رغم سحبها التغطية الإعلامية.. حرب أوكرانيا تعيد أزمة اليمن إلى الواجهة

عصام الأحمدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

بعد أكثر من سبع سنوات على الحرب المستعرة في اليمن، والمحاولات الأممية والدولية الرامية لوقفها بلا جدوى، عاد الاهتمام الدولي بالملف اليمني بشكل لافت من جديد.

وشهدت الآونة الأخيرة تحركات ملحوظة وزيارات واجتماعات للمبعوث الأممي لليمن وأخرى للأميركي بالمنطقة، شملت اليمن والأردن ودولا خليجية.

ويعكس هذا الحراك الدبلوماسي المتزامن مع الغزو الروسي لأوكرانيا المتواصل منذ 24 فبراير/ شباط 2022، الاهتمام الدولي باليمن، وهو ما قد يوحي بجدية المجتمع الدولي هذه المرة لإنهاء الحرب.

كما أنه يأتي في إطار توسيع النفوذ الأميركي والأوروبي في اليمن الذي يشرف على مضيق باب المندب، أحد أهم المضائق الإستراتيجية في العالم، لا سيما بالنسبة لتجارة النفط والغاز المسال.

ويقدر عدد السفن وناقلات النفط العملاقة التي تمر عبر المضيق، بأكثر من 21 ألف قطعة بحرية سنويا (57 يوميا)، بواقع نحو 3.8 ملايين برميل من النفط يوما.

ويشهد اليمن حربا مستمرة بين القوات الموالية للحكومة المدعومة بتحالف عسكري سعودي إماراتي، والحوثيين المدعومين من إيران، المسيطرين على عدة محافظات بينها العاصمة صنعاء، إضافة إلى محاولات انفصالية في الجنوب مدعومة من أبوظبي.

وحتى نهاية عام 2021، أودت الحرب بحياة 377 ألف شخص بشكل مباشر وغير مباشر، وبات معظم السكان، البالغ عددهم نحو 30 مليون نسمة، يعتمدون على المساعدات، في إحدى أسوأ الأزمات الإنسانية بالعالم، وفق الأمم المتحدة.

زيارات مفاجئة

وفي إطار هذه التحركات، قام وفد أميركي رفيع، في 3 مارس/ آذار 2022، بزيارة مفاجئة إلى محافظتي شبوة مركز تصدير الغاز المسال، وحضرموت، الغنية بالنفط جنوب شرقي اليمن، بالإضافة إلى محافظة المهرة على الحدود مع سلطنة عمان.

وأجرى الوفد الذي ترأسه المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، والقائمة بأعمال السفير الأميركي لدى اليمن، كاثي ويستلي، لقاءات مع محافظ شبوة عوض محمد العولقي، ومحافظ حضرموت فرج البحسني.

وقالت الخارجية الأمريكية في بيان، إن "الزيارة أظهرت أن اليمنيين في جميع أنحاء البلاد – حتى أولئك البعيدون عن الخطوط الأمامية – يعانون منذ سنوات من عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي".

وأضافت الوزارة: "أبرزت هذه الزيارة إلى اليمن استمرار التحديات، التي يفرضها الإرهاب والتهريب، والتي تغذّي عدم الاستقرار".

ولا تُعرف على وجه الدقة أسباب زيارة الوفد، الذي رافقته قيادات عسكرية في التحالف الذي تقوده السعودية، وسط إجراءات أمنية مشددة.

وتزامنت زيارة الوفد الأميركي مع زيارة لوفد من الاتحاد الأوروبي إلى اليمن، ضم نائبة رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في اليمن ماريون لاليس، إضافة إلى ‎السفير الفرنسي، والسفير الألماني والسفير الهولندي، والمبعوث السويدي.

وقالت بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، في بيان: "قام مستشارو التنمية من بعثة الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا وهولندا وإيرلندا والسويد، بزيارة للمتابعة الفنية إلى صنعاء، خلال الفترة من 5 – 9 مارس".

وتعد زيارة الوفد الأوروبي هي الأولى من نوعها منذ بدء الحرب في البلاد قبل سبع سنوات، التي اندلعت بسبب سيطرة الحوثي على الدولة بقوة السلاح، بما في ذلك العاصمة صنعاء، في سبتمبر/ أيلول 2014.

والتقى دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا والنرويج بالمبعوث الأممي الخاص إلى اليمن هانس غروندبيرغ ورحبوا بإطلاقه المشاورات مع الأطراف اليمنية والفاعلين الإقليميين والدوليين وأكدوا دعمهم لجهود السلام التي تقودها الأمم المتحدة.

اهتمام متزايد

وأعادت تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا على قطاع الطاقة، ملف النفط والغاز المسال في اليمن إلى الواجهة، بعد بروز مؤشرات عدة على اهتمام أميركي وأوروبي بإعادة إحياء صادرات البلد المتوقفة منذ نحو ثماني سنوات بسبب الحرب.

ورأى مراقبون أن هناك رغبة أميركية بإعادة تشغيل منشأة بلحاف لتصدير الغاز المسال المتوقفة منذ بدء الحرب، من أجل مواجهة أي أزمات محتملة في سوق الطاقة على خلفية الأزمة التي سببها الغزو الروسي لأوكرانيا.

فيما اعتبر آخرون أن الاهتمام اللافت بالشأن اليمني، هو من أجل ضمان وصول إمدادات النفط وحماية الممرات الدولية في خليج عدن والبحر الأحمر.

