ضغوط خارجية وموانع داخلية.. هل تطبع باكستان علاقاتها مع إسرائيل؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

رغم مرور نحو شهرين على زيارة وفد صحفي باكستاني مكون من 15 عضوا إلى إسرائيل في 11 مايو/ أيار 2022، ما زالت تتكشف النقاشات والتكهنات بشأن التطبيع بين البلدين.

يعزز النقاشات وصف صحيفة "هآرتس" العبرية في 25 من الشهر نفسه، هذه الخطوة بأنها تعكس بوضوح "تغييرا في المواقف تجاه تل أبيب واليهود داخل باكستان"، لأن جواز السفر الباكستاني يتضمن تحذيرا بأحرف كبيرة، أنه صالح لجميع الدول عدا إسرائيل.

الوفد ضم باكستانيين أميركيين وآخر بريطانيا، والصحفي الباكستاني أحمد قريشي، ويهوديا باكستانيا يدعى فيشل بن خالد.

ونظم الزيارة ما يسمى "مجلس تمكين المرأة الأميركية المسلمة متعددة الأديان"، وهي منظمة غير حكومية مشبوهة تدعو لترسيخ التطبيع بين إسرائيل والدول الإسلامية.

هذه الزيارة النادرة ليست أول خطوة تطبيعية. ففي عام 2015، زار الأستاذ الإسرائيلي في علم النفس بجامعة حيفا، رمزي سليمان، باكستان لحضور مؤتمر برعاية جامعة البنجاب، ما يعكس روابط هادئة أكاديميا بين تل أبيب وإسلام آباد، وفق هآرتس.

هذا التسلل الإسرائيلي الهادئ تزايد مع صعود رئيس الوزراء الجديد الموالي لأميركا شهباز شريف منذ 11 أبريل/نيسان 2022، بعدما ظل نظيره السابق عمران خان رافضا للتطبيع واتهم واشنطن وتل أبيب بإسقاطه ودعم معارضيه.

وهذا التطور واكبه نقاش داخلي متصاعد حول إمكانية التطبيع بين إسلام أباد وتل أبيب، وأنباء عن شعور باكستان بضغوط من جانب دول الخليج التي طبعت مع إسرائيل، وتساندها في أزمتها الاقتصادية.

لكن خبراء في شؤون باكستان يستبعدون إمكانية التطبيع الباكستاني الإسرائيلي، مشيرين إلى "موانع" تعرقل ذلك أبرزها الموقف الشعبي الذي يُشبه قضية كشمير بقضية فلسطين، ويرى إسرائيل مثل الهند "دولة محتلة".

مداخيل التطبيع

نشر موقع "ميدل إيست آي" البريطاني تقريرا 27 يونيو/حزيران 2022 حول النقاش الدائر في باكستان عن التطبيع مع إسرائيل، أشار فيه إلى أن الرأي العام الباكستاني لا يزال متمسكا بدعمه القوي للقضية الفلسطينية، لكن هناك ضغوطا اقتصادية.

أوضح أن الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد واعتمادها على بلدان الخليج قد تجبر ثاني أكبر دولة مسلمة (بعد إندونيسيا)، على المضي وراء تلك الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع إسرائيل. 

أشار الموقع إلى ظهور مقالات رأي لباكستانيين، ولقاءات تلفزيونية ومنشورات على مواقع التواصل، تناقش اعتراف باكستان بإسرائيل، وهو أمر لم يكن متخيلا في البلد الذي اشتهر بحشد مظاهرات مؤيدة لفلسطين بعشرات الآلاف.

ونشر الصحفي الباكستاني "كنوار خلدون شهيد" مقالا في صحيفة "هآرتس" العبرية في 13 يونيو 2022 يزعم فيه أن التطبيع الباكستاني مع إسرائيل بات محتوما.

أرجع هذا إلى "اعتماد إسلام أباد الاقتصادي على السعودية، وتوجه المملكة للتطبيع في ظل ولي العهد محمد بن سلمان".

وكتب الصحفي "ماهر علي" في صحيفة "دون" الباكستانية أن هناك "تشابها تاريخيا بين باكستان وإسرائيل بصفتهما دولتين رسمتهما القوى الاستعمارية بناء على هوية دينية، وقررتا ربط نفسيهما بالعم سام"، وفق زعمه.

سبب آخر لاحتمالات التطبيع المتوقع أشارت له صحيفة آسيا تايمز في 7 ديسمبر/كانون أول 2020 مرتبط بالتغير الجيوسياسي في المنطقة.

