لجنة عفو عنصرية.. هكذا يروج السيسي لحوار شكلي ينتقي البعض ويستثني الأغلبية

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

جاء هجوم المحامي اليساري "طارق العوضي" على جماعة الإخوان المسلمين ونعتها بـ"الإرهاب"، في أعقاب تعيينه بـ"لجنة العفو الرئاسية"، ليعطي صورة واضحة عن طبيعة "العفو" و"الحوار السياسي" الذي يروج له رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

وفي 27 أبريل/ نيسان 2022، أعلن السيسي خلال مشاركته بـ"إفطار الأسرة المصرية" الذي حضره رموز يسارية معارضة مثل المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، عن تكليفه بإعداد حوار سياسي مع كل القوى بدون استثناء ولا تمييز.

ووجه بتفعيل عمل "لجنة العفو الرئاسي"، مؤكدا أن الوطن يتسع للجميع وأن الاختلاف في الرأي لا يفسد للوطن قضية.

وشملت اللجنة إلى جانب العوضي، عضوا مجلس النواب وحركة تمرد، صاحبة الدور الرئيس في انقلاب 2013، محمد عبد العزيز وطارق الخولي، والناشط بالحركة أيضا كريم السقا، والسياسي الناصري كمال أبوعيطة.

مناورة مكشوفة

وسارع المحامي طارق العوضي، المعروف بعلاقاته بالأجهزة الأمنية، فور اختياره باللجنة لتأكيد أن العفو قاصر على "من لم تتلوث يديه بدماء مصرية أو يستخدم العنف في نشاطه السياسي"، ودخل في مواجهات مع منتقديه على منصات التواصل الاجتماعي.

"العوضي" الذي ادعى أن مهاجمي لجنة العفو "إخوان وإرهابيون"، أكد أيضا أنه "لا إفراج عن متورطين في القتل والعنف والتخريب"، رغم علمه أنها تهمة ملفقة لآلاف من المسجونين.

وأكد ذلك لصحيفة "الدستور"، التابعة لشركة المتحدة الإعلامية التابعة للمخابرات في 29 أبريل 2022 رغم علمه أن تهمة الانتماء للإخوان (جماعة محظورة) ملفقة لغالبية المعتقلين لا الإخوان فقط، بما فيهم مسيحيون وليبراليون وقضاة.

وسعى لتذكيره بذلك الحقوقي، عضو منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، عمرو مجدي، مؤكدا أنه لا يوجد معتقل سياسي في مصر لا يصنف "إخوان" بما فيهم رئيس الأركان السابق سامي عنان، والقاضي هشام جنينة، والمرشح الرئاسي السابق عبد المنعم أبو الفتوح وغيرهم.

وعد إعلاميون ونشطاء، أن وصف "العوضي" للإخوان بالإرهاب، بينما هو عضو في لجنة "عفو" يجرده من النزاهة، ويعني أنه لن يسعى للإفراج عن أي معارض أو منتسب للإخوان، وانتقدوا تصنيفه السياسي لكل منتم للجماعة بأنه "إرهابي".

وقال مستشار الرئيس الراحل محمد مرسي أحمد عبد العزيز ، مخاطبا العوضي، أن "اليد الملوثة بدماء المصريين هي يد السيسي، وحكمك المسبق بأن جماعة الإخوان "إرهابية" يفقدك النزاهة، وأهلية النظر في العفو.

تصريحات العوضي تزامنت مع تصريحات أخرى لأعضاء لجنة العفو تؤكد وجود شروط للعفو تجعله قاصرا على مؤيدي نظام السيسي فقط من التيار الناصري واليساري، ما يجعلها لجنة "خاصة" والعفو "انتقائيا". 

وأعلن أعضاء في لجنة العفو الرئاسي إطلاق استمارة إلكترونية لتلقي طلبات الإفراج عن المحبوسين احتياطيا على ذمة قضايا، عبر الموقع الإلكتروني للمؤتمر الوطني للشباب، بشرط عدم صدور أحكام قضائية ضد طالب العفو!

وهو ما رد عليه مراقبون بأن تشكيل لجنة للعفو وإطلاق موقع لذلك، ينسف ما يزعمه السيسي وأركان حكمه عن أنه لا يوجد "معتقلون سياسيون" في مصر، ويؤكد أنه لا يوجد نيابة أو قضاء حقيقي أو قانون أو مؤسسات.

