بعد تدهور العلاقة بين إثيوبيا والغرب.. إلى أين تتجه بوصلة آبي أحمد؟

سليمان حيدر | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

تسببت الحرب الإثيوبية المتصاعدة بين حكومة رئيس الوزراء آبي أحمد ومتمردي جبهة تيغراي في تدهور العلاقات الإثيوبية مع كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي. 

فالحرب التي دخلت عامها الثاني وسط سعي كلا الطرفين إلى توسيع التحالفات من أجل إحراز تقدم على الأرض باتت أقرب ما تكون من التحول إلى حرب أهلية.

وبدلا من الوقوف إلى جانب الحكومة الشرعية المنتخبة في إثيوبيا زادت واشنطن من الضغوط والعقوبات على الطرفين.

ولم تحاول الولايات المتحدة الضغط على جبهة تحرير شعب تيغراي المتمردة للتراجع وإنهاء الصراع، وسمحت لها بتوقيع اتفاق تحالف في العاصمة الأميركية واشنطن بين 9 حركات مسلحة. 

وتشير المنظمات الإنسانية إلى أن الصراع الإثيوبي في ذلك الإقليم تسبب في مقتل الآلاف إضافة إلى تهجير نحو 1.7 مليون شخص وتعقد عمليات الإغاثة الإنسانية في ظل احتياج ما لا يقل عن 5 ملايين شخص للطعام في تيغراي وأمهرة وعفر. 

وقال أليكس دي وال مدير مؤسسة السلام العالمي في جامعة تافتس في تصريحات نقلتها الغارديان البريطانية 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 إن "القتال ربما أدى إلى مقتل 100 ألف جندي فيما يحتاج خمسة ملايين مدني إلى مساعدات غذائية نتيجة الصراع". 

الخلاف مع الغرب

حتى عام 2020 كانت هناك نظرة تفيد بأن العلاقات بين الولايات المتحدة وإثيوبيا تسير بشكل جيد، لكنها ربما تأثرت بالموقف المتصلب من حكومة آبي أحمد تجاه أزمة سد النهضة مع مصر والسودان. 

المبعوث الأميركي إلى منطقة القرن الإفريقي السفير جيفري فيلتمان يوضح أسباب غضب واشنطن من الحكومة الإثيوبية في تقرير مطول نشرته الخارجية الأميركية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2021.

وتحدث فيلتمان عن العلاقات القوية التي كانت تربط واشنطن وأديس أبابا حتى عام 2020.

وأشار إلى أن التضامن بين الحكومتين بدأ في التصدع بدءا من العام 2021 بعد أن أوقفت إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب بعض برامج المساعدة بسبب رفض حكومة آبي أحمد التراجع عن موقفها في أزمة سد النهضة. 

وقبل نهاية العام بأشهر قليلة وتحديدا في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020 بدأ هجوم القوات الحكومية الإثيوبية على تيغراي بعد استيلاء الجبهة على معسكرات تابعة لوزارة الدفاع الإثيوبية في الإقليم.

 وهو ما أثار تخوفات الحكومة المركزية من أن تحذو النخب الإقليمية الأخرى حذو الجبهة الشعبية لتحرير شعب تيغراي.

وفيما يبدو أن القوات الحكومية كانت تنتظر الدعم والمساندة من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والغرب بشكل عام في حربها ضد المتمردين. 

 

لكنها ربما لم تجد من الحلفاء إلا ممارسة الضغوط من أجل وقف الحرب والتهديد بفرض عقوبات لإرغامها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات دون شروط مسبقة، وهو ما رفضته الحكومة متعللة بأن الغرب يساوي بين المعتدي والمعتدى عليه.

وخلال الحرب المستمرة منذ أكثر من عام ارتكبت أطراف الصراع العديد من الانتهاكات التي أشار إليها فيلتمان في تقريره.

وقال إن أطراف النزاع في إثيوبيا ارتكبوا انتهاكات وفظائع لحقوق الإنسان، وأن هناك تقارير موثوقة وموثقة حول هذه الانتهاكات تدين قوات الجيش الإثيوبي والإريتري المتحالف معها وقوات أمهرة وجبهة تحرير تيغراي.

