مع تقلد محمد بن زايد رئاسة الإمارات.. هؤلاء أبرز المرشحين لولاية العهد

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

لم تمر 24 ساعة على وفاة رئيس دولة الإمارات خليفة بن زايد آل نهيان عن عمر يناهز 73 عاما، حتى "انتخب" المجلس الأعلى للدولة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد رئيسا جديدا.

جاء ذلك رغم تكهنات، سرعان ما بردت أو أُخمدت، بشأن خلاف محتمل على الرئاسة والمناصب الفرعية بين عائلتي آل مكتوم وآل زايد، ليكون محمد الرئيس الخامس للإمارات.

هذا الانتقال العاجل، وفي اليوم الأول من مهلة شهر كامل مقررة لاختيار العائلة رئيسا جديدا، كان متوقعا لأن محمد بن زايد رسخ قوته ونفوذه منذ إصابة أخيه غير الشقيق "خليفة" بجلطة أقعدته منذ عام 2014.

وتولى "محمد" منذ ذلك الحين شؤون الإمارات كحاكم فعلي، وحجّم منافسيه وعين أبناءه وإخوته في المناصب الأمنية والقيادية الرفيعة، وقمع معارضيه، وفرض رؤيته في العداء للإسلاميين والتدخل في شؤون دول الربيع العربي والتطبيع مع "تل أبيب".

لكن عدم ظهور خلاف على تولي ابن زايد منصب رئيس الدولة داخل العائلة الحاكمة، شيء، والخلاف حول منصب ولي عهد أبو ظبي الجديد شيء آخر، فهي نقطة يرى مراقبون أنها قد تحتاج فترة من الوقت لحسمها.

لا توجد مادة في الدستور الإماراتي تنظم اختيار ولي العهد، لذا صار العرف على مشاركة المناصب بالتفاهم بين أولاد مؤسس الدولة الشيخ زايد.

لكن تتباين التوقعات حول الآلية التي سيسير عليها ابن زايد في اختيار خليفته بولاية العهد.

وتشير تقارير دولية إلى أن الوضع الحالي يشبه ما حدث عقب وفاة الأب الشيخ زايد بن نهيان، حيث أرجأت الشيخة فاطمة بنت مبارك الكتبي، زوجته، الإعلان عن خليفته، أي ولي العهد، لحين الانتهاء من الترتيبات الداخلية. 

ووقتئذ ذهبت ولاية عهد الإمارة إلى الشقيق التالي من حيث السن بالمخالفة للعرف السائد وقتها، وجرى ترتيب حصول محمد بن زايد على ولاية العهد، رغم أنها كانت من حق الشيخ سلطان الأخ الشقيق لـ "خليفة".

ومنذ ذلك الحين توسع نفوذ أبناء زايد الفاطميين -نسبة إلى والدتهم الشيخة فاطمة- من بين 19 من الذكور، و11 من الإناث، هم مجموع أبناء المؤسس من ثماني زوجات. 

وسيطر "عبد الله" على ملف الخارجية، وتولى "منصور" شؤون الرئاسة والقضاء، وأحكم "طحنون" قبضته على الأمن القومي والمخابرات، وسيطر "سيف" على الداخلية، و"هزاع" على الرياضة.

لذا، يعتقد أنه سيكون لفاطمة الكتبي، زوجة الرئيس الراحل زايد بن سلطان آل نهيان والتي تلقب بــ "أم الإمارات" دور مهم في حسم الخلاف الحالي حول ولي العهد الجديد.

من ولي العهد؟

ويكاد منصب ولي عهد أبو ظبي المقبل ينحصر بين أربعة مرشحين، هم خالد النجل الأكبر لمحمد بن زايد، وثلاثة من أشقاء الأخير.

هم: طحنون (مستشار الأمن الوطني)، وهزّاع (نائب رئيس المجلس التنفيذي لإمارة أبو ظبي)، ومنصور (نائب رئيس مجلس الوزراء وزير شؤون الرئاسة).

ووفق تقارير خليجية وغربية، يبدو أن المنافسة تنحسر أكثر بين "خالد" النجل الأكبر وصاحب الحظ الأكبر لأنه يرأس جهاز أمن الدولة بدرجة وزير منذ فبراير/شباط 2016، وكان نائبا لمستشار الأمن الوطني والساعد الرئيس لأبيه.

وطحنون بن زايد آل نهيان، هو مدير المخابرات الإماراتية ويتولى إدارة العديد من الملفات السرية الداخلية والخارجية.

ويدور الحديث في الأوساط السياسية في الإمارات، عن سيناريوهين حول منصب ولي العهد وهل يُسند للأبن أم الأخ؟

 أولهما: تعيين محمد بن زايد لابنه (خالد) كولي عهد جديد لحسم الصراع سريعا، مع امتيازات تعويضية للأخين طحنون ومنصور.

والثاني: أن يعين محمد بن زايد، شقيقه طحنون، مستشار الأمن الوطني الحالي في منصب ولي العهد بشكل مؤقت.

