طقوس تلمودية جامعة.. كيف تشارك دول التطبيع في تغيير وضع الأقصى؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

في قرار هو الأول من نوعه منذ احتلال القدس عام 1967، أصدرت قاضية إسرائيلية في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2021، حكما يسمح لليهود بـ"الصلاة" داخل حرم المسجد الأقصى، لينهي بذلك اتفاقا ظل صامدا لـ54 عاما، دون أي تعليق من الحكام العرب.

وبعد يوم واحد من قرار المحكمة السماح للمتطرفين الصهاينة بأداء "الصلاة الهادئة" في الأقصى، بدأت جماعات الهيكل المتطرفة تتسابق لتنفيذه بداية من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2021.

وتوقفت الشرطة الإسرائيلية عن منعهم من "الصلاة" والاكتفاء بـ"الزيارة" فقط، كما ظلت تفعل منذ 54 عاما، وفقا لاتفاق تم بين وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق موشي ديان،  وعلماء القدس عام 1967.

جماعات الهيكل المتطرفة التي تدعو إلى اقتحام الأقصى والصلاة فيه مثل "بيدينو" (بأيدينا نفرض واقعا جديدا) و"اتحاد منظمات المعبد" و"طلاب ونساء لأجل المعبد"، احتفوا بقرار المحكمة ونشروا إعلانات كبيرة للصلاة في الأقصى. 

وبدأت "مدرسة جبل المعبد" تنفيذ قرار المحكمة فورا، ونشرت إعلانات تدعو المستوطنين لاقتحام الأقصى ابتداء من 10 أكتوبر/تشرين الأول 2021 يوميا، وأداء الصلوات الجماعية والطقوس اليهودية علانية، بعدما كانت محظورة.

وأمام هذا الحدث الخطير، تساءل متابعون عن ردة فعل حكام العرب والمسلمين والمطبعين، وهل تكفي بيانات الإدانات الروتينية كعادتها؟

واقع جديد

بحسب علماء وخبراء فلسطينيين، فإن القرار هو تأسيس رسمي وفعلي للهيكل اليهودي داخل الحرم القدسي، وفرض لتقسيم الصلاة رسميا داخل الأقصى بين المسلمين واليهود، على غرار ما حدث بالحرم الإبراهيمي عام 1994.

ويرون أن ما يجري هو دفن الاحتلال لـ"الوضع القائم" في الأقصى، الذي وافق عليه "ديان" عقب احتلال جنوده الأقصى عام 1967 وغضب العالم الإسلامي.

وقال أستاذ دراسات بيت المقدس، ومسؤول الإعلام السابق بالمسجد الأقصى، عبد الله معروف: إن "الحكم القضائي يؤسس واقعا جديدا تصبح في الأقصى عبادتان: إسلامية تحت إدارة الأوقاف، ويهودية تحت إدارة حكومة الاحتلال".  

وأضاف مغردا "إذا ما تمت هذه الصلوات بالشكل الذي يريده الاحتلال فإنه يمضي بخطى واثقة لفرض العبادات التوراتية الكاملة في الأقصى، ليتعامل مع المسجد الأقصى المبارك وكأنه قد بات المعبد المزعوم على أرض الواقع".

القانون الإسرائيلي لا يحظر صلاة اليهود في الحرم القدسي، مثلما لا تعترف الأوقاف الإسلامية بسريان القانون الإسرائيلي على الأقصى، لكن هناك تفاهمات سياسية.

بموجب التفاهمات التي تم التوصل إليها بعد أن استولت إسرائيل على القدس الشرقية في حرب 1967، يسمح لليهود بزيارة الحرم القدسي فقط وعدم الصلاة فيه، ويحافظ الاحتلال علي الأمن العام وتدير الأوقاف الإسلامية المسجد.

ورغم أن حاخامات اليهود الرئيسين يحرمون "صلاة" و"زيارة" اليهود أيضا للحرم القدسي لأسباب دينية، هي وجود ما يسمى "قدس الأقداس في الهيكل، والخشية من تدنيسه، ولعدم تطهر اليهود ببقرة حمراء حتى الآن"، يصلي المتطرفون داخله.

