عبد الله بوحبيب.. وزير خارجية لبنان المقارع للسعودية والمنتقد لسياستها

أحمد يحيى | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

وسط واقع معقد، وجد وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب نفسه على خط الأزمة العاصفة بين بلاده والرياض، حينما سربت له إحدى صحف المملكة حديثا ينتقد فيه طبيعة الدعم السعودي "الموجه" على حد تعبيره إلى لبنان، ما ساهم في إفساد وتأزم الوضع القائم.

وبعد تعيينه، كان بوحبيب على موعد مع أزمات سياسية ودبلوماسية متصاعدة للبلد الذي يعاني صعوبات جمة على عدة مستويات، لا سيما فيما يخص الاقتصاد المضطرب والعلاقات الخارجية المتأزمة مع السعودية وبعض دول الخليج (بسبب انتقادات وزير الإعلام جورج قرداحي لحرب اليمن)، وصولا إلى المواءمات الداخلية بين الأحزاب.

لكن بالعودة إلى شخصية ومسيرة الوزير بوحبيب العريضة في السياسة والاقتصاد، فإنه من المخضرمين الذين تمرسوا عبر عقود في غمار الدولة في مناصب وأماكن مختلفة، وفي مسارات أكاديمية ودبلوماسية متعددة، جعلته ضمن أبرز الوجوه في الحكومة، ورقما تصعب الإطاحة به من المعادلة القائمة.

عقل فاعل

عبد الله بوحبيب ليس بالرجل العابر في الحياة السياسية اللبنانية، يبلغ من العمر قرابة 80 عاما، ولد في لبنان عام 1941، وتخرج من الجامعة الأميركية في بيروت، ثم حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة فاندربيلت في ناشفيل تينيسي بالولايات المتحدة. 

بدأ حياته المهنية في البنك الدولي عام 1976 كخبير اقتصادي، ثم كبير مسؤولي القروض في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

ومنذ مايو/أيار 1983 إلى فبراير/شباط 1990، عمل بوحبيب سفيرا للبنان في الولايات المتحدة. 

وعام 1992 عاد إلى البنك الدولي كمستشار لنائب رئيس منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ورئيس وحدة الاتصال الإقليمي.

عاود أدراجه إلى بيروت مرة أخرى عام 2001 بعد سنوات طويلة قضاها خارج البلاد، ليعمل مستشارا أول لنائب رئيس الوزراء آنذاك عصام فارس.

ومنذ عام 2002 حاضر في جامعة "الحكمة" ببيروت في التخصص الاقتصادي.

أهم ما يميز بوحبيب: معرفته بالولايات المتحدة جيدا، وألف كتابا هاما عنها، بعنوان "أميركا القيم والمصلحة.. نصف قرن من السياسة الخارجية في الشرق الأوسط".

ووضع كتابا لا يقل أهمية بعنوان "الضوء الأصفر.. سياسة الولايات المتحدة تجاه لبنان"، يعرض فيه السياسة الأميركية تجاه بلاده.

وعندما قرر الرئيس اللبناني الحالي ميشال عون خوض معركته من أجل الوصول إلى قصر الرئاسة في بعبدا، كان بوحبيب أحد العقول الفاعلة التي مهدت الطريق أمام عون، لتحقيق مراده.

تسريبات الأزمة 

الرياض في أزمتها مع بيروت اتخذت من كبار وزراء حكومة نجيب ميقاتي، وعلى رأسهم قرداحي وبوحبيب، ذريعة لعدم تعاملها مع "المنظومة الحكومية" التي اعتبرتها غير مجدية، وشبه معادية للمملكة. 

ودخل وزير الخارجية اللبنانية على الخط عندما سربت له صحيفة "عكاظ" السعودية في 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2021 تسجيلات وصفت بأنها "تصريحات حانقة ضمن مسلسل سقوط الأقنعة المزيفة"، على حد قول الصحيفة السعودية.  

وقالت "عكاظ" إنها حصلت على التسريبات من مصادر خاصة، أدلى بها بوحبيب لمجموعة من الصحفيين على خلفية الأزمة الدبلوماسية الأخيرة مع السعودية.

الوزير اللبناني استنكر في التسجيلات جهود دول الخليج والسعودية في دعم لبنان، وأطلق اتهامات صريحة تجاه خطط المملكة المتعلقة بلبنان، فيما اعتبر أن الداعم الأكبر والحقيقي لبلاده ماليا هو الاتحاد الأوروبي.

واتهم بوحبيب السعودية أنها "أعطت أموالا طائلة، لكن ليس للدولة بل في الانتخابات وأعطيت كمساعدات لهيئة الإغاثة بعد 2006"، واستطرد مستنكرا: "لا نعرف أين صرفت؟ لكن الدولة لم تأخذ منها شيئا"، حسب تعبيره، الذي أشعل غضب وجهاء الرياض. 

وفي انحياز من الوزير اللبناني للهجوم على السعودية، قال بوحبيب: "حتى عندما أقلنا وهبة لم تقدر السعودية ذلك"، وأضاف: "إذا كنا لا نستطيع أن نختلف ما بدي هيك أخوة، اليوم إذا أقالوا قرداحي ماذا سنحصد من المملكة؟"، وأجاب مؤكدا: "لا شيء، وسيطلبون أمورا أكثر وأخطر".