وبين أن التقارير تؤكد تورطهم في عمليات نهب وتهجير وإعدامات واغتصاب وعنف جنسي كأداة من أدوات الحرب. 

وفي 17 سبتمبر/أيلول 2021 أعلن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في بيان توقيع الرئيس جو بايدن على أمر تنفيذي بفرض عقوبات مالية على شخصيات وكيانات إثيوبية بالإضافة إلى فرض قيود على المساعدات الاقتصادية والأمنية.

وعبرت المحللة الإثيوبية المقيمة في كندا، آن فيتز جيرالد، عن قلقها من تحركات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لاتخاذ إجراءات عقابية ضد الحكومة.

وطالبت في تصريحات لشبكة بي بي سي البريطانية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021 المجتمع الدولي بالوقوف إلى "جانب الحكومة الشرعية" في إثيوبيا وجميع المناطق الثلاث "تيغراي وأمهرة وعفر" المتضررة من النزاع.  

وأضافت جيرالد: "يجب أن ينادي المجتمع الدولي بفظائع الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي، ويدعوها إلى إلقاء السلاح".

تتزايد أعداد الجماعات المسلحة التي تقاتل الحكومة المركزية في إثيوبيا مع إعلانهم التقدم نحو العاصمة أديس أبابا، مما يشكل أكبر تهديد لحكم رئيس الوزراء آبي أحمد.

وأعلنت تسع حركات مسلحة في مؤتمر صحفي بالعاصمة الأميركية واشنطن في 5 نوفمبر /تشرين الثاني 2021 عن تحالف ضد الحكومة الإثيوبية أطلق عليه "الجبهة المتحدة للقوات الفيدرالية والكونفدرالية الإثيوبية". 

ويضم إلى جانب جبهة تحرير تيغراي وجيش تحرير أورومو المتحالفين ضد الحكومة الإثيوبية كل من جبهة عفار الثورية للوحدة الديمقراطية، وحركة أغاو الديمقراطية، وحركة التحرير الشعبية بني شنقول، وجيش التحرير الشعبي لغامبيلا، وحزب كيمانت الديمقراطي، وجبهة تحرير سيداما الوطنية، ومقاومة الدولة الصومالية.

المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية، جالينا بورتر قالت، إنهم كانوا على علم بالتحالف وإنهم "قلقون للغاية" بشأن الخطر المتزايد على "وحدة وسلامة الدولة الإثيوبية". 

وأضافت خلال إحاطة صحفية في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 أن المبعوث الخاص جيفري فيلتمان الذي سافر إلى إثيوبيا في ذات الشهر "يواصل الضغط على جميع الأطراف لوقف تصعيد الصراع والتفاوض على وقف إطلاق النار".

تحول إثيوبي

واعتبر المحلل السياسي المتخصص في شؤون القرن الإفريقي المقيم في بريطانيا عبدالرحمن سيد أن الدول الغربية تشجع جبهة تحرير تيغراي من خلال التهديد بفرض عقوبات على الحكومة الإثيوبية. 

وقال في تصريحاته لشبكة بي بي سي إن الدول الغربية لا تفهم إثيوبيا وأنهم بحاجة إلى التعلم من الاتحاد الإفريقي الذي يحترم سلطة الحكومة الفيدرالية على أراضيها ذات السيادة.

تشير الكثير من التقارير إلى أن الإجراءات والتهديدات الأوروبية والأميركية أدت إلى تدهور العلاقة أكثر مع حكومة آبي أحمد واضطرتها للبحث في أماكن أخرى عن حلفاء جدد في مواجهة الحركات المتمردة التي تهدد بالسيطرة على العاصمة الإثيوبية أديس أبابا.

أستاذة دراسات السلام والصراع في كلية أوسلو الجامعية الجديدة في النرويج، كيتيل ترونفول، اعتبرت أن الإجراءات الأميركية والأوروبية أدت إلى تحول تركيز حكومة آبي أحمد والبحث عن حلفاء جدد.

