عمليات نوعية.. من وراء استهداف الحرس الثوري الإيراني على حدود باكستان؟

يوسف العلي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تشهد مناطق جنوب شرقي إيران على حدود باكستان تصعيدا في العمليات المسلحة النوعية التي تكبد الحرس الثوري خسائر فادحة في صفوفه، ضمن الرقعة الجغرافية التي يتولى مهام الأمن فيها "مقر القدس" الذي تقع تحت سيطرته محافظتا بلوشستان، وكرمان.

العمليات أصبحت مؤخرا تحدث في كل شهر تقريبا وتوقع خسائر كبيرة، وغير معروف الجهات التي تقف وراءها.

إلا أن سلطات طهران تصف من ينفذها بـ"الأشرار"، الأمر الذي يثير تساؤلات بخصوص هوية هذه المجاميع التي أصبحت كابوسا يؤرق القوات الإيرانية.

خسائر كبيرة

خلال الخمسة أشهر الأخيرة قتل 12 عنصرا أمنيا نتيجة هجمات مسلحة من بينهم ثلاثة ضباط برتب كبيرة.

كان آخرها ما أعلن عنه "مقر القدس" في 25 ديسمبر/كانون الأول 2021، حيث جرت اشتباكات عنيفة بين الحرس الثوري ومسلحين، قرب زاهدان، بالمنطقة الحدودية لإقليم بلوشستان، جنوب شرقي إيران.

ونجم عن الاشتباكات مقتل اثنين من قادة الحرس الثوري برتبة لواء من عناصر الحرس الثوري الإيراني، هما: مهران شوري زاده، ومحسن كيخائي، حسبما ذكرت وكالة أنباء "فارس"، دون الكشف عن مزيد من التفاصيل بشأن الاشتباك، فيما وصفت المسلحين بـ"الأشرار".

وفي 18 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، أعلنت وكالة "تسنيم" الإيرانية، أن ثلاثة عناصر من قوات الأمن المحلية قتلوا في الأيام القليلة الماضية، وذكرت أن ضابطا في الشرطة قتل في محافظة خوزستان، أثناء عملية دهم استهدفت موقعا لعصابة "سطو مسلح".

ونقلت وكالة "تسنيم" أيضا عن قائد شرطة محافظة كرمان الإيرانية، عبد الرضا ناظري، قوله إن "أرفع" مسؤول في مقر عمليات "أبو ذر" بالمحافظة لقي مصرعه في اشتباك مع "أشرار مسلحين"، حسب وصفه.

وبين قائد الشرطة، أن عناصر قوات الأمن اشتبكوا مع مجموعة من المسلحين خلال قيامهم بدورية في منطقة سهلية في سمسور عند الحدود بين محافظتي كرمان وسيستان-بلوشستان، جنوب شرقي إيران.

وأضاف ناظري خلال تصريحات نقلتها وكالة "تسنيم" الإيرانية أنه خلال المواجهة التي استمرت لنحو 24 ساعة، قضى ثلاثة من عناصر الأمن بينهم ضابط برتبة عقيد، وأصيب ستة آخرون بجروح.

في المقابل، قتل اثنان على الأقل من المجموعة المسلحة "ممن لديهم باع طويل في الشر وعدم الاستقرار في منطقة الجنوب الشرقي"، وفق ناظري الذي لم يقدم تفاصيل إضافية بشأن المسلحين.

وكان الحرس الثوري الإيراني قد أعلن في يوليو/تموز 2021، عن مقتل أربعة من عناصره في اشتباك مع مجموعة مسلحة في منطقة خاش بسيستان-بلوشستان جنوب شرقي إيران.

كما تعرض عدد من عناصر قوات الأمن الإيرانية في المحافظة للخطف على يد مجموعات تعتبرها طهران "إرهابية" أو "مناهضة للثورة الإسلامية" في البلاد، وتوعدت بملاحقتها في أكثر من بيان رسمي.

منطقة متوترة

ما يجري من اشتباكات مسلحة وعمليات اختطاف لعناصر أمنية إيرانية تقع في منقطة حدودية مع أفغانستان وباكستان.

وتعد منطقة بلوشستان الحدودية منطقة متوترة أمنيا وسبق أن حصلت فيها العديد من الأحداث الأمنية.

وفي الأول من ديسمبر 2021، أفادت عدد من وسائل الإعلام المحلية في طهران والإقليمية بوقوع اشتباك مسلح عنيف بين قوات من حركة طالبان الأفغانية وآخرين من حرس الحدود الإيراني في هذه المنطقة، جرى خلاله "احتلال عدد من نقاط التفتيش الحدودية الإيرانية".

كما اقتحم سكان محليون مبنى حكوميا في مدينة سراوان الواقعة جنوب شرقي إيران احتجاجا على مقتل عمال وقود.

وأظهرت مقاطع فيديو على مواقع التواصل الاجتماعي، في فبراير/شباط 2021، احتجاجات واسعة لمئات من سكان المدينة بمحافظة سيستان- بلوشستان واقتحامهم لمبنى قائمقامية المدينة وتدمير بعض محتوياته.

وأفادت محطة إيران "إنترناشيونال" المعارضة الناطقة بالفارسية ومقرها بريطانيا، نقلا عن مصادر حقوقية، أن المحتجين في سراوان الحدودية أضرموا النار في سيارة شرطة أيضا.

وأوضحت المصادر، أن سبب الاحتجاجات كان إطلاق عناصر من الحرس الثوري الإيراني النار على عدد من عمال نقل الوقود عبر الحدود مع باكستان ما أدى إلى مقتل وإصابة 15 شخصا على الأقل، فيما عطلت السلطات شبكة الإنترنت في مدينة سراوان بعد تجمهر السكان المحليين واقتحامهم مبنى الحاكم بها اعتراضا على الحادث.