يذكر أنه خلال فترة تصادم نظام السيسي مع الناصريين، شنت صحف السلطة هجوما على العوضي، بينها جريدة "المساء" التي نشرت في فبراير/ شباط 2018، تقريرا بعنوان "محامي الغلابة يناضل من الكباريهات".

 

عفو شكلي

منذ الإعلان عن تشكيل لجنة العفو الرئاسي لم يتم إطلاق سراح أحد سوى عدد محدود لا يتجاوز أصابع اليدين، في مقدمتهم حسام مؤنس مدير حملة حمدين صباحي، الذي طلب من السيسي إطلاق سراحه بشكل شخصي وأصدر له قرارا جمهوريا مخصوصا.

وأعلن نقيب الصحفيين ضياء رشوان، في 30 أبريل، الإفراج عن ثلاثة من الصحفيين المحبوسين بتهمة "الانضمام لجماعة إثارية ونشر أخبار كاذبة وإساءة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي".

وتحدث أعضاء اللجنة ورئيس حزب الدستور السابق خالد داوود، الذي التقاه السيسي في حفل الإفطار الرمضاني، عن قائمة خاصة بالمعتقلين تتضمن قرابة 33 فقط من أنصارهم من التيار اليساري والناصري، وعن دعمهم لنظام السيسي.

"داوود" أكد لصحيفة "المشهد" في 27 أبريل، أنهم طالبوا بإطلاق سراح "العشرات من التيار المدني"، في إشارة إلى التيارات اليسارية والناصرية الذين دعموا العسكر في انقلاب 3 يوليو/ تموز 2013 قبل أن ينقلب عليهم.

وأوضح، أن جميع الأسماء التي تم تسليمها ليسوا ممن "يهددون استقرار الدولة بل هم سجناء رأي"، وطالب بإغلاق "ملف سجناء 2019"، في إشارة لبدء حملات اعتقال النظام للمعارضة غير الإسلامية.

بالمقابل، وقبل إعلان السيسي تفعيل لجنة العفو الرئاسي، قتلت قوات الأمن الناشط الاقتصادي أيمن هدهود، بعدما عذبته وأدخلته مستشفى للصحة النفسية في القاهرة، وهو ما أكده متحدث الخارجية الأميركية"نيد برايس" في 3 مايو/ أيار 2022.

وقالت الخارجية الأميركية في تغريدة، "نشعر بقلق بالغ إزاء التقارير التي تتحدث عن وفاة الباحث المصري أيمن هدهود في الحجز وادعاءات بشأن التعذيب. تتطلب ظروف اعتقاله ومعاملته ووفاته تحقيقا شاملا وشفافا وموثوقا دون تأخير".

كما اعتقلت أجهزة الأمن الصحفية بمجلة الإذاعة والتلفزيون صفاء الكوربيجي وزميلتها المذيعة هالة فهمي بعدما بثا فيديوهات عن الفساد والنهب وانتقدوا صمت الجيش على عربدة الإسرائيليين في سيناء.

كما اعتقل أربعة فلاحين نشروا مقاطع فيديو على موقع "تيك توك" باسم "ظرفاء الغلابة" يسخرون فيها من غلاء الأسعار، ووجهت النيابة لهم تهمة "نشر أخبار كاذبة".

هذه التطورات وغيرها، أعطت مؤشرات واضحة على طبيعة العفو المنتظر، وأنه "شكلي" ضمن عملية استعادة تحالف "جبهة الإنقاذ" اليسارية مع نظام السيسي من أجل عبور مرحلة الانهيار الاقتصادي المقبلة والإفلاس المرتقب.

وهو ما أكده الناشط الحقوقي جمال عيد لقناة "الحرة" الأميركية في 3 مايو، أن عملية العفو "شكلية" و"ضحك على الذقون".

وقال "عيد" إن هذه الإجراءات الشكلية "تهدف فقط إلى امتصاص الغضب في الشارع المصري"، مستغربا العفو الرئاسي عن معتقلين بلا محاكمات فقط، لا لمن صدرت بحقهم أحكام إدانة في محاكمات ملفقة.

من جانبها، وصفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 3 مايو إجراءات نظام السيسي بشأن الحوار السياسي والعفو الرئاسي بأنها ليست سوى "محاولة من الحكومة لتلميع صورتها في العالم الخارجي".

ونقلت عن حقوقيين أن "قرارات الحكومة المصرية الأخيرة لا ترمز إلى تغيير كبير، بل تهدف بدلا من ذلك إلى استرضاء المجتمع الدولي".