ثم بعد بضع سنوات (من بين 2 -5 أعوام)، يعين ابنه خالد وليا للعهد ويعزل طحنون، على غرار ما حدث في السعودية بعزل أمراء وتعيين الملك سلمان ابنه محمد.

ويرى ناشطون إماراتيون معارضون أن ابن زايد قد يقنع شقيقه "طحنون" بالتنازل، بدعوى أن دوره كمسؤول الأمن والاستخبارات في الإمارات، يجعل أفعاله أو تحركاته غير معلنة كي يسهل اتخاذ قرار أو موقف سياسي.

ولعب طحنون، المعروف على المستوى الشخصي بشغفه بالفنون القتالية مثل الكاراتيه والتايكوندو، أدوارا في حرب اليمن وفي انقلابات السودان وتونس.

كما يؤدي أدوارا استخبارية في التعاون مع إسرائيل وزيارات لخصوم الإمارات مثل إيران وتركيا وغيرها، إضافة لتحركات أخرى غير معلنة.

ويرجح هذا الخيار "اندرياس كريدج" الأستاذ بجامعة كينجز كوليدج بلندن، الذي يرى أن خالد لديه حظوظ أقوى بتنصيبه وليا للعهد ولكن ربما تجرى العملية على مراحل.

 وكتب كريدج في تغريده عبر تويتر "قد يحكم محمد بن زايد لعقدين أو أكثر.. لذلك يمكن تسمية طحنون وليا للعهد بينما يجري فعليا تهيئة خالد له".

وقد أثير جدل مشابه حول منصب ولي العهد في السعودية، مع إسناده لمحمد بن سلمان وهو ابن الملك بدلا من أشقاء الأخير.

وأعفى الملك سلمان، في 2017 محمد بن نايف، ابن شقيقه من ولاية العهد، وعين نجله محمد بدلا منه، بعد عامين من توليه الحكم 2015.

وفي الثاني من مارس/آذار 2016 كشف الموقع الاستخباري الفرنسي "انتليجنس أون لاين"، تفاصيل ما قال إنه "مخطط ابن زايد" المبكر لوراثة الحكم، بعد تعيين نجله "خالد"، رئيسا لجهاز أمن الدولة، ليحكم سيطرته الأمنية.

وسلط الموقع، الضوء على الدور الذي لعبه خالد حينئذ في بعض الملفات الإستراتيجية للإمارة، وأبرزها ملاحقة الإصلاحيين والناشطين بتهمة الانتماء لجماعة الإخوان المسلمين وبعض الناشطين.

وأضاف الموقع الفرنسي، أن ابن زايد عين ابنه "خالد"، رئيسا لجهاز أمن الدولة بدلا من أخيه "هزاع"، في فبراير 2022.

وبين أنه لمساعدة ابنه خالد، عين محمد أخاه الأصغر غير الشقيق "طحنون" مستشارا للأمن الوطني أيضا، وكلفه بالإشراف على التدخل العسكري الإماراتي في اليمن في يونيو/حزيران 2016 بالتعاون مع محمد بن سلمان.

وجاء سعى محمد بن زايد لوضع أبنائه في مناصب أمنية حساسة تحكم الإمارة، ضمن هذا التنافس بين أبناء الأسرة الحاكمة لشغل المراكز المؤهلة لكرسي السلطة، وتقويتهم بامتلاك أكبر قدر من أوراق اللعب والضغط.

وقد أشار تقريران نشرتهما شبكة "بلومبيرغ"، ومجلة فورين أفيرز الأميركيتين في نفس الشهر (مارس 2016)، لرعاية واشنطن ما يفعله ابن زايد بوصفه رجلها الذي يحافظ على مصالحها في المنطقة خاصة في قمع الإسلاميين، والحفاظ على مصالح إسرائيل.

ووصفت يلومبيرغ "محمد بن زايد" حينئذ بأنه "مهندس الاقتصاد والأمن في أبوظبي ورجل واشنطن وعدو الإسلاميين".

أما مجلة فورين أفيرز التي تصدر عن مجلس العلاقات الخارجية الأميركي، فقد أشارت إلى ضرورة توثيق العلاقات الأميركية بالجيل الجديد من الزعماء الخليجيين، وعدم اختزال علاقاتها بهم كدول ثرية تشتري السلاح.

هل تتغير السياسة؟

يتوقع مراقبون، ألا يتغير الكثير في السياسات الخارجية والداخلية لدولة الإمارات، لكنهم يرجحون أن يدور صراع حول احتمالات تجاهل محمد بن زايد الإمارات الأخرى التي اشتكت خلال حرب اليمن من التضحية بأبنائها.

وتتوقع الباحثة في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "سينزيا بيانكو" ألا يتغير الكثير في السياسات الخارجية والداخلية "باستثناء أن محمد بن زايد سيكون لديه أسباب أقل للسعي إلى توافق في الآراء مع دبي والإمارات الأخرى".

