اتهامات طالت غريفث.. ما سرّ انسحاب الحوثيين المفاجئ من الحديدة؟

آدم يحيى | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

أثار إعلان جماعة الحوثي الأسبوع الماضي، بدء انسحابهم من مدينة الحديدة غرب اليمن، تمهيدا لإعادة انتشارهم تنفيذا لاتفاق السويد، تساؤلات عدة عن سر الانسحاب المفاجئ؟ وما إذا كان له علاقة بالتحرك العسكري الأمريكي الأخير في منطقة الشرق الأوسط؟

 على إثر ذلك الإعلان قام الحوثيون بما اعتبروه انسحابا وأعلنوا اكتمال تنفيذهم الانسحاب من الموانئ في محافظة الحديدة تنفيذا لاتفاق تم التوصل إليه في السويد في ديسمبر/كانون الأول الماضي، والتي أشرفت عليها الأمم المتحدة عبر مبعوثها الخاص مارتن غريفث.

وليست هذه المرة التي يعلن فيها الحوثيون انسحابهم من ميناء الحديدة، فقد أعلن الحوثيون في ديسمبر/كانون الأول الماضي انسحاب قواتهم من موانئ الحديدة الثلاثة، فقد قال المتحدث العسكري باسم جماعة الحوثي يحيى سريع: إن "قواتهم انسحبت من الموانئ تنفيذا للاتفاقية، وأن قوات خفر السواحل التي تسلمت مهمة الأمن في الميناء هي نفسها التي كانت مسؤولة عن حماية الميناء قبل الحرب". 

التفاف وتحايل 

لم تقبل الحكومة الشرعية ذلك الانسحاب الذي نفذه الحوثيون، وقالت: إنه "التفاف وتحايل، وأن ما تم ليس انسحابا بل مسرحية هزيلة قامت بها الجماعة، إذا قاموا بتسليم الموانئ من أنفسهم بصفتهم مليشيا ترتدي زيا شعبيا، إلى أنفسهم بصفتهم جماعة انقلابية ترتدي زيا رسميا خاصات بشرطة خفر السواحل، و تسيطر على الميناء منذ الانقلاب".

وقال محافظ الحديدة الحسن طاهر في مقابلة له مع "فرانس برس": إن الحوثيين ينفذون مسرحية جديدة في الحديدة بتسليم ميناء الحديدة والصليف ورأس عيسى لأنفسهم من دون رقابة أممية أو من الجانب الحكومي حسب آلية الاتفاق"، ووفق طاهر، فإن "هذه خطوة أحادية تناقض الاتفاق وتتحمل الأمم المتحدة وعلى رأسها مبعوثها في اليمن (مارتن غريفيث) مسؤوليتها".

ونقلت وكالة "رويترز" عن وزير الإعلام، معمر الإرياني، قوله إن هذا الإعلان يهدف إلى "تضليل المجتمع الدولي قبل اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة" حول اليمن. 

وكان الحوثيون قد أعلنوا انسحابهم من ميناء الحديدة في ديسمبر/كانون الأول الماضي، غير أن ذلك الادعاء لم يفلح، فقاموا مرة أخرى بما سموه انسحابا، في تكرار لتلك المحاولة التي سلموا فيها الميناء من أنفسهم لأنفسهم، وقد سبق الانسحاب الأخيرُ الإحاطة التي ألقاها مارتن غريفث، فيما بدا وكأنه تصرف دفع إليه غريفث لتجنب إحراجه في مجلس الأمن الذي كان من المقرر أن يتحدث فيه عن إنجازه خلال تلك الجلسة .

 

تسمية الطرف المعرقل

 منذ تعيين المبعوث الأممي، والاتهامات الصادرة من الحكومة الشرعية توجه إليه بالتواطؤ مع الحوثيين وعدم وضوحه في التعامل، وكان مدير مكتب الرئاسة عبدالله العليمي، قد اتهم في وقت سابق المبعوث الأممي الى اليمن غريفيث بالتراخي، وعدم الوضوح في تسمية معرقلي اتفاق الحديدة.

وقال  العليمي، إن التراخي في تنفيذ الاتفاق وغياب الوضوح في تسمية المعرقلين يدفع إلى فشل اتفاق السويد، مشيرا إلى أن التصعيد المستمر للحوثيين وإعاقة وصول المساعدات الإنسانية والاعتقالات اليومية تشير إلى عدم وجود أي نوايا للسلام. 

وكانت الأحزاب السياسية المساندة للشرعية قد طالبت الأممَ المتحدة بأداء أكثر وضوحا وصرامة ضد الانقلابيين، وقال ممثلو الأحزاب السياسية، خلال لقائهم غريفيث، إن "تساهل الأمم المتحدة شجع مليشيا الحوثي على الاستمرار في انقلابها، ورفضها للحل السلمي وتحديها للمجتمع الدولي"، ودعا ممثلو الأحزاب المبعوث الدولي إلى توسيع دائرة مستشاريه وعدم حصرهم في توجه معين.

المبعوث يرحب 

على الرغم من أن اتفاق السويد قضى بتسليم الموانئ للحكومة الشرعية، إلا أن الحوثيين سلموها من أنفسهم لأنفسهم، ومع ذلك رحب المبعوث الدولي بهذه الخطوة واعتبرها إنجازا مهما، وقد أدلى  غريفث بإحاطة خلال اجتماع مجلس الأمن الأسبوع الجاري، بشأن انسحاب جماعة الحوثي، وطالب فيها أعضاء المجلس بالترحيب بذلك الانسحاب، كما طالب بإصدار دعوة لطرفي النزاع، بالعمل مع رئيس لجنة إعادة الانتشار في الحديدة مايكل لوليسغارد.