"أرييه ليبو"، هو أحد الحاخامات المتطرفين الذين يتعمدون الصلاة داخل الحرم القدسي، وعدم الاكتفاء بالزيارة، ويثير غضب المسلمين ما يؤدي إلى صدامات، لذا اضطرت الشرطة الإسرائيلية لمنعه من دخول المكان لمدة 15 يوما.

قدم "ليبو"، طلبا لمحكمة القدس لرفع الحظر عن منعه من الصلاة داخل الحرم القدسي، فوافقت القاضية على "الصلاة الهادئة" لليهودي في الحرم القدسي.

"لم تصدر المحكمة حكما بشأن شرعية منع صلاة اليهود بشكل غير رسمي، لكنها رفعت الحظر الذي فرضته الشرطة على المصلين"، بحسب صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

نتائج وخيمة

وبررت القاضية "ياحالوم" إلغاء حظر الشرطة لصلاة اليهود في ساحة الحرم القدسي، في تعليق بمسودة الحكم بزعمها "إنه (المستوطن) وقف في أحد أركان الأقصى مع صديق أو اثنين يصلي صلاة هادئة ويهمس، ولم يكن هناك حشد".

وقالت "لم أجد أن الأفعال الدينية التي قام بها كانت ظاهرة أو علنية"، زاعمة أن هذه الصلاة "لا تنتهك تعليمات الشرطة"، وألغت منعه من دخول الحرم القدسي.

واستندت القاضية أيضا لحكم سابق للمحكمة العليا الإسرائيلية بالسماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي "كجزء من حرية العبادة والتعبير"، لكنها أفادت بأن "هذه الحقوق ليست مطلقة، ويمكن تقييدها مراعاة للمصلحة العامة". 

صحيفة "إسرائيل هيوم" نقلت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 عن الحاخام "ليبو" بعد كسبه القضية قوله: "تمنت لي الشرطة التوفيق لأننا جميعا ندرك أن الوقت قد حان لتحقيق حلم الأجيال، وخدمة الله في جبل صهيون (الأقصى) دون خوف".

وذكرت الصحيفة أن "اليهود يمارسون الصلاة الصامتة، الخالية من أي علامات علنية للاحتفال الديني، بشكل شبه يومي بموافقة الشرطة، لكن بصورة غير رسمية".

قرار محكمة الاحتلال أثار غضبا سياسيا وشعبيا واسعا، ودعوات للتعبئة العامة وتظاهر المئات بعد صلاة جمعة 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021 داخل المسجد الأقصى تنديدا بالقرار، وحذرت حركات المقاومة في غزة من أنها "جاهزة للرد".

ووصفت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" الحكم بأنه "إعلان حرب واضح" و"عدوان سافر على المسجد الأقصى المبارك"، محذرة من أن "معركة سيف القدس (في مايو/أيار 2021) لم تكن ولن تكون الفصل الأخير من المواجهة تحت عنوان القدس".

واعتبرت أن هدف الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنين هو "فرض التقسيم المكاني أو الزماني في المسجد الأقصى المبارك"، مشددة أن "نتائجه ستكون وخيمة عليهم ونؤكد جهوزية أبناء شعبنا للدفاع عنه".

وقالت عبر بيان صادر في 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021: "هذا ما حذرنا منه دائما بأن التطبيع سيشجع الاحتلال على تصعيد جرائمه بحق شعبنا ومقدساته".

تراجع جزئي

لأن محاكم الصلح، ومنها محكمة القدس، تمثل أدنى مستويات القضاء الإسرائيلي وتنظر في قضايا الجرائم الصغيرة نسبيا، استأنفت الشرطة الحكم أمام المحكمة المركزية بعد تظاهر الفلسطينيين وضغوط أميركية.

