ينتقد قيم مونديال قطر.. لماذا تجاهل الغرب ارتداء مشجعيه "ملابس صليبية"؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رغم سخرية بعض "الأبواق العلمانية" العربية من دعوة قطر دعاة لتعريف ضيوف كأس العالم بتعاليم الإسلام السمحة بدعوى رفضهم إدخال الدين في الرياضة، تعمدت فرق أوروبية ومشجعون استفزاز المسلمين على أرضهم خلال فعاليات كأس العالم 2022.

وارتدى بريطانيون ملابس الفرسان الصليبيين وحملوا سيوفا في قطر، كما حاولت فرق أوروبية وضع شارات الشذوذ على أذرعها في مخالفة لشروط الاتحاد الدولي لكرة القدم فيفا وتقاليد الدولة المسلمة.

عدد من المشجعين البريطانيين حرصوا –كعادتهم في البطولات الكروية- على ارتداء زي الفرسان الصليبيين وهم يتجولون في أنحاء الدوحة ويهتفون "الله يحفظ الملك" ولم يمنعهم أحد والتقط معهم البعض الصور التذكارية.

لكن حين منعوا من دخول المدرجات لأسباب أمنية خشية إثارة غضب غالبية المسلمين الحاضرين في المباريات، أثاروا ضجة وخرجت صحف بريطانيا تتهم قطر بعدم السماح بالحرية وانتهاك حقوق الإنسان.

ماذا جرى؟

"الصليبيون الإنجليز أثاروا ضجة بعدما ارتدوا زي الفرسان الصليبيين في بلد مسلم، ما سبب صدمة وانتقادات من أهالي قطر وجمهور المباريات الذين صدموا من تصرفهم"، وفق ما قالت صحيفة "ديلي ميل" البريطانية في 22 نوفمبر/تشرين ثان 2022

قالت: "أثار مشجعو إنجلترا الذين يرتدون زي الصليبيين المسيحيين غضب المسلمين وانتقد بعضم النظام الإسلامي المحافظ بسبب معاملته لمؤيدي الفرق الأوروبية الذين ارتدوا هذه الملابس أو شارات الشواذ".

وبينت أن الأمن القطري منع من يرتدون ملابس الفرسان الصليبيين من دخول المباريات بهذه الملابس الاستفزازية، ولأنهم يحملون أيضا سيوفا ودروعا (من الفوم) ويضعون سلاسل وأزياء فرسان المعبد وعليها علامة صليب القديس جورج الأحمر.

أثارت ملابسهم المستفزة غضب أجانب، بجانب المسلمين، كتبوا على مواقع التواصل منتقدين هؤلاء الصليبيين الرياضيين

واعترفت صحف بريطانية أنه برغم أن مشهد ظهور بعض الجمهور الإنجليزي بملابس الفرسان الصليبيين، مألوف في مباريات إنجلترا الخارجية على مر السنين، لكن في قطر كان أكثر إثارة للجدل لأنها أول بطولة كأس عالم تقام في دولة إسلامية.

ونقلت "ديلي ميل" أنه "طُلب منهم إظهار وجوههم للأمن وخلع خوذاتهم، وتركوهم بعدما تأكدوا من هوياتهم وحوزتهم بطاقات إقامة ودخول لمشاهدة كاس العالم".

وقالت صحيفة "تلغراف" في 23 نوفمبر 2022 إن السلطات القطرية طلبت من مشجعي إنجلترا عدم ارتداء ملابس الفرسان الصليبيين في كأس العالم في قطر خوفا من أن تعد إهانة للمسلمين، مشيرة لمنع دخول اثنين يرتدونها.

ونقلت عن مؤسسة Kick It Out، الخيرية المناهضة للعنصرية والتمييز في كرة القدم، تأييدها لقرار قطر منعهم من دخول المدرجات.

وحذر متحدث باسم المؤسسة المشجعين من ارتداء أزياء الصليبيين في قطر، مؤكدا أنه "غير مرحب بها في العالم الإسلامي".

