الذهب "الأبيض" في لبنان.. هكذا يخسره المزارعون وسط عجز حكومي

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

أكدت صحيفة الإندبندنت البريطانية أن حشرات دخيلة على لبنان تهدد بتدمير غابات الصنوبر، المعروف باسم "الذهب الأبيض" في ظل عجز الحكومة عن التعامل مع الأزمة.

وتغطي أشجار الصنوبر 10 بالمئة تقريبا من مساحة الغابات في لبنان، وكانت مصدر رزق مهم لآلاف الأسر اللبنانية التي تعاني بالفعل من صعوبة الوضع المعيشي.

ويعاني لبنان منذ سنتين أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، ما أدى إلى انهيار العملة المحلية الليرة، وشح في الأدوية والوقود وسلع أساسية أخرى، بالإضافة إلى هبوط حاد في القدرة الشرائية.

وضع مرير

ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن الحصاد السنوي لبذور الصنوبر في لبنان كان يبلغ حوالي 85 مليون دولار، ويدعم ما يصل إلى 70 ألف أسرة، وفق إلياس نعيمة، رئيس نقابة مزارعي بذور الصنوبر.

وتوقع نعيمة أن ينخفض ​​إنتاج بذور الصنوبر إلى 10 بالمئة فقط من حجم المحاصيل بالسنوات الماضية، مشيرا إلى أن "لا أحد ينتظر حصاد محصوله هذا الموسم لأنه بالكاد يوجد مخروط أو اثنين على الشجرة".

وتعرضت غابات الصنوبر في لبنان للدمار بسبب وصول نوعين من الآفات، بينها "خنفساء الصنوبر" التي تجفف الأشجار، وتؤثر حاليا على واحدة فقط من كل ألف شجرة بفضل نظام المصائد المنتجة محليا.

كما تواجه الغابات، حشرة بذور الصنوبر الغربية "ليبتوغلوسوس"، التي تتغذى على مخاريط الصنوبر الصغيرة، ما يؤدي إلى إتلاف بذورها.

ويعد الملاذ الوحيد المتاح ضد "ليبتوغلوسوس"، هو رش المبيدات من مروحيات الهليكوبتر، التي قال نعيمة إن الحكومة اللبنانية لم تعد قادرة على تحملها.

وأضاف قائلا: "لا يمكن الاعتماد على الدولة في الظروف الحالية".

وفي الوقت الذي يعيش فيه لبنان ما وصفه البنك الدولي بأنه "إحدى أشد الأزمات على مستوى العالم منذ منتصف القرن التاسع عشر"، أثر ضعف المحاصيل بشدة على مزارعي بذور الصنوبر.

أنين المزارعين

ونقلت الصحيفة البريطانية عن المزارع عمر غزار (51 عاما)، وهو يكسب عيشه من بذور الصنوبر، قوله: "إذا كنت عاملا يوميا، فأنت الأكثر تضررا، لأن الأجور منخفضة والآن أصبح كل شيء أكثر تكلفة".

وينزل غزال من جذع شجرة صنوبر بارتفاع أربعة طوابق ليس لديه سوى خطاف طويل للقطع محاولا الحفاظ على توازنه لعدم السقوط إلى أرض الغابة.

وأوضح أن أجره اليومي القديم الذي يتراوح بين 60 و80 دولارا سمح له بإرسال أطفاله إلى مدرسة خاصة، وهو أمر شائع نسبيا بين الطبقة الوسطى في لبنان، حيث تتمتع المدارس الحكومية بسمعة سيئة، وفق الصحيفة.

لكن ذلك كان قبل أن تفقد العملة اللبنانية 90 بالمئة من قيمتها بسبب الأزمة الاقتصادية في البلاد.

وارتفعت تكلفة المعيشة مع انخفاض الأجور. ويحصل الآن ملتقطو الصنوبر على رواتبهم بالليرة اللبنانية بما يعادل 25 دولارا في اليوم.

فيما قال شكري يحيى، (36 عاما)، وهو من سوريا، بينما يشرب هو ورفقاؤه الشاي على أرض الغابة، في انتظار صعود بعض الاشجار المثمرة "لا يقتصر الأمر على قلة عدد أيام العمل، لكن حجم الجهد المطلوب لجمع الحصاد أصبح أصعب بكثير".

وأضاف: "علينا أن نتسلق ثلاثين شجرة في اليوم للحصول على إنتاج عشر شجرات".