وألغت المحكمة المركزية بالقدس، في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2021 قرار محكمة الصلح بإتاحة "الصلوات الصامتة" للحاخام "ليبو" في المسجد الأقصى، ومن ثم كل اليهود، بعد اتهام الشرطة له باستفزاز المسلمين بصلاته العلنية قرب مسجد قبة الصخرة.

ونقل المراسل السياسي لموقع "واللاه" العبري عن مسؤول إسرائيلي قوله إن "الإدارة الأميركية خشيت من أن يؤدي قرار محكمة الصلح إلى توتر في المسجد الأقصى ما قد يتسبب بالتصعيد".

وأضاف: "طلبت الإدارة الأميركية من حكومة إسرائيل نشر بيان يؤكد التزامها بالوضع القائم، ما أدى إلى إصدار وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي، عومير بارليف، بيانا بهذا الشأن".

وحذر "بارليف" في البيان من أن صلاة اليهود في الحرم القدسي "سيعرض السلام العام للخطر، ويمكن أن يتسبب في تصعيد الأحداث"، بحسب صحيفة "جيروزاليم بوست" 8 أكتوبر/ تشرين الأول 2021.

وشدد على أن "الخطوات الأحادية الجانب في الموقع الديني الحساس يمكن أن تجدد العنف"، مؤكدا أنه "في ضوء التداعيات الأمنية، يجب التمسك بالوضع الراهن بأن صلاة اليهود ستقام عند حائط المبكى (البراق) خارج أسوار الأقصى وصلاة المسلمين داخل الحرم القدسي".

جس نبض 

عقب موجة "التطبيع" أواخر 2020، زادت الحكومة الإسرائيلية وجماعات المستوطنين عمليات "جس النبض" في الأقصى لاختبار الانتقال لمرحلة "التقسيم الزماني والمكاني" للأقصى، وتأسيس الهيكل وتغيير الوضع القائم منذ 1967.

وسعى عدة مستوطنين إلى رفع دعاوى قضائية ضد الشرطة، لأنها تمنعهم من "الصلاة" داخل الأقصى، رغم أنها تحميهم خلال زيارتهم له، وتعتدي على الفلسطينيين المعترضين.

رئيس الوزراء الإسرائيلي اليميني المتطرف نفتالي بينيت دعم المستوطنين في 18 يوليو/تموز 2021، بإصدار بيان يؤيد صلاتهم داخل الحرم، لكن تراجع بعد الغضب الشعبي الفلسطيني والعربي.

في هذا اليوم، سمحت الشرطة –لأول مرة– للمستوطنين بالصلاة داخل الحرم القدسي وليس الزيارة فقط، وشكرهم بينيت على "الحفاظ على حرية العبادة لليهود في الحرم القدسي"، بحسب بيان لمكتبه.

ومنذ احتلال القدس عام 1967 هناك "وضع قائم" يسمح لليهود بدخول ساحة الأقصى للزيارة فقط، لذا جاء تأكيد بينيت – لأول مرة– على حق اليهود "العبادة" هناك أيضا، بمثابة تغيير كبير في المعادلة.

كانت العناصر الرئيسة لـ"الوضع القائم"، تتضمن عدم السماح لغير المسلمين بالصلاة في منطقة المسجد الأقصى (144 دونما تضم المسجد والمصلى القبلي، وقبة الصخرة، وكافة المصليات والمباني والجدران والباحات)، وصلاة اليهود خارجه (حائط المبكى).

ويقصد بـ"التقسيم الزماني" تحديد الاحتلال أوقاتا معينة في المسجد الأقصى تكون مخصصة لدخول اليهود فقط، وأوقات أخرى للمسلمين.

ويجبر الاحتلال، المسلمين على مغادرة الأقصى ما بين الساعة 07:30 حتى 11:00صباحا ومن بعد صلاة العصر حتى قبل صلاة المغرب، لتخصيص هذا الوقت لزيارة اليهود، ويسمح بعدها بدخول المسلمين.

أما "التقسيم المكاني"، فيقصد به "الاستيلاء تدريجيا على أجزاء من الحرم القدسي وعدد من مصليات المسجد لتحويلها لكنس يهودية لأداء صلواتهم بها تمهيدا لتأسيس الهيكل".

