رئيس مجلس مسلمي أوروبا لـ"الاستقلال": أبوظبي تفرض روايتها ضد الثورات بالغرب

12

طباعة

مشاركة

أكد رئيس "مجلس مسلمي أوروبا" سمير فالح، أن الإمارات تحاول التأثير على صنع السياسة الغربية تجاه الدول الإسلامية، خاصة في أميركا وأوروبا من أجل فرض سرديتها حول الإسلام المعادية للإخوان المسلمين والربيع العربي.

وأضاف فالح في حوار مع "الاستقلال" أن الإمارات لجأت لاستخدام نظريات المؤامرة حول أسلمة الغرب للترويج لرواياتها، مستفيدة في ذلك من خطاب أحزاب اليمين المتطرف المعادية للمسلمين.

وأشار إلى أنه لو كُتب لأحزاب اليمين المتطرف أن تحكم في أوروبا فإنها لن تستمر طويلا لفقدانها حلولا واقعية للأزمات، وستعود سريعا إلى الانتكاس والتراجع. 

وأوضح أن مسلمي أوروبا جزء لا يتجزأ من مجتمعاتهم، وليس لهم مخطط للانقلاب عليها أو استبدالها كما يروج لذلك أصحاب الخطاب العنصري الشعبوي. 

وأردف فالح أن المسلمين منتشرون بأوروبا في أغلب شرائح المجتمع وأغلب المهن والتخصصات، وفي البرلمانات والمجالس البلدية، مؤكدا أنهم قوة منتجة وعامل إثراء.

و"مجلس مسلمي أوروبا" مؤسسة مستقلة غير ربحية مقرها بروكسل، ذات خلفية دينية إسلامية وسطية ضمن منهج إصلاحي تجديدي، تأسس سنة 1989 ويضم في عضويته 28 جمعية في أكثر من 28 دولة أوروبية.

ديموغرافية الإسلام

ما الأسباب المباشرة وغير المباشرة لتزايد نسبة المسلمين في أوروبا؟ 

أما عن أسباب تزايد عدد المسلمين- والتزايد هنا نسبي- فإن عامل الإنجاب ليس الوحيد، بل حين نأخذه معزولا عن عوامل أخرى، نجد أنه لا يبتعد كثيرا عن نسب التزايد عند بقية فئات المجتمع. 

ذلك أن المسلمين في أوروبا تأتي عليهم نفس الظروف المعيشية مثل بقية مواطنيها، مثل تأخر عمر الزواج بسبب الدراسة، أو الاقتصار على طفل أو طفلين بسبب عمل الزوجين، أو غيرها من ظروف الحياة في البيئة الغربية. 

والدراسات وضعت ثلاثة سيناريوهات بالنسبة للتطور الديمغرافي لدى مسلمي أوروبا في سنة 2050 في علاقة بموضوع الهجرة، كانت نتيجته كالتالي:

- نسبة هجرة صفرية: في هذا السيناريو تصل نسبة المسلمين في كل أوروبا 7.4 بالمئة، والأعلى في فرنسا.

- نسبة هجرة متوسطة: في هذا السيناريو تصل نسبة المسلمين في كل أوروبا 11.2 بالمئة، والأعلى في بريطانيا.

- نسبة هجرة عالية: في هذا السيناريو تصل نسبة المسلمين في كل أوروبا 14 بالمئة والأعلى في ألمانيا.

كشفت دراسات حديثة عن تناقص نسبة المسيحيين بأوروبا، هل يمثل ذلك خطرا على القارة العجوز، خاصة أن غالبية المسلمين من فئات الشباب؟

بالنسبة لأتباع الديانة المسيحية فإن الأرقام الصحيحة هي تلك التي تتعلق بالكنيسة الكاثوليكية أو البروتستانتية، أما غيرها من الكنائس المستقلة فإحصاء أتباعها تقريبي هو الآخر. 

أما عن الانعكاسات المحتملة لمثل هذه التطورات الديموغرافية، فالإشارة إلى أنها خطر يستبطن في الحقيقة نفسا عنصريا يتعامل مع المسلمين وكأنهم خارج مجتمعاتهم الأوروبية، وهو خطاب التيارات الشعبوية وأحزاب اليمين المتطرف. 

