كيف يتخطى اليمنيون الألغام بعد تفخيخ الحوثيين البلد السعيد؟

منذ ٥ أعوام

12

طباعة

مشاركة

"نشعر بأننا جنائز مؤجلة"، بهذه العبارة اختصر فؤاد، وهو مزارع من أبناء مديرية الوازعية غرب مدينة تعز اليمنية، قصته مع الألغام.

تبدأ القصة منذ أن سلّم الرئيس السابق علي عبد الله صالح، مستودعات الأسلحة لحلفائه في جماعة الحوثي، الذين انقلبوا على الحكومة الشرعية وسيطروا على مؤسسات الدولة، في إجراء عقابي، على طريقة صالح، لكل من طالب برحيله، ليبدأ بعدها فصلا طويلا من الألغام والعبوات الناسفة.
 
وبحسب منظمة "أطباء بلا حدود"، فإن الحوثيين لا يقتصرون في زراعة الألغام على الجبهات العسكرية وأماكن المواجهات، بل يقومون بزراعها في المناطق المأهولة بالسكان وقرى المدنيين، بهدف منع القوات الحكومية من التقدم .
 
وفي إحصائية رسمية نقلتها وكالة الأنباء اليمنية "سبأ" عن المركز الوطني لنزع الألغام في اليمن، فإن الحوثيين قاموا بزراعة أكثر من مليون لغم منذ بداية العام 2016 وحتى أغسطس/آب 2018 ، في جميع مناطق تواجدهم، وهي أكبر عملية لزراعة الألغام منذ الحرب العالمية الثانية، وقد تمكّن المركز من نزع 310 ألاف لغم خلال عامين، فيما تبقى أكثر من 700 ألف لغم يتهدد حياة اليمنيين.
 
وبالطبع لا يتوقف الأمر عند ما هو مخبئ لليمنيين في أرضهم، فالجماعة الحوثية لا تكف عن تصنيع الألغام في معاملها الخاصة، وهي إن كانت لا تعرف أبجديات التقنية، ويغلب عليها الأمّية، إلا أنها تمكنت من تصنيع ألغام محلية وعبوات ناسفة، ما يشير إلى أن خبرات أجنبية أسهمت بتصنيع تلك الألغام والعبوات الناسفة، وهذا ما أكده تحقيق مفصّل أعده مركز البحوث والتسلح البريطاني "Conflict Armament Research"، حيث كشف أن نتائج التحقيق أكدت أن الألغام المزروعة هي ألغام محلية صنعت بتقنيات وخبرات إيرانية. 

مصانع الألغام

وفي دراسة تحمل عنوان "آلة الحرب الحوثية: من حرب العصابات إلى الاستيلاء على الدولة"، نشرها مركز "مكافحة الإرهاب" التابع للأكاديمية العسكرية لمكافحة الإرهاب والصراع الداخلي بنيويورك، حيث يقول مايكل نايتس في دراسته إنه "تم بناء منشأة لإنتاج الألغام الأرضية في مدينة صعدة اليمنية (معقل الحوثيين)، بقدرة انتاجية تصل لعشرين طنا من الألغام يوميا، ليتم إرسالها إلى مراكز التوزيع في صنعاء والحديدة وذمار، ومنشأة أخرى في صنعاء لإنتاج العبوات الناسفة". 

تتنوع الألغام المزرعة بين مضادة للأفراد، وللدروع، وللسفن والقوارب البحرية، وتأخذ الألغام الفردية أحيانا أشكالا مموهة وغير مألوفة، كأن تكون على شكل صخور، وأشكالا أخرى تثير الفضول، وتغري الرائي للعبث بها، لتكون تلك النظرة هي الأخيرة له.

 ومع أن اليمن ضمن الدول الموقعة على اتفاقية أوتاوا 1997، التي تقضي المادة الأولى منها بحظر تصنيع وإنتاج و تطوير وتخزين واستعمال ونقل الألغام المضادة للأفراد، وتقضي بتدمير هذه الألغام، سواء أكانت مخزنة أم مزروعة في الأرض، إلا أن الحوثيين يقومون بتصنيع وزراعة مئات الآلاف منها بأنواعها الفردية والمحرمة دوليا، غير عابئين بأي اتفاقات دولية أو إقليمية، و أي قانون إنساني دولي، وهو ما اعترف به مسؤول حوثي في تحقيق استقصائي هو الأحدث لوكالة "الاسوشيتد برس" الأمريكية.

ونقلت وكالة "رويتزر" عن خبراء نزع الألغام، فإن 90 بالمائة من الألغام المنزوعة صنعت محليا، والبقية إما ألغام إيرانية الصنع، أو روسية كانت ضمن الأسلحة التي حصل عليها الحوثيون إثر تسلمهم مستودعات الأسلحة من قبل الرئيس السابق صالح.

تلغيم بدون خرائط  

لا تقتصر معاناة اليمنيين على كونهم ضحايا للألغام، بل تمتد معاناتهم لتشمل تهجيرهم من بيوتهم وأراضيهم الزراعية، حيث غدت منازلهم وطرقهم وأسواقهم مفخخة بالألغام، ما أجبرهم على النزوح وضاعف من معاناتهم. 

