تجربة "جمهورية صوماليلاند" تهددها أزمة سياسية حادة.. ما القصة؟

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

سلط معهد إيطالي الضوء على حالة عدم الاستقرار التي تعيشها ما تعرف بـ"جمهورية صوماليلاند" غير المعترف بها دوليا، بعد تأجيل الانتخابات الرئاسية التي كان مقررا إجراؤها في 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022.

وادعى "معهد تحليل العلاقات الدولية" أن الأزمة السياسية الراهنة تضع على المحك تجربة صوماليلاند التي نجحت طوال ثلاثة عقود في تحقيق استقرار لافت، وسط مخاوف من تداعياتها على مستقبل الدولة الباحثة عن القبول الدولي.

عدم يقين

وذكر المعهد الإيطالي أن الأزمة السياسية نشأت مع انتشار أنباء عن قرار محتمل من مجلس الشيوخ في أغسطس/ آب 2022، بتمديد ولاية الرئيس الحالي موسى بيهي عبدي لمدة عامين آخرين. 

وكان رئيس مفوضية الانتخابات في صوماليلاند قد أرجع قرار تأجيل الانتخابات إلى متطلبات "فنية ومالية".

وقال المعهد إن صوماليلاند دولة مستقلة وذات سيادة لكن لا تعترف أي دولة رسميا بوجودها رغم أنها قائمة على أرض الواقع، وبها برلمان وإدارة وكذلك سياسة داخلية وخارجية.

وصورة صوماليلاند تبرز من جانبين رئيسين، كونها الدولة الوحيدة في العالم التي لم تعترف بها أي دولة أخرى، وفي الوقت نفسه، واحدة من بين أكثر دول القائمة بحكم الأمر الواقع استقرارا في العالم. 

يذكر أنها أعلنت استقلالها عن بريطانيا في عام 1960 وبعد خمسة أيام من حصولها على الاستقلال انضمت للصومال بهدف إنشاء دولة موحدة.

على أثر ذلك اندلعت حرب أهلية بينها وبين الحكومة المركزية خلال فترة حكم سياد بري الذي وصل إلى السلطة في عام 1969. تلاها إعلان استقلال صوماليلاند في 18 مايو/ أيار 1991.

وتلا هذا التاريخ عدة اجتماعات بين العشائر توجت بانعقاد مؤتمر "بوراما" في عام 1993، الذي تمخض عنه نظام حكومي هجين تتعايش فيه العشائر ومؤسس على نموذج الأنظمة الغربية، ويتألف من فروع تنفيذية وتشريعية وقضائية.

وصوماليلاند جمهورية دستورية رئاسية برئيس وبرلمان من مجلسين وحكومة تتشكل من ائتلاف يتم فيه تقاسم السلطة مع العشائر الرئيسة في البلاد.

ويُنتخب الرئيس باقتراع مباشر لمدة أقصاها فترتين مدة كل واحدة منها خمس سنوات ويعين مجلس الوزراء. 

وفي حين يتم انتخاب أعضاء مجلس النواب بشكل مباشر لمدة نيابية تمتد لخمس سنوات، يتم انتخاب أعضاء مجلس الشيوخ بشكل غير مباشر لمدة ست سنوات.

ووجود العشائر داخل المنظمات السياسية مستمد من البنية الخاصة للمجتمع الصومالي، حيث يكون دعم "الشيوخ" محوريا في كثير من الأحيان.

وكذلك من حقيقة عدم وجود انقسام أيديولوجي حقيقي للأحزاب لأنها تدور جميعا حول هدف واحد وهو الحصول على اعتراف دولي.

اعتراف غائب

وفيما يتعلق بمسألة الاعتراف بصوماليلاند، أوضح المعهد الإيطالي أن المجتمع الدولي حافظ دائما على دور هامشي مذعنا لرأي الاتحاد الإفريقي.

ووفقا للاتحاد الإفريقي لن تتمكن صوماليلاند من الحصول على الاستقلال إلا بموافقة الصومال. 

في الواقع، على الرغم من وجود حدود إقليمية واضحة المعالم في صوماليلاند، والتي تتوافق مع الحدود الإقليمية القديمة، وجهاز دولة مستقل وذي سيادة فإن الاتحاد الإفريقي يميل إلى الحفاظ على موقف غامض خوفا من تغذية تطلعات استقلال الولايات الصومالية الأخرى، وفق تحليل المعهد الإيطالي.