لتحقيق التقاسم الزماني والمكاني ينظم المستوطنون المدعومون من الحكومات الإسرائيلية المختلفة رحلات شبه يومية للمسجد الأقصى، لفرض أمر واقع جديد.

أحد جوانب حكم محكمة القدس الذي تم إلغاؤه جزئيا، وكذا مباركة "بينيت" في يوليو/ تموز الماضي "صلاة" اليهود في الأقصى، هو الانتقال إلى التقسيم المكاني أي تقسيم الأقصى بين صلاة المسلمين وصلاة اليهود.

صمت المطبعين

لم يصدر عن أي من دول التطبيع الأربعة الأخيرة، الإمارات والبحرين والمغرب والسودان، أي بيانات رسمية حول قرار المحكمة الإسرائيلية بفرض صلاة اليهود في الأقصى رسميا، والذي يعني التأسيس رسميا للهيكل.

والتزمت حكومات الدول الأربعة الصمت، عكس ردود الأفعال الشعبية المنددة على مواقع التواصل.

الموقف الإماراتي والبحريني هو "الأكثر ريبة"، لأنه بالتزامن مع ذلك زار وفد بحريني وآخر إماراتي الأراضي المحتلة، الأول زار الهيكل، وبوصوله المسجد الأقصى كان بحراسة إسرائيلية، والثاني لإبرام اتفاقات اقتصادية.

عقب توقيع الإمارات اتفاق التطبيع مع إسرائيل، اقترحت صحيفة "جيروزاليم بوست" في 13 سبتمبر/ أيلول 2020، "صلاة مشتركة بين ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد و(رئيس الوزراء آنذاك) بنيامين نتنياهو في الأقصى".

وقالت إن "كثيرا من الأشياء التي لم تكن طبيعية باتت طبيعية اليوم، وكثير من المحرمات لم تعد كذلك، وقد حان الوقت لكسر أكبر المحرمات وهو صلاة اليهود في المسجد الأقصى".

سبق هذا تأكيد "مركز القدس الدنيوية"، وهو أحد مراكز الدراسات العبرية المتخصصة في شؤون القدس المحتلة، أن الاتفاق الإماراتي-الإسرائيلي "يسمح للإسرائيليين الصلاة في الأقصى".

وقال 28 أغسطس/آب 2020: "اتفاق التطبيع سيحد من حقوق المسلمين في ممارسة شعائرهم داخل المسجد، ويضعف القدس كعاصمة فلسطين"، و"سيحدث تغييرا غير مسبوق في المقدسات الدينية، وحقوق المسلمين في الحرم القدسي".

وأشار إلى أن "البند الوحيد الذي تم إعلانه عن الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي هو الأكثر خطورة في الاتفاق، لأنه ينطوي على تغيير مهم في وضعية مدينة القدس لصالح الإسرائيليين بما ينسف أي أمل لأن تصبح القدس عاصمة الفلسطينيين مستقبلا".

وأوضح المركز أن هذا البند "ظاهره أنه لصالح المسلمين وينص في جزئه الأول أنه يحق للمسلمين الذين يأتون إلى إسرائيل بسلام أن يصلوا في المسجد الأقصى".

لكن "هذه هي المرة الأولى التي يتم فيها استخدام مصطلح المسجد الأقصى في وثيقة أو بيان دولي، وذلك خلافا للمصطلح الذي كان يتم استخدامه سابقا في مثل هذه الوثائق الدولية وهو (الحرم الشريف/جبل الهيكل)".

واعتبر بذلك المركز أن "الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي انتصار لإسرائيل لأنه يحصر الصلاة داخل المسجد الأقصى فقط، لا كل ساحة الحرم الشريف".

فيما اقتصرت ردود الأفعال، على مصر وتركيا والأردن، الذين انتقدوا في بيانات منفصلة، حكم القضاء الإسرائيلي الأول بالسماح لليهود بالصلاة بصمت في الحرم القدسي الشريف.