شواهد وأدلة.. كيف تلاعبت الإمارات بالانتخابات البرلمانية العراقية؟

يوسف العلي | منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

ضمن سلسلة تدخلاتها في الشؤون الداخلية للدول العربية، تكشفت هذه المرة حقائق مثيرة عن امتداد أصابع دولة الإمارات إلى العراق للعبث بالانتخابات البرلمانية، والتلاعب بنتائجها التي تبنى عليها خارطة البلد السياسية، واستحقاقات الكتل في تشكيل الحكومة.

ما كشفه رئيس البرلمان العراقي السابق سليم الجبوري الأسبوع الماضي، من دور للإمارات في إقصائه بعد التلاعب بنتائج الانتخابات البرلمانية، سبقته أدلة وشواهد عدة أثارت القلق قبل بدء الاقتراع العام بأكثر من شهر.

نتائج صادمة

فجّر الجبوري في مقابلة تلفزيونية، مفاجأة من العيار الثقيل عن تدخل الإمارات في الانتخابات العراقية التي جرت في مايو/أيار 2018، بالقول: "كنت فائزا بالانتخابات النيابية وفق جميع المعطيات بالشواهد والأدلة، وكذلك تلقيت اتصالا من الإدارة الانتخابية تؤكد فوزي".

وأضاف، أن "خميس الخنجر (سياسي عراقي كان مقربا من الإمارات) أبلغه قبل أسبوعين من الانتخابات بتدبير أمر معين في الإمارات يتعلق بوضع الانتخابات، لأن السيرفرات الخاصة بالاقتراع كانت هناك"، مشيرا إلى أن "الخنجر أكد بأن النتائج ستكون صادمة بالنسبة له".

وأوضح الجبوري، أنه "أثناء عملية الطعن، حرق متربصون محطة في الخارج تضم 109 أصوات، لكنها لم تؤثر على نتيجته" بحسب قوله، لافتا إلى أنهم "رجعوا إلى محطة انتخابية في يوم الانتخابات عليها مؤشرات التزوير وقاموا بفتحها واحتسابها لأحد المنافسين والذي أصبح نائبا فيما بعد".

وعلى ما يبدو فإن الجبوري، يشير إلى أن إقصاء الإمارات له كونه يعد أحد قيادات الحزب الإسلامي العراقي سابقا، والذي كان يمثل الجناح السياسي للإخوان المسلمين في العراق، قبل أن يعلن انشقاقه.

ومع دخول رئيس البرلمان العراقي السابق، ضمن قائمة يرأسها إياد علاوي السياسي المقرب والمدعوم من الرياض وأبو ظبي، إلا أن خسارته كانت إحدى النتائج الصادمة في الانتخابات البرلمانية.

الانقلاب على الخنجر

وعودة إلى خميس الخنجر نفسه، فقد أعلن انسحابه من السباق الانتخابي قبل أقل من شهر على انطلاقها، معللا ذلك بأسباب شخصية (لم يذكرها) تحول دون الاستمرار في خوض غمار المنافسة على مقعد نيابي عن محافظة بغداد.

الخنجر الذي كان مقربا من ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد حتى أثناء الأزمة الخليجية، حافظ في الوقت نفسه على علاقته بأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، إلا أن وسائل إعلام إماراتية وأخرى عراقية ممولة من أبو ظبي، شنت حملة تسقيط ضد الخنجر قبل الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في أيار/ مايو 2018.

صورة تظهر خميس الخنجر يجلس في أقصى يسار الطاولة 

وفي حديث لـ"الاستقلال"، كشفت مصادر سياسية عراقية طلبت عدم كشف هويتها، أن "علاقة الإمارات بالخنجر انتهت قبل بدء الانتخابات البرلمانية، بعدما دخلت السعودية والإمارات على خط دعم أطراف سياسية سنية".

وأوضحت المصادر، أن "الخنجر لم يكن ضمن تحالف سني دعمته الإمارات والسعودية بعد مفاوضات كان يديرها وزير الدولة السعودي ثامر السبهان من العاصمة الأردنية عمّان، بينما كانت أطراف سنية أخرى قريبة من محور قطر وتركيا تشكل قائمة انتخابية، منها تحالف القرار بزعامة الخنجر وأسامة النجيفي".

وظهر انقلاب الإمارات جليا على حليفها أمين عام المشروع العربي العراقي خميس الخنجر، في ديسمبر/كانون الأول 2017 بهجوم عنيف شنه عليه موقع "بغداد بوست" الممول من أبو ظبي، في تقرير عنوانه: "بروفايل: خميس الخنّجر.. أمين المشروع الإيراني القطري المليشياوي في العراق". 

والمثير بالأمر، أن هجوم الموقع العراقي المدعوم إماراتيا جاء بعد سلسلة تقارير نشرها تروّج للخنجر وتدعم تحركاته وتصريحاته السياسية التي تظهره على أنه زعيم عربي سني بأطر وطنية.

وكذلك، نشر تصريحات للخنجر أيد فيها الحرب على الحوثيين في اليمن والذي وصفهم في حينها بأنهم "قرامطة العصر"، وذلك بعد حديث السعودية عن اعتراض صواريخ مصدرها اليمن كانت تستهدف مدينة مكة.

شواهد وأدلة

تشير المعطيات التي سبقت الانتخابات البرلمانية العراقية، إلى اهتمام إماراتي على مستوى عال، حيث تواصلت عن طريق سفيرها في بغداد حسن أحمد الشحي، مع رئيس مجلس مفوضية الانتخابات العراقية معن الهيتي.