والمخاوف الرئيسة تكمن في استيقاظ الولايات الانفصالية الأخرى في الصومال، مثل بونتلاند وجوبالاند وهيرالاند، واندلاع أعمال عدائية بين شمال وجنوب البلاد ما يؤدي إلى الفوضى في النهاية. 

لذلك لا تزال صوماليلاند، بالنسبة لبقية العالم، منطقة حكم ذاتي في الصومال، تخضع للحكومة الفيدرالية في مقديشو. 

ونوه المعهد بأن البلاد تتميز باستقرار معين سمح لسكانها بالاحتفال بمرور ثلاثين عاما على السلام في عام 2021، على الرغم من وجود هذه المسائل الحرجة.

ورأى أن استقرار صوماليلاند الذي يتم التباهي به كثيرا، بات في خطر على إثر قرار تأجيل الانتخابات الناجم جزئيا عن الهيكل المؤسسي المعقد للدولة.

وبحسب المعهد،  يمكن تفسير هذا التعقيد في أربع نقاط، أولها يتعلق بأن القوى السياسية، التي أبدت في الماضي انفتاحا على الحوار إلا أنها لا تميل حاليا إلى إيجاد حل وسط.

من جانبها، تدعو الحكومة المعارضة إلى التوافق من أجل مصلحة البلاد، بينما تتهمها الأخيرة، التي اعترضت في البداية على نتيجة انتخابات عام 2017 ثم تراجعت عن موقفها، بعدم احترام الاتفاقات السياسية.

ثانيا، تبدو مؤسسات الدولة مثل مجلس الشيوخ أضعف مما كانت عليه في الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم قدرة المسؤولين على معالجة عدم الكفاءة السياسية والفوارق في المجتمع.

منافسة محتدمة

أما النقطة الثالثة فتكمن في تزايد التنافس بين العشائر في السنوات الأخيرة، يوضح المعهد الإيطالي.

إذ تطالب عشيرة غرحجس، المرتبطة بأحزاب المعارضة، بدورها في الحكم خصوصا وأن الرؤساء الأربعة السابقين لصوماليلاند ينتمون إلى عشائر إسحاق هابر أول وهبر جعلو أو عشيرة دير سمرون. 

لذلك، تفسر عشيرة غرحجس قرار تمديد ولاية بيهي كجزء من إستراتيجية أوسع من قبل العشائر الفرعية الأخرى لمنعهم من الوصول إلى الحكم.

أما النقطة الرابعة فتتعلق بأن صوماليلاند شهدت تدفقا للاستثمار جعل السيطرة السياسية أكثر جاذبية للقوى المتداخلة التي تعمل على عرقلة التوصل إلى حل وسط. 

على وجه الخصوص، وقعت شركة موانئ دبي العالمية الإماراتية عقد توسعة بملايين الدولارات لميناء بربرة في خليج عدن.

بينما استثمرت شركات أخرى، بما في ذلك المملكة المتحدة، في بعض مشاريع البنية التحتية مثل ممر بربرة الذي يربط بين صوماليلاند وإثيوبيا.

ورأى المعهد أن الأزمة الحالية تؤكد الحاجة إلى إعادة صياغة النظام السياسي في البلاد نحو مزيد من الديمقراطية. 

ودعا إلى ضرورة سد الثغرات المؤسسية مثل، إصلاح نظام تعيين مجلس الشيوخ واستبداله بالانتخاب المباشر لأعضائه.

وكذلك إنشاء محكمة دستورية مستقلة فضلا عن مراجعة دور العشائر داخل النظام السياسي.

ولفت إلى أنه إذا كانت التسوية من جهة، ولا تزال، مفتاح النجاح في الحفاظ على التوازن في الدولة، فلا يمكن وصفها بأنها أساس متين. 

وخلص إلى أن الخطر يكمن في تلاشي أكثر من ثلاثين عاما من الوساطة السياسية الداخلية وفقدان المصداقية التي تسمح بالمطالبة باعتراف المجتمع الدولي بالبلاد.