وبين أن "نصائح السفر الصادرة عن وزارة الخارجية البريطانية قبل البطولة دعت المشجعين للتعرف على العادات المحلية في قطر، ونحن نشجع المشجعين على اتباع هذا النهج".

وقالت إيمان عطا، مديرة Tell Mama، وهو مشروع بريطاني يرصد الكراهية المعادية للإسلام: "يجب أن يدرك مشجعونا أن هناك أشياء تؤذي مشاعر المسلمين في قطر مثل شرب الخمور علنا أو ارتداء ملابس فرسان الهيكل الصليبية".

وتابعت: "نحن نعلم أنهم لا يرتدون هذه الملابس لإثارة غضب القطريين عن قصد ولكن من منطلق الرغبة في دعم إنجلترا، ومع ذلك يجب أن يراعوا ويدركوا هذه الحساسيات العميقة في بلد مسلم".

مكايدة لا سذاجة

وأوضحت رئيسة المشجعين في اتحاد مشجعي كرة القدم البريطاني آشلي براون، أن المشجعين كانوا على الأرجح "ساذجين" ولم يقصدوا الهجوم المتعمد أو الإسلاموفوبيا وربما لا يفهمون الآثار المترتبة على ما يرتدونه"، وفق "تلغراف".

لكن مراقبين رأوا أن تعمد البريطانيين والأوروبيين إثارة غضب المسلمين في عقر دارهم بهذه الازياء والخمور التي يعدها الجمهور الإنجليزي جزءا رئيسا من كأس العالم، وكذا منعها أي مظاهر انحلالية مثل الدعاية للشواذ- نوع من المكايدة.

أكدوا أن قوانين فيفا نفسها تطالب الجمهور باحترام قوانين البلد الذي يستضيف كأس العالم، ويروا أنه كان على الغربيين احترام ثقافة وتقاليد قطر الإسلامية وليس النظر إلى ذلك على أنه انتهاك للحريات، وألا يتعمدوا التصعيد لتشويه استضافة بلد عربي مسلم لبطولة عالمية.

وفي الأسابيع التي سبقت كأس العالم، حذرت الشرطة البريطانية من خطر إهانة مشجعي إنجلترا المواطنين القطريين عن غير قصد.

وقال مارك روبرتس، رئيس شرطة تشيشاير وقائد كرة القدم الانجليزية الوطنية: "إن كأس العالم تقام في جزء مختلف من العالم بثقافة مختلفة تماما، وأحد مخاوفي أن يتسبب المشجعون في الإساءة أو التسبب في مشاكل عن غير قصد".

لكن مشجعي كرة القدم في إنجلترا دافعوا عن حقهم في ارتداء أزياء صليبية خلال بطولة أوروبا على الرغم من أن مثل هذه الملابس قد تكون مسيئة للمسلمين.

ويقول المتخصص في الحوكمة والقانون الرياضي، أيمن الرفاعي إن ما فعلته قطر وقيادتها من حقها وهي محكومة بالقانون الدولي واتفاقية فيينا، بغض النظر عن الرياضة أو غيرها.

واتفاقية فيينا لقانون المعاهدات (VCLT) هي اتفاقية دولية تنظم المعاهدات بين الدول.

أوضح "الرفاعي" في 23 نوفمبر أن "هذه الاتفاقيات حفظت السيادة لكل دولة، وكون قطر مسلمة والخمر والشذوذ يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، فهذا حق محفوظ لها لمنع ذلك، بقوة اتفاقية فيينا"، بحسب موقع "الحرة" الأميركي.

واستبعد وجود ضغوط قطرية على فيفا، وقال إن ما طالبت به قطر هو "حق مشروع لها في إطار القانون الدولي واتفاقية فيينا".

تشويه وتحذير

مع هذا انتقد مشجعون بريطانيون حضروا إلى الدوحة، الإعلام الغربي الذي قدم لهم معلومات مغلوطة، وصور قطر كمكان يجب مقاطعته وتركزيهم فقط على حقوق الشواذ وشرب الخمور دون رصد الإيجابيات هناك.