ونشر الهيتي على حسابه في "فيسبوك" في 27 آذار/مارس 2018، إنه "زار سفير دولة الامارات العربية المتحدة لدى العراق حسن أحمد الشحي، شرح خلال اللقاء للسفير الاماراتي استخدام التقنية الإلكترونية في الانتخابات البرلمانية العراقية المقبلة واستخدام جهاز العد والفرز الإلكتروني والتي ستساهم بسرعة إعلان النتائج".

وأضاف رئيس مجلس المفوضية، أنه "تباحث أيضا مع السفير حول الانتخابات الخاصة بتصويت العراقيين في الخارج والإجراءات التي ستتبعها المفوضية لغرض تسهيل تصويت العراقيين المقيمين في الخارج".

من جهته، أشاد السفير الإماراتي بجهود المفوضية وعملها المستمر فيما يتعلق باستعداداتها لأجراء الانتخابات والخطط التي وضعتها، والبرامج التي أعدتها لهذا الغرض، حسبما ورد في حساب "فيسبوك" الهيتي.

الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في أيار/مايو 2018، استخدمت للمرة الأولى نظام التصويت الإلكتروني للحد من عمليات التزوير التي شابت عمليات الاقتراع السابقة، لكن ما أثار مخاوف كتل سياسية، اكتشافهم شراء أجهزة التصويت من دبي.

وأصدر حزب "الوفاق الوطني" الذي يتزعمه إياد علاوي، بيانا أعرب فيه عن قلقه من قيام الحكومة بشراء أجهزة التصويت الإلكتروني من دبي، بدلا من شرائها من منشئها الأصلي في كوريا الجنوبية.

ونقل البيان عن المتحدث باسمه هادي الظالمي قوله: "مع بدء العد التنازلي للانتخابات النيابية والتي نعول كثيرا على نزاهتها وشفافيتها لترسم منعطفا مصيريا في تاريخ الشعب العراقي والعملية السياسية، تظهر الكثير من المؤشرات المقلقة حول سلامة الانتخابات لعل أخطرها ما يتعلق بأجهزة التصويت الإلكتروني".

وأضاف: "تثار تساؤلات جدية عن عدم شراء تلك الأجهزة من كوريا الجنوبية منشأ التصنيع حيث التقنية العالية وإجراءات السلامة الآمنة بدلا من وكيل الشركة الكورية في حكومة دبي، وعن السبب في استبعاد آليات المناقصة القانونية في عملية شرائها".

وتساءل الظالمي: "لماذا يتم نقل نتائج التصويت إلى القمر الصناعي الثريا (مقره الإمارات) دون غيره؟ إضافة إلى العديد من الاستفهامات الملحة الأخرى، التي تستدعي بمجملها إشراك القضاء في كافة مراحل العملية الانتخابية وحتى مصادقة النتائج النهائية".

وتابع: "هناك قلق ومخاوف من دلالة هذه المؤشرات"، داعيا مجلس القضاء الأعلى إلى "ضمان سلامة الانتخابات ونتائجها لتعكس الإرادة الحقيقية للشعب العراقي في تأكيد خياراته السياسية ومصالحه".

لكن تساؤلات الظالمي، رد عليها المتحدث باسم مفوضية الانتخابات المنتمي للتيار الصدري كريم الموسوي، بالقول: "المعلومة التي أوردها بيان حركة الوفاق غير صحيحة، وإنما تم شراء الأجهزة من المنشأ في كوريا الجنوبية".

وعلى الرغم من عدم إعطاء التميمي، إجابات واضحة على جميع تساؤلات الضالمي، إلا أنه اكتفى بالقول إن "الأجهزة خضعت للتجارب والمحاكات لأكثر من مرة، لإثبات صلاحيتها وعدم تعرضها لأي إخفاق في يوم الانتخابات".

خلافا للاستطلاعات

خلافا لغالبية استطلاعات الرأي التي أجرتها مراكز بحثية عراقية، فقد فازت بالانتخابات قائمة "سائرون" المدعومة من زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي وطّد علاقته بالإمارات والسعودية في زيارتين تاريخيتين عام 2007، فسّرها مراقبون على أنها تهدف لإبعاد التيار الشعبي الأوسع في العراق عن الهيمنة الإيرانية.

وحققت قائمة "سائرون"، المرتبة الأولى في نتائج الانتخابات البرلمانية بحصولها على 54 مقعدا، تلتها قائمة "الفتح" الممثلة لفصائل الحشد الشعبي بقيادة هادي العامري بـ48 مقعدا، فيما حلّت قائمة "النصر" بزعامة رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ثالثا بـ43، وهنا كانت المفاجأة.

فقد نشر مركزا "أفكار عراقية"، و"الدراسات الإستراتيجية والدولية" نتائج استطلاعين، شمل الأول ألف عينة، فيما لم يكشف الثاني عن تفاصيل في هذا المجال، ولكنهما اتفقا على أن قائمة "النصر"، التي يقودها العبادي ستحقق فوزا مريحا في الانتخابات.

وقال مركز "أفكار 1001 عراقية"، إنه أجرى استطلاعه بين 17 و21 مارس/آذار، مشيرا إلى أن قائمة العبادي حصلت على تأييد 15 في المئة من أفراد العينة المستطلعة، فيما حلت القائمة التي يدعمها مقتدى الصدر في المركز الثاني، وتحالف "الفتح" بزعامة العامري، المدعوم من إيران، ثالثا.

أما استطلاع "مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية"، فكان أكثر تفصيلا لجهة النتائج، إذ يقول إن العبادي سيحصل على مقاعد يتراوح عددها بين 72 و78، بينما سيحصل المالكي على نحو 20 مقعدا.

ولا تشبه نتائج هذه الاستطلاعات توقعات أكثر المتفائلين من مقربي العبادي، الذين يرون أن رئيس الوزراء سيحصد أكثر 60 مقعدا في البرلمان الجديد، بحسب قول العبادي نفسه في مقابلة تلفزيونية.