وقالت في تصريحات لشبكة بي بي سي البريطانية في 25 أكتوبر/تشرين الأول 2021: إن "الحكومة الإثيوبية تشعر أنها تستطيع الاستغناء عن الغرب، حيث يمكنها الحصول على أسلحة من إيران وتركيا والصين، وقروض ميسرة من السعودية والإمارات، وحماية سياسية من موسكو وبكين". 

وأشارت ترونفول إلى أن روسيا والصين منعتا بالفعل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من الموافقة على قرار بشأن الحرب الأهلية في إثيوبيا.

وعلى الرغم من عدم وجود تأكيد رسمي، تؤكد ترونفول أن هناك تقارير موثوقة تفيد بأن الجيش الإثيوبي حصل على طائرات مسيرة إيرانية وتركية لتنفيذ ضربات في تيغراي على أمل قلب الحرب لصالحه، وفق قولها.

ويشير تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية إلى أن الحكومة الإثيوبية ربما تكون نشرت طائرات بدون طيار مصنوعة في إيران والصين. 

وأضافت الصحيفة في 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2021: "لكن لا يعتبر أي منهما فعالا مثل بيرقدار TB2s التركية التي صنعتها شركة بايكار". 

ورغم أن أي من الحكومتين الإثيوبية والتركية لم يعلقا على موضوع بيع الطائرات بدون طيار قالت الصحيفة البريطانية إن هناك أدلة تشير إلى استخدام الذخائر التركية في الصراع، وفق قولها.

وبينت أيضا أن "قوات تيغراي عثرت على قنبلة موجهة بالليزر قال عنها خبراء غربيون أن الصاروخ الذي جاءت منه الشظية يمكن استخدامه بواسطة طائرات بدون طيار التركية". 

ونقلت وكالة رويترز البريطانية عن جمعية المصدرين الأتراك في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2021 ارتفاع صادرات الدفاع والطيران التركي إلى إثيوبيا إلى 51 مليون دولار في الأشهر الثلاثة الأولى من العام ذاته.

وارتفع بهذا من 203 آلاف دولار في الفترة نفسها من العام 2020، مع قفزة في أغسطس/آب وسبتمبر/أيلول 2021.

وخلال زيارة آبي أحمد إلى تركيا في 18 أغسطس/آب 2021 وقع الطرفان اتفاقية تعاون عسكري بينهما، لكن لم تنشر تفاصيلها. 

وقال مسؤول تركي لرويترز إن إثيوبيا والمغرب طلبا شراء طائرات بدون طيار من طراز بيرقدار TB2 في اتفاقيات يمكن أن تشمل أيضا ضمانات قطع الغيار والتدريب.

وتوضح العديد من التقارير أن تركيا تعد ثاني أكبر مستثمر في إثيوبيا بعد الصين باستثمارات تصل إلى 2.5 مليار دولار وأكثر من 200 شركة تركية تعمل في البلد الإفريقي وتساهم في خلق فرص عمل لحوالي 30 ألف مواطن.

كما تؤكد مجلة ذي ناشيونال إنترست الأميركية في عددها الصادر في نوفمبر/تشرين الثاني 2021 استخدام السلطات الإثيوبية طائرات بدون طيار صينية وإيرانية في الهجوم على تيغراي. 

ونقلت تصريحات لجنرال في سلاح الجو الإثيوبي أكد فيه أن القوات المسلحة تستخدم طائرات بدون طيار، لكن ليس طائرات مسيرة مسلحة. 

وقالت المجلة إن صور الأقمار الصناعية في الثاني من أغسطس/آب 2021 أظهرت وجود طائرتين بدون طيار في قاعدة مطار سيمارا الإثيوبي.

وبينت أن سلسلة من الصور المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي الموالية للحكومة أظهرت آبي أحمد في اليوم التالي وهو يمشي على مدرج المطار وفي الخلفية طائرة مقاتلة كبيرة بدون طيار مع نقاط صلبة تحت أجنحتها يبدو أنها تحمل صواريخ. 

وبحسب المجلة حدد موقع التحقيق المفتوح المصدر Bellingcat أن الطائرة التي ظهرت في الصور يبدو أنها طائرة إيرانية من طراز Mohajer-6 UCAV حيث تتطابق بشكل وثيق مع الصور.