وفي تغريدة على تويتر في 13 مايو/أيار 2022، نوهت إلى أن سياسة ابن زايد الخارجية عبر التدخل في شؤون الربيع العربي وبلدان عربية وضد قطر وحرب اليمن، تسببت بخلافات داخلية مع إمارات أخرى بسبب التضحية بجنودها في أتون هذه الحرب.

وسبق أن أشار "راديو فرنسا" في 16 يونيو 2016 إلى ذلك بالحديث عن "حالة غضب" من تضحية أبو ظبي بجنود أفقر الإمارات وهي "رأس الخيمة".

وبين الراديو أن معظم من قتلوا في اليمن (نحو 80 جنديا إماراتيا) معظمهم من أفقر الإمارات السبع التي تشكل الاتحاد.

وأشار إلى أن حكام رأس الخيمة أعربوا بشكل واضح عن استيائهم للحكومة المركزية في أبو ظبي جراء هذا العدد من القتلى، والتضحية بجنود هذه الإمارة تحديدا، وكان ذلك أحد أسباب سحب الجيش بشكل رسمي من اليمن.

أما الإشكالية الأخرى التي تتعلق بالسياسة الخارجية، فربما ترتبط بعلاقات الإمارات الفاترة مع الإدارة الأميركية الحالية.

إذ جاءت وفاة "خليفة" وتولي "محمد" رئاسة الدولة، في وقت تشهد فيه علاقات أبو ظبي، وابن زايد تحديدا، توترا واضحا مع واشنطن بسبب تصورات إماراتية عن فك ارتباط الولايات المتحدة بمخاوف حلفائها الخليجيين الأمنية.

وتقول سفيرة الولايات المتحدة السابقة في الإمارات، باربرا ليف إن ابن زايد مدفوعا "برؤية معينة" ملخصها أن قادة الخليج لم يعد بمقدورهم الاعتماد على أميركا لدعمهم بعد أن تخلت عن رئيس النظام المصري الأسبق حسني مبارك خلال انتفاضات الربيع العربي 2011.

ووفقا لمذكرات الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، فقد أصدر ابن زايد تحذيرا "هادئا وباردا" له من مغبة دعم انتفاضات قد تنتشر وتهدد عروش الأسر الحاكمة في منطقة الخليج. 

وكشفت الأزمة الأوكرانية عن تصدعات في العلاقات مع واشنطن بعد أن امتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار يدين الغزو الروسي.

وبصفتها دولة منتجة للنفط إلى جانب الدولة الكبرى المنتجة للخام وهي السعودية، رفضت الإمارات أيضا نداءات غربية من أجل زيادة الإنتاج.

لكن محمد بن زايد صعد إلى مراتب عليا بفضل علاقته الجيدة مع أميركا وسعيه لتنفيذ أفكار تتناسب مع التطبيع مع إسرائيل ومحاربة الربيع العربي ومعاداة التيار الاسلامي، وحفظه مصالح واشنطن في الخليج.

وسبق أن كشفت وثائق "ويكليكس" عن برقيات تخص الإدارة الأميركية سنة 2010 تؤكد أن ابن زايد هو القائد العربي الوحيد الذي انتبه وتعامل مع أجندات واشنطن بشكل جدي.

ونشرت ويكليكس وثيقة يقول فيها ابن زايد للأميركيين: لو علم الإماراتيون ما أفعل (من تنفيذ لأجندة الغرب) لرجموني بالحجارة.

لذا يُتوقع بعد تثبيت حكمه رئيسا للبلاد وتعيين نجله وليا للعهد، أو أخيه لفترة مؤقته، أن يمضي في نفس خطط معاداة الربيع العربي والتيار الاسلامي بقوة.

وأرسل الرئيس الأميركي جو بايدن وفدا برئاسة نائبته كامالا هاريس للتعزية في وفاة رئيس الإمارات في أمر ينظر له على أنه بادرة تهدئة من قبل الإدارة، في خضم مرحلة الخلاف بين الحليفين.

وقالت صحيفة "لوموند" الفرنسية في 16 مايو 2022 إن تحول الإمارات إلى دولة "بوليسية" في عهد ابن زايد، "لا تتسامح مع أي صوت ينتقدها"، قد ينعكس على إخضاع الإمارات الأخرى.

وأشارت إلى قمعه كل من الإسلاميين والليبراليين، لكنها توقعت تراجعه عن استمرار سياسته الخارجية العدوانية التي بدأها في عام 2010، لـ"وقف تأثير الإخوان المسلمين وإيران في منطقة الشرق الأوسط" بسبب "نتائجها الكارثية".

وأشارت إلى أن محمد أبن زايد، أُجبر على التراجع خلال السنوات الثلاث الماضية، وفكّت أبو ظبي جزئيا الارتباط بالمستنقع اليمني ووافقت بضغط من الرياض على رفع الحظر الدبلوماسي والتجاري المفروض على الدوحة.