وشنَّ مُشجعو إنجليز هجوما حادا على قناة بي بي سي البريطانية بسبب ما وصفوه بالتغطية السيئة لحفل افتتاح كأس العالم 2022، ووصف بعضهم تصرف القناة بأنه ينمُّ عن عنصرية.

ونشرت صفحات مختلفة تعليقات مشجعين أجانب أكدوا أنهم وجدوا أن قطر تختلف عن الصورة التي رُسمت في أذهانهم.

وكان المعلق والإعلامي، بيرس مورغان ممن انتقدوا فريق بي بي سي، وكتب تغريدة على تويتر قائلا إن المذيعين لم يحترموا قطر بشكل صارخ، وبدل بث حفل افتتاح كأس العالم قدموا دروسا أخلاقية تافهة.

وسخر ناشطون من الرموز العلمانية العربية التي عابت على قطر إبراز مظاهر الإسلام عبر وضع أحاديث نبوية وتوزيع كتيبات واستضافة علماء لشرح الإسلام. وتساءلوا عن سر صمت هؤلاء عن ممارسات الصليبيين.

وسبق لموقع iWonder التابع لـ "بي بي سي" أن نشر مقالا في يونيو/حزيران 2016 قبل بدء بطولة "اليورو" بعنوان: "هل من الخطأ ارتداء ملابس صليبية في مباراة إنجلترا؟" يتساءل فيه عما إذا كانت هذه الملابس يمكن أن تكون مسيئة للمسلمين؟

قال: "لم يكن القديس جورج الحقيقي يرتدي شيئا كهذا، لقد كان فلسطينيا وجنديا في الجيش الروماني في القرن الثالث الميلادي، لذلك كان يرتدي درعا واسع النطاق وليس درعا كالذي يرتديه هؤلاء الصليبيون".

ورصد الموقع تاريخ الحروب الصليبية من عام 1095، موضحا الفظائع والنهب الذي نفذته الجيوش الصليبية، وأشار إلى أن صليب القديس جورج كان مرتبطا بـ "القومية اليمينية المتطرفة"، في إشارة ضمنية لتحذيرهم مبكرا من السفر لدولة إسلامية.

وقد فتح هذا حينئذ، بابا لهجوم شرس من جانب غالبية الصحف البريطانية ضد بي بي سي تزعمته "ديلي ميل" و"ذا صن" اللتان رفضتا إجبار مشجعي الفريق الإنجليزي على عدم ارتداء ملابس الفرسان الصليبيين بدعوى أنها حرية.

وعلقت بي بي سي على الهجوم عليها بتأكيد أن "الصليبيين ارتكبوا جرائم فظيعة خلال هجماتهم في جميع أنحاء أوروبا والشرق الأوسط على المسلمين واليهود والوثنيين".

وقال متحدث باسم الشبكة البريطانية، إن "دليل iWonder" لا يصدر حكما، ولكنه مصمم "لطرح الأسئلة التي تشجع النقاش".

واتهمت "ديلي ميل" في 7 يونيو/حزيران 2016 "بي بي سي" بأنها تقول "هراء" حين تذكر أن مشجعي كرة القدم الذين يرتدون زي الفرسان قد يسيئون إلى المسلمين وأن صليب القديس جورج "مرتبط بالقومية اليمينية المتطرفة".

قالت: يرتدي مشجعو إنجلترا ملابس الفرسان منذ فترة طويلة في المباريات الدولية، مؤكده سخرية مشجعي كرة القدم الإنجليز من المقال ووصفه بأنه "هراء".

زعمت أن "هذه الملابس أصبحت مألوفة على مدى العقدين الماضيين وأنه يُنظر إلى من يرتدي ملابس عليها صليب القديس جورج على أنه "وطني".

دفاع عن الشواذ

لم يكتف الغربيون بإثارة الجدل في مونديال قطر، باتهام الدوحة بتقييد حريتهم في ارتداء الملابس الصليبية والتعاطف مع الشواذ ومنع الخمور، بل تحدوا قرارات فيفا بحظر رفع أعلام الشواذ وحاولوا دخول المدرجات بملابس وقبعات عليها أعلام الشواذ وحين منعهم الأمن القطري احتجوا.

