مصطفى الفقي.. سياسي مصري صنعه مبارك يدعم السيسي ويزور التاريخ

أحمد يحيى | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

بأقنعة متعددة حسب طبيعة النظام الحاكم، يختار السياسي المصري مصطفى الفقي، لعب الأدوار بوجوه مختلفة، ليصبح أحد "الحكائين" الذين صاغوا روايات مختلفة ومتناقضة للأحداث والمواقف، بحكم موقعه المقرب من صناع القرار، وولائه المطلق للنظام ورؤساه.

الفقي (76 عاما) شاهد ثابت على العصر في فضائيات ووسائل إعلام النظام، وراوي السير الذاتية وخفايا كل رجال السلطة عبر العصور المختلفة، انطلاقا من حقبة الرئيس الأسبق محمد أنور السادات، مرورا بخلفه حسني مبارك، ثم ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 وما بعدها.

الدبلوماسي المصري حرص على استخدام لغة العقل والهدوء في "تمرير رواياته"، وإذابة الحقائق والوقائع في بحر خضم من المعلومات المتضاربة، التي انتشرت هنا وهناك في الحياة المصرية، في "أزمنة مختلفة وعهود فساد واستبداد". 

بدايات الارتقاء

ولد مصطفى الفقي في 14 سبتمبر/أيلول 1944، بمدينة المحمودية في محافظة البحيرة بالدلتا المصرية، وللمفارقة ينتمي إلى نفس مدينة الشيخ حسن البنا مؤسس جماعة "الإخوان المسلمين"، التي ناصبها الفقي العداء على طول المدى. 

بدأ الفقي سنواته التعليمية في مدينة دمنهور (عاصمة محافظة البحيرة)، وفي مدارسها حصل على شهادات التعليم من الابتدائي إلى الثانوي، ثم كانت دراسته الجامعية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، حيث تخرج عام 1966. 

وخلال سنوات دراسته الجامعية، انخرط في النشاط الطلابي، وحصل على "كأس الخطابة" في أسبوع شباب الجامعات المصرية عام 1965.

ثم حصل على ماجستير الفلسفة في العلوم السياسية من كلية الدراسات الشرقية والإفريقية (S.O.A.S) جامعة لندن عام 1974، وحاز درجة الدكتوراه من جامعة لندن عام 1977، بعدها مباشرة التحق بالسلك الدبلوماسي المصري، وعمل في سفارتي القاهرة ببريطانيا والهند.

وفي سنوات ما بعد الدكتوراه، وخلال عمله الدبلوماسي، انتدب أيضا للتدريس في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وأشرف على عدد من الرسائل العلمية. 

عام 1985 كان فارقا في مسيرة الفقي الدبلوماسية والحياتية، عندما رشحه مدير "مكتب حسني مبارك للشؤون السياسية"، أسامة الباز، ليشغل منصب سكرتير مبارك للمعلومات، وكان الفقي حينها عائدا لتوه من لندن، حيث كان ملحقا بالسلك الدبلوماسي. 

استمر الفقي في منصب سكرتير رئيس الجمهورية لـ8 سنوات (1985 - 1992)، في واحدة من الفترات التي وقعت فيها أحداث كبرى، على رأسها حرب الخليج الأولى (1980 – 1988).

وفي جلسة الجامعة العربية الشهيرة في 3 أغسطس/ آب 1990، إبان الغزو العراقي للكويت، شهدت مشاحنات وملاسنات بين الفقي والزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، حيث نفى عنه الأخير صفة العروبة والقومية، ليحتد الفقي قائلا: "أنا عربي قومي دما ولحما". 

كان الفقي على مدار تلك السنوات مقربا من مبارك وصفوته الخاصة، حتى تمت الإطاحة به بشكل مفاجئ عام 1992، ورغم تحفظ الفقي على ذكر السبب الحقيقي للإطاحة به، لكن وردت أسباب كثيرة لخروجه من قصر الرئاسة.

ومن بين الأسباب، تدخله في شؤون لم يكن من المسموح التدخل فيها، وقيل أن قضية سيدة الأعمال "لوسي أرتين" (بشأن فساد مالي) كانت وراء خروجه، وهي الأزمة التي تسببت في إقالة وسقوط عدد من رموز الدولة، منهم وزير الدفاع الأسبق محمد عبد الحليم أبو غزالة. 

وورد أن مشكلة وقعت بينه وبين الجامعة الأميركية كانت السبب، أما السبب المرجح والأقرب للحقيقة بحسب وسائل إعلام مصرية، كانت العلاقة المتوترة بينه وبين رئيس ديوان الجمهورية، زكريا عزمي، الرجل القوي في الرئاسة آنذاك. 