إننا ننطلق من حقيقة ما زلنا نؤكدها في كل مناسبة، وهي أن مسلمي أوروبا جزء لا يتجزأ من مجتمعاتهم، وليس لهم مخطط للانقلاب عليها أو استبدالها كما يروج لذلك أصحاب هذا الخطاب. 

إن التطور الديموغرافي عند مسلمي أوروبا يعود بالنفع على مجتمعاتهم فيُعزز القوى العاملة وينشط الحياة الاقتصادية وغير ذلك من المنافع.

اندماج مجتمعي

هل يمثل المسلمون في أوروبا شريحة معينة؟ وهل نجحت هذه الشريحة بالاندماج بالمجتمعات الأوروبية؟

مهما مثل المسلمون خصوصية دينية في مجتمعاتهم الأوروبية، إلا أنهم بقياس المواطنة جزء كامل الحقوق والواجبات فيها. 

وتوالت تصريحات كبار السياسة في السنوات الأخيرة لتأكيد هذا المعنى: الإسلام والمسلمون جزء لا يتجزأ من المجتمعات الأوروبية. 

هذه الحقيقة وهذا الواقع هما نتيجة التطور الذي شهده الوجود المسلم في أوروبا، حيث بدأ مهاجرا وعابرا، ثمّ انتقل إلى البحث عن أسباب الاندماج، وانتهى إلى مُواطن تتحقّق فيه كلّ عوامل الاستقرار.

يشار إلى أن العديد من الدول الأوروبية كانت قد شهدت انتخابات رئاسية أو تشريعية أو غيرها خلال عام 2021، حيث إن مسلمي أوروبا كانوا حاضرين في هذه المحافل الانتخابية من وجهين.

الأول أنهم موضوع للحملات الانتخابية في أحيان قليلة بشكل إيجابي يدعو لاعتبارهم ضمن النسيج المجتمعي، وفي أحيان كثيرة بشكل سلبي يتم اتخاذهم كوقود لحملات عنصرية وشماعة تُعلق عليها الكثير من الأزمات.

أما الوجه الثاني لحضور مسلمي أوروبا فهو مشاركتهم ليس فقط بالإدلاء بأصواتهم وإنما أيضا بالترشح لمحتلف المناصب السياسية، وهذه تجربة باتت تترسخ أكثر فأكثر.

حيث أن تطور مسار مشاركة المسلمين في الحياة السياسية في مجتمعاتهم الأوروبية يعكس حقيقة طبيعية وهي أنهم جزء لا يتجزأ من مجتمعاتهم تلك.

هل استطاع المسلمون في أوروبا الحفاظ على حد معين من الهوية الإسلامية خلال انخراطهم في مجتمعاتهم الجديدة؟

إن الخصوصية الدينية للمسلمين، وفي ظل الحرية الدينية المكفولة في كل القوانين والدساتير الأوروبية، لا تُمثل في الحقيقة عامل استبعاد وإقصاء لهم بقدر ما تُزيّن وتثري المجتمعات الأوروبية متعددة الثقافات بهم. 

هذا رغما عن أصوات اليمين المتطرف والتيارات الشعبوية التي تنادي بغير ذلك.

خلال هذا التطور الذي شهده الوجود المسلم في أوروبا كان موضوع الهوية ولا يزال محل جدل وتمحيص.

نحن في مجلس مسلمي أوروبا ممن يقولون إنه لا تعارض بين الانتماء للوطن الأوروبي وبين الانتماء للإسلام، لا تعارض ولا تناقض بأن تكون فرنسيا أو ألمانيا أو بريطانيا وأن تكون مسلما.

كما يجب على مسلمي أوروبا، وخصوصا الأجيال الجديدة، أن يتخلصوا من هذا التناقض الذي يُكبّلهم ويُلقي بهم في خضمّ معارك وهميّة حول الهوية. 

ولا أدلّ على صحّة هذا الموقف من انخراط مسلمي أوروبا اليوم أكثر فأكثر في مجتمعاتهم ومشاركتهم فيما ينفعها ويرفع من شأنها، وذلك رغم بعض العراقيل هنا وهناك. 

فنجدهم في أغلب شرائح المجتمع وفي أغلب المهن والتخصصات، ونجدهم أصحاب مصانع ومتاجر، ونجدهم في البرلمانات والمجالس البلدية، إنهم قوة منتجة وعامل إثراء.