ما حدث، بحسب ما نشرت صحيفة "المونيتور" الأميركية في 21 نوفمبر 2022 هو أن قادة فرق كرة القدم للرجال في إنجلترا وويلز وهولندا وألمانيا وبلجيكا والدنمارك وسويسرا وفرنسا قرروا ارتداء شارة بألوان قوس قزح كتب عليها "One Love" في مباريات كأس العالم. 

قاد الاتحاد الملكي الهولندي لكرة القدم، هذه المبادرة الشاذة بدعوى أن الفرقة تمثل أن الناس يحبون كرة القدم بغض النظر عن "تراثهم وعرقهم وهويتهم الجنسية وميولهم الجنسية".

حاول الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في بيانات مختلفة إمساك العصا من المنتصف بالحديث عن دعمه لمجتمع الشواذ لكنه ذكرهم بقواعد فيفا.

بسبب إصرار هذه الفرق على ارتداء شارات الشواذ في المباريات واعتراض قطر، أصدر فيفا بيانا آخر هددهم بمعاقبتهم على ارتدائه، فقررت فرق هولندا وإنجلترا وويلز وبلجيكا وسويسرا وألمانيا والدنمارك عدم وضع الشارة.

لكن اتحادات المنتخبات الأوروبية السبعة التي منعها فيفا من ارتداء شارة دعم الشواذ أعلنوا أنهم يعتزمون اتخاذ إجراءات قانونية ضد الاتحاد الدولي لكرة القدم، حسبما ذكرت صحيفة "التايمز" البريطانية في 23 نوفمبر 2022.

وأعلن الاتحاد الدنماركي لكرة القدم، أيضا، أنه لن يؤيد إعادة انتخاب جياني إنفانتينو رئيسا لفيفا في الانتخابات القادمة بسبب منع ارتداء شارة "حب واحد" المزعومة. 

وسد لاعبو المنتخب الألماني أفواههم خلال الصورة الرسمية قبيل مباراتهم مع اليابان، كنوع من تعبيرهم عن انتقاد "حقوق وحريات" تتعلق بشرب الكحول في الملاعب وشارات دعم الشاذين، في البلد الخليجي العربي المسلم.

مع هذا حاولت وزيرة داخلية ألمانيا، نانسي فيزر، فرض رأي الشواذ بالقوة وبالمخالفة للقانون في مدرجات قطر وأثارت انتقادات واسعة، بعد أن ظهرت وهي ترتدي شارة دعم الشواذ، في تحدٍّ لمنع الدوحة الظهور بها خلال مباريات كأس العالم.

ظهرت الوزيرة الألمانية في مدرجات استاد خليفة الدولي وهي تقف مرتدية شارة "One Love" في يدها، في تحدٍّ واضح لقوانين فيفا، فيما يقف بجانبها رئيس الاتحاد الألماني لكرة القدم "بيرند نويندورف"، مع أنه حظر ذلك بنفسه.

وللتحدي، نشرت "فيزر" الصورة على حسابها على "تويتر"، وأرفقتها بهاشتاغ #OneLove. وانتقد ناشطون خرقها، وهي وزيرة داخلية، قرار فيفا، ودخولها الاستاد كاللصوص وهي ترتدي ملابس تغطي يديها ثم خلعها لتكشف ارتداءها شارة الشواذ.

وكانت محاولة الفريق الألماني ومشجعيه الدفاع عن الشواذ مثار استغراب كبير، فقد حاولوا في البداية الحضور بطائرة عليها صور أشهر الشواذ وأعلامهم لكن السلطات القطرية رفضت.

فعادوا مع فرق أوروبية أخرى لمحاولة ارتداء شارات الشواذ على أذرعهم في المباريات لكن الأمن القطري منعهم أيضا.

وهو ما جعل ناشطين يدشنون هاشتاغ #منتخب_الشواذ الذي أصبح الأكثر انتشارا، مؤكدين أن الفريق الألماني سقط رياضيا بخسارة أمام اليابان، وأخلاقيا بدفاعه غير المبرر عن الشواذ.