فضيحة الانتخابات 

خروج الفقي من قصر الرئاسة، لم يكن معناه الإقصاء من الحياة السياسية، خاصة وأنه أحد الأكاديمين المتمرسين ضمن حاشية الرئيس، لذلك كانت له أدوار متعددة بأوجه مختلفة، حيث تم تعيينه بداية من عام 1993، كعضو بلجنة العلوم السياسية في المجلس الأعلى للثقافة، وفي 2002، شغل منصب عضو مجلس الأمناء للمؤسسة التعليمية (MBI) بلندن. 

ولكن الرجل بصفته من كبار منظري "الحزب الوطني الديمقراطي" (الحاكم آنذاك)، أريد له أن يكون في تشكيلة مجلس الشعب لدورة 2005، وهي من أشرس الدورات التي شهدها عهد مبارك الذي استمر 3 عقود، وأكثرها جدلية، بسبب احتدام المنافسة مع المعارضة السياسية بقيادة "الإخوان المسلمين" التي حصدت 88 مقعدا في مفاجأة مدوية آنذاك. 

ورشح "الحزب الوطني" الفقي عن دائرة دمنهور، ضد مرشح جماعة الإخوان المسلمين، محمد جمال حشمت، صاحب الشعبية الكبيرة في المحافظة. 

وبالفعل في بداية الأمر نجح حشمت في اكتساح الفقي، وهو ما اعتبره النظام خطا أحمر، لأن الفقي محسوب على الرئيس مبارك نفسه، ليتم التلاعب في النتائج بطريقة فاضحة، ويقوم النظام بإسقاط حشمت وإعلان فوز الفقي.

ثار لغط كبير، وجاءت شهادة القاضية المستشارة نهى الزيني التي أيدها نادي القضاة و137 قاضيا، بأن إجمالي عدد الأصوات كان لصالح "حشمت"، لتكون بمثابة صفعة على وجه النظام والفقي في آن واحد، وظهر أن الأكاديمي المرموق نجح بـ"التزوير الفج".

وخلال مدته البرلمانية في مجلس الشعب التي استمرت 5 سنوات، عمل الفقي كرئيس للجنة العلاقات الخارجية في البرلمان.

صاحب المتناقضات 

مع اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، وتهاوي قلاع السلطة تباعا، بداية من احتراق المقر المركزي للحزب الحاكم في ميدان التحرير وسط القاهرة، وصولا إلى مشهد تنحي مبارك وخلعه في 11 فبراير/ شباط 2011، كان كثير من السياسيين وأقطاب السلطة يقفزون من "السفينة الغارقة".

ومن بين هؤلاء، الفقي الذي آثر الظهور بمظهر "المنظر الحذق" الذي حذر الجميع من الوصول إلى "النهاية المأساوية".

وفي 8 مارس/آذار 2011، وخلال حديث مع صحيفة "المصري اليوم" المحلية، وصل الأمر بالفقي أن اعتبر نفسه "متمردا في ظل حكم مبارك!".

وقال نصا: "أعتبر نفسي من المتمردين على النظام، حيث أقحمت نفسي في (عش الدبابير)، وكنت مثيرا للجدل، وانفتحت على المجتمع من خلال آرائي وأفكاري، وتفاعلت حتى مع المعارضة، ما مكنني من الاقتراب من الأحداث والشخصيات بمختلف توجهاتها". 

كما اتهم زوجة الرئيس المعزول، سوزان مبارك، بأنها كانت السبب الرئيس في طرده من "المركز القومي للمرأة" لأن صوته ارتفع في حضرتها، وأشار إلى دورها السلبي في العملية السياسية، وهو الأمر الذي سيناقض فيه نفسه لاحقا. 

وفي هذا الحديث، قدم الفقي مغازلة صريحة لجماعة "الإخوان المسلمين" الصاعد نجمها بقوة خلال تلك الفترة، حيث ذكر أنه كان ضمن المشاركين فى جنازة مرشدها العام ، مأمون الهضيبي، زاعما أنه "دفع ثمن ذلك الموقف". 

كلل الفقي توجهاته الجديدة في 8 أغسطس/آب 2012، عندما أعلن صراحة دعمه قرارات الرئيس المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي، إقالة عدد من المسؤولين الأمنيين، أبرزهم مدير المخابرات العامة، مراد موافي، وتعيينه قائدا جديدا للشرطة العسكرية بدلا من حمدي بدين.

وقال الفقي: إن "هذا التصرف هو للفت الانتباه إلى ضرورة استخدام الشدة من أجل أمن مصر، وإعطاء رسالة بأنه لا شيء يمضي دون ثواب أو عقاب، وإشارة في ذات الوقت من الرئيس بأنه لا أحد فوق المحاسبة".

موقف محرج 

وحتى يقترب أكثر من الرئيس الجديد، أشاد الفقي بزوجة مرسي، نجلاء محمود، ووصفها بأنها "سيدة فاضلة تشبه الشعب المصري"، رافضا كل أنواع الهجوم عليها أو المساس بها. 

وبعد الانقلاب العكسري عام 2013، أظهر الفقي تناقضا حادا، حيث وضع نفسه في موقف محرج، عندما أصر على إنكار مدحه لزوجة الرئيس مرسي في وقت سابق، وذلك في برنامج "بدون مكياج" الذي عرض على قناة "القاهرة والناس".