وأشارت إلى ضغوط أميركية على باكستان للتطبيع، وحاجة إسلام أباد لحليف بالمنطقة لموازنة علاقات الهند المتنامية مع دول الشرق الأوسط.

ادعت صحيفة هآرتس في 25 مايو أن العلاقات بين الباكستانيين والإسرائيليين لها جذور تاريخية، وليست بحاجة لدعم رسمي أو تطبيع، وسردت سلسلة اتصالات وتفاصيل تاريخية.

قالت إنه كان هناك ذات يوم مجتمع يهودي مزدهر، يتمركز حول كراتشي ولاهور وبيشاور وكويتا، وأن اليهود الذين غادروا باكستان يشعرون بالحنين ويريدون العودة.

تحدثت عن تعاون الأكاديميين الإسرائيليين مع نظرائهم الباكستانيين في مجال التكنولوجيا الزراعية، لحد إصدار أكاديميين باكستانيين نداء عبر صحيفة "هآرتس" في 11 أغسطس/آب 2020 للتعاون مع إسرائيل في قضايا ندرة المياه والزراعة.

وذكرت أن شركة Fiverr الإسرائيلية للتجارة الإلكترونية، تتباهى بآلاف الموظفين الباكستانيين المستقلين الذين يكسبون مليارات الروبيات سنويا عبر المنصة.

وفي مجال الرياضة، تعاون نجم التنس الباكستاني عصام الحق مع اللاعب الإسرائيلي أمير حداد خلال بطولات ويمبلدون وأميركا المفتوحة عام 2020، وأيضا مشاركة باكستان وإسرائيل في مناورات عسكرية مشتركة في أوقات مختلفة لم تحددها هآرتس.

وسبق لصحيفة "إسرائيل هيوم" العبرية الزعم عام 2021 أن "الزلفي البخاري"، المساعد المقرب لرئيس الوزراء آنذاك عمران خان، سافر إلى إسرائيل بجواز سفره البريطاني لمقابلة رئيس الموساد وقتها يوسي كوهين، وهو ما نفاه الأول.

وقالت صحيفة "دون" الباكستانية في الأول من سبتمبر/أيلول 2005 إن خورشيد محمود قصوري، وزير الخارجية في عهد الرئيس برويز مشرف، التقى نظيره الإسرائيلي سيلفان شالوم في تركيا، لكن دون إعلان رسمي.

في تقريرها الأخير زعمت صحيفة "هآرتس" أن المؤسسة العسكرية الباكستانية، هي اللاعب المهيمن في العلاقات الخارجية لباكستان، وأنها منفتحة على إسرائيل.

وأوضحت أن كبار المسؤولين الحكوميين يخشون الحديث علنا حول دفع الجيش الباكستاني باتجاه التطبيع مع إسرائيل.

زعمت "هآرتس" أيضا أن ثمة تحولا بالسياسة الخارجية لباكستان، بدا واضحًا حينما ألمح قائد الجيش الباكستاني، الجنرال قمر جاويد باجوا، في أبريل/نيسان 2021 لإمكانية التضحية باختلافات جيوسياسية بين إسلام أباد وتل أبيب.

وذلك "نظير الفوائد الاقتصادية المُمكن تحقيقها من تطبيع العلاقات، في قطاعات مثل الزراعة والتكنولوجيا والأمن السيبراني وسوق العمل الحر".

وعدّت "هآرتس" التطبيع مع إسرائيل موائما لرؤية باكستان الجيو-اقتصادية، القائمة على أنها ترى نفسها دولة ساعية لبناء علاقات تجارية واقتصادية قوية مع دول أخرى، من أجل رفاهية مواطنيها، بغض النظر عن أي تعقيدات سياسية.

موانع راسخة

لكن الجنرال قمر جاويد لم يتحدث عن إسرائيل وإنما أشار هو ومسؤولون باكستانيون كبار إلى أن السياسة الخارجية لبلادهم ستركز على الاقتصاد الجغرافي بعدما أصبحت دولة أمنية مثقلة بالديون، بحسب ما نشرت فورين بوليسي الأميركية في 5 أبريل 2021.

كما أن ما نسبته هآرتس إلى قائد الجيش الباكستاني يتعارض مع ما قاله في لقاء مع السفير الفلسطيني وليد أبو علي في 13 ديسمبر/كانون الأول 2017، عقب اعتراف الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بالقدس عاصمة مزعومة لإسرائيل.