لا تكمن المشكلة في زراعة الألغام فقط، بل في زراعتها بشكل عشوائي أيضا، وتلك قصة أخرى، تضاف إلى تلك التراجيديا الأليمة، ففي حين جرى العرف الحربي على توثيق أماكن زراعة الألغام، بحيث يتم تسليم الخرائط عند القيام بأي تسوية بين الأطراف المتصارعة، إلا أن الحوثيين يقومون بزراعة الألغام بشكل عشوائي في الطرق والقرى والمزارع والأحياء السكنية، ما يعرض حياة آلاف اليمنيين للخطر، ويجعل من الصعوبة بمكان معرفة أماكن تلك الألغام و تحديدها، حتى لو تمت التسوية مستقبلا، تظل تلك الألغام تهدد مستقبل اليمنيين، وتعرض حياة الآلاف منهم لخطر الموت والإصابة والإعاقة الدائمة، وتقضي على كثير منهم بالتشرد والنزوح .

لم تقتصر الاستراتيجية الحوثية في زراعتها للألغام على الأماكن المأهولة فقط، بل امتدت لتشمل المناطق غير المأهولة، فبحسب "المركز الوطني لنزع الألغام"، قام المركز بنزع حوالي 16 ألف لغم من جزيرة ميون اليمنية، في تصرف يبدو أنه للحيلولة دون السيطرة على تلك الجزيرة الإستراتيجية التي تقع في قلب مضيق باب المندب.

آلاف الضحايا

وفي الحديث عن ضحايا الألغام، يمكن القول إن ما ينتظر اليمنيين مع الألغام أسوأ مما قد مر عليهم، بسبب الكم الهائل الذي تم زرع في المحافظات والمديريات، والاستراتيجية العشوائية التي تم بها تفخيخ تلك الأماكن، لاسيما أن ما تبقى في باطن الأرض أكثر مما تم نزعه وتفكيكه، مع استمرار الحوثيين بزراعة الألغام وتفخيخ المنازل والمزارع والطرق والأسواق حتى اللحظة. 

في تقرير لـ"معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" بعنوان "معضلة انتشار الألغام الأرضية في اليمن" يقول فيه: إن "اليمن ما زالت تعاني من الألغام التي زرعت في الستينات إبان الحرب الأهلية، وصراعات المناطق الوسطى في السبعينيات والثمانينات، وعلى الحدود بين الشمال والجنوب قبل الوحدة عام 1990، و أثناء حرب الانفصال عام 1994، وأن تلك الألغام تتواجد في 1078 موقعا في 19 محافظة"، يضيف التقرير أنه "إضافة إلى هذا العدد الهائل من الألغام الأرضية فإن البلد يواجه تحديا آخر يتمثل في عدم القدرة على جمع تلك الألغام في مرحلة ما بعد الصراع، لسبب عدم وجود نمط معين أو سجل يمكن الرجوع إليه". 

علاوة على ذلك، فإنه يمكن للأعاصير والفيضانات أن تبعثرها على طول الطرق الرئيسية والمنازل والآبار وجميع أنحاء البلاد. ويؤكد التقرير أنه خلال الحرب الحالية، قام الحوثيون بزراعة الألغام الأرضية على طول الساحل، وعلى الحدود الممتدة مع المملكة العربية السعودية، وحول بعض المدن الرئيسية.

يورد "المركز الوطني لنزع الألغام" إحصائية بعدد الضحايا المدنيين خلال الأعوام السابقة، يذكر فيه أن ما لا يقل عن 220 مدنيا فقدوا حياتهم في العام 2016، أما في 2017 فقد حصدت الألغام أرواح 750 مدنيا، وتسببت بالإعاقة الدائمة ل 1700 آخرين. 

وفي آخر إحصائية محدثة لوكالة الأنباء اليمنية سبأ نقلا عن وزارة حقوق الإنسان اليمنية، فقد تجاوز عدد القتلى حتى سبتمبر 2018 مائتين وثلاثين مدنيا، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن، بحصيلة إجمالية تصل ل 1200 مدني منذ بدء الحرب . 

ومع أن حملات التوعية التي تنطلق في اليوم العالمي للتوعية بمخاطر الألغام الموافق للرابع من أبريل من كل عام، و تلك الندوات التوعوية التي يقوم بها البرنامج الوطني المدعوم من الأمم المتحدة للتعامل مع الألغام، تؤدي دورا جيدا في التقليل من مخاطر الألغام، إلا أن الألغام ما تزال تشكل خطرا كبيرا على المدنيين.  

أمام هذه الكلفة الكبيرة، يقوم "المركز الوطني لنزع الألغام"، عبر فرقه الميدانية، المكونة من 32 فريقا، بجهود هائلة من أجل تأمين الطرقات والقرى السكنية المحررة، وقد تمكن خلال الأعوام السابقة من نزع وتفكيك أكثر من 310 ألف لغم. 

وفي إطار أنشطته العسكرية، يقوم مركز نزع الألغام التابع لمشروع الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية "مسام" بتغطية جانب من الجهود التي يقوم بها المركز الوطني لنزع الألغام، وهو دعم لا يعد كافيا إزاء التحدي الكبير الذي تمثله هذه التركة الثقيلة والمرهقة المتمثلة بالألغام، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، يحضر تساؤل مشروع عن عدم وضع التحالف حدا لتلك المعامل التي تنتج أطنانا من الألغام المحلية والمواد المحرمة دوليا، بدلا عن استهداف المدنيين في حفلات الاعراس وصالات العزاء، وتساؤل آخر عن عدم تحرك المجتمع الدولي، بشكل جاد، لوضع حد للدعم الإيراني للحوثيين بالسلاح والتقنية التي مكّنتهم من صنع عبوات ناسفة وألغام فردية محرمة دوليا.