إذ بادر مقدم البرنامج الإعلامي اللبناني، طوني خليفة، بسؤال الفقي: "من أفضل برأيك زوجة مبارك، سوزان أم زوجة مرسي، نجلاء؟".

وعندما أجاب أن "زوجة مبارك أفضل، لأنها أكثر علما وثقافة، ولولا زواجها من مبارك لأصبحت أستاذة جامعية، فلديها عقلية جيدة جدا"، عند ذلك قاطعه مقدم البرنامج قائلا له: "إن كلامك اليوم يختلف عن كلامك في السابق، فأنت قلت عن زوجة مرسي سابقا أنها سيدة فاضلة".

حينها، أنكر الفقي أنه قال هذا الكلام على زوجة مرسي، متحديا خليفة أن يأتي بالمصدر الذي استقى منه هذا الكلام، قائلا: "أتحدى وعلى الهواء، لا يمكن، أنا عمري ما علقت على زوجة الرئيس مرسي، أنا لا أعرفها"، سائلا مقدم البرنامج: "ما هو مصدرك؟"، في حين أجابه خليفة "إن مصدرنا فيديو"، في الوقت الذي طلب فيه الفقي عرض هذا الفيديو.

عرض الفيديو، تسبب في حالة ارتباك وتوتر لدى الدبلوماسي المصري. 

كائن سلطوي 

في 21 أغسطس/آب 2021، قال الفقي "إنه عندما ترأس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشعب لاحظ أن الوفود الأميركية تطلب لقاء الإخوان خارج المجلس دائما".

وادعى الفقي في لقائه على قناة "صدى البلد" أن "الإخوان وعدوا أميركا بإقامة علاقات جيدة مع إسرائيل وإطلاق يد أميركا في مصالحها بالمنطقة".

تغافل الفقي عمدا الحديث عن فترة حكم الرئيس مرسي، التي لم يذكر فيها إسرائيل بكلمة واحدة، وأوفد رئيس وزرائه هشام قنديل إلى غزة خلال العدوان عليها عام 2012، وقال كلمته الشهيرة: "لن نترك غزة وحدها". 

الأكثر جدلا أن الفقي الذي اتهم الإخوان بمحاولات إقامة علاقة مع إسرائيل، هو نفسه دعا صراحة إلى التعاون مع تل أبيب في قضية "سد النهضة" في 15 يوليو/ تموز 2021، وقد شدد على ضرورة الاستعانة بإسرائيل لتغيير موقف الولايات المتحدة وروسيا في ملف السد الإثيوبي.

وقال الفقيه لبرنامج "يحدث في مصر" على فضائية "mbc" (سعودية)، إن "إسرائيل لو اقتنعت بضرورة دعم مصر في قضية سد النهضة، الموقف الأميركي والروسي سيتغير".

وأضاف: "نحن ما زلنا لا نتصور تأثير إسرائيل غير المباشر على القوى الدولية صانعة القرار". 

مواقف الفقي دعت عديد الكتاب والصحفيين لانتقاده وإبرازه كسياسي "متناقض لا مبدأ له"، منهم الصحفي سليم عزوز، الذي كتب مقالة لصحيفة "القدس العربي" في 23 يوليو/ تموز 2021، تحت عنوان "رسائل مصطفى الفقي: الكائن السلطوي كما جاء في القاموس!". 

وقال عزوز: "الفقي، سكرتير مبارك للمعلومات سابقا، والمقرب حد الالتصاق من الحاكم حاليا، لكني إذا رأيته على الشاشة وأنا أمارس التنقل بين القنوات المختلفة، فإنني لا أغادر حتى ينتهي من الحديث عن معلوماته عن الماضي، حتى يخوض في حديث غيره، لأنه يتحول إلى توفيق عكاشة (إعلامي اشتهر بالكذب والتضليل)، إذا كان الأمر خاصا بالسيسي!".

وأضاف: "من سره أن يعثر على نموذج حي للرجل السلطوي، كما جاء في القاموس، فلينظر إلى حالة الفقي، فالرجل لا يرى نفسه إلا قريبا منها، ويعيش في كنفها، ولو في عضوية المجلس القومي للمرأة عندما أخرج من قصر مبارك، أو رئاسة مكتبة الإسكندرية، كما هو حاله الآن". 

يؤكد ذلك ما حدث في 22 سبتمبر/ أيلول 2021، خلال حديثه عن وزير الدفاع الراحل محمد حسين طنطاوي وعلاقته بالسيسي، إذ قال الفقي: "طنطاوي كان يفضل السيسي لأنه لم يطلبه يوما إلا ووجده إما (بيشتغل أو في الجيم أو بيصلي)"، وهو التصريح الذي أثار جدلا وصل حد السخرية، خاصة وأن المعلومات لا تبدو على مظاهر السيسي كما أفاد مغردون.