هل تزايد عدد المسلمين في أوروبا قد يجعل المجتمعات الأوروبية أكثر قبولاً للإسلام أم أنها ستزيد من حدة الإسلاموفوبيا؟ 

إننا نعتبر تزايد عدد مسلمي أوروبا يعود بالنفع على المجتمعات الأوروبية، وإن روّجت التيارات الشعبوية واليمين المتطرف لعكس ذلك. 

وأضرب مثالا على ذلك: موجة الهجرة التي اجتاحت أوروبا في سنة 2015، والتي استقبلت ألمانيا الجزء الأكبر منها.

هؤلاء المهاجرون اليوم نجحوا بأقدار كبيرة في تحدي الاندماج، بل إنهم اليوم باتوا قوّة مُنتجة تُساهم في تطوّر الاقتصاد الألماني.

وهم إلى جانب ذلك ورغم الخصوصية الدينية والثقافية في غالبيتهم إضافة وإثراء للمجتمع الألماني.

إن ما تقوم به التيارات الشعبوية واليمين المتطرف من حملات تخويف وما تُطلقه من خطاب الكراهية، ليس له من هدف إلا اصطياد أصوات الناخبين في ظل أزمات تعيشها بعض الدول الأوروبية. 

ولو كُتب لهذه التيارات وهذه الأحزاب أن تحكم، فإنها لن تستمر طويلا بحكم فقدانها لحلول واقعية لهذه الأزمات وسوف تعود سريعا إلى الانتكاس والتراجع. 

يُضاف إلى ذلك أن الأجيال الجديدة من المسلمين في أوروبا، وبحكم تشبعها بالثقافة المواطنية، لن يثنيها خطاب الكراهية ولن يدفعها إلى التقوقع والانعزال.

بل إنه سوف يكون لها من خلال مشاركتها المجتمعية، ومن ضمنها السياسية، الأثر الإيجابي في ترسيخ الوجود المسلم في أوروبا ليكون مُكوّنا طبيعيا في محيطه.

سرديات معادية للإسلام

ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد ورأس النظام المصري عبد الفتاح السيسي حذرا أوروبا من أنشطة المسلمين السياسية، ما أثر مثل هذه التصريحات؟ 

خيوط هذه المؤامرة بدأت تتكشف وتظهر، فقد كشف موقع "بوليتيكس توداي" الأميركي محاولات دولة الإمارات التأثير على صنع السياسة الغربية على المستوى الأكثر إستراتيجية تجاه الدول الإسلامية.

خاصة في أميركا وأوروبا من أجل فرض سرديتها حول الإسلام المعادية للإخوان المسلمين والربيع العربي والأنشطة المستقلة للمجتمع المدني.

حيث إن معظم الدول الغربية تتجاهل أنشطة الإمارات وعمليات نفوذها في عواصم تلك الدول باعتبارها أنشطة دبلوماسية عامة لشريك في الخليج.

إضافة إلى أن أبوظبي كانت قد احتضنت شبكات معلومات تتكون من قوميين يمنيين وكارهين للإسلام ومستشرقين في وسائل الإعلام والأوساط الأكاديمية وصنع السياسات.

كما استخدمت الإمارات نظريات المؤامرة حول أسلمة الغرب للترويج لرواياتها.

والأحداث والمداهمات التي شهدتها النمسا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، كشف القضاء هناك في ثلاث قضايا إلى حدّ الآن أنها أسست على أسس خاطئة وأنها بالتالي غير قانونية.

وللعلم فإن المصدر الأول الذي اعتمدت عليه تحقيقات النيابة العمومية النمساوية في هذه القضية دراسات لمختصين في الإسلام السياسي وهم:

فيدينو (Lorenzo Vidino)، وهاينش (Heiko Heinisch)، وشولتس (Nina Scholz)، وهؤلاء ودائرتهم تروّج لسرديات دول الثورة المضادة في موضوع الإسلام السياسي.

ونعتقد أن مآل هذه المحاولات سيكون إلى فشل.

ومسلمو أوروبا ومؤسساتهم بقدر تجذرهم في واقعهم الأوروبي ومجتمعاتهم وتحصّنهم ضدّ الأجندات الخارجية وحفاظهم على استقلالية قرارهم، سينجحون في التصدي لكل محاولات التشويه والتحريض.