وأكدت الإندبندنت أن الملتقطين يشعرون بتأثير مضاعف للحشرات، فهناك عدد أقل من المخاريط على الأشجار، كما تفتقر تلك التي تنمو إلى البذور.

أسباب الأزمة

من جانبه، أرجع الخبير في علم الحشرات نبيل نمر اللوم انتشار الحشرات إلى عدة أسباب، أبرزها تغير المناخ والتوسع الحضري.

وقال إنه "مع تزايد تأثير تغير المناخ، تتزايد هذه الحشرات بشكل كبير.. بدلا من التكاثر بجيل أو جيلين، فإنها تتكاثر ثلاثة أجيال في السنة. ما يعني أن الضرر آخذ في الازدياد"، وفق الصحيفة البريطانية.

كما أدى بناء الطرق والتحضر حول الغابات إلى ارتفاع درجات الحرارة.

وأوضح نمر أن الإسفلت يعكس أشعة الشمس ويزيد من الحرارة. وهذا يؤثر على الأشجار المحيطة بالطرق ويجعلها أكثر عرضة للحشرات والأمراض".

ولفتت الإندبندنت إلى أن حشرة "ليبتوغلوسوس" ظهرت لأول مرة في أميركا الشمالية. وكان لها تأثير مدمر عند وصولها إلى إيطاليا في عام 1999.

ويعتقد أن جولة الحشرة المدمرة حول حوض البحر المتوسط​ وصلت إلى لبنان منذ حوالي 10 سنوات.

وحتى الآن، لم يتوصل أحد إلى إستراتيجية فعالة لإيقاف هذا الضرر.

وقال نمر إننا ما زلنا نعمل لإيجاد حل. إيطاليا وإسبانيا وتركيا ما زالت غير قادرة على إيجاد حل.. ما نخشاه هو أن يؤدي انتشار الوباء إلى تحول دائم في تركيبة غابات لبنان.

وأضاف أن لبنان بلد السنديان (البلوط) في الأساس وليس الصنوبر. وقبل أن نبدأ في زراعة أشجار الصنوبر، كانت مناظرنا الطبيعية مغطاة بغابات السنديان.

تداعيات محتملة

وفي حال استمرار الوباء، توقع نمر إمكانية أن يحل السنديان محل الصنوبر في غضون خمسين عاما.

فيما يخشى نعيمة من نقابة المزارعين أن تختفي أشجار الصنوبر في لبنان قبل ذلك بكثير.

وقال: "يعتمد المزارعون على هذه الأشجار لكسب عيشهم. وعندما تصبح غير مثمرة، سيستخدمها المزارعون كحطب. نحن نواجه أزمة كبيرة".

ومثل جميع المحاصيل، تعد بذور الصنوبر مصدرا لسلسلة من الأعمال التجارية المختلفة، وكلها مهددة الآن.

وقال نعيمة: "بذور الصنوبر هي الركن الاقتصادي للجبل، قبل أن يقدم قائمة بجميع المستفيدين من المحصول: فلاحو الأرض؛ أولئك الذين يزرعون الأراضي المستأجرة؛ العمال الذين يشغلونهم؛ أصحاب الأرض الذين يؤجرون منهم؛ أولئك الذين يعملون في معالجة وتوزيع بذور الصنوبر".

وأضاف أن هذا القطاع يدعم ما يقرب من خمسة بالمئة من سكان لبنان "بما في ذلك هؤلاء الأشخاص وجميع من يعولونهم".

ويتضح اليأس في مصنع معالجة في الوادي التالي، حيث يتم جلب مخاريط الصنوبر من الغابات المحيطة لاستخراج بذورها القيمة.

وقال خالد رياض الشيخ (50 عاما): "بالطبع نحن قلقون بشأن المستقبل".

وكان الشيخ، يعمل في القطاع لمدة12  عاما. وقبل عامين، أحضر ابنه البالغ من العمر 15 عاما للعمل معه. لكنه يخشى ألا يستمر العمل، بل وأسلوب الحياة الريفية عامة، لفترة أطول.

وأردف: تغير المناخ يؤثر على كل الزراعة، فقبل خمس سنوات، لم نكن قلقين بشأن أي شيء لأن العمل كان مستمرا.

لكن الآن مرت ثلاثة أيام ويومان إجازة بلا عمل. يتوفر الطعام في الأيام التي نعمل فيها، وفي تلك التي لا نعمل فيها لا نملك شيئا".