جاء ذلك على خلفية إغلاق قوات حدودية تدعى "مرصاد" تابعة للحرس الثوري طريق مرور شاحنات الوقود إلى داخل باكستان بزعم أنها تعمل بشكل غير قانوني.

وهو الأمر الذي أثار غضب عمال نقل الوقود من قومية البلوش التي تقطن مناطق جنوب شرقي إيران.

وتظاهر العشرات من عمال نقل الوقود أمام مقر الحرس الثوري في منطقة سراوان الحدودية للمطالبة بإعادة فتح طريق لهم، لكن عناصر الحرس الثوري أطلقت النار عليهم ما أوقع قتلى وجرحى بينهم.

ويقتل العشرات من السكان البلوش العاملين في بيع ونقل الوقود، معظمهم في مقاطعات سيستان وبلوشستان وكرمان وهرمزجان، برصاص قوات الأمن الإيرانية كل عام، وفقا لوكالة أنباء "هرانا" الحقوقية.

جهات محتملة

رغم أن الهجمات تطال القوات الأمنية الإيرانية في هذه المحافظات الحدودية، لكن لم تتبنها أي مجموعات مسلحة معروفة، في حين كانت تنشط فيها مجاميع مسلحة مثل: "جيش العدل" و"جند الله" الذين تضعهم السلطات على لوائح الإرهاب، واعتقلت وأعدمت عددا من قادتها.

ويعتقد مراقبون للشأن الإيراني أن عدم تبني أي جهة الهجمات التي تطال القوات الأمنية الإيرانية الأخيرة قرب الحدود الباكستانية، ربما قد تقف وراءه مجاميع ناشئة، لم تكشف عن هويتها خشية مطاردة قادتها كما حصل مع تنظيمي "جيش العدل" و"جند الله".  

وتعد محافظة سيستان وبلوشستان المتاخمة للحدود مع باكستان وأفغانستان من المحافظات الأكثر فقرا في إيران، وتتعرض إلى التهميش والتمييز بسبب سياسات النظام كون غالبية سكانها من أبناء الطائفة السنية.

وتشهد بين الحين والآخر مواجهات مسلحة بين تنظيم "جيش العدل" البلوشي الذي يطالب بالاستقلال عن إيران وقوات الحرس الثوري.

ويرفع التنظيم شعار الصراع مع النظام الإيراني بهدف الدفاع عن أبناء القومية البلوشية الذين ينتمون للطائفة السنية.

وفي فبراير 2019 تبنى تنظيم "جيش العدل" الذي تأسس عام 2012 المسؤولية عن هجوم انتحاري بسيارة مفخخة استهدفت حافلة كانت تقل عناصر من الحرس الثوري أدت الى مقتل 17 شخصا من الحرس في مدينة زاهدان عاصمة سيستان وبلوشستان.

وفي 24 أبريل/نيسان 2021، أعلن الحرس الثوري الإيراني تمكنه من "القضاء على خلية إرهابية من ثلاثة أفراد في محافظة سيستان- بلوشستان" الحدودية مع باكستان خلال اشتباك مسلح.

وقال بيان للحرس الثوري إنه بناء على معلومات استخبارية عن "تغلغل عناصر مجموعة إرهابية في المنطقة قبل فترة لتنفيذ عمليات إرهابية"، نصبت لها قوات من الحرس "كمينا" وأدى الاشتباك مع هؤلاء إلى "القضاء عليهم ومقتل ثلاثة منهم وضبط الأسلحة والعتاد والمعدات التي كانت بحوزتهم".

وأفاد البيان بأن المجموعة كانت على ارتباط بـ"الاستكبار العالمي"، وهي عبارة عادة ما يستخدمها المسؤولون في الجمهورية الإسلامية للإشارة إلى الولايات المتحدة وحلفائها، إذ لم يتضمن البيان تفاصيل بهذا الشأن.

ولم تترك إيران جهة إلا واتهمتها بدعم وتدريب "جند الله" من تنظيم القاعدة، من بينها الخصم التقليدي لها وهي المملكة العربية السعودية، و"الشيطان الأكبر" الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، إضافة إلى اتهامات إلى دعم مصر للحركة والذي كان أمرا جديدا في السياسة الإيرانية.

ولكن خلال الفترة التي شهدت العمليات المسلحة لـ"جند الله" من 2002 وحتى 2010 كانت هناك العديد من الاتصالات بين السلطات الإيرانية والتنظيم من أجل الحوار حول إطلاق رهائن أو الوصول إلى تهدئة.

فيما اعتبرت إيران الجماعة إرهابية، ورفضت الحوار معها أو الاستماع لها، ودائما ما تصفها بأنها "مارقة".

وذهبت إلى التعاون الأمني مع باكستان؛ بهدف السيطرة على الحركة، إلا أن  تنظيم "جند الله" أبدى أكثر من مرة استعداده للحوار مع السلطات الإيرانية، رافعا شروطا عديدة.

وفي 23 فبراير 2010 جرى اعتقال زعيم "جماعة جند الله" عبد المالك ريجي، عقب سنوات من المطاردة من قبل السلطات الإيرانية.

وانتهى التنظيم بسقوط "ريجي" في يد الأجهزة الأمنية الباكستانية، التي سلمته إلى السلطات الإيرانية، وذلك بعد أشهر من إعلان جماعته مسؤوليتها عن مقتل ضباط وأفراد من الحرس الثوري.

وعقب ذلك بأربعة أشهر وتحديدا في 20 يونيو/ حزيران 2010، أعدمت إيران عبد المالك ريجي شنقا بعد إدانته بالضلوع بهجمات "إرهابية" وتهم أخرى.