واستمر وزير خارجية لبنان في انتقاد المملكة عبر حديثه عن تهريب المخدرات إليها، وقال إن "تصديرها عبر لبنان إلى المملكة هي أن سوقها الرائج للمخدرات (قاصدا السعودية) هو الدافع الرئيس خلف التهريب، لا تجار المخدرات في بيروت وضواحيها". 

تلك التسريبات ساهمت في استفحال الغضب السعودي، ورد عليها بوحبيب في بيان نشرته وزارة الخارجية اللبنانية، قال فيه إن "الغرض من تلك التصريحات فتح باب الحوار وإزالة الشوائب بغية إصلاح العلاقة مع السعودية وإعادتها إلى طبيعتها، وهو الهدف الذي أعمل جاهدا لأجله".

وأضاف: "كنت أتمنى من صحيفة (عكاظ) أن تساعدنا على السعي لحل الأزمة، بدلا من نشر سرديات مجتزأة ومغلوطة تصب الزيت على النار لتأجيج محاولات مد جسور التلاقي". 

وجاءت الانتقادات الشرسة التي تعرض لها بوحبيب كوزير لخارجية لبنان، ومن قبله قرداحي، لتستنفر الحس لدى مواطنين رفضوا الإملاءات الخارجية، وهو ما شددت عليه مديرة الأخبار والبرامج السياسية في قناة "الجديد" اللبنانية، مريم البسام، التي قالت عبر "تويتر" إنه "بعد قرداحي، هل سيطلبون غدا رأس بوحبيب؟ معركة الكرامة (عم) تنعاد بشكل معجل مكرر". 

سياسته الخارجية

ربما الذي حفز السياسات السعودية ضد بوحبيب في حملتها على حكومة ميقاتي وبعض وجوهها، هو الأجندة الخارجية المختلفة التي انتهجها خلال فترة ولايته التي بدأت في 10 سبتمبر/أيلول 2021.

وكانت أولى تحركات بوحبيب الخارجية وسط واقع معقد، بالانفتاح على الدول ذات الأهمية بالنسبة للبنان حسب رؤيته، فالتقى أولا بالمنسقة الخاصة للأمم المتحدة في بيروت، يوانا فرونيتسكا، التي شددت معه على دور وبرنامج الأمم المتحدة نحو لبنان، والتركيز على أهمية إجراء الانتخابات النيابية والدعم المطلوب لاستقرار البلاد.

كذلك قابل سفير روسيا ألكسندر روداكوف، وناقش معه تطوير العلاقات مع موسكو، وتجاوز الأزمات القديمة وخلق حالة جديدة أكثر تعاونا ومشاركة.

وكانت أهم الخطوط التي رسمها بوحبيب تمثلت في لقائه سفيرة الولايات المتحدة في بيروت، دوروثي شيا، حيث بحث معها العلاقات الثنائية وترسيم الحدود، ودعم الجيش اللبناني، إلى جانب مسألة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.

كما اجتمع بوحبيب مع سفير الصين لدى لبنان، جيان مينيجيان، الذي أبلغه تقديم بكين لـ300 ألف لقاح، لمحاربة جائحة كورونا، كبادرة لتعاون عميق صيني لبناني. 

تلك التوجهات الخارجية المختلفة للبنان والتركيز على عمق أمني وإستراتيجي أبعد من الاعتماد الكلي أو الجزئي على بعض الدول العربية وخاصة السعودية، لم تكن وليدة اللحظة الآنية في فكر بوحبيب، بل هي امتداد لتنظيرات قديمة طرحها قبل سنوات.

لبنان والسعودية 

أبرز ما أظهره بوحبيب عن العلاقات السعودية اللبنانية، ما أورده في مقال له بعنوان "السعودية في الزمن الصعب"، ونشرته جريدة "السفير" اللبنانية في 22 يناير/كانون الثاني 2015، حيث قال نصا إن "لبنان يأتي في أدنى الاهتمامات السعودية، لأن المملكة تعرف صعوبة تغيير التوازنات بين المكونات اللبنانية القائمة".

وبشأن تصوراته حول الأدوار الخارجية للسعودية في المنطقة، يرى بوحبيب أن "القضايا التي تواجهها المملكة معقدة وصعبة وذات طابع سياسي وأمني تبدأ في اليمن، وتمتد إلى معظم الدول العربية والإقليمية".

وأضاف: "السعودية تقود المحور العربي في المنطقة، بينما تقود إيران وتركيا وإسرائيل المحاور الثلاثة الباقية وكلها متناحرة، أما المشكلة الأكبر التي تواجه المملكة في اليمن، حيث يسيطر الحوثيون، حلفاء إيران".

بل وتعمق بوحبيب في شرح أسباب عدم الإعالة كثيرا على السعودية مستقبلا، عندما تحدث عن المشكلات الداخلية فيها، وذكر أن "عدد سكان المملكة تزايد كثيرا في العقود الماضية وارتفع بين عامي 1975 و2014 من أقل من 20 مليون نسمة إلى حوالي 30 مليونا ما يزيد من أزمة البطالة".

واستطرد: "هناك أيضا قضية السعوديين الشيعة وإمكان احتوائهم وطنيا، والسماح لهم بممارسة شعائرهم الدينية والمحلية بحرية". 

كان ذلك جزءا من تصورات بوحبيب عن السعودية، ورصده لمشاكلها الداخلية، وأزماتها الإقليمية، ورؤية لبنان لها، وقد يكون هذا تحديدا من أسرار وضع وزير خارجية لبنان على قائمة المغضوب عليهم سعوديا.