ونقلت وكالة "فرانس برس" للأنباء عن فرحان حق المتحدث باسم الأمم المتحدة تأكيده بدء عملية الانسحاب التي وصفها المبعوث الأممي مارتن غريفيث بأنها "خطوة أولى".

وكان رئيس الحكومة معين عبد الملك، قد انتقد دور المبعوث الأممي مارتن جريفيث وإجراءاته بشان تنفيذ اتفاق ستوكهولم المتعلق بتسليم موانئ مدينة الحديدة. وقال خلال لقائه السفير الروسي لدى اليمن فلاديمير ديدوشكين: إن "ما جرى في الحديدة من تسليم مليشيا الحوثي الموانئ لأنفسهم أمر غير مقبول، ويخالف الاتفاق بشكل صريح". 

وأوضح عبدالملك، أن "مهام المبعوثِ الأممي ورئيس لجنة إعادة الانتشار هي تطبيقُ قرارات مجلس الأمن وليس مباركةَ الخطوات الأحادية الالتفافية للاستمرار في الحرب ضد الشعب اليمني".

لم يعد نزيها

واجه المبعوث الأممي تصعيدا غير مسبوق من مسؤولين في الحكومة الشرعية، وذلك بعد الإحاطة التي بارك من خلالها الانسحاب الذي قام به الحوثيون، وقد أصدرت الحكومة الشرعية تصريحا صحفيا هو الأشد، حيث قال المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليمنية، راجح بادي إن مارتن غريفث لم يعد نزيها ولا محايدا في أداء المهمة الموكلة إليه وفقا للقرارات الدولية، وأنه انحرف عن مسار المهمة الموكلة إليه، 

 من جانبه، طالب  رئيس المكتب الفني للمشاورات، عضو الوفد الحكومي محمد العمراني بإنهاء دور المبعوث الأممي مارتن غريفيث، متهما إياه بعدم النزاهة والحياد. وقال العمراني في لقاء تلفزيوني على قناة اليمن الرسمية: إن "غريفيث ينطلق من مبادئ خاطئة، ويساوي بين حكومة شرعية ومليشيا".

وأوضح العمراني، أن "اجتماعات عمّان الأخيرة بين ممثلي الحكومة ومليشيا الحوثي لمناقشة إيرادات موانئ الحديدة، وصلت إلى طريق مسدود، بسبب تعنت المليشيا، وتماهي المبعوث الأممي معها. 

ووفق مستشار رئيس الوزراء اليمني محمد الصبري، فإن الحكومة منذ فترة وهي تراقب ما وصفها "لعبة غريفيث"، مؤكدا أن مواقفه الأخيرة المتمالئة مع الحوثيين وإحاطته لمجلس الأمن عن اللعبة التي تم إدارتها في مدينة الحديدة كشفت بشكل كامل عن السوء الذي يمثله الرجل.

وأشار إلى أن غريفيث في الأصل معني بتنفيذ قرار مجلس الأمن، فإذا به يدخل في ممارسات لا تتفق مع وظيفته الدبلوماسية والدولية؛ ولا مع قرارات الأمم المتحدة.، وتساءل الصبري: كيف للحكومة أن تتعامل مع مبعوث لا يحترم مهمته؟

وتجاه ذلك التصعيد الحكومي أعربت الأمم المتحدة عن قلقها الشديد من الأحداث الأخيرة التي شهدتها اليمن وكذا تشدّد الخطاب تجاه مبعوثها الخاص خلال الأيام الماضية. وقال المتحدث باسم الأمين العام استيفان دوجاريك، إن الإجراءات المتخذة في اتفاق الحديدة إيجابية، معربا عن تفاؤل الأمم المتحدة إزاء الالتزام الثابت الذي كرره الرئيس هادي وحكومته. 

استقالة وتعيين

وقالت وكالة "الأناضول" إن رئيس فريق المراقبين السابق المعين من قبل الأمم المتحدة الجنرال الهولندي باترك كاميرت قدّم استقالته، بعد أن عجز عن تنفيذ اتفاق السويد المتعلق بتسليم مدينة الحديدة وموانئها من قبل الحوثيين. 

وتحدثت مصادر حكومية عن خلافات حادة بين المبعوث الأممي غريفث، ورئيس المراقبين الجنرال كامرت حول عملية الانتشار الصورية الذي قام بها الحوثيون في ميناء الحديدة، حيث قضت تفاهمات ستوكهولم بأن يقوم الحوثيون بالانسحاب من ميناء الحديدة وتسليمه للحكومة الشرعية وللطاقم الذي كان يعمل في الميناء قبل الانقلاب في 2014، لكن الحوثيين سلموا الميناء إلى موظفين عينوهم بأنفسهم بعد الانقلاب على الحكومة الشرعية.

من جانبها، نقلت وكالة "رويترز" عن دبلوماسيين قولهم، إن الأمم المتحدة تعتزم تعيين الدنماركي مايكل أنكر ، خلفا لكاميرت في قيادة فريق مراقبة وقف إطلاق النار وإعادة الانتشار في الحديدة، وكان  أنكَر قد قاد مهمة للأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي في ألفين وستة عشر، كما عمل ضمن القوات الدولية في العراق عام ألفين وستة.