وفي هذا السياق، قال مدير مركز أبعاد للدراسات والبحوث اليمني، عبد السلام محمد، إن توجه الوفود الأجنبية إلى مناطق الشرق اليمني وسقطرى تؤكد أن الغرب يسارع في منع أي وجود صيني أو روسي في اليمن.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "الغرب يرى أنه من المهم تفعيل إنتاج النفط والغاز لتخفف عائداته من الأزمة اليمنية جراء الحرب ويستفيدون من الإنتاج في تغطية السوق الأوروبية".

من جانبه، رأى الباحث الاقتصادي عبدالواحد العوبلي، أن اليمن تأثر بشكل كبير من الحرب في أوكرانيا بسبب زيادة أسعار النفط واعتمادها على الاستيراد من الخارج بسبب توقف المنشآت اليمنية.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن النفط والغاز اليمنيين في ظل هذه الأوضاع لا يشكل نسبة كبيرة في سوق الطاقة العالمي".

وفي محافظتي حضرموت وشبوة نحو 35 حقلا نفطيا، أهمها "المسيلة" في حضرموت، و"العقلة" في شبوة.

فيما يصل إجمالي عدد الحقول في مناطق الامتياز باليمن إلى نحو 105 حقول منها 13 حقلا تخضع لأعمال استكشافية و12 حقلا منتجة وحوالي 81 حقلا قطاعات مفتوحة للاستكشاف والتنقيب.

وذكرت مصادر مطلعة أن السلطات اليمنية تلقت رسائل وإشارات من مسؤولين وشركات وجهات اقتصادية وتجارية أوروبية وأميركية، من أجل مساعدتها على الإسراع في استئناف تصدير النفط والغاز.

وانهار إنتاج اليمن من النفط منذ عام 2015 عندما تدخل التحالف السعودي الإماراتي في الحرب لمحاولة إعادة حكومة عبدربه منصور هادي إلى السلطة بعدما أطاح بها الحوثيون.

وكان اليمن ينتج نحو 127 ألف برميل يوميا قبل الصراع، وتفيد تقديرات إدارة معلومات الطاقة الأميركية أنه كان يملك احتياطيات نفطية مؤكدة تبلغ نحو ثلاثة مليارات برميل.

ولديه نوعان رئيسيان من النفط الخام، هما خام مأرب الخفيف وخام المسيلة المتوسط والأغنى بالكبريت.

 مؤشرات سلام

وكان الوفد الأمريكي الذي زار اليمن قد شدّد على دعمه لعملية سلام شاملة تقودها الأمم المتحدة تشمل مختلف الجماعات اليمنية، بما في ذلك مجتمعات حضرموت والمهرة وشبوة، وكذلك النساء وقادة المجتمع المدني وممثلو الفئات الأخرى المهمشة تقليديا.

وأكدت الزيارة إلى اليمن وفقا لبيان الخارجية الأمريكية، على أهمية استمرار المجتمع الدولي في دعم الاستقرار الاقتصادي وجهود الإغاثة الإنسانية.

وفي إطار هذه الجهود التي يبذلها عدد من الأطراف الإقليمية والدولية في سبيل البحث عن حل سياسي يفضي إلى إيقاف الحرب، بدأ المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبرغ، في 7 مارس 2022، سلسلة من المشاورات في العاصمة الأردنية عمان.

وذلك مع قادة من أحزاب المؤتمر، والتجمع اليمني للإصلاح، والاشتراكي، والتنظيم الناصري، لبحث عملية السلام.

ويشارك في الاجتماعات أكثر من 100 يمني ويمنية من الأحزاب السياسية وقطاعي الأمن والاقتصاد ومنظمات المجتمع المدني، لبحث الأولويات العاجلة وطويلة الأجل للمسارات السياسية والأمنية والاقتصادية.

وأوضح مكتب المبعوث الأممي أن غروندبرغ سيتابع مشاوراته مع الحكومة اليمنية والحوثيين، فضلا عن المشاورات مع المعنيين الإقليميين والدوليين.

ورحبت الولايات المتحدة، بانطلاق المشاورات وجاء في بيان صادر عن السفارة الأمريكية باليمن، "نرحب بانطلاق المشاورات في عمان، والخاصة بإطار عملية سلمية شاملة تضم مجموعة واسعة من الشخصيات السياسية والاجتماعية المهمة في اليمن".

وكان المبعوث الأمريكي قد قام بجولة خليجية في 28 فبراير/ شباط 2022، لحث الأطراف على وقف الأعمال العدائية، والمشاركة الكاملة في عملية سلام شاملة بقيادة الأمم المتحدة، واتخاذ إجراءات سريعة للتخفيف من الأزمة الإنسانية في اليمن.

ويواصل المبعوث الأممي إلى اليمن سلسلة لقاءاته مع ممثلين عن المكونات اليمنية، حيث التقى ممثلين عن مؤتمر حضرموت الجامع، وممثلين عن المجلس الأعلى للحراك الثوري الجنوبي، وممثلين عن حزب الرشاد السلفي.

وفي الأثناء، استضافت الأمم المتحدة في 16 مارس 2022، مع كل من السويد وسويسرا مؤتمر التعهدات من أجل اليمن.

وتعهدت 36 جهة مانحة بتقديم ما يقرب من 1.3 مليار دولار أميركي للاستجابة الإنسانية في اليمن من أصل 4.3 مليارات دولار مطلوبة للاستجابة الإنسانية.

وتصدرت الولايات المتحدة قائمة أعلى التعهدات، وأعلنت تقديم 584.60 مليون دولار، فيما لم تعلن السعودية والإمارات، عن تقديم أي دعم لليمن خلال المؤتمر.