تعليقا على انتخابات لبنان.. موقع أميركي: "العفن المتفاقم" يواجه أي جهد إصلاحي

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكد موقع "جست سكيورتي" الأميركي أنه رغم الشكوك الكبيرة بشأن جدواها، إلا أن الانتخابات النيابية في لبنان يمكن أن تكون فرصة للبلاد لتغيير الاتجاه، بعد سنوات من الفساد وسوء الإدارة والتراجع الديمقراطي.

وفتحت صناديق الاقتراع للانتخابات النيابية اللبنانية أبوابها في صباح 15 مايو/ أيار 2022 بكامل الأراضي اللبنانية، بعدما أجريت انتخابات المغتربين قبل أسبوع.

وتأتي الانتخابات، وسط أزمة اقتصادية طاحنة غير مسبوقة في لبنان، أدت إلى انهيار قياسي في قيمة العملة المحلية مقابل الدولار، فضلا عن شح في الوقود والأدوية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

تغيير مرتقب

وذكر الموقع الأميركي أن هذه الانتخابات هي الأولى منذ اندلاع المظاهرات الكبرى المناهضة للسلطات الحاكمة في أكتوبر/ تشرين الأول 2019.

وبسبب الإحباط من تدهور الخدمات العامة وسوء الإدارة الاقتصادية والفساد، نزل اللبنانيون إلى الشوارع للمطالبة بإصلاح النظام السياسي.

ومع ذلك، ازدادت الظروف سوءا في السنوات اللاحقة، وتخللها انفجار كيماوي مدمر في أغسطس 2020 في ميناء بيروت والذي تم إرجاعه إلى إهمال حكومي فظيع.

وشجع الغضب العام الأحزاب المستقلة والمعارضة، بينما حفز أعضاء الشتات اللبناني، الذين يفوقون عدد السكان المقيمين بما لا يقل عن ثلاثة إلى واحد، على التسجيل للتصويت على نطاق غير مسبوق.

وأظهرت استطلاعات الرأي بالفعل أن إقبال ناخبي الشتات على التصويت بلغ حوالي 60 بالمئة، مع مشاركة أكثر من ضعف عدد الوافدين في هذه الانتخابات مقارنة بعام 2018.

لكن وحتى لو نجحت قوى المعارضة الجديدة في الفوز بصناديق الاقتراع، فمن الواضح أن إصلاح الضرر الناجم عن سنوات من سوء الحكم سيتطلب إصلاحات مضنية.

وظل العفن في المؤسسات الديمقراطية في لبنان يتفاقم منذ سنوات، ما خلق مجموعة هائلة من التحديات لأي جهد إصلاحي.

ووفقا لآخر النتائج الواردة في تقرير الحريات الصادر عن منظمة "فريدوم هاوس" الدولية، فإن الحرية آخذة في الانخفاض بشكل مطرد في لبنان على مدار العقد الأخير.

وقد أضعفت الحقوق السياسية بفعل الفساد المستشري في أوساط النخب الحاكمة، الأمر الذي دفع بالبلاد إلى حافة انهيار الدولة وعرضها لموجة من التدخل من جهات أجنبية، أبرزها إيران.

وعملت النخب الحاكمة على تضييق الفرص أمام معارضة سياسية حقيقية. فمثلا على الرغم من قانون الانتخابات لعام 2017 الذي تم تصميمه ظاهريا لتحسين التمثيل السياسي، تمكنت الأحزاب الطائفية القائمة من الحفاظ على قبضتها على السلطة بل وتعزيزها في انتخابات 2018.

تلاعب سياسي

واستفادت هذه الجماعات بشكل ملحوظ من التلاعب السياسي، واستخدمت الدعاية والترهيب لإبعاد جماعات المعارضة، ووعدت مؤيديها بالوصول التفضيلي إلى المنافع المادية من المساعدات الإنسانية إلى الأموال والتوظيف في الخدمات المدنية.

وانتشرت مزاعم شراء الأصوات على نطاق واسع في انتخابات 2018، وظهرت مخاوف من تكرار هذه الممارسة هذا العام.

كما تضاءلت الحريات المدنية في لبنان خلال العقد الأخير، وأدى انتشار المنافذ الإخبارية الموالية للحكومة أو الحزبية والاعتداءات المتزايدة على الصحفيين الناقدين إلى تشويه سمعة البلاد كمركز لحرية التعبير في المنطقة.

وفي السنوات الأخيرة، تدهورت حرية التعبير على مواقع التواصل الاجتماعي والإنترنت حيث نشر المتصيدون الحزبيون معلومات مضللة واستهدفوا النقاد من خلال حملات التحرش والتشهير عبر الإنترنت. 

