"واقعة الطائرة".. قمة جبل الجليد في الخلافات بين أثينا وطرابلس

طرابلس - الاستقلال | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

توتر كبير تشهده العلاقات الدبلوماسية بين حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس وحكومة أثينا بعد رفض وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، النزول من الطائرة لدى هبوطه بمطار معيتيقة الدولي بطرابلس. 

وفي 17 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، رفض ديندياس الذي كان من المقرر أن يزور طرابلس، مغادرة الطائرة لدى وصوله لمطار معيتيقة ليتجنب أن تستقبله نظيرته في الحكومة الليبية بطرابلس نجلاء المنقوش. 

وقالت وزارة الخارجية الليبية في بيان، إن المنقوش كانت عند سلم الطائرة لاستقبال نظيرها اليوناني نيكوس ديندياس، مضيفة أن الأخير "رفض النزول من الطائرة قبل مغادرتها من دون أي توضيح".

وعبرت الوزارة عن استنكارها هذه الخطوة وتعهدت بالرد "بالإجراءات الدبلوماسية المناسبة"، واصفة مواقف وزير خارجية اليونان حيال ليبيا في الأيام الماضية بـ"الفجة"، كما رأت أن تصريحاته "غير متزنة" فيما يتعلق بسيادة البلاد.

خلفيات الأزمة

رد أثينا على الغضب الليبي بسبب خرق الأعراف الدبلوماسية الدولية، لم يتأخر. ومباشرة بعد إقلاع طائرته إلى بنغازي، غرّد وزير الخارجية اليوناني، عبر تويتر، "ألغيت زيارتي إلى طرابلس، حيث كان من المقرر أن ألتقي رئيس المجلس الرئاسي محمد المنفي".

واتهم نيكوس ديندياس، وزارة خارجية حكومة الوحدة الوطنية بطرابلس بـ"خرق اتفاق بعدم الاجتماع بها". 

وبالفعل وصل وزير الخارجية اليوناني في نفس اليوم إلى بنغازي بشرق ليبيا، عقب رفضه النزول في طرابلس، والتقى برئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، وباللواء المتقاعد خليفة حفتر.

وفي المقابل أعلنت حكومة طرابلس، في 17 نوفمبر 2022، أن رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، تابع مع  نجلاء المنقوش، حادثة وصول وزير الخارجية اليوناني وعدم نزوله بطرابلس.

وأكد رئيس الوزراء، حسب منصة "حكومتنا" الرسمية عبر فيسبوك، أن "الاحترام المتبادل أساس العلاقة الدبلوماسية مع دولة اليونان"، مضيفا أنه "لن يجرى السماح بهذه التصرفات تجاه دولة ليبيا وسيادتها".

بدورها، أوضحت وزيرة الخارجية، أن "ما فعله الوزير اليوناني إجراء غير دبلوماسي برفضه النزول لأسباب غير معلومة ومرفوضة"، مؤكدة "عدم السماح لأي دولة بالتعامل مع ليبيا، دون احترام لسيادتها وهيبتها، وأن هذه مهمة أساسية في مجال عملها".

وأشارت المنقوش، إلى استدعائها في 20 نوفمبر السفير الليبي لدى اليونان حمد بشير المبروك، ومديرة إدارة الشؤون الأوروبية، إيمان الطالب للتشاور فيما حدث، واستدعاء القائم بالأعمال اليوناني في ليبيا لتوضيح خلفيات الحدث.

وقال بيان صدر عن نجلاء المنقوش، إن تصرف وزير الخارجية اليوناني الذي رفض النزول من طائرته أثناء زيارته لليبيا "يتناقض مع الأعراف الدبلوماسية الدولية".

وأضاف "طلبت الوزيرة من سفير ليبيا لدى اليونان تقديم مذكرة احتجاج للسلطات اليونانية لتوضيح تصرّف وزير خارجيتهم"، مشددة على أن مثل هذه التصرفات غير المدروسة لها تداعيات خطيرة على أمن واستقرار دولة ليبيا ودعوة غير مباشرة لتعزيز حالة الانقسام".

"واقعة الطائرة" ليست الأزمة الأولى في تاريخ العلاقات بين أثينا وطرابلس، بل هي رأس الشجرة التي تخفي أساس الخلاف الحاد بين الطرفين.

هذا الخلاف ظهر عقب توقيع أنقرة اتفاقية تعاون عسكري وأمني واتفاق ترسيم بحري في نوفمبر 2019 مع حكومة الوفاق الوطني السابقة ومقرها طرابلس. 

وفي أغسطس/آب 2020، ردت مصر واليونان على الخطوة باتفاق لترسيم الحدود البحرية في شرق المتوسط.

ويسمح الاتفاق البحري لتركيا بتأكيد حقوقها في مناطق واسعة شرق البحر المتوسط، وهو ما يثير استياء اليونان والاتحاد الأوروبي.

وفي 3 أكتوبر 2022، وقعت حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة عبد الحميد الدبيبة، اتفاقا مبدئيا مع تركيا بشأن التنقيب عن النفط والغاز، مما دفع اليونان ومصر لإعلان معارضتهما لأي نشاط في "المناطق المتنازع عليها" شرق البحر المتوسط.

وقوبل الاتفاق بالرفض أيضا من البرلمان الليبي الذي يتخذ من شرق البلاد مقرا له، ويدعم حكومة بديلة برئاسة فتحي باشاغا.

