز الإسلامي بمدينة "درسدن" الألمانية الدكتور أحمد زيدان، لـ"الاستقلال"، أن "قيم الطهارة تظل وثيقة في المجتمعات الإسلامية لارتباطها الأساسي بالدين الإسلامي، وأنه لا عبادات دون طهارة".

وأضاف أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم حث على طهارة البدن، وجعلها من طهارة النفس، ووصم الله القوم الظالمين بأنهم لما أرادوا إخراج نبي الله لوط من القرية قالوا عنهم، كما ذكر الله عز وجل في محكم تنزيله (أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون)". 

وذكر زيدان أن من أكبر العوائق التي واجهته عند قدومه إلى أوروبا حيث نزل وأقام أولا في هولندا ثم انتقل إلى ألمانيا هي شطافة المراحيض الغائبة، حيث كان التطهر أمرا صعبا وشاقا للغاية، ولم يكن متوفرا حينها توفير الشطافات التي بدأت تنتشر مع زيادة الجاليات العربية والمسلمة. 

وأورد أن "بعض الأوروبيين قريبي الصلة بالمجتمعات العربية والإسلامية، عن طريق الزمالة والاختلاط أو عن طريق روابط الزواج أعجبوا بفكرة الشطاف، وتناقلوها فيما بينهم، حتى إنها توجد الآن في بيوت وعائلات أوروبية غير مسلمة، لأنها توفر لهم سهولة الطهارة، وتجعلهم أكثر حرصا على نظافتهم الشخصية". 

ومضى يقول: "إذا كان الأوروبيون يتفاخرون بالحضارة والتقدم العلمي، فنحن مع سعينا لهذا نتفاخر بالأصالة في كل شيء فمع نهضتنا الحضارية، كنا نقوم النفس الإنسانية ونحرص على تمتعها بالقيم الأخلاقية الرفيعة والنظافة الشخصية الكاملة، حتى إن جملة (النظافة من الإيمان) دارجة في بلادنا وثقافتنا الإسلامية". 

ولفت زيدان إلى أنه "رغم أن الشطاف قد تبدو تفصيلة صغيرة وعابرة، لكنها تمثل جزء أساسي من حياة مجتمع وأمة كاملة".

وميزة كأس العالم في قطر أنه عبر عن الهوية الإسلامية والعربية بتفاصيلها الصغيرة، وصدم الجماهير الغربية بأن هناك حقائق وجوانب مختلفة لم يدركوها عن هذه الأمة العظيمة، التي تم حصرها في صور التخلف والإرهاب والتراجع، وقد تكون هذه بداية لتعريف جديد لأمتنا وبلادنا، يختم الإمام.