وتلوح الأزمة الاقتصادية، التي تسببت في انهيار الركائز الرئيسة لاقتصاد ما بعد الحرب الأهلية في لبنان، بشكل كبير على خلفية الانتخابات، حيث أصبحت الخدمات العامة الأساسية شبه منعدمة فيما غادر اللبنانيون المهرة البلاد بأعداد كبيرة.

وستكون لنتيجة الانتخابات تداعيات دائمة على الاقتصاد اللبناني، ويعتقد الخبراء أن النموذج الاقتصادي اللبناني في حاجة ماسة إلى إعادة الهيكلة. 

في غضون ذلك، قد تكون الصفقة مع صندوق النقد الدولي أو حزم المساعدات من الجهات الأجنبية الفاعلة مثل إيران هي أسرع الطرق بالنسبة للبنان لعكس مسار انهياره المالي.

لكن العديد من عمليات الإنقاذ المحتملة مرتبطة بالتزامات الإصلاح. وبشكل عام، سيتم تحديد الوصول إلى هذه الموارد المالية، والخيوط المرتبطة بها من خلال نتائج الانتخابات، بما في ذلك قبول القادة السياسيين ودوائرهم بالنتائج.

واقع مرير

وهيمنت كتلتان كبيرتان على السياسة اللبنانية لما يقرب من عقدين. وتشكل تحالف 14 آذار (مارس) بقيادة القوات اللبنانية وتيار المستقبل والكتائب السياسية في عام 2005 لمعارضة النفوذ السياسي السوري.

ومنذ ذلك الحين تطور إلى كتلة مناهضة لإيران تتألف إلى حد كبير من المسلمين السنة وحلفائهم المسيحيين.

ونما تحالف 8 آذار المنافس المؤيد لسوريا بقيادة حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر، ليصبح كتلة موالية لإيران يسيطر عليها المسلمون الشيعة وحلفاؤهم المسيحيون.

واستفادت كل من هذه التحالفات من القوانين الانتخابية التي تفضل الزعماء الطائفيين التقليديين وتدعم بشكل فعال الوضع الراهن المستقطب.

لكن كلا التحالفين تعرضا لانتكاسات في الأشهر الأخيرة. وفي يناير/ كانون الأول 2022، أعلن رئيس الوزراء السابق سعد الحريري أنه لن يترشح بالانتخابات عن تيار المستقبل، بحجة أن النفوذ الإيراني لم يترك مجالا للتغيير السياسي الإيجابي.

وفي مارس 2022، أعلن رئيس الوزراء الحالي نجيب ميقاتي أنه لن يرشح نفسه لإعادة انتخابه، ما زاد من المخاوف بشأن الفراغ في القيادة السنية في لبنان.

وواجهت كتلة 8 آذار التي يقودها الشيعة أيضا تحديات في العام الأخير تسببت في تراجع الدعم للتيار الوطني الحر بعد أن تعرض زعيم الحزب جبران باسيل للتشهير الشعبي في احتجاجات 2019.

وسقطت الكتلة أكثر عندما عرقل باسيل جهود إصلاح الحكومة في أعقاب انفجار ميناء بيروت.

وانتشر انعدام الثقة العام تجاه حزب الله على نطاق واسع منذ أن هددت الجماعة القاضي المسؤول عن التحقيق في الانفجار ، ما ساهم في اشتباكات عنيفة في أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وتساعد الانقسامات والفضائح داخل هذه الكتل السياسية القائمة الأحزاب المستقلة على الفوز بمقاعد برلمانية إضافية عبر الدوائر الانتخابية.

ويمكن لأعضاء الشتات اللبناني، لا سيما أولئك الذين لم يبدوا أبدا اهتماما بالتصويت في السابق، التأثير أيضا على النتيجة. وتجاوز عدد ناخبي الشتات الذين صوتوا في انتخابات عام 2022  ضعف الرقم في انتخابات 2018.

وغادر العديد من هؤلاء الناخبين لبنان على وجه التحديد بسبب إخفاقات المؤسسات الحاكمة، وقد تؤدي مشاركتهم إلى ترجيح النتائج لصالح أحزاب جديدة.

على الرغم من عيوبها، فإن المؤسسات الديمقراطية المتبقية في لبنان ما زالت تقدم للناخبين والسياسيين فرصة لإخراج البلاد من تدهورها الطويل.

وتتمثل الخطوة الأولى في ضمان سير هذه الانتخابات في موعدها المقرر، على الرغم من دعوات الكتل السياسية الكبرى لتأجيل الاقتراع.

وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات، سيتعين على البرلمان الجديد اتخاذ خطوات فورية لتعزيز الديمقراطية المتضررة بشدة في البلاد، من خلال تعزيز الضمانات ضد الفساد السياسي وحماية حرية التعبير.

كما يجب معالجة الأزمة الاقتصادية التي أضعفت كرامة الشعب اللبناني وحقوقه الإنسانية الأساسية.