ومنذ مارس/آذار 2022، تتصارع في ليبيا حكومتان: إحداهما يقودها عبد الحميد الدبيبة الذي يرفض تسليم السلطة إلا لحكومة يكلفها برلمان جديد منتخب، والثانية برئاسة فتحي باشاغا التي كلّفها مجلس النواب في طبرق.

ظاهرة صوتية

وفي تعليقه على رفض وزير خارجية اليونان مغادرة طائرته بعد أن حطت في مطار معيتيقة بطرابلس، عد المحلل السياسي الليبي إبراهيم اللاصفير، تصرفه "كارثة دبلوماسية وخرقا جسيما للأعراف السياسية والدبلوماسية".

وأضاف اللاصفير، لـ"الاستقلال"، أن هذا الحادث يمثل أيضا "صفعة دبلوماسية في وجه الدولة الليبية متمثلة في رئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة ووزيرة خارجيته نجلاء المنقوش". 

وأشار المحلل السياسي الليبي، إلى أن ما فعله به وزير خارجية اليونان مجرد "ظاهرة صوتية ليس إلا".

وقال اللاصفير، إن "تحجج ديندياس بأنه تفاجأ بوجود وزيرة الخارجية هو تعليل سخيف وغير مقنع، وحالة من إظهار صراع غير موجود".  

وستغرب في هذا الإطار ردة فعل حكومة الوحدة الوطنية تجاه هذا الخرق الدبلوماسي، مضيفا أنه "كان من المفترض من وزارة الخارجية الليبية ورئيس الوزراء قطع العلاقات مع اليونان". 

وتابع أنه "عندما جاء عبد الحميد الدبيبة وعد بإعادة هيبة المواطن الليبي وجواز السفر الليبي"، مستدركا "لكن ما فعله من ردة فعل على هذا العمل لا يرتقي للعرف الدبلوماسي".

من جهته، يرى الكاتب والباحث الليبي السنوسي بسيكري، أن موقف وزير خارجية اليونان "مرتبك ومشحون بالسياسة ومتأثر بالتجاذبات بين أطراف عديدة في المنطقة، ولا يسعفه ما قدمه من تبريرات قانونية أو دبلوماسية لإلغاء الزيارة".

وعد بسيكري خلال مقال رأي في 19 نوفمبر 2022، أن ما "يؤكد الموقف المضطرب والمرتبك لليونان هو اتجاه الوزير بعد إلغاء زيارته لطرابلس إلى بنغازي حيث التقى خليفة حفتر قائد عام الجيش التابع لمجلس النواب"، وفق ما نشر موقع "عربي 21".

وتساءل: "ما علاقة وزير خارجية دولة أوروبية بقيادة مؤسسة عسكرية ليتباحث معه حول الاستقرار في البلاد، إلا أن يكون الغرض إغاظة حكومة الوحدة الوطنية ومحاولة اللعب على تناقضات الحالة الليبية التي تشهد نزاعا حادا بين الشرق حيث طبرق والرجمة (شرق بنغازي)، والغرب الذي تمثله العاصمة طرابلس؟"

احتواء تركيا

من جهته، أكد اللاصفير، أن الخلفيات الحقيقية لهذه الأزمة الدبلوماسية تتمثل بـ"اعتراض اليونان على توقيع ليبيا لاتفاقية مع الدولة التركية"، مشددا على أن "حقيقة الصراع هي مع أنقرة وليس مع طرابلس".

واستدرك: "لكن كما يعرف الجميع فإن العرف الدولي السائد هو احترام القوي وليس القوانين والأعراف، وهذا حقيقة ما فعلته اليونان". 

بدوره، سجل الكاتب الليبي بسيكري، أن "أثينا تبذل جهودا لاحتواء السياسة التركية التي تشكل تهديدا لمصالح اليونان وتفشل مساعيها في توسيع تلك المصالح عبر اتفاقيات وقعتها مع قبرص وإسرائيل ومصر".

وأشار إلى أن "تعويل أثينا على واشنطن وبروكسل للضغط على أنقرة لا يجدي كثيرا".

ورجح أن يدفع الفشل في تعبئة موقف أميركي أوروبي ضد أنقرة وطرابلس، أثينا إلى العمل مباشرة مع الأطراف الليبية لإلغاء الاتفاقية مع تركيا أو تجميدها أو توقيع اتفاقات مشابهة مع اليونان.

وتوقع أن "هذا الرهان لن يؤتي ثمارا، ذلك أن الجبهة الشرقية ممثلة في طبرق والرجمة لم تنجح في سحب البساط من تحت أقدام حكومة الوحدة الوطنية التي يترأسها الدبيبة لصالح باشاغا".

إضافة إلى أن "حكومة الدبيبة تعد أنقرة حليفا إستراتيجيا وسندا قويا في مواجهة مخططات إقصائها بالقوة ولن تقدم على فك الارتباط معه".

وسجل بسيكري، أن "اليونان تصطف اليوم مع قبرص وإسرائيل ومصر في مواجهة تركيا بشأن الخلاف حول ثروات شرق البحر المتوسط، وتنظر لحكومة الوحدة الوطنية كخصم".

وخلص إلى أن هذا الاصطفاف لن يحقق لها ما ترجوه، لذا "فربما ستتجه إلى مراجعة موقفها من حكومة الوحدة الوطنية".

وأشار إلى أن "العائد المتوقع من ذلك محدود، وبالتالي فإن الخيار هو اتفاق إقليمي أو دولي يدمج تركيا كشريك في ثروات شرق المتوسط".