وقال حسين باعومي، الباحث في شؤون مصر وليبيا الحقوقية بمنظمة العفو الدولية، إن الحكومة المصرية "تعد دائما بأنه سيكون هناك المزيد من عمليات الإفراج، لكن ما هو مؤكد وما نعرفه حقيقة هو أنهم لا يشيرون أبدا إلى تغيير في السياسة".

استبعاد الإخوان

جاءت تصريحات أعضاء لجنة العفو عن رفض العفو عن أي منتسب لجماعة الإخوان المسلمين مؤشرا واضحا لشكل "الحوار السياسي" الذي دعا له السيسي  المقتصر على اليساريين والناصريين الموالين للنظام.

لكن محاميا حقوقيا يدافع عن المعتقلين الإسلاميين أوضح لـ"الاستقلال" أن لجنة العفو الرئاسي قد لا تكون مخولة لإطلاق سراح معتقلين إسلاميين إلا لو سبقتها "مصالحة" بين السلطة والإخوان.

وأضاف، مفضلا عدم ذكر اسمه، إطلاق معتقلين إسلاميين بدون اتفاق سياسي أمر مستبعد من قبل السيسي. 

وكان ملفتا وصف السيسي طبيعة هذا الحوار السياسي بأنه "شامل" و"بدون استثناء ولا تمييز"، ما عده مراقبون أنه قد يشمل أيضا قوى إسلامية وربما من جماعة الإخوان.

وحين أشار في خطابه لفترة حكم الرئيس مرسي كقيادي محسوب على جماعة الإخوان المسلمين، لم يسم الجماعة كما اعتاد باسم "أهل الشر"، بل بأنهم "قوى غير جاهزة".

كما ترحم السيسي، لأول مرة، على الرئيس الراحل محمد مرسي، رغم أنه قام بإنتاج مسلسل استخباري خصيصا لتشويه صورة مرسي، واعترف ضمنا بالتآمر عليه.

وعلى مدار الأعوام السابق تكررت أنباء عبر صحف حكومية وخاصة عن مبادرات للمصالحة بين نظام السيسي وجماعة الإخوان، وأحاديث عن رسائل من داخل السجون لمعتقلين يطلبون إطلاق سراحهم، وسط نفي رسمي متكرر.

وذهب مراقبون إلى أن الاستجابة لهذه المصالحة لم تكن واردة، لأن النظام لا يجد نفسه مضطرا لدفع ثمن لأي إفراجات أو مصالحة، في ظل استقراره بالقمع والصمت الشعبي.

لكنهم يعتقدون أن الظروف الحالية داخل مصر، من انهيار اقتصادي وغضب شعبي غير مسبوق، وتوقع موجة غلاء فاحش بعد قرار الفيدرالي الأميركي رفع الفائدة، وتضرر الجنيه المصري، يمكن أن تدفع النظام لتهدئة مع الجماعة.

وربما إطلاق سراح بعض المسجونين بلا محاكمات، واستمرار تأجيل الإعدامات النهائية على قيادات بالجماعة، أملا في عدم قيادة الإخوان الاحتجاجات ضده، لأنهم لا يزالون الفصيل القوي القادر على تحريك الشارع رغم حملات القتل والاعتقال.

وردا على هذه التطورات، أكد المفوض السابق للعلاقات الدولية بجماعة الإخوان المسلمين، يوسف ندا، أن "باب الإخوان مفتوح للحوار والصفح بعد رد المظالم".

وطالب في بيان بتاريخ 30 أبريل 2022، بإنهاء معاناة المعتقلين وأسرهم، وتفعيل نص المادة 241 من الدستور المصري الخاصة بإصدار قانون العدالة الانتقالية.

وخلال بيان الانقلاب في 3 يوليو 2013، أعلن السيسي عشرة بنود وصفت بأنها "خارطة الطريق" تم تنفيذ ستة منها وتعطيل أهم أربعة بنود.

وكان أبرز البنود المعطلة هو البند العاشر الأخير الذي نص على "تشكيل لجنة عليا للمصالحة الوطنية من شخصيات تتمتع بمصداقية وقبول لدى جميع النخب الوطنية وتمثل مختلف التوجهات".

وقصد بهذا البند المصالحة مع جماعة الإخوان والتيار الإسلامي، وجرى تعطيل المصالحة بتعطيل إصدار قانون العدالة الانتقالية بالمخالفة للدستور، الذي يتيح تحقيق المصالحة، وإلغاء وزارة العدالة الانتقالية لاحقا، رغم النص على ذلك في الدستور.