حينئذ قال الجنرال قمر جاويد باجوا، إن باكستان تضع القضية الفلسطينية "على نفس مستوى قضية كشمير" المتنازع عليها بين إسلام أباد والهند.

يرى سفير مصر السابق في باكستان "أحمد فاضل يعقوب" أن هناك موانع لاعتراف باكستان بإسرائيل ستعرقل التطبيع الذي يجرى الحديث عنه.

أكد في مقال كتبه بصحيفة "الشروق" المصرية الخاصة في 22 يونيو 2022 أن ما تروج له بعض مراكز الأبحاث الإسرائيلية والغربية بشأن قرب اعتراف باكستان بإسرائيل متأثرة بتطبيع دول عربية ضمن "الاتفاقيات الإبراهيمية" غير صحيح.

رصد عدة موانع لهذا التطبيع هي: حساسية الرأي العام الداخلي الباكستاني لأي تحول في الموقف التاريخي الباكستاني المؤيد للقضية الفلسطينية وحساسيته بشكل أخص إزاء قضيتي القدس، وكشمير التي يشببها الباكستانيون باحتلال فلسطين.

ونظرة باكستان لتزايد علاقات التعاون الإستراتيجي والعسكري بين نيودلهي وتل أبيب على أنه عمل عدائي ضدها يباعد بينها وبين الاعتراف بإسرائيل فضلا عن تطبيع العلاقات معها، وحرص باكستان على علاقات متوازنة مع إيران يصعب معها التطبيع مع إسرائيل.

ونقل موقع "ميدل إيست آي" البريطاني في 27 يونيو 2022 عن الباحث في المجلس الأطلنطي "كمال علام" أن أي تحول جذري باكستاني بالتطبيع مع إسرائيل "لن يكون مقبولا لمعظم الباكستانيين أو متجانسا مع الدعم الطويل للقضية الفلسطينية". 

وأردف: "سيكون من الصعب على باكستان اتخاذ قرار أحادي كهذا، فعلماء الدين والمشايخ لديهم أقوياء، وهناك مخاطر من خروجهم إلى الشارع للاحتجاج، في وقت يواجه البلد مشاكل مالية واقتصادية".

وأشار "علام" إلى عقدة أخرى تعرقل أي تطبيع محتمل، هي أن الرأي العام وسياسة الحكومة في باكستان توازي ما بين احتلال إسرائيل لفلسطين عام 1948 واحتلال الهند لكشمير منذ التقسيم عام 1947. 

وشدد على أن "موافقة إسلام أباد على التطبيع سيُنظر لها على أنها رسالة بأن باكستان قد تخلت عن قضية كشمير أيضا".

لكنه قال إن الجيش الذي يرى في العلاقات الهندية الإسرائيلية تهديدا، يتساءل: لقد وقفت باكستان مع العرب في الحروب العربية الإسرائيلية، ولكن الآن بعد تطبيع دول الخليج العلاقات مع تل أبيب، لماذا لا نفعل مثلهم؟"

نوه إلى أن المخابرات الباكستانية مررت في عدة مناسبات معلومات لإسرائيل لمنع هجمات ضد مصالحها في الهند.

وبحسب البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي سربها موقع ويكيليكس، ففي أكتوبر/تشرين أول 2009، اتصلت المخابرات الباكستانية مع المسؤولين الإسرائيليين لتحذيرهم من هجمات ضد أهداف إسرائيلية في الهند.

أيضا يحذر "كريم عمر" الأستاذ بجامعة لانكستر والمتخصص بقضايا الطائفية في العالم الإسلامي، من أن التطبيع سيكون بمثابة انتحار سياسي لأي حزب باكستاني.

قال: لذلك تتحفظ القيادة السياسية الباكستانية بشكل كبير بشأن العلاقات والاعتراف بإسرائيل.

ويقول السفير المصري السابق: أيا كانت الضغوط التي ستُواجِهها باكستان سواء من قوى إقليمية أو دولية، وحتى مع صعوبات وضعها الاقتصادي الحالي، فسيكون من غير المُرجح التحول عن موقفها التاريخي الثابت".

وقد اعترف بهذا ضمنا وزير المخابرات الإسرائيلي إليعازر شتيرن في تصريح للراديو الأمريكي NPR في الثاني من يونيو، قائلا: "لا أستطيع أن أقول لكم إن باكستان هي الدولة التالية التي تنضم إلى اتفاقات أبراهام